تدخل العلاقات العُمانيَّة السنغافوريَّة إلى آفاقٍ أرحب، على واقع زيارة الدَّولة الَّتي قام بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ. فبجانب ما شهدته الزِّيارة من توقيع مذكّرات تفاهم، وما شهدته من مباحثات ثنائيَّة بَيْنَ عاهل البلاد المُفدَّى وفخامة الرئيس ثارمان شانموجاراتنام رئيس جمهوريَّة سنغافورة، وما شملته من لقاءات مع دَولة لي هسين لونج رئيس وزراء جمهوريَّة سنغافورة، بالإضافة إلى تفضُّل جلالة السُّلطان المُعظَّم بلقاء عددٍ من الرؤساء التنفيذيِّين للشركات السنغافوريَّة، سَعَتِ الزِّيارة السَّامية إلى التركيز على تكثيف التعاون بما يُحقق الأهداف الاقتصادية للبَلدَيْنِ، وذلك تأمينًا للازدهار المستدام خلال القرن الحادي والعشرين.


لقَدْ أطلقت الزِّيارة السَّامية مرحلةً جديدة من التعاون بَيْنَ البَلدَيْنِ والشَّعبَيْنِ والعلاقات الَّتي ستُسهم بقوَّة في التطوُّر الاقتصاديِّ والاستثماريِّ بَيْنَ البَلدَيْنِ إلى جانب العلاقات الدبلوماسيَّة والثقافيَّة، حيث شهدت الزِّيارة توقيع مذكّرتَيْ تفاهم؛ الأولى تُعنى بتعزيز التعاون في عددٍ من الجوانب الثقافيَّة، مِنْها تيسير تبادل المعلومات المُتعلِّقة بحماية التراث الثقافيِّ والهُوِيَّة الثقافيَّة وحماية حقوق المؤلِّف والحقوق المجاورة، فيما اتَّصلت المذكّرة الثَّانية بتعزيز وتشجيع التعاون في ترويج الاستثمار وتسهيل إجراءات التجارة والتصدير وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسِّطة والصناعيَّة، وتعزيز هُوِيَّة العلامة التجاريَّة للدَّولة دوليًّا، لِتطوّرَ العلاقات العُمانيَّة السنغافوريَّة من الاعتماد على الصَّداقة الرَّاسخة والعلاقات الوطيدة بَيْنَ السَّلطنة وسنغافورة، نَحْوَ التعاون على دفع نُموِّ التعاون التجاريِّ والاستثماريِّ، بما يتناسب مع طموحات وتطلُّعات الشَّعبَيْنِ العُمانيِّ والسنغافوريِّ في إحداث التنمية الشَّاملة المستدامة المنشودة.
ويأتي البيان المشترك الَّذي صدر بمناسبة الزِّيارة السَّامية لجلالته ـ أبقاه الله ـ لِيؤكِّدَ على تلك الأهداف ويُرسِّخَها، ويعملَ على تعزيز العلاقات الثنائيَّة بشكلٍ ملموس، وخصوصًا في المجالات الاقتصاديَّة والتكنولوجيَّة، حيث اتَّفق البَلدانِ على تعزيز التعاون التجاريِّ والاقتصاديِّ في عدَّة مجالات، مِثل الاستزراع السمكيِّ، والأمن الغذائيِّ، والنقل واللوجستيَّات، وتنمية الرَّبط بَيْنَ الشركات النَّاشئة والشركات الصغيرة والمتوسِّطة مع الأسواق العالَميَّة، حيث أكَّدت المباحثات الَّتي عقدَها جلالة السُّلطان مع المسؤولين السنغافوريِّين أهمِّية التعاون لتنمية وتنويع التجارة البَيْنيَّة من خلال الاستفادة من اتفاقيَّة التجارة الحُرَّة بَيْنَ مجلس التعاون لدوَل الخليج العربيَّة وسنغافورة (GSFTA) وتطويرها، بالإضافة إلى التعاون في قِطاعات التعليم والرعاية الصحيَّة والسِّياحة والاستزراع السمكيِّ، والاقتصاد الأزرق ومصادر الطَّاقة الخضراء وإدارة المياه والتكنولوجيا.
ولعلَّ زيارة جلالة السُّلطان المُعظَّم ـ أعزَّه الله ـ لجمهوريَّة الهند الَّتي أعقبت زيارة سنغافورة، تؤكِّد مساعيَ عاهل البلاد المُفدَّى إلى استثمار العلاقات التاريخيَّة الَّتي تربط سلطنة عُمان بالدوَل التجاريَّة، حيث تُشكِّل الزيارتان وما شملهما من لقاءات ومباحثات على كافَّة المستويات فرصة لتطوير العلاقات على الصعيد التجاريِّ والاستثماريِّ، حيث تشهدُ العلاقات الثنائيَّة بَيْنَ سلطنة عُمان وجمهوريَّة الهند الصَّديقة تطوُّرًا ملحوظًا وتعاونًا وثيقًا أسهم في إيجاد شراكات استراتيجيَّة مبنيَّة على الثِّقة والاحترام المتبادل عزَّزتها علاقات حضاريَّة وتاريخيَّة ضاربة في أعماق التاريخ، وسيكُونُ للمباحثات الَّتي أجراها ويُجريها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ أبقاه الله ـ مع القيادة الهنديَّة خلال زيارة الدَّولة الحاليَّة دَوْرٌ فعَّال في تعظيم الشراكة الاستراتيجيَّة القائمة بَيْنَ البَلدَيْنِ وتطويرها إلى مستويات أعلى وآفاقٍ أرحب وأوسع عَبْرَ تعزيز التجارة والاستثمار والتعاون، وتحقيق التكامل بَيْنَ الجانبَيْنِ في مختلف المجالات.

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

دبلوماسية أميركا الاقتصادية بأفريقيا.. جولة مسعد بولس بين التنافس والفرص

في إطار السعي الأميركي لإعادة تموضعها على الساحة الأفريقية، قام مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون أفريقيا، نهاية الأسبوع الماضي، بجولة دبلوماسية شملت 4 دول هي جمهورية الكونغو الديمقراطية، رواندا، كينيا وأوغندا.

تأتي هذه الزيارة في وقت حاسم، حيث تتصاعد المنافسة بين القوى الكبرى على النفوذ في أفريقيا، مما يضع واشنطن في موقف يتطلب إستراتيجيات مبتكرة للحفاظ على تأثيرها في القارة.

أفريقيا في قلب التنافس

ما يميز زيارة بولس هو تركيزها على دمج السياسات الاقتصادية مع الدبلوماسية السياسية.

الإدارة الحالية تحت قيادة ترامب ترى في أفريقيا أحد ميادين التنافس الجيوسياسي، خصوصًا في ظل التوسع المتزايد للنفوذ الصيني والروسي، اللذين يعززان وجودهما العسكري والاقتصادي في القارة.

تنبع هذه الجهود الأميركية لاستعادة التأثير في المنطقة من إدراك واشنطن بأهمية أفريقيا في السياسة العالمية، ليس فقط من منظور الموارد الطبيعية، ولكن أيضًا في سياق التوازن الجيوسياسي الدولي.

إعادة تعريف العلاقات الاقتصادية

أولى محطات الزيارة كانت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث ناقش بولس مع الرئيس فيليكس تشيسيكيدي فرص الاستثمارات الأميركية في قطاع التعدين، خاصة في معادن الكوبالت والليثيوم.

إعلان

هذه المعادن تلعب دورًا محوريًا في الصناعات التكنولوجية والطاقة المتجددة، مما يعكس تحولًا في الإستراتيجية الأميركية التي أصبحت تركز على استثمار الموارد الطبيعية الأفريقية لتعزيز مكانتها في الاقتصاد العالمي.

الجدير بالذكر أن قطاع التعدين في الكونغو الديمقراطية يشكل عنصرًا إستراتيجيًا في العلاقات الدولية، حيث تهيمن الصين على الكثير من واردات هذه المعادن.

رئيس الكونغو يستقبل مستشار ترامب مسعد بولس (مواقع التواصل)

التوترات والتعاون المستقبلي

وفي رواندا، ركز بولس نقاشاته على استقرار المنطقة ومحاولة تهدئة التوترات المستمرة في شرق الكونغو.

لكن هناك توترات كبيرة بشأن دور رواندا في النزاع، لا سيما الاتهامات بدعم جماعات متمردة في الكونغو، مما يجعل هذه العلاقات في وضع حساس.

