مذكرتا تفاهم في مجالات الثقافة والاقتصاد والاستثمار

 

لا شك أن المتغيرات الجذرية التى يشهدها العالم خاصة فى المنطقة العربية وأوروبا وأفريقيا وما يصاحب ذلك من تحولات ديناميكية جيوسياسية تفرض معها تحولات استراتيجية فى إدارة الشراكات الاقتصادية والسياسية. ويبدو واضحًا أن الزيارة التى يقوم بها السلطان هيثم بن طارق إلى كل من جمهوريتى سنغافورة والهند تجسد هذا التحول الاستراتيجى نحو الشرق، وهى خطوة تحمل فرصا كبيرة للمشهد الاقتصادى المستقبلى فى سلطنة عمان.

إن تحول سلطنة عُمان من الاعتماد على النفط بوصفه مصدرا وحيدا للدخل إلى استراتيجية فعالة لتنويع مصادر الدخل تستلزم تنويع القاعدة الاقتصادية والاستثمارية، ويمثل التحول نحو آسيا، وخاصة نحو الاقتصادات الصاعدة مثل سنغافورة والهند، نهجا عمليا فى تطبيق هذا التنويع.

 

أسواق وفرص عُمانية هائلة للتجارة والاستثمار

 ويمكن فهم أهمية التوجه شرقا عبر مستويات عدة، فعلى الصعيد الاقتصادى توفر الأسواق الآسيوية سريعة النمو فرصاً هائلة للتجارة والاستثمار، وتقدم سنغافورة، وهى مركز مالى عالمي، سبلاً للتعاون التكنولوجى والمالي، فى حين تفتح الهند، بقاعدتها الاستهلاكية الضخمة وقطاعها الصناعى المتنامي، الأبواب أمام مجموعة واسعة من الاحتمالات التجارية، ويمكن لهذه الشراكات أن تساعد سلطنة عُمان على توسيع محفظة صادراتها إلى ما هو أبعد من النفط، والاستفادة من قطاعات مثل السياحة والتصنيع والتكنولوجيا.

ومن الناحية السياسية، فإن تعزيز العلاقات مع القوى الآسيوية يتماشى مع سياسة سلطنة عمان المعروفة بالحياد ودعم التعايش السلمى ونشر ثقافة السلام بين الشعوب. ومن خلال توسيع شراكاتها الدولية، لا تقوم سلطنة عُمان بتنويع شراكاتها الاقتصادية، فقط، بل تعزز استقلالها الاستراتيجى على الساحة العالمية.

 

تعزيز التبادل بين الثقافات 

ومن الناحية الاجتماعية والثقافية، فإن هذا التحول نحو آسيا يمكن أن يعزز المزيد من التبادل بين الثقافات، ويعزز التفاهم والتعاون بما يتجاوز الجوانب الاقتصادية فقط. ومن الممكن أن يعود طريق الحرير التاريخي، الذى شهد تبادلات تجارية وثقافية قوية بين العالم العربى وآسيا وكانت موانئ عُمان التاريخية أحد أهم محطاته، وكان بمثابة مصدر إلهام لهذا الترابط الاقتصادى والثقافى فى العصر الحديث.

إن تعزيز سلطنة عُمان لشراكاتها السياسية والاقتصادية والثقافية مع الشرق يعكس فهما عميقا للتحولات التى تحدث فى العالم والتى يقودها الاقتصاد.. ويمكن أن يوصف هذا الأمر بأنه اعتراف من سلطنة عمان بالنظام الاقتصادى العالمى المتغير والتكيف مع تحولاته لضمان النمو والاستقرار المستدامين.

ويتفق المحللون السياسيون على أن الزيارة التى يقوم بها سلطان عُمان إلى سنغافورة والهند ليست مجرد علاقات دبلوماسية روتينية بل ترمز إلى تطوير المعايرة الإستراتيجية لسياسات سلطنة عُمان الخارجية والاقتصادية وعبر إقامة علاقات أوثق مع الاقتصادات الآسيوية، لا تسعى سلطنة عُمان إلى تقليل اعتمادها على الطاقة فحسب، بل تضع نفسها أيضًا كلاعب استباقى فى المشهد الاقتصادى العالمى المتغير.

