كريم خالد عبد العزيز يكتب: الحياة بين الصعوبات والانفراجات
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
الحياة التي نعيشها ليست صعبة لدرجة اليأس والتشاؤم ، وفي نفس الوقت ليست وردية لدرجة الانغماس في الخيال واللاوعي .... هناك من عانى في حياته معاناة كبيرة فيصور لنا الحياة على أنها لا تحتمل ، وهناك من عاش حياته في رفاهية وسعادة فيصور لنا الحياة على أنها وردية .... يجب أن نكون وسطيين بين هذا وذاك ، يجب أن نعيش الحياة ونؤمن أنها حلوة ونتفاءل بالمستقبل وأن الله يأتي باليسر مع العسر وفي نفس الوقت ندرك تقلباتها وعراقيلها ونخطط لاجتيازها دون يأس.
صعوبة الحياة تتلخص في نفوس غير سوية نفسيا ، تحقد وتحسد وتغار منك ومن الذي بين يديك ، تنتقدك بشدة لتشبع نقصها وتشعر بانتصار زائف .... في قلوب قاسية لدرجة الأذى والانتقام لا تعرف الحب ولا الرحمة .... في عقول غبية تحاول أن تكون ذكية بالحيل وعدم الصراحة لتخدم مصالحها ، وقد تدعي الحب الزائف من أجل تحقيق أهدافها .... في الطاقات السلبية المحيطة بنا من إحباط وإفشال وإضعاف وظروف معاكسة ومضادة لإرادتنا وخططنا .... في تقلبات القدر المفاجئة التي تصدمنا وتحزننا وتزعجنا وتضعفنا ولو لفترات بسيطة .... في المغريات المعيشية المحيطة التي تختبر قدرتنا على إدخار المال أو إنفاقه .... في الفتن الدنيوية التي تستهدف تمسكنا بإيماننا العقائدي واستقامة أخلاقنا .... علينا مواجهة كل ذلك بقوة وثبات وصلابة الصخرة القوية التي لا تؤثر فيها ضربات الموج وبحكمة بالغة كالمنارة التي ترشد السفن بنورها في بحر الحياة.
لكي نجتاز صعوبة الحياة ونعيش في سعادة علينا أن نضع في أولوياتنا الحفاظ على سلامنا النفسي بالبُعد عن المحبطين الذين يزعزعون ثقتنا في أنفسنا بالانتقادات اللاذعة .... الاهتمام براحة بالنا بعدم الدخول في الصراعات وعدم المشاركة في النقاشات الشاقة والطويلة غير النافعة .... ضمان استقرارانا المادي بالإدخار الجيد ومقاومة المغريات بالاستثمارات الناجحة المضمونة ولو على أضيق الحدود لأن المال مهم جدا في وقتنا الحالي صحيح أنه لا يشتري الصحة ولكنه يسهل العلاج ويوفر الوقاية اللازمة لتقليل إحتمالية حدوث المرض .... الاهتمام بوضعنا الصحي بوضع نظام غذائي جيد وممارسة الرياضة كأسلوب حياة .... التمسك بإيماننا بالله والإصرار على إستقامتنا الأخلاقية لنستطيع مقاومة المغريات الدنيوية التي قد تضعف إيماننا وتؤثر على أخلاقياتنا ومبادئنا ، ولنستطيع الصبر على التقلبات القدرية المفاجئة التي تزعجنا وتحزننا.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
الحب في زمن التوباكو (6)
مُزنة المسافر
غرقتُ يا جولي في مياهٍ راكدةٍ، ووقعتُ على وجهي، ونسيتُ أنه حولي، وادَّعيتُ أنني ميتة، وجاء لينقذني ألف مرة من بركٍ راكدة، وبحيرات جامدة، وبراكين خامدة.
