إنه أكثرُ شاعر امتلك معه ذكريات، ثائر لكنه رقيق، عادي لكنه مفاجئ، متواضع لكنه كبير، سهل لكنه ممتنع، غزير الإنتاج لكنه مُجيد.. شعرُه واقعي لكنه واسع الخيال، تأخَّر لكنه نبغ. أشعاره سهلة تمتلئ بالبساطة والبراءة وربما السذاجة والسطحية لتوصيل أفكاره العميقة.. جمع الشعر من أطرافه، لا تعجزُهُ قافية ولا يحدُّهُ وزن.

. مذهلةٌ جرأتُه في قِصَر الأبيات واقتحام الأوزان كأنه يتكلمها ولا ينظمها، هنا تحديداً كنت أسأل نفسي "كيف زبطت معه؟!"، فضلاً عن ابتكاره القوافي غير المطروقة سابقاً. لكنه لم يأخذ حظه من الإعلام..

حاولتُ كثيراً، كغيري، أن نُخرجه للإعلام، فكان يتمنع.. لم يظهر دفعة واحدة، بل تسرّب تسريباً عبر الصفحات. فظهرَ في شبكة فلسطين للحوار حيثُ تعارفنا هناك.. ودامت معرفتنا وسهرنا الليالي سوياً في الشبكة حتى وفاته رحمه الله. ثم في المنتديات الأخرى التخصصية. ثم أنشأ موقعه الخاص. ثم جاءت المقابلات الصحفية. ثم نشر مجموعاته الشعرية.

في الشبكة كان مرشداً للشعراء، خفيف الظل في التعليقات، كنا نُبارزُهُ ولا نقدر عليه.. كنا نقدم أفضل ما لدينا، ثم يقدم قصيدته "فتلقف ما صنعنا".

قلّدتُ شعره عدة مرات، فكتب قصيدة "عندي الكثير لأفعلَه" مقلداً أسلوبه، وأرسلتها له.. فعدّل فيها الكثير فصارت أجمل. وكتبت قصيدة "لا وقت عندي للكلام" على طريقة قصيدته "أحتاج بعض الوقت". لكني لا أنسى تلك الليلة التي طالت ونحن نرد على بعضنا شعراً، حتى قال لي: أخي ياسر، لم أعُد أستطيعُ التحمّل، فأنا أكتب الآن وأنا أبكي.. فَلَملمنا ما كتبناه، فخرج كلٌّ منا بقصيدة وجدانية جميلة وحزينة.

بعد أن تمنّع كثيراً، أجريتُ معه ثلاثَ مقابلات أدبية، وربما كنت الوحيد أو الأول، نشرتها في أكثر من مجلة.. وقد ذكر د. أسامة الأشقر هذا في رثائه له بقوله:" وكم كنتُ أتمنى أن يكشف الشاعر عن نفسه ويشارك في الملتقيات والأمسيات الشعرية إلا أنه لم يوافق يوماً على هذا الظهور العلني المباشر، إلا أنه اقتنع بجدوى الحضور فأطلق موقعه الشخصي وبدأ يُجري مقابلات صحفية حرّضه عليها الأخ الشاعر ياسر علي رئيس تحرير مجلة العودة وقبلها في مجلة فلسطين المسلمة".

استطعتُ استدراجَه لذلك حين اكتشفتُ أن له قصيدة بدأت تنتشر وتُنسب إلى الشاعر الكبير أحمد مطر، وهي قصيدة "هكذا تكلّم الزعيم"، ولكنها بعنوان "شت أب". فبذلتُ جهداً في حملة أدبية لأعيد نسبتها إليه، وطلبت منه المساعدة في ذلك من خلال المقابلات، وهكذا كان.

فمن هو شاعرنا؟

إنه خميس لطفي حْزَيِّن، شاعر لاجئ فلسطيني من قرية "القباب"، ولد في النصيرات وسط قطاع غزة بعد النكبة بأسابيع، عام 1948. وقضى طفولته الأولى في دير البلح، وتعلم في مدارسها، ثم نزح منها عام 1968 إلى الأردن بعد الاحتلال.

بدأ كتابة الشعر في مراحله الدراسية الأولى وله قصائد كثيرة منها: المهاجر، زمان الكفاح، النسر يأكل قلبي، الآخرون.



أكمل تعليمه الجامعي في أوروبا وحصل على بكالوريوس في الهندسة الإلكترونية، وعاد إلى الأردن، ثم انتقل للعمل مهندساً للاتصالات في السعودية.

أصدر ثلاث مجموعات شعرية عبر "مؤسسة فلسطين للثقافة"، بإشراف د. أسامة الأشقر الذي كتب مقدمات نقدية لهذه المجموعات، وهي:"وطني معي" و"عُد غداً أيها الملاك" و"فوق خط التماس".وهي مجموعات تضمنت في معظمها يوميات وأحداث جرت في الانتفاضة، وكما يقول في مقابلة سابقة: أدين في كل ما كتبته للانتفاضة..

عُرف بحبه الجارف لغزة، وكتب لها الكثير من قصائد "الحب" و"الفخر" المليئة بالانتماء عن بُعد.

واشتُهر له قسَمُهُ الشعري لفلسطين الذي يقول فيه:

أَنا الْمَدْعُوُّ: غزِّيٌّ أصيلٌ ، وابنُ غزيِّةْ
وَعُنْوانِي: خطوطُ النارِ ، في حيِّ "الشُّجاعيَّةْ "
وَأَعْمَلُ: في سبيل الله، أعمالاً فدائيةْ
أُدَوِّنُ عَنْ: هوى وطني قصائدَ لا نهائيَّة
وأُقْسِمُ أنْ: سأبقيها على شفتيَّ أغنيَّةْ
وَأَنْ أَبْقَى: على عهدي، ورأسي، غير محنيَّة
وَأَنْ أَحْيَا: لكي تبقى بلادُ العرْب محميَّة
وَلي حُلُمٌ: له أسعى، حثيثاً، صادق النيَّة
وَفِي نَفْسِي: إلى الأقصى حنينٌ ساكنٌ فيَّ
إِلَى أَجَلٍ: فها هي ذي قوى شعبي الطليعيَّة
تبشرنا بنصر الله ضد قوى الصليبية
وَلَنْ أَخْشَى: أنا إلاَّ من الذات الإلهيَّة
فَإِنْ أَقْضِ: صريعَ الحقِّ، والأوطانُ مسبيَّة
فَلا أَسَفٌ عَلى عَيْشٍ بِلا حُلُمٍ، وَحُرِّيَهْ

توفي في عمان حيث كان يقضي الإجازة السنوية إثر نوبة قلبية في أيلول (سبتمبر) 2010، عن 62 سنة.

قصيدة شت أب

أنا السببْ.
في كل ما جرى لكم
يا أيها العربْ.
سلبتُكم أنهارَكم
والتينَ والزيتونَ والعنبْ.
أنا الذي اغتصبتُ أرضَكم
وعِرضَكمْ، وكلَّ غالٍ عندكمْ
أنا الذي طردتُكم
من هضْبة الجولانِ والجليلِ والنقبْ.
والقدسُ، في ضياعها،
كنتُ أنا السببْ.

نعم أنا.. أنا السببْ.

أنا الذي لمَّا أتيتُ،
المسجدُ الأقصى ذهبْ.
أنا الذي أمرتُ جيشي
في الحروب كلها
بالانسحاب فانسحبْ.
أنا الذي هزمتُكم
أنا الذي شردتُكم
وبعتكم في السوق مثل عيدان القصبْ.
أنا الذي كنتُ أقول للذي
يفتح منكم فمَهُ:
" شَتْ أَبْ "!

***

نعم أنا.. أنا السببْ.
وكلُّ من قال لكم
غير الذي أقولهُ،
فقد كَذَبْ.
فمن لأرضكم سلبْ.؟!
ومن لمالكم نَهبْ.؟!
ومن سوايَ مثلما اغتصبتُكُم
قد اغتَصبْ.؟!
أقولها صريحةً،
بكل ما أوتيتُ من وقاحةٍ وجرأةٍ،
وقلةٍ في الذوق والأدبْ.
أنا الذي أخذتُ منكم
كل ما هبَّ ودبْ.
ولا أخافكم
ألستُ رغم أنفكم
أنا الزعيمُ المنتخَبْ.!؟
لم ينتخبني أحدٌ لكنني
إذا طلبتُ ذات يوم، طلباً
هل يستطيعٌ واحدٌ
أن يرفض الطلبْ.؟!
أقتلُهُ،
أجعلُهُ يغوص في دمائه حتى الرُّكبْ.
فَلْتَقْبَلوني هكذا كما أنا
أو فاشربوا “بحر العربْ“.
ما دام لم يعجبْكمُ العجبْ.
مني، ولا الصيامُ في رجبْ.
ولْتغضبوا، إذا استطعتم، بعدما
قتلتُ في نفوسكم
روحَ التحدي والغضبْ.
وبعدما شجَّعتكم
على الفسوق والمجون والطربْ.
وبعدما حوَّلتُكم
إلى جليدٍ وحديدٍ وخشبْ.
وبعدما أرهقتُكم
وبعدما أتعبتُكم
حتى قضى عليكمُ الإرهاقُ والتعبْ.
وبعدما أوهمتُكم أنّ المظاهراتِ فوضى
ليس إلا، وشَغَبْ.
وبعدما أقنعتكم
أن السكوتَ من ذهبْ.

***

يا من غدوتم في يديَّ كالدُّمى
وكاللعبْ.
نعم أنا.. أنا السببْ.
في كل ما جرى لكم
فلتشتموني إن أردتم،
في الفضائياتِ والخطبْ.
وادعوا عليَّ في صلاتكم وردِّدوا:
“ تبت يداهُ مثلما تبت يدا أبي لهبْ “.
ماذا يَضيرُني أنا؟!
ما دام كل واحدٍ في بيتهِ،
يريدُ أن يسقِطَني بصوتهِ،
وبالضجيج والصَخبْ.؟!
أنا هنا!
ما زلتُ أحمل الألقابَ كلها
وأحملُ الرتبْ.
فَلْتُشْعِلوا النيرانَ حولي
واملؤوها بالحطبْ.
إذا أردتم أن أولِّيَ الفرارَ والهربْ.
وحينها ستعرفون، ربما
مَن الذي
في كل ما جرى لكم
كان السببْ.!؟




قصيدة ما أروعك

ما أروعكْ.!
رفع الجميع الرايةَ البيضاءَ من زمنٍ،
وأنت بقوةٍ،
ما زلتَ ترفع إصبعيك ومِدفَعَكْ.

ذهب الجميع إلى مخادعهم وناموا بينما،
لم تغفُ أنت للحظةٍ،
وبقيت تهجر في الليالي مَخْدَعَكْ.!

عزفوا مقاطعهم عن “الإرهابِ“
ثم “الإنتحاريينَ“ لكن،
ما اكترثت ورحت تعزفُ،
للشهادة والخلود مقاطعكْ.

يتساءلون لِمَ “انتحرتَ“؟!
وأنت تسخر من تساؤلهم،
وقدرتِهم على استيعاب شرحكَ،
إنْ شرحتَ دوافعَك.

هل يفهم السفهاء ما
معنى الشهادةِ في سبيل اللهِ،
أو لِمَ نيلُها،
أضحى مُنَاك ومطمعك؟!

دعهم!
فقد ضلوا كما الأنعام بل
صاروا أضلَّ ومثلُهم لن ينفعكْ.
ما أروعكْ!

كم حاصروك وطاردوكَ،
وأوقفوك وقهقهوا..!
متوهمين بأن ذلك كلَّه قد أخضعكْ.

كم عذبوك وما اعترفت سوى
بحبك للتراب وكم،
بكيت وكنت في صمتٍ،
تكفكف أدمعكْ.

أذهلتهم.!
بتوازن الرعب الذي أوجدتهُ،
لمَّا وضعتَ على حزامك إصبعك.!
لم تستطع كل الحواجز،
إنْ أردت النيل من قطعانهم، أن تمنعكْ.

علمتهم كيف الحياة تصير موتاً،
كيف تغدو أنت حياً في الأعالي
حين تلقى مصرعكْ.

لم يفهموك..
وكلهم يسعى بجدٍ،
كي يُضيِّع تضحياتِك هكذا..
ويضيِّعك.

والآن قل..
قل ما تريدُ،
فمن سيجرؤ أن يحدق في عيونك لحظةً
ويقاطعَكْ!؟

قل ما تريد فأنت سيدهم،
وكلُّ حلولهم هي كالسراب بِقِيعةٍ،
ومتى استطاع سرابهم يا سيدي
أن يخدعك؟ّ!

ما أروعكْ.!
حسبوك وحدك عندما،
وجدوك في الميدانِ، لم يدروا،
بأن الله يا شعبي معك.!


قصيدة بقاؤكم مستحيل

على أرضنا لم يعمِّر دخيلُ.
وتاريخُنا شاهدٌ ودليلُ.
وأنتم أطَلْتُم هنا، وفسقتم
وخيرٌ لكم كانَ، ألاَّ تطيلوا.
وكل سلامٍ لنا معكم
كِذبةٌ،
وبقاؤكمُ مستحيلُ.
ستنقرضونَ،
ونحن سنبقى
ويبقى الكثيرُ، لنا، والقليلُ.
ستبقى السماءُ لنا والهواءُ
ويبقى الندى والنسيمُ العليلُ.
ستبقى الغيومُ وتبقى الرياحُ
وشمسُ النهار لنا، والأصيلُ.
لنا كل سهلٍ، لنا كل حقلٍ
لنا البرتقالُ هنا، والنخيلُ.
لنا اليومُ، والغدُ، والذكرياتُ
التي ما لها، عند شعبٍ، مثيلُ.
لنا القدسُ عاصمةٌ،
والخليلُ ويافا وحيفا
لنا، والجليلُ.
وكلُّ فلسطينَ من بحرها
إلى نهرها، والفضاءُ الجميلُ.
فهيا ارحلوا،
يا برابرةَ العصرِ
جئتم غزاةً، وحانَ الرحيلُ.
ولا تكذبوا..!
لا تقولوا بأنَّ لديكم هنا وطناً
لا تقولوا.!
ولا تحلموا.!
بحدودٍ يمرُّ بها، ذات يومٍ،
فراتٌ ونيلُ.
فنحن هنا..
منذ فجر الزمان
إذا غاب جيلٌ لنا، جاء جيلُ.
وأنتم هنا طارئونَ، وليسَ
وما، للمفرِّ لديكم سبيلُ.
سنقضي عليكم
وسوف نظلُّ
وراءَكمُ
والزمانُ طويلُ.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير شاعر فلسطين فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أنا السبب أنا الذی فی کل ما

إقرأ أيضاً:

24 عاما على انتفاضة الأقصى

سرايا - يصادف، اليوم السبت، الثامن والعشرين من أيلول، الذكرى الـ24 لاندلاع الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى"، التي ارتقى خلالها ما يقرب من 4500 شهيد، وأصيب أكثر من 50 ألفا.

كانت الشرارة التي أطلقت الانتفاضة، هي زيارة زعيم المعارضة في حكومة الاحتلال آنذاك، المجرم "آرائيل شارون" إلى باحات المسجد الأقصى المبارك، مدعوما بحراسة مشددة لم تشهدها القدس من قبل، حيث رافقه نحو ثلاثة آلاف من شرطة الاحتلال والمخابرات والحرس، لتندلع مواجهات عنيفة بين مئات المواطنين الذين هبوا لطرد شارون وقواته، قبل أن تمتد لكامل فلسطين، وتصبح في ساعات قليلة "الانتفاضة الثانية".

في خلفية اندلاع الانتفاضة، بعد أسبوعين من المفاوضات التي عقدت في منتجع "كامب ديفيد" بدعوة من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، ومشاركة الرئيس الشهيد ياسر عرفات، ورئيس وزراء الاحتلال الأسبق إيهود باراك، وفي تموز من العام 2000، وبعد عدم التوصل إلى حل سلمي للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، اندلعت "انتفاضة الأقصى".

آنذاك، رفض الشهيد عرفات تقديم تنازلات من شأنها التوقيع على الاتفاقية التي كانت ترسم شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية، وشهد عصر الخميس 28 أيلول 2000 مواجهات بين مصلين وشبان غاضبين وشرطة الاحتلال وحرس حدوده وقواته الخاصة، التي اقتحمت باحات الأقصى، لتأمين تدنيسه من قبل زعيم حزب الليكود المتطرف أرئيل شارون، وعدد من أعضاء حزبه اليمينيين، فكانت تلك الساعات الشرارة الأولى لانطلاق الانتفاضة الثانية، والتي عُرفت فيما بعد باسم "انتفاضة الأقصى".