 

زيارة تفتح آفاقا اقتصادية واعدة

مع تنامى حجم التبادل التجارى والاستثمارى بَيْنَ كُلٍّ من سلطنة عُمان وجمهوريَّة سنغافورة، تفتح زيارة السُّلطان هيثم بن طارق، آفاقًا اقتصاديَّة واعدة بَيْنَ البَلدَيْنِ انطلاقًا ممَّا تراكم من علاقات وطيدة الَّتى تعضدها المحادثات بَيْنَ القائدَيْنِ.

فمع إسهام الوفود الرَّسميَّة العُمانيَّة الَّتى قامت بزيارات لجمهوريَّة سنغافورة فى تعزيز حجم التبادل التجارى بَيْنَ البَلدَيْنِ لِيحقِّقَ نُموًّا بنسبة (80) بالمئة، فإنَّ التجارة البَيْنيَّة بَيْنَ سلطنة عُمان وجمهوريَّة سنغافورة تُشكِّل نَحْوَ (3) بالمئة من إجمالى التجارة الخارجيَّة لسلطنة عُمان بنهاية عام 2022.

كما سجَّل حجم التبادل التجارى حتَّى نهاية شهر سبتمبر 2023 نَحْوَ (576.4) مليون ريال عُماني، فيما بلغ إجمالى عدد الشركات السنغافوريَّة المُسجَّلة فى سلطنة عُمان بنهاية عام 2022 أكثر من (24) شركة بإجمالى رأس مال مستثمر تجاوز (55.8) مليون ريال عُماني؛ شملت قِطاعات عدَّة أبرزها الإنشاءات والتجارة والصناعة والتعدين والخدمات والسِّياحة والتعليم والنفط والغاز والنقل والاتصالات.

وبالإضافة إلى هذه القِطاعات الحيويَّة تفتح الزيارة السَّامية للسُّلطان هيثم الآفاق لاستكشاف سُبل التعاون فى مشروعات الطَّاقة المُتجدِّدة بَيْنَ البلدَيْنِ الصَّديقَيْنِ، خصوصًا مع التركيز المشترك بَيْنَهما على البدائل منخفضة الكربون وحلول كفاءة الطَّاقة المتمثلة فى مشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا والطَّاقة الشمسيَّة وطاقة الرياح، بالإضافة إلى تبادل الخبرات وتطوير مؤسّسات ومنهجيَّات واستشراف المستقبل.

 

جلسة مباحثات عُمانية - سنغافورية

كان السُّلطان هيثم بن طارق قد عقد جلسة مباحثات رسميّةً فى قصر إستانا بالعاصمة سنغافورة مع لى هسين لونغ رئيسُ وزراء سنغافورة، جرى خلالها بحث مسيرة العلاقات الوطيدة التى تربط سلطنة عُمان بجمهورية سنغافورة والتعاون المثمر بينهما والسُّبل الكفيلة بتنمية المنافع المتبادلة بين البلدين والشعبين الصديقين فى مختلف القطاعات، إضافة إلى تبادل الآراء حول ما يشهده العالم من متغيرات متسارعة.

 

زهرة السلطان هيثم بن طارق

وتفضّل السُّلطان هيثم بن طارق، فقام بزيارة حديقة الأوركيد الوطنية بالعاصمة سنغافورة، حيث شهد مراسم تسمية إحدى زهور الأوركيد باسمه تكريمًا واعتزازًا من جمهورية سنغافورة حكومةً وشعبًا بزيارته التاريخية للجمهورية. وقد عبّر سلطان عُمان عن تقديره الكبير لهذه اللفتة الطيّبة التى تعكس متانة العلاقات الثُّنائية بين البلدين الصديقين.

وتعدّ تسمية زهور الأوركيد بأسماء الملوك ورؤساء وقادة الدول وكبار المسؤولين فى حديقة الأوركيد الوطنية بحدائق سنغافورة النباتية أحد مواقع التراث العالمى لليونسكو تقليدًا متّبعًا فى سنغافورة منذ أكثر من 50 عامًا.

وزيرا التجارة والطاقة يلتقيان بمسؤولين سنغافوريين

وفى إطار الزيارة التقى قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار مع ادوين تونغ وزير الثقافة والمجتمع والشباب والوزير الثانى لوزارة القانون السنغافورى وتناول اللقاء بحث فرص توسيع مجالات التعاون ذات الاهتمام المشترك بما يُسهم فى تعزيز العلاقات الثنائية الوثيقة بين البلدين الصديقين.

