لَمْ تَعُدْ مسألة وجود باحث عن عمل أو باحثين أو ثلاثة في أُسرة واحدة أمرًا سهلًا، لكنَّه أصبح ظاهرة شائعة في مُجتمع تُشكِّل الإيرادات النفطيَّة فيه 65%، بَيْنَما لا يزيد عدد أفراده عن 2,925,719 ويُشكِّل فيه الشَّباب في المرحلة العمريَّة (0-17 سنة) 44% من السكَّان والفئة العمريَّة (18-29 سنة) 20%، وهو يعيش اليوم رقمًا صعبًا في أعداد الباحثين عن عمل المتزايد والَّذين وصل عددهم بحسب تصريح وزير العمل في الرُّبع الأوَّل من عام 2023 إلى أكثر من (110) آلاف باحث عن عمل.

هذا الأمْرُ يأتي في ظلِّ استمرار ارتفاع أعداد الأيدي الوافدة 2,242,167 وبنسبة 43.39% الَّتي ما زالت تسيطر على الأنشطة الاقتصاديَّة، الصناعيَّة والتجاريَّة والخدميَّة، وتحتفظ برقمها الصعب في منظومة التشغيل، سواء في حضورها الأكبر في منظومة القِطاع الخاصِّ والأهلي وأيضًا في حضورها في القِطاع الحكومي والشركات الحكوميَّة حيث تُشكِّل ما نسبته (87%- 89%) من العاملين في القِطاع الخاصِّ، مقابل (13%- 11%) عُماني. كما أنَّ (8 (من كُلِّ (10) مشتغلين في سلطنة عُمان في عام 2021 هُمْ وافدون، وبحسب المجموعات المهنيَّة فإنَّ 65% من إجمالي شاغلي وظائف مديري الإدارة العامَّة والأعمال في القِطاع الخاصِّ والعائلي في عام 2021 هُمْ وافدون؛ أمْرٌ يدعو للقلق ويثير علامات التعجُّب ونحن نعيش هذه الأيَّام تخرُّج أفواج من حمَلة البكالوريوس من جامعة السُّلطان قابوس وحمَلة الدبلوم المتوسِّط والبكالوريوس من جامعة التقنيَّة والعلوم التطبيقيَّة وفروعها المختلفة، والجامعات والكُلِّيات الحكوميَّة والخاصَّة التَّابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، والَّتي ستضيف إلى هذه القائمة أعدادًا كبيرة أخرى من المخرجات الباحثة عن عمل. ولعلَّ ما يثير الدهشة أكبر هو أنَّ هذا العدد لَنْ يتوقفَ عن الزيادة ليس في ظلِّ زيادة المخرجات التعليميَّة، بل أيضًا في ارتفاع أعداد المسرَّحين من القِطاع الخاصِّ من الشَّباب العُماني الطامح الَّذي سيلتحق بركْب الباحثين عن عمل، وإذا سألتني كوَلِيِّ أمْرٍ عن هذا الأمْرِ فإنَّه يُشكِّل لي ولغيري كارثة وليس هاجسًا، فأن يرى وليُّ الأمْرِ فلذات أكباده (أبناءه وبناته) الَّذين تعلَّموا ودرسوا بهذه الصورة يثير في ذاته حالة من عدم الارتياح، الأمْرُ الَّذي ستكُونُ له تداعياته الفكريَّة والنَّفْسيَّة والشحنات السلبيَّة الَّتي يسقطها الباحث عن عمل والمسرَّح والأُسرة في سَيل التساؤلات الَّتي لَنْ تتوقفَ؛ فيا ترى أين الخلل؟ ومَن السَّبب في بقاء هؤلاء الأبناء بدُونِ عمل رغم سعيهم للحصول عَلَيْه؟ ثمَّ كيف يُمكِن لأولياء الأمور مواجهة حالة الانكسار الَّتي يعيشها ابنه او ابنته القاعد في البيت بعد هذه السنين الطويلة من الدراسة والاجتهاد؟ انتظارًا باتَ مداه طويلًا جدًّا.
عَلَيْه، تبدو مسألة الباحثين عن عمل أكبر من اختزالها في صفحات، أو تناولها في مقالات فإنَّ حجم التأثير النَّفْسي والتغييرات المترتبة عَلَيْها فسيولوجيًّا وفكريًّا أصعب ممَّا يتخيَّله المرء، مساحة تعيش خلالها الأُسرة مع أبنائها الباحثين عن عمل والمسرَّحين، هواجس نَفْسيَّة وفكريَّة، وتغيُّرات في القناعات والأفكار وتجاذبات ونقاشات ولوم وعتاب وبكاء وصراخ وأشياء كثيرة باتَتْ تُلقي على كاهل الحياة الأُسريَّة الكثير من التبعات والالتزامات، فمَن المسؤول عن عدم توظيف هذه المخرجات؟ وما أهمِّية مسار تعليمي يزيد عن اثني عشر عامًا دُونَ أن يوفِّرَ لمخرجاته لُقمة العيش وبصيص أمل بوظيفة محترمة يعتمد فيها الخرِّيج على نَفْسه ويُعِين بها أُسرته الَّتي حقَّقت له هذا الطموح بإلحاقه في مؤسَّسات التعليم العالي؟ ثمَّ ما القِيمة لمحتوى تعليمي لا يصنع القدرات ولا يؤسِّس المهارات، ولا يولِّد الكفاءات ولا يبني المستقبل؟ وإلى متى سيظلُّ هاجس الوظيفة القلق الأكبر لِتنعكسَ تداعياته على حياة الشَّاب الباحث عن عمل، وعمره الزمني يسبق عمره الوظيفي في ظلِّ مؤشِّرات تؤكِّد أنَّ هناك توجُّهات قادمة نَحْوَ تقنين سنِّ القَبول في أو الوظائف لِتكُونَ الأولويَّة لمَن هُمْ دُونَ سنِّ (30) عامًا، بَيْنَما تُواجِه بعض مخرجات العلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة والتعليم وتقنيَّة المعلومات والإدارة مساحة انتظار تزيد على عَقْد من الزمن دُونَ بصيص أملٍ بالتعيين، هذا الأمْرُ يأتي في ظلِّ استمرار النظرة الدونيَّة من رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمتنفِّذين الاقتصاديِّين والشركات الأخرى العالَميَّة حَوْلَ المخرجات العُمانيَّة، إذ ما زالت عقدة الخواجة والسلبيَّة والزهد في الكفاءة الوطنيَّة، ترافقها كُلَّما سنحت الفرصة للتفكير بإعادة هيكلة قِطاع الأعمال وهندسة القِطاع الخاصِّ والأهلي لِيظهرَ المدافعون عن شركاتهم ومؤسَّساتهم الربحيَّة في موقف الاعتراض، بَيْنَما تتَّجه الأنظار وحالة التفاؤليَّة والإبهار لدَيْهم نَحْوَ الأيدي الوافدة؟
من هنا باتَ ارتفاع مؤشِّر الباحثين عن عمل والمسرَّحين يدقُّ ناقوس الخطر، لِيعيشَ الباحث عن عمل حالة صعبة بَيْنَ المطرقة والسندان، هواجس باتَتْ تفتح أذهان الشَّباب نَحْوَ الخروج إلى العالَم الافتراضي والتغريد خارج السرب، فهُمْ يواجهون معادلة صعبة كلاهما مُرٌّ، ويعيشون وضعًا صعبًا للغاية تنتابه موجة الهواجس والمقلقات تارة بما يفرضه مسألة الحصول على الوظيفة من تحدِّيات تتَّجه في ظاهرها نَحْوَ أسبقيَّة التخرُّج، وليس إلى ما امتلكه الخرِّيج من كفاءات وقدرات، ناهيك عن اشتراطات شغل الوظيفة بما فيها من تراكميَّة الخبرة الطويلة وغيرها كثير، وبَيْنَ مطرقة الواقع الاجتماعي وما يحمله من هواجس حَوْلَ منظومة التعليم ومخرجات الجامعات من الباحثين عن عمل ومصير الشهادات والاغتراب والقلق الَّذي عايشه الطالب في سنوات دراسته، معادلة صعبة باتَتْ تضع الباحثين عن عمل أمام واقع صعب وظروف أصعب، إذ إنَّ نظرة تلك الأُسرة إلى ابنها الَّذي تعلَّم وكافحَ وتغرَّب وشارك، وتفوَّق وعاشَ سنين عمره بَيْنَ المكتبات وقاعات التدريس والواجبات، ومصيره النهائي قعود في البيت، يعيش عالة على والدَيْه، أو يمارس مهام أخرى لا تتوافق في نظر البعض مع تخصُّصاته؛ كونها لا تحتاج إلى هذه الشهادات والخبرات، أو يعيش بَيْنَ وهْمِ الوعود والانتظار لعلَّ وعسى أن تقدِّمَ له المقابلات الَّتي دخلها بصيص أمل، هواجس كثيرة وتساؤلات معمَّقة وحالة من الصراع تعيشها الأُسر، صراع ليس في عدم رغبة الأُسرة في إعالة أبنائها أو احتضانهم أو رعايتهم، بل في حجم القلق والمَلَل والألَم والضيق الَّذي باتَ يعيشه أبناؤها وفلذات أكبادها، دُونَ أملٍ بالتوظيف، رغم جهاده واجتهاده، وهكذا يضيع العمر وتضيع الفرص وتنمو في النَّفْس صوَر قاتمة وهواجس مخيفة، يدفع فاتورتها الشَّباب العُماني نَفْسه الَّذي أصبح يكافح من أجْل العيش في ظلِّ معطيات اقتصاديَّة صعبة وظروف مقلقة في ظلِّ غلاء الأسعار وارتفاع مستوى المعيشة وكثرة الالتزامات على مُعيل الأسرة أو الوالد الَّذي باتَ يوجِّه راتبه الشهري لسداد التزامات أبنائه وتوفير احتياجاتهم الشخصيَّة.
عَلَيْه، فإنَّ معطيات هذا الواقع تضع الحكومة اليوم أمام إعادة قراءة واقع الشَّباب العُماني الباحث عن عمل والشَّباب المسرَّح عن عمله، والرَّقم الصَّعب الَّذي يُمثِّله في منظومة التنمية الوطنيَّة، مرحلة جديدة في إعادة إنتاج واقع الشَّباب وتعظيم نُمو الفرص الاقتصاديَّة المعزِّزة لبناء وتطوير واحتواء الشَّباب وصقله وتدريبه، بما يعنيه ذلك من توجُّهات عمليَّة تقوم على فتح آفاقٍ أوسع للشَّباب في بناء مشاريعه الاقتصاديَّة والاستثماريَّة وتعظيم حضوره في سلاسل الإنتاج في إطار تعزيز دَوْره في المشاريع المتوسِّطة والصغيرة ومشاريع الأمن الغذائي ذات القِيمة المضافة والصناعات التحويليَّة عَبْرَ تبسيط الإجراءات والحدِّ من استغلال البنوك لاحتياجات الشَّباب وتمويله، وتوسيع الخيارات والفرص الَّتي تضْمن انخراطه في القِطاع الخاصِّ والعمل الحُر والاقتصاد الرَّقمي والمؤسَّسات الصغيرة والمتوسِّطة مع توفير الضمانات الَّتي تحافظ على استدامة مشروعات الشَّباب واستقرارها وإنتاجيتها والحدِّ من كُلِّ المشوهات الَّتي باتَتْ تؤثِّر على بيئة العمل كالاحتكار والتجارة المستترة والأيدي الوافدة والتراخيص الَّتي تُمنح لكبار التجَّار دُونَ اعتبار لتداعيات ذلك على مشاريع الشَّباب.
أخيرًا، يبقى انتشال الشَّباب من كومة التراكمات والهواجس الَّتي باتَ يعيشها كباحثين عن عمل أو مسرَّحين من القِطاع الخاصِّ، مرهونًا بمستوى الجديَّة في التعامل مع هذا الملف وحجم الإخلاص الَّذي يمارس نَحْوَه، وفرض مسارات واضحة وآليَّات مقنّنة وبرامج عمل تحافظ على حماس الشَّباب وإنتاجيَّته، وتوفير المنصَّات الاستثماريَّة والتشغيليَّة والتدريبيَّة والتسويقيَّة الَّتي يستطيع من خلالها أن يمارسَ الشَّباب ثقافة العمل الحُر، بالإضافة إلى إعادة هيكلة بنية التعليم المدرسي والجامعي ومراجعة وتقييم التخصُّصات وتوجيه التعليم نَحْوَ تعزيز مهارات العمل والمهارات النَّاعمة للشَّباب بالشكل الَّذي يضْمن قدرته على الحصول على خيارات أخرى بعد تخرُّجه غير الوظيفة الحكوميَّة من حيث تعميق البحث في الاقتصاد الرَّقمي وخلق وظائف جديدة وتحسين بيئة العمل وريادة الأعمال، وربطها بواقع التغيير الحاصل في الاقتصاد الوطني والعالَمي، وتعظيم الاستفادة من المبادرات والمشروعات الفرديَّة للشَّباب ودعمها وتبسيط الإجراءات ورفع سقف التمويل بدُونِ فوائد بنكيَّة تضْمن نُموَّها واستدامتها، وأن تؤدِّيَ التشريعات والقوانين إلى وضع المواطن العُماني في أولويَّة التوظيف والعمل في القِطاع الخاصِّ والأهلي، كما أنَّ على الخِطاب الإعلامي والمؤسَّسي الرَّسمي والخاصِّ اليوم أن يؤسِّسَ لمرحلة إنتاج القوَّة في أدواته ويتيح فرصًا أكبر لاحتواء الشَّباب الباحث عن عمل في ظلِّ التزامه مبادئ التكامليَّة والمهنيَّة والاحترافيَّة والمصداقيَّة والموضوعيَّة والنَّزاهة في قراءة ملف الباحثين عن عمل والمسرَّحين من أعمالهم، وتقديم نموذج حضاري للاستثمار في الشَّباب والانتقال به إلى مرحلة القوَّة والتمكين والاستيعاب لواقعه، آملين أن يؤدِّيَ تدشين وحدة التفتيش بَيْنَ وزارة العمل ومؤسَّسة الأمن والسَّلام إلى استنهاض الثِّقة والروح الإيجابيَّة في الباحثين عن عمل والمسرَّحين عن أعمالهم عَبْرَ التسريع في برامج التشغيل والتوظيف للشَّباب العُماني وضبط كُلِّ الممارسات العشوائيَّة والمخالفات العمَّاليَّة للوافدين، والعمالة السَّائبة، والتسريح القسري للشَّباب العُماني، والاحتكار، وتحايل الشركات ومؤسَّسات القِطاع الخاصِّ على القانون في التزامها ببرنامج التوطين وتعمين بعض المهن، وغير ذلك من الجراثيم الخطرة الَّتي وضعت هذا الملف في غياهب الجُب، لِيبقَى يَدُور حَوْلَ نَفْسه في حلقة مفرغة بَيْنَما مَن يعنيهم أمْرُه يعيشون تداعياته الأمنيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والنَّفْسيَّة والفكريَّة وهواجسه الَّتي باتَتْ تدقُّ ناقوس الخطر.

د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الأ سرة أعداد ا ب ی ن ما ة صعبة الأم ر ع مانی

إقرأ أيضاً:

السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في الصراع الأوكراني

أكد السفير الروسي في لندن أندريه كيلين تعليقا على استخدام قوات كييف لصواريخ "ستورم شادو" لضرب العمق الروسي، أن بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في الصراع الأوكراني.

وقال كيلين في مقابلة مع "سكاي نيوز" ردا على سؤال عما إذا كان يعتقد أن بريطانيا متورطة بشكل مباشر في الصراع: "بالطبع، بريطانيا منخرطة بشكل مباشر في هذا الصراع لأن إطلاق هذه الصواريخ لا يمكن أن يتم دون أفراد من الناتو أو قل أفراد بريطانيين في الناتو".

وأكدت ديبورا هينز المعلقة في الشؤون الدفاعية والأمنية على قناة "سكاي نيوز" البريطانية أن استخدام أوكرانيا المحتمل لصواريخ "ستورم شادو" البريطانية البعيدة المدى لضرب عمق الأراضي الروسية، لن يكون له تأثير يذكر على مسار الصراع، مؤكدة أن كييف "لا تمتلك سوى القليل منها".

وكانت بعض وسائل الإعلام الغربية قد أفادت بسماح واشنطن وباريس ولندن لكييف باستخدام الصواريخ الغربية لضرب أهداف في العمق الروسي، إلا أن التصريحات الغربية الرسمية ومن ضمنها البيت الأبيض ووزارة الدفاع البريطانية كانت "رمادية" وغير مباشرة بهذا الشأن، في حين أكد ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل في تصريحات صحفية، في وقت سابق، أن واشنطن قد سمحت "فعلًا" لأوكرانيا باستخدام صواريخها البعيدة المدى لضرب العمق الروسي.

مقالات مشابهة

  • قبل مغادرته البيت الأبيض.. بايدن يورط ترامب في حرب عالمية مع روسيا
  • السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في الصراع الأوكراني
  • حزب الله يواصل استهداف مواقع العدو الصهيوني على الحدود وفي العمق المحتل
  • فرنسا تبرر سماح بايدن لنظام كييف بضرب العمق الروسي
  • د.العيسى يلتقي وفداً من الباحثين السياسيين الأمريكيين
  • حزب الله يواصل ضرب العمق الصهيوني بالصواريخ والمُسيرات
  • أردوغان: قرار بايدن السماح لأوكرانيا بضرب العمق الروسي خاطئ وسيصعد التوتر
  • ناريشكين: موسكو لن تترك محاولات الناتو للمشاركة في ضرب العمق الروسي دون رد
  • جامعة أسوان تعزز البحث العلمي وتستهدف زيادة أعداد الباحثين
  • تستهدف الباحثين عن الترفيه العائلي.. تجارب تفاعلية في «وظيفة العجائب»