"لا تسمحوا بانهيار كارثي في السودان".. تحت هذا العنوان كتب أليكس دي وال، هو المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، في مجلة "فورين بوليسي"، معتبرا أن إهمال التطورات المتلاحقة في السودان من شأنها أن تجعل الغرب في موقف لا يحسد عليه، نظرا لارتباط ما يحدث بترتيبات لها علاقة بروسيا والصين، والتي أحرزت مكاسب ضخمة ضد المعسكر الغربي في دول الساحل والصحراء الأفريقية خلال الأشهر الماضية بالفعل.

ويرى الكاتب أن "الإبرة الدبلوماسية" تحركت أخيرا في السودان، حيث تجري الآن رقصة دبلوماسية معقدة يشارك فيها الزعماء الأفارقة والعرب بالإضافة إلى الولايات المتحدة.

مبادرة سلام جديدة

وبعد مرور ما يقرب من ثمانية أشهر على اندلاع القتال في العاصمة السودانية الخرطوم، وما أعقبه من فظائع جماعية في تلك المدينة وفي المنطقة الغربية من دارفور، بدأ أخيراً إطلاق مبادرة سلام جادة في نهاية الأسبوع الماضي.

اقرأ أيضاً

8 أشهر على الاشتباكات في السودان.. لا سيطرة لأحد

ووافق اجتماع قمة للزعماء الأفارقة، عقد في جيبوتي بمبادرة من الرئيس الكيني ويليام روتو، على صيغة شاملة لوقف إطلاق النار وإجراء محادثات سياسية.

وقد وافق الجنرالان المتنافسان – عبدالفتاح البرهان، رئيس القوات المسلحة السودانية، ومحمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع – على الاتفاق، وحضرت الولايات المتحدة والسعودية، اللتان علقتا محادثاتهما الطويلة الأمد وغير المثمرة مع الأطراف المتحاربة قبل أسبوع، القمة ودعمتا نتائجها.

وتأتي قمة جيبوتي في أعقاب الاهتمام السياسي المتزايد بالسودان في واشنطن.

ففي 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على اثنين من أعضاء نظام عمر البشير السابق لدورهما في تسهيل الدعم الخارجي للقوات المسلحة السودانية وداعميها الإسلاميين، إلى جانب عضو ثالث يفعل الشيء نفسه مع قوات الدعم السريع.

فظائع "الدعم السريع"

وفي 6 ديسمبر/كانون الأول، أصدر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قرارًا بالفظائع، حيث وجد رسميًا أن قوات الدعم السريع مسؤولة عن جرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي.

وتحدث بلينكن عن "أصداء مخيفة للإبادة الجماعية التي بدأت قبل نحو 20 عاما في دارفور"، وقال أيضًا إن القوات المسلحة السودانية ترتكب جرائم حرب.

اقرأ أيضاً

تضارب بشأن مخرجات قمة إيغاد حول السودان.. والبرهان يضع شروطا للقاء حميدتي

ويحذر الكاتب من استمرار التسامح مع قوات الدعم السريع تحديدا، قائلا إن شهيتهم مفتوحة لارتكاب المذابح، وهم يسعون وراء المال والسلطة بأي ثمن.

وبالإضافة إلى ذلك، تمثل شراكة "الدعم السريع" مع ميليشيات "فاجنر" الروسية خطرا كبيرا، بعد أن أقام "حميدتي" علاقات مع بوتين تقوم حول الذهب والثروة مقابل النفوذ والدعم.

وحتى هذا الأسبوع، قاد "حميدتي" وشقيقه عبدالرحيم قوات الدعم السريع إلى حافة السيطرة على منطقة دارفور ومعظم كردفان المجاورة – بأسلحة قدمتها روسيا والإمارات، وهم أيضا يحتلون معظم العاصمة الخرطوم.