كما التقى المهندس سالم بن ناصر العوفى وزير الطاقة والمعادن مع الدكتور بيه سوان جين السكرتير الدائم بوزارة التجارة والصناعة السنغافورى واستعرض اللقاء العلاقات الثنائية القائمة بين البلدين الصديقين، ومناقشة عددٍ من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك المتصلة بالجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية فى عددٍ من المجالات، منها الطاقة المتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: المنطقة العربية وأوروبا وأفريقيا بین البلدین ة سنغافورة

إقرأ أيضاً:

سوق المحمول تنتظر فرض رسوم جديدة على الأجهزة المستوردة.. وتجار: «القرار هيخرب بيتنا»

سادت حالة من الارتباك والدهشة على مواقع التواصل الاجتماعى فى الساعات الأخيرة، عقب تداول معلومات حول فرض رسوم على الهواتف المحمولة المستوردة، وما يترتب على ذلك من تأثر القدرة الشرائية والإقبال على تلك الأجهزة.

يأتى ذلك وسط تساؤلات حول ما إذا كانت تلك الرسوم ستطبق على الأجهزة الموجودة بالفعل فى السوق المصرية، والتى تم استيرادها سابقا، أم أنها ستشمل الهواتف المستوردة حديثا فقط.

حمد النبراوى، عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية لشعبة المحمول والاتصالات بالقاهرة، أكد أن جهاز تنظيم الاتصالات لم يصدر أى تعليمات رسمية بشأن فرض رسوم على الهواتف المحمولة المستوردة حتى الآن، لكنه قرار سيتم تطبيقه خلال وقت قريب.

وأوضح النبراوى أن الغرفة التجارية تعمل على إعداد نقاط مهمة لمناقشتها مع الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، من بينها كيفية التعامل مع الأجهزة المحمولة المستوردة فيما يتعلق بمنح التجار فرصة لتوفيق أوضاعهم.

وأيضًا فيما يتعلق بموقف الأجهزة التى تم استيرادها قبل صدور القرار، وأكد أن القرار حال إقراره، فسيشمل الأجهزة التى يتم استيرادها بعد تطبيق القرار، وبالتالى لن تتأثر الأجهزة المحمولة التى تم استيرادها من الخارج مسبقا بالرسوم الجديدة.

وأوضح النبراوى أن الهدف الرئيسى من القرار هو مكافحة ضبط الأسواق، ومحاربة التهريب الجمركى للهواتف المحمولة، وهو ما يعتبر من أبرز التحديات التى تواجه الاقتصاد المحلى.

وأشار إلى أن الهواتف المستوردة بطرق غير رسمية، والتى تباع دون ضمان، تربك سوق صرف الدولار فى السوق المصرية بسبب الاعتماد على السوق السوداء لتمويل استيراد تلك الأجهزة.

وأضاف النبراوى أن فرض الرسوم على الأجهزة المستوردة بطرق غير قانونية، يهدف إلى ضمان حقوق الدولة فى الضرائب والرسوم الجمركية التى تُهدَر سنويًا، والتى تُقدر بمليارات الدولارات، وأنه فى حال تطبيق القرار فستكون الهواتف غير الرسمية عرضة للتوقف عن العمل على الشبكات المحلية، حال عدم دفع الرسوم المستحقة، ما يجعلها عديمة الفائدة حتى تسوية وضعها القانونى.

من جهة أخرى، أكد النائب أحمد بدوي، رئيس لجنة الاتصالات بمجلس النواب، أن الأنباء التى تم تداولها حول توقف عمل الهواتف فى مصر غير صحيحة. وأوضح أن القرار المرتقب يهدف إلى منع التهرب الجمركى للأجهزة الجديدة التى يتم استيرادها، وليس الأجهزة القديمة التى تم استيرادها فى أوقات سابقة.

وأضاف أن القرار لا يتضمن فرض رسوم جديدة على الهواتف الموجودة بالفعل فى السوق المصرية، بل يركز فقط على تنظيم استيراد الأجهزة الجديدة.

كما أكد أن النظام الجديد سيكون جزءًا من إطار عمل متكامل بين مصلحة الجمارك والجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، مشيرًا إلى أن هذا النظام سيركز على ضمان دفع الرسوم الجمركية بشكل قانونى على الهواتف المستوردة حديثًا، موضحًا أن هذا النظام لا يعنى إضافة أى ضرائب أو رسوم جديدة على المستهلكين.

على الرغم من تأكيد الجهات الرسمية أن القرار لا يستهدف الهواتف المستعملة فى السوق، فإن العديد من المواطنين والتجار يعربون عن قلقهم بشأن الأثر الذى قد يخلفه تطبيق هذه الإجراءات على الأسعار، حيث أكد عبدالرحمن محمد، صاحب أحد محال بيع وصيانة الهواتف المحمولة، أن السوق تعانى بالفعل من حالة ركود، مضيفًا أن فرض الرسوم على الأجهزة المستوردة حديثا سيؤدى إلى زيادة الأسعار بشكل كبير، ما يشكل عبئا إضافيا على المستهلكين الذين يواجهون بالفعل صعوبة فى القدرة على شراء الهواتف المحمولة.

وأشار إلى أن التجار يعتمدون حاليًا على بيع الهواتف المستعملة وصيانتها كوسيلة للحفاظ على استمرارية أعمالهم فى ظل ضعف الطلب على الهواتف الجديدة.

وأكد أنه إذا تم تطبيق هذه الرسوم، فإن الأوضاع ستصبح أكثر صعوبة بالنسبة للتجار والمستهلكين على حد سواء، مشددا على ضرورة إيجاد حلول لدعم السوق وحماية قدرة المواطنين على شراء الأجهزة.

أما أحمد شعبان، تاجر هواتف محمولة بمنطقة وسط البلد، فقد أبدى مخاوفه من تأثير القرار على حركة التجارة بشكل عام. وأوضح أن نسبة كبيرة من الهواتف التى يتم تداولها فى السوق مستوردة، وغالبًا ما يتم استيرادها بطرق غير رسمية لتفادى الرسوم الجمركية المرتفعة.

وأضاف: «إذا تم تطبيق هذا القرار دون تنظيم ودعم للتجار، فقد يؤدى إلى ركود كامل فى السوق، ما سيدفع العديد من التجار إلى تقليص أعمالهم أو حتى إغلاق محالهم بسبب ارتفاع التكاليف، وتراجع القدرة الشرائية لدى العملاء.

محمد عزت، أحد العاملين فى تجارة الهواتف المحمولة بالجيزة، قال: إن القرار سيؤثر بشكل مباشر على حركة البيع.

وأوضح أن الأسعار قد ترتفع بنسبة تتراوح بين ٢٠٪ و٣٠٪ نتيجة الرسوم الجديدة، وهو ما سيضعف القوة الشرائية للمستهلكين.

وأضاف: «الأزمة ليست فقط فى تطبيق الرسوم، بل فى توقيتها، حيث إن السوق يعانى أصلًا من انخفاض الطلب، ونحتاج إلى خطة تدريجية وتوضيح من الجهات المعنية لضمان استمرارية العمل فى هذا القطاع الحيوى.

يظل قرار فرض الرسوم على الهواتف المستوردة قيد المناقشة ولم يتم تطبيقه رسميًا حتى الآن. ورغم تأكيد الجهات الرسمية أن القرار لن يؤثر على الأجهزة الموجودة بالفعل فى السوق، فإن هناك مخاوف من تأثيره على الأسعار فى السوق المصري، وكذلك من تأثيره على قدرة المواطنين على شراء الهواتف المحمولة.

مقالات مشابهة

  • سوق المحمول تنتظر فرض رسوم جديدة على الأجهزة المستوردة.. وتجار: «القرار هيخرب بيتنا»
  • القنصل الأميركي لدى أربيل: العلاقات الأميركية العراقية توجه دفتها نحو التعاون الاقتصادي
  • قبل مناقشته.. ننشر أهداف تعديلات بعض أحكام قانون التجارة البحرية
  • برلماني: مشروع قانون التجارة البحرية نافذة جديدة للتوسع نحو اكتساب السفن الجنسيةَ المصرية
  • اللهم اغفر له وعافه واعف عنه.. هيثم سعيد ينعى الفنان محمد رحيم
  • منح الجنسية المصرية للسفن.. تعديلات جديدة بقانون التجارة البحرية|تفاصيل
  • "الشيوخ" يناقش 3 تشريعات جديدة لإنعاش الاقتصاد القومي .. تفاصيل
  • المملكة وسنغافورة تبحثان فرص التعاون في تعزيز جودة الإنفاق
  • نمو القطاع العقاري في سلطنة عمان .. استثمارات جديدة ومبادرات استراتيجية تدعم النمو المستدام
  • صور وبيانات تكشف مخابئ ومسارات أسطول الظل الإيراني