أصيب في أحداث اليوم الأول، الخميس 27 أيلول، 20 شابا بجروح مختلفة، وشهد اليوم الثاني، الجمعة 29 أيلول، مواجهات أكثر عنفا، بعد انتهاء صلاة الظهر، أسفرت عن استشهاد ستة شبان و300 جريح، والشهداء هم: أسامة جدة من القدس، وبلال عفانة من أبو ديس، وحمد فراح من أم الفحم، ويحيى فرج من بيت صفافا، وهيثم عويضة من القدس، أما الشهيد السادس فظل مجهول الهوية حتى اليوم التالي.

السبت، 30 أيلول، وهو اليوم الثالث للأحداث، عم اضراب شامل وحداد عام، واتسعت رقعة المواجهات لتشمل كافة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، ما أسفر عن استشهاد 13 مواطنا واصابة 623، وكان من بين الشهداء الطفل محمد جمال الدرة بعد أن حاصرته النيران الإسرائيلية بين يدي أبيه، وأمام كاميرات التلفاز، فهزت صورته ضمائر البشر في كل أرجاء المعمورة، وصار بذلك رمزا للانتفاضة الفلسطينية في كل مكان.

وفي اليوم التالي، الأحد، الأول من تشرين الأول، استشهد عشرة مواطنين وأصيب 227 آخرين، واستخدم الاحتلال في تلك المواجهات المروحيات وصواريخ "اللاو". وخرجت أولى المظاهرات المساندة لشعبنا الفلسطيني في تصديه لقوات الاحتلال، ورفضه المساس بمقدساته الإسلامية، فكانت مظاهرة مخيم عين الحلوة، تلاها مظاهرة حاشدة في مخيم اليرموك القريب من دمشق، لتمتد لاحقا إلى معظم العواصم والمدن العربية والإسلامية والغربية، حيث شهد بعضها مسيرات مليونية، وبدأت حملات تبرعات ضخمة عبر شاشات التلفزة العربية، حيث تم تخصيص أيام مفتوحة للتبرع لصالح الانتفاضة، وخرج عشرات الجرحى للعلاج في المستشفيات العربية.

وفي ذات اليوم الأول من أكتوبر/ تشرين أول امتدت المواجهات إلى داخل أراضي عام 1948، إذ نفذ الفلسطينيون هناك إضرابا شاملا وقاموا بالاحتجاج والاشتباك مع وحدات الشرطة الإسرائيلية التي اعتقلت 18 من المشاركين، وقتلت عمر أحمد جبارين (21 عاما) قرب أم الفحم، ليكون شهيد الانتفاضة الأول من أراضي الـ48، وأصابت سبعة متظاهرين بالرصاص الحي، وثلاثة وخمسين بالطلقات المطاطية.

وبعدها بعدة أيام، أستشهد 13 مواطنا من داخل أراضي عام 48 خلال مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية في عدد من البلدات والمدن الفلسطينية، في أوسع مشاركة للفلسطينيين بالداخل في التصدي للاحتلال.

وفي اليوم الخامس للانتفاضة، الإثنين الثاني من تشرين الأول، استشهد ثمانية مواطنين في مواجهات في الداخل، وفي يوم الثلاثاء، سادس أيام الانتفاضة، استشهد 9 مواطنين في الضفة، وغزة، وكفر مندا.

وفي بدايات تشرين الأول/ أكتوبر 2000، بدأت الصحف تنشر إعلانات تأجيل حفل زفاف، حيث تأجل الكثير منها، أو تم في صمت، احتراما لدماء الشهداء والجرحى ومراعاة للظروف التي يمر بها شعبنا.

في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين أول، قتل جنديان إسرائيليان بعد أن دخلا بطريق الخطأ إلى مدينة رام الله، بأيدي الشبان الغاضبين، وردت إسرائيل بشن هجمات صاروخية بالطائرات العمودية على بعض مقار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

في 15/10، وبحلول اليوم الثامن عشر للانتفاضة استشهد الشاب رائد حمودة متأثرا بجروحه، مسجلا الرقم 100 في سجل شهداء الانتفاضة.

وفي السابع عشر من تشرين أول/ أكتوبر، تم الاتفاق على وقف إطلاق النار وسحب القوات الإسرائيلية، ولكن استشهاد تسعة مواطنين وإصابة أكثر من مائة آخرين في مواجهات عنيفة في الحادي والعشرين من أكتوبر/ تشرين أول جدّد المواجهات، التي ازدادت وتيرتها كما ونوعا.

الاحتلال من ناحيته صعد المواجهة، فقتلت طائراته الناشط البارز في حركة "فتح" حسين عبيات، وذلك بتاريخ التاسع من تشرين الثاني، بعد قصف سيارته بالصواريخ في مدينة بيت لحم، لتكون البداية في سلسلة اغتيالات الاحتلال للنشطاء الميدانيين وقادة الفصائل والعمل الوطني، حيث كان أمين سر حركة فتح في مدينة طولكرم ثابت ثابت، الهدف الثاني للاغتيال بعد عبيات.

لاحقا ازدادت وتيرة اغتيالات الاحتلال، وشملت معظم الفصائل الفلسطينية وقادتها، وأبرزهم: اغتيال الزعيم الروحي لحركة حماس أحمد ياسين، وخلفه عبد العزيز الرنتيسي، إضافة الى اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، ومئات النشطاء البارزين من مختلف التنظيمات.

يذكر أنه في 18 أيار 2001، دخلت طائرات الـ(اف 16) المقاتلة معترك الانتفاضة، وقصفت مقرات للشرطة الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، ما أسفر عن استشهاد عشرة مواطنين.

ولعل من أبرز أحداث الانتفاضة اجتياح العام 2002، التي أطلق عليه جيش الاحتلال عملية "السور الواقي"، حيث بدأت دبابات الاحتلال بدخول مدينة رام الله في 29-3-2002، ومحاصرة مقر الشهيد الراحل عرفات، وكنيسة المهد، وإبعاد المقاتلين الذين تحصنوا داخلها إلى غزة والأردن ودول أوروبية، وأعادت فيها إسرائيل اجتياح جميع مدن الضفة الغربية.

في ساعات فجر يوم الأحد 31/3/2002، جرى اجتياح مدينة قلقيلية، وفي اليوم التالي اجتيحت مدينة طولكرم، وفي الثاني من نيسان من العام ذاته اجتاحت قوات الاحتلال بيت لحم، فيما اجتاحت سلفيت وجنين ونابلس في اليوم الذي يليه، وارتكب الاحتلال خلال الاجتياحات العديد من المجازر بحق المدنيين، أبرزها: مجزرة مخيم جنين، الذي صمد لأكثر من أسبوعين في وجه آلة القتل والخراب الإسرائيلية، ودمر الاحتلال البنى التحتية وقطع أوصال المدن والمناطق الجغرافية بالحواجز والسواتر الترابية، التي زاد عددها عن 600 حاجز، ووصلت أعداد الشهداء إلى المئات والجرحى إلى الآلاف، ودمرت مئات المنازل والمنشآت والمركبات.

وكان من أشد نتائجها خرابا، بناء جدار الفصل والتوسع العنصري، الذي يبلغ طوله 728 كم، ويلتهم 23% من أراضي الضفة الغربية، خاصة في مناطق جنين وقلقيلية وسلفيت والقدس، ويفصل 36 قرية "72000" مواطن عن أراضيهم الزراعية، ويقسم الضفة الغربية الى كنتونات منفصلة، وضم 11 قرية فلسطينية "26 ألف نسمة" الى أراضي الـ48، إضافة إلى حرمان الفلسطينيين من 50 بئر مياه جوفي، توفر 7 ملايين متر مكعب من المياه، تقع ضمن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها.

وفا ..


مقالات مشابهة

  • في الانتخابات القادمة..«لطفي» و«حسن» يترشحان لرئاسة «محرري الاتصالات» بنقابة الصحفيين
  • خميس يعلق على خطاب غويدو لجماهير النصر.. فيديو
  • خميس: المفرج واللجنة الاستشارية اختصروا الطريق لفهد بن نافل في الهلال .. فيديو
  • خميس: غويدو ما نفع روما لكي ينفع النصر والجماهير لن تسكت .. فيديو
  • عملية جبانة وانتصار مزيف.. "فتح الانتفاضة" تنعى حسن نصر الله
  • 24 عاما على انتفاضة "الأقصى"
  • الدولار يفتتح الأسبوع منخفضاً أمام الدينار العراقي لكنه متماسك فوق 150 الفاً
  • 24 عامًا على انتفاضة الأقصى.. و"الطوفان" مستمر
  • 24 عاما على انتفاضة الأقصى
  • من إنتاج العالمي ريدوان.. الفنان عمر لطفي يكشف لـأخبارنا تفاصيل أول مشروع سينمائي من إخراجه