بينما تسعى الإدارة الأميركية لبناء تعاون مع كيغالي، يبقى ملف الاستقرار الأمني في المنطقة حجر عثرة أمام علاقات أوسع.

شراكة مع كينيا وأوغندا

كما شملت الزيارة كينيا، التي تعد واحدة من أبرز حلفاء واشنطن في شرق أفريقيا.

تمحورت المحادثات مع الرئيس ويليام روتو حول تعزيز التعاون الثنائي في مجالات الطاقة والبنية التحتية.

بالنسبة لكينيا، يعتبر تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة خطوة إستراتيجية نحو تعزيز الاستقرار الاقتصادي في المنطقة.

أما في أوغندا، فقد ركزت المحادثات على التعاون الأمني، حيث تسعى واشنطن لدعم الحكومة الأوغندية في محاربة الإرهاب.

في المقابل، تتعالى الأصوات الغربية المنتقدة بشأن حقوق الإنسان في البلاد. ولكن، يبدو أن واشنطن، تحت قيادة ترامب، تعتمد نهجًا براغماتيًا، حيث تضع الاستقرار الإقليمي وتعزيز التعاون الاقتصادي في أولوياتها على حساب الخلافات الحقوقية.

رئيس كينيا وليام روتو يستقبل مستشار ترامب مسعد بولس (مواقع التواصل)

رؤية ترامب في أفريقيا 

ما يميز سياسة ترامب في أفريقيا هو تركيزها على "الدبلوماسية الاقتصادية" كأداة رئيسية لتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة ودول القارة.

إعلان

تهدف هذه السياسة إلى تعزيز الروابط عبر الاستثمارات التجارية وتحقيق شراكات تركز على المنفعة المتبادلة.

بينما كانت الإدارات السابقة تبني إستراتيجياتها على المساعدات الإنسانية والتعاون التنموي، يسعى ترامب إلى تغيير هذا النهج ليصبح أكثر تركيزًا على تحقيق أرباح اقتصادية مباشرة.

من هنا، يمكن النظر إلى زيارة بولس كخطوة نحو إعادة تشكيل العلاقات بين واشنطن وأفريقيا.

تسعى الإدارة الأميركية إلى تحقيق نفوذ دائم من خلال القطاع الخاص وتدفق الاستثمارات، بدلا من الاعتماد على المساعدات أو المعونات التقليدية.

أفريقيا ساحة للصراع الدولي

بالمجمل، تعكس جولة مسعد بولس سياسة الولايات المتحدة الحالية تجاه أفريقيا، والتي تركز على المصالح الاقتصادية والاستثمارية في مواجهة توسع النفوذ الصيني والروسي.

يتضح أن إدارة ترامب، رغم محاولاتها لاستعادة الهيبة العالمية، تبني إستراتيجيات مرنة تركز على الشراكات الاقتصادية المستدامة، مما يساعد على تجنب الاستنزاف التقليدي للموارد.

ومع تنامي الدور الأفريقي على الساحة الدولية، يبدو أن الولايات المتحدة ساعية لإعادة تحديد موقعها كقوة رئيسية في القارة الأفريقية من خلال أساليب دبلوماسية جديدة ومبنية على النتائج.

مقالات مشابهة

  • عمار الحكيم يعيد رسم خريطة العلاقات الاقتصادية مع واشنطن
  • شراكة استراتيجية ومقاربة جديدة للهجرة .. مصر وفرنسا تعززان التعاون في إطار عملية الخرطوم
  • الإمارات والصين تعززان تعاونهما الاقتصادي
  • محمود عنبر: العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين مصر وفرنسا شهدت قفزات كبيرة
  • خبير: العلاقات الاقتصادية بين مصر وفرنسا شهدت قفزات كبيرة
  • دبلوماسية أميركا الاقتصادية بأفريقيا.. جولة مسعد بولس بين التنافس والفرص
  • خبير يرصد المكاسب الاقتصادية لمصر من زيارة ماكرون
  • السيسي: بحثنا مع ماكرون تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية
  • تزامنًا مع زيارة الرئيس الفرنسي لمصر.. تطور العلاقات الاقتصادية المصرية الفرنسية
  • التخطيط تستعرض تقريرا حول تطور العلاقات الاقتصادية المصرية الفرنسية