تركيا والعدوان الإسرائيلي على غزة: تقييم نظام الضمانة المقترح
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
طرحت تركيا في وقت مبكر من العدوان الإسرائيلي على غزة مبادرة تتضمن ما بات يٌعرف باسم "نظام الضمانة" وذلك بعيد فشل مجلس الأمن في تمرير مشروع قرار روسي يقترح هدنة إنسانية فوريّة في غزّة وذلك في 17 تشرين أول / أكتوبر 2023. وبالرغم من أنّ المبادرة لم تكن واضحة آنذاك، إلا أنّه سرعان ما بدأت تتبلور شيئا فشيئا بعد أن قام وزير الخارجية هاكان فيدان بطرحها خلال قمّة القاهرة للسلام في 21 تشرين أول / أكتوبر 2023 والمعنيّة بتطورات الوضع في فلسطين والعدوان الإسرائيلي على غزّة.
تقوم فكرة المبادرة على تحقيق وقف إطلاق النار أولا، ثمّ تحويله إلى وقف دائم ومستدام، ثم الانتقال إلى مساعي الحل النهائي الذي يضمن تحقيق السلام والأمن والاستