تطور موقف عقيلة صالح تجاه تركيا
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
حل رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، ضيفا على تركيا اليومين الماضيين، وهي الزيارة الثانية له بعد الخلاف الشديد على خلفية دعم تركيا لحكومة الوفاق في الحرب التي شنها خليفة حفتر على العاصمة العام 2019م ودعمه فيها عقيلة صالح، حتى أن الأخير تماهى مع وصف التدخل التركي بالاستعمار وأنهم لن يقبلوا بدفع "الميري" للاتراك مرة أخرى كما كان عليه الحال إبان حكم العثمانيين لليبيا.
الزيارة الأولى كانت بمثابة إذابة الجليد، غير أن صالح كان متحفظا نسبيا في كلامه، لكنه انطلق في الثناء على الأتراك ومديحهم في زيارته الأخيرة، مشيدا بدور الأتراك في مواجهة الاستعمار الإيطالي جنبا إلى جنب مع المجاهدين الليبيين، حتى ان "الدم التركي أمتزج بالدعم الليبي"، ومهللا بدورهم في دعم القضية الفلسطينية، والدعم قضايا العالم الإسلامي. ولم ينس عقيلة صالح أن يثني على الدور التركي في الكارثة التي حلت بمدينة درنة وان تركيا كانت في مقدمة الدول التي قدمت مساعدات في الفيضان الذي اجتاح الشرق الليبي.
هذا الخطاب الجديد المفعم بالود والثناء، والذي صار على قطيعة مع الموقف المتشدد جدا خلال الأعوام 2019-2021م ، إنما يتعلق بتطورات المشهد الليبي والتدافع الحاصل اليوم حول ملفين مهمين هما: قوانين الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة.
الجمود الذي يكتنف الوضع السياسي في ليبيا سببه تحفظ المجلس الأعلى للدولة على قوانين الانتخابات التي أصدرها مجلس النواب بعد أن قامت لجنة 6+6 بالتعديل عليها، فيما يرفض الأعلى للدولة هذه التعديلات.
الملف الأكثر إلحاحا بالنسبة لرئيس مجلس النواب هو الحكومة، ذلك أن عقيلة صالح لا يلقي بالا لموقف الأعلى للدولة من القوانين بعد أن أعلن المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن وسفراء الدولة المعنية بالنزاع الليبي والبعثة الأممية الخاصة بليبيا قبولها واعتبروها الأساس التشريعي لإجراء الانتخابات.
التطور الأهم في موقف عقيلة صالح من الأتراك هو الإشارة الصريحة إلى إمكانية تغيير موقف مجلس النواب من الاتفاقيات التي وقعتها تركيا مع حكومة الوفاق الوطني في نوفمبر 2019م، الاتفاقية العسكرية والأمنية، واتفاقية النفوذ الاقتصادي البحري.عقيلة صالح يضع كل البيض في سلة الحكومة مع إدراكه أن دعم المجتمع الدولي للقوانين لا يعني أن الطريق صار ممهدا لإعمالها وإجراء الانتخابات، بمعنى أن المسار السياسي سيتعطل ويتعثر وتتدحرج الأزمة وتظل حكومة الشرق بلا سلطة ولا نفوذ حقيقي، وأن إعادة تشكيل الحكومة قد يقود إلى تغليب رؤية مجلس النواب، أو رئاسته، في الشكل الذي ستكون عليه الحكومة حتى لو تجرى الانتخابات.
حديث عقيلة صالح مع الاتراك دار في أهم نقاطه حول ضرورة تشكيل حكومة موحدة، ونبه إلى أنه ليس من مصلحة تركيا الانقسام الحكومي، وأن الاستقرار الذي تنشده أنقرة لليبيا والذي لا يكون إلا عبر الانتخابات لن يتحقق في ظل الوضع الحكومي الراهن.
التطور الأهم في موقف عقيلة صالح من الأتراك هو الإشارة الصريحة إلى إمكانية تغيير موقف مجلس النواب من الاتفاقيات التي وقعتها تركيا مع حكومة الوفاق الوطني في نوفمبر 2019م، الاتفاقية العسكرية والأمنية، واتفاقية النفوذ الاقتصادي البحري.
صالح ذكر أن سبب عدم مصادقة مجلس النواب على الاتفاقيات إنما وقع بسبب عدم قدرة الحكومة السابقة على تقديم الاتفاقيات للمجلس لأنها لم تنل ثقة المجلس، وهذا تفسير جديدا يشير إلى تحول كبير مبعثه قناعة بأن صالح يحتاج أن يعطي لكي يتحصل على ما يريده وهو تشكيل حكومة جديدة وأن الاتراك لهم دور في إنجاح ذلك.
بقي أن نقول أن عقيلة صالح لا يمكن أن يقدم على هذه الخطوات في التقارب مع الأتراك منفردا، فتجاوز كل الحواجز بما في ذلك ملف الوجود التركي في الغرب الليبي هو ملف حساس جدا بالنسبة للشريك المحلي، خليفة حفتر، الحاكم الفعلي في الشرق، والحليف الخارجي، القاهرة التي كانت وراء التوازن الحالي بينها وبين أنقرة في النزاع الليبي، وهو إما أن يكون قد نسق مع الرجمة والقاهرة فيما يتعلق بالتطور في العلاقة مع أنقرة، أو أنه راهن على دعم الأتراك للتغير الحكومي دون ضمانات حقيقية فيما يتعلق بالمصادقة على الاتفاقيات في المجلس، فهذه مسألة تحتاج إلى وقت، ومرهونة بموقف أعضاء المجلس، وغالبيتهم يتحفظون عليها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تركيا الزيارة ليبيا ليبيا تركيا علاقات زيارة رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مجلس النواب عقیلة صالح
إقرأ أيضاً:
النويري والدعوة لإجراء انتخابات برلمانية في ليبيا
فاجأ النائب الأول لرئيس مجلس النواب الليبي، فوزي النويري، المنتظم الليبي بالدعوة إلى التعجيل بالانتخابات البرلمانية، ودون إشارة إلى الانتخابات الرئاسية، التي من المفترض أن تجري بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية، وفق ما هو متداول ومعلوم.
لم يوضح النويري ملابسات دعوته لإجراء انتخابات برلمانية وعدم الإشارة للأخرى الرئاسية، إلا إنه برر موقفه هذا بالوضع الخطير الذي تمر به البلاد ويواجه المواطن الليبي، وتمترس مسؤولوا الداخل حول مناصبهم، وتغريد البعثة الأممية خارج السرب وبعيدا عن المصلحة الوطنية وبشكل يطيل من عمر الأزمة، كما أوضح في بيانه.
والحقيقة أن الفصل بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية هو مطلب الكتلة السياسية العريضة المناوئة لمجلس النواب، والتي نقطة ارتكازها المنطقة الغربية، فهؤلاء يرون أن تصاعد وتيرة التأزيم اقترن بالانتخابات الرئاسية، وأن التجديد في الأجسام الراهنة سيكون أيسر من خلال انتخاب مجلس نواب جديد.
موقف النويري قد يكون منفردا ومعزولا ضمن مجلس النواب، وتحديدا الكتلة المؤثرة فيه والتي تدور حول رئاسة المجلس وتشد عضد رئيسه، وهؤلاء يصرون على التزامن بين الانتخابات، بل كانوا خلف مسألة إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية في حال فشلت الأخرى الرئاسية، وقد كانت هذه النقطة المضمنة في قوانين الانتخابات التي مررها مجلس النواب أحد أهم أسباب الخلاف الراهن بين أطراف النزاع.
دعوة النويري قد لا تجد صدى واسعا يجعلها قابلة للتطبيق في المدى القصير، إلا أن صدورها عن شخصية سياسية محسوبة على الطرف الرافض للفصل بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية له دلالته ووزنه، وإذا استطاع الرجل التحرك بها داخل مجلس النواب وشكل رأيا له وضعه في المجلس، فساعتها قد يتغير الوضع، وسيكون الموقف التفاوضي للكتلة الداعية لإجراء انتخابات برلمانية منفردة أقوى، وقد نرى تعديلا في قوانين الانتخابات يعزز هذا التوجه.إلا أن الموقف الجديد للنويري يمكن أن يكون بمثابة رمي حجر في الماء الراكد، والظاهر أن امتداد الأزمة واتساعها إنما اقترن بالانتخابات الرئاسية الموجهة والمصممة بشكل يلائم أبرز شخصية سياسية وعسكرية في الشرق الليبي، وهو خليفة حفتر، حتى بات التبرير لتخطي ما هو معلوم بطلانه موقفا للكتلة المؤثرة في مجلس النواب ومن خلفها شريحة من النشطاء وغيرهم، والذين يقبلون بترشح مزدوج الجنسية للانتخابات الرئاسية، بعد أن كانوا يعتبرون حملة الجنسيات الأجنبية من الساسة الليبيين المعارضين للنظام السابق والذين شاركوا في الحياة السياسية بعد العام 2011م ، سببا في إفسادها.
قد يكون في كلام النويري اتجاها لقطع الطريق على مبادرة البعثة الأممية التي كلفت لجنة استشارية لإعداد مقترح للخروج من الأزمة الراهنة، أو هكذا بدا الأمر للبعض، وقد يكون موقفه ردة فعل على تدافع داخل ضمن مجلس النواب، إلا إنه اتجه إلى خيار يمكن أن يكون الحل الأكثر قابلية للتنفيذ في ظل التخندق الراهن واستعصاء الأزمة عن الحل.
النويري استند إلى سير العملية الانتخابية للمجالس البلدية، ورأى أنها تشكل حافزا للتقدم خطوات على المسار الانتخابي وإجراء الانتخابات البرلمانية، وهذه مسألة لا خلاف حولها، إلا إن الوضع أكثر تعقيدا من أن تتجاوزه دعوة النويري وصداها محليا، ولا يقتصر التعقيد على المسار السياسي ومخرجاته والتي جعلت الربط بين البرلمانية والرئاسية لازما، فالتعقيد يكمن في التدافع ذاته، والتطور الذي وقع في اتجاهات وأدوات الصراع، فمنذ فشل عملية السيطرة على طرابلس من قبل حفتر وقواته العام 2019م، صار الاهتمام بالانتخابات الرئاسية أكبر، وانطلقت الحملات الانتخابية مبكرة، واحتدم التنافس على كسب المؤيدين عبر مشروعات التنمية، وقد كان عبد الحميد ادبيبة واضحا وهو يدشن مشروعات تنموية وخدمية في فهمه لطبيعة المرحلة بقوله أن زمن الحروب قد انتهى، ويؤكد القول بأن الراهن على الأنصار بات سلمي كلام حفتر بعد افتتاح ملعب بنغازي، فالرجل الذي كان اعتماده على القوة لفرض الإرادة، تحول إلى ما يفعله الساسة المدنيين الذين يخطبون ود الرأي العام بالبناء والتشييد والاحتفالات والزينة.
دعوة النويري قد لا تجد صدى واسعا يجعلها قابلة للتطبيق في المدى القصير، إلا أن صدورها عن شخصية سياسية محسوبة على الطرف الرافض للفصل بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية له دلالته ووزنه، وإذا استطاع الرجل التحرك بها داخل مجلس النواب وشكل رأيا له وضعه في المجلس، فساعتها قد يتغير الوضع، وسيكون الموقف التفاوضي للكتلة الداعية لإجراء انتخابات برلمانية منفردة أقوى، وقد نرى تعديلا في قوانين الانتخابات يعزز هذا التوجه.