جوليتا: وماذا حدث بعد ذلك يا عمتي؟
ماتيلدا: علمني كلمة لم اسمعها من باقي الرجال في ذلك الزمن الغابر، كنتُ أعتقدُ أن حظي- يا إلهي- عاثرٌ حتى وجدني رجل القطار، وكانت مقطورة حياتي من المفترض أنها الأفضل على الإطلاق؛ لأنه علمني لغاتٍ فرنجية، وسلوكًا مُهذَّبًا مع الغرباء، وكنتُ أنوي أن أراه كل ليلة قبل أن أُغني، وكُنَّا نحتسي القهوة سويةً كل نهار، ونقول بكلمات السعادة، كنتُ أضحكُ كثيرًا يا جولي، وكانت عيناي تلمعان دائمًا، كنتُ لطيفةً وآلامي صغيرة، وأفكاري كثيرة، ومشاعري مثيرة وأردتُ أن أُنير حياتي بشيء متوقد غير الحب.
جوليتا: ما هو يا عمتي؟
ماتيلدا: صوتي صار بطبقةٍ حلوةٍ للغاية، وكنتُ أستمتعُ وأنا أسمعه جيدًا كل ليلة على المسرح مع الميكرفون والجوقة والبشر الذين جاءوا ليُردِّدوا كلماتٍ كتبتُها، كنتُ أكتبُ القصص الممتعة أكثر من الغناء بالآهات.. كل يومٍ كان لي بطلٌ وقصة، وبطلة ونص.
وكان أبطال مغناي يتكررون ويتعاظمون، ويحملون السيوف أو يعتلون الخيول، وأحيانًا كنتُ أنسجُ أُحجيات غريبة، وأمنيات عميقة، وكان جمهوري يزيد ويريد الكثير من صوتي.
ولم يكن لي الوقت لأرى رجل القطار أو أسيرُ بين المعجبين الجُدد، كان لي جمهور باسمي، ويردد ما تقوله نفسي، ويعبرون ويخبرون عني كل الخير. وحين جاءت الانتخابات، كان الساسة ورجال كثر يتجمعون، يطالبون أن أغني في محافل مهمة، وأقول بكلمات وجلة حول شخص ما، ومنحوا لي تذكرة لباخرة كانت مغادرة إلى آفق غريب.
كنتُ أذهبُ وأعودُ، لا يمكنني أن أرحل كثيرًا، كان غنائي لهذا الجمهور الذي يسأل عني حين كنتُ أعتذرُ في أيام العلل، وكان جمهوري لا يشعر بالملل، ويحب أن يردد مغناي دون كللٍ.
وكنتُ أحبُ ذلك كثيرًا يا ابنة أخي.. كان مجدًا مُهمًا، وكان وَجدي قد اتخذ صندوقًا محكمًا داخل قلبي، فلم أشعر أنني بحاجة إلى رجل القطار، وكان قلبي لا يقفز أبدًا إلّا للحن والكلمات؛ لأنه كان أكل عيشي، والمكان الذي أشعرُ فيه أنني أعيشُ بكل حواسي وإحساسي، وكنتُ أكتبُ دون توقفٍ، أغنياتٍ جميلةً، حرفًا بجانب حرفٍ، وقافية ناصية في كل سطر، وألحانًا عاصية على النسيان. كان همِّي الكبير أن أكون أصدق إنسان، وأن أحكي ما يشعرُ به المستضعفون والبشر الذين فقدوا عطايا الله من أحباء وأصدقاء، وكان لي رغبة كبيرة- يا جولي- أن أُشعلَ حياتهم بشموع الحياة، وأراهم سعداء، كنتُ أسمعُ صلواتهم أحيانًا في آحادٍ وحيدةٍ، وفي دروبٍ بعيدة، وأرى آلامهم متكررة، وأحزانهم متوسِّدة، وكان خوفي أن تسقط مني كلمة جارحة، كنتُ أخشى أن أقول لهم أنني أراهم للقريحة، واتخذ من مشاعرهم موطنًا لها. وغيَّرتُ سلوكي وقلتُ إنَّ شعوري ليس للقصائد ولوسائد اللحن العظيم؛ بل هي للأرواح الضائعة، والهائمة، والقائمة على الخير، والراغبة رغبة كبيرة في أن يكون هذا الكون متوازنًا، وأنني لن أكتب شيئًا مستعجلًا؛ بل سأكتبُ للنبلاء من الناس، ولمن نسوا الخيلاء، ولمن يحب الكبرياء والكرامة، ولمن يسيرون في هذه الحياة بسلامة.