ويتحدث دبلوماسيون عن "سيناريو ليبيا" الذي ينقسم فيه السودان مع سيطرة قوات الدعم السريع على العاصمة والمناطق الواقعة غرب النيل، بينما يقع الشرق تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية والإسلاميين.

ويقول الكاتب إن هذا سيكون أمرًا كارثيًا، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن طموحات الأخوين دقلو ستتوقف عند هذا الحد.

وتشعر واشنطن بالقلق من أنه إذا انتصرت قوات الدعم السريع، فإن مجموعة فاغنر الروسية ستكون في خمس دول تمتد من بوركينا فاسو ومالي في غرب أفريقيا إلى البحر الأحمر، ومن شواطئ البحر الأبيض المتوسط في ليبيا إلى حوض الكونغو.

اقرأ أيضاً

خطوة مفاجئة.. السودان يعلن طرد 15 دبلوماسيا إماراتيا

تأثير الإمارات

ويرى الكاتب أن الإمارات باتت من الدول الأكثر تأثيرا في السودان الآن، وأصبحت اللاعب لخارجي الأكثر نشاطاً في القرن الأفريقي على مدى السنوات الخمس الماضية.

وعلى الرغم من أن أبوظبي تنفي ذلك، إلا أن الأدلة تشير إلى قيام الإمارات بتسليح قوات الدعم السريع باستخدام قاعدة في تشاد تتنكر في شكل مستشفى للسكان المحليين، حيث يدير الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد امبراطورية مالية في تشاد وإثيوبيا أيضا.

باعتباره حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة، يتمتع الزعيم الإماراتي بقدر كبير من حرية العمل في جواره، بما في ذلك القرن الأفريقي.

تشارك كل من الإمارات وروسيا والسودان في تجارة الذهب.

وبدأت قوات الدعم السريع التعامل مع مجموعة فاغنر في الأيام الأخيرة من نظام البشير، بعد سيطرة حميدتي على أكبر مناجم الذهب في السودان، والتي تقع في جبل عامر في دارفور.

وتقوم روسيا بتسليح قوات الدعم السريع من خلال قواعد في جمهورية أفريقيا الوسطى.

ويقول الكاتب إن الانتقادات الموجهة إلى الإمارات صامتة منذ فترة طويلة في واشنطن، لكن هذا يتغير.

ففي جلسات استماع بالكونجرس الأسبوع الماضي بشأن منطقة الساحل والسودان، أثار النائبان الأمريكيان جون جيمس وسارة جاكوبس مخاوف بشأن الإمارات.

اقرأ أيضاً

تسهم في استقرار السودان.. البرهان: نريد بعثة أممية محايدة

وتساءل جيمس: "هل الإمارات صديق أم عدو في إنهاء هذا الصراع دبلوماسيا؟" وردت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي مولي في قائلة: "أعتقد أن الدعاية لهذه الجلسة وبيانكم وطلبكم من الإمارات العربية المتحدة النظر في التأثير الضار لدعمها لقوات الدعم السريع سيكون مفيدًا للغاية".

وأضافت أن الدور الإماراتي في السودان أثارته نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال زيارتها لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) في دبي.

مصر

ويدعم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي البرهان، لكنه يشعر بالقلق إزاء الإخفاقات العسكرية للقوات المسلحة السودانية وعودة الإسلاميين السودانيين إلى الظهور كوسطاء السلطة الذين يقفون وراءها، فضلاً عن محاولات القوات المسلحة السودانية للحصول على أسلحة من إيران.

كما أن اعتماد مصر على عمليات الإنقاذ المالي الإماراتية يقيد خيارات السيسي.

إسرائيل

وأقام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علاقة مع البرهان، الذي أدخل السودان في اتفاقيات أبراهام، لكن الزعيم الإسرائيلي يشاركه نفس القلق بشأن إيران.

ويبدو ساحل السودان على البحر الأحمر أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية من أي وقت مضى، حيث يهدد الحوثيون في اليمن أي سفن تعتبر أنها تتفاعل مع إسرائيل في الممر المائي الضيق.

اقرأ أيضاً

على خطى ليبيا.. السودان مهدد بالتقسيم بعد 7 أشهر من الصراع

السعودية

ومن الناحية النظرية، يمكن للسعودية أن تكون صاحبة النفوذ المعتدل. إنها تظهر علامات الانزعاج بشأن السياسات الإماراتية، لكنها لم تكبح جماح جارتها الحازمة بعد.

كما ينظر السعوديون بلطف إلى قوات الدعم السريع، بعد أن وظفوا مرتزقة للقتال في اليمن.

من هنا يخلص الكاتب إلى أنه من الواضح أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام في السودان دون موافقة أبوظبي والرياض والقاهرة، ولهذا السبب تحتاج الولايات المتحدة إلى مبعوث خاص يتمتع بمكانة كافية للتأثير على قادة تلك الدول.

ورداً على مطالب الجمهوريين بشأن إرسال مبعوث خاص في جلسة الاستماع بالكونجرس الأسبوع الماضي، قال في إن هذا "قيد الدراسة النشطة والجادة".

والسؤال الكبير هو ما إذا كان أي من هذا سيكون كافياً للتأثير على الأطراف السودانية. حتى الآن، لم ير حميدتي أي سبب للتنازل لأنه كان يفوز.

المصدر | أليكس دي وال / فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السودان قوات الدعم السريع الجيش السوداني سلام الإمارات السعودية مصر فاجنر القوات المسلحة السودانیة قوات الدعم السریع فی السودان اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

قوة من الدعم السريع تستسلم للجيش السوداني في سنجة

استسلمت قوة من الدعم للجيش السوداني في سنجة عاصمة ولاية سنار، اليوم الاثنين، وذلك في تطور جديد لمسار المعارك بين الجانبين.

 

وحسب وسائل سودانية، تتألف القوة المستسلمة من 41 فردًا، بينهم 10 ضباط، ينتمون إلى مجموعة حمودة البيشي، قائد منطقة سنار الذي تولى القيادة بعد مقتل شقيقه عبد الرحمن.

 

وأوضحت أن القوة وصلت من قرية بوزي بمنطقة المزموم بقيادة ميرغني طه إبراهيم.

 

قوات الدعم السريع

وكانت قوات الدعم السريع انسحبت إلى المزموم بعد دخول الجيش إلى سنجة في الأسبوع الأخير من نوفمبر الماضي.

 

يُذكر أن الجيش السوداني تمكن من استعادة السيطرة على سنجة بعد سلسلة من الانتصارات في المنطقة، حيث استعاد مدن السوكي والدندر والقرى المحيطة بها.

 

وكانت قوات الدعم السريع دخلت سنجة في يونيو الماضي بعد انسحاب الجيش دون قتال يُذكر.

 

 

مقالات مشابهة

  • النائب العام : سنصدر أحكام غيابية لمتهمين يتبعون لمليشيا الدعم السريع متواجدين في ( 6) دول
  • قوة من الدعم السريع تستسلم للجيش السوداني في سنجة
  • السودان..« قوات الدعم السريع» تسيطر على قاعدة عسكرية في دارفور
  • قوات الدعم السريع السوداني يسيطر على قاعدة عسكرية شمال دارفور
  • الدعم السريع تستعيد السيطرة على قاعدة في دارفور
  • وزير سوداني يحذر من ارتفاع منسوب النيل بشكل كارثي بسبب غلق أحد السدود
  • السودان...إصابات بقصف مدفعي للدعم السريع على أم درمان
  • الفاشر – طويلة .. مواطنون يروون معاناتهم جراء تعرضهم لاعتداءات من قبل قوات الدعم السريع
  • أطباء بلا حدود: قوات الدعم السريع هاجمت مستشفى بالعاصمة السودانية
  • المبعوث الأميركي للسودان: الدعم السريع متورطة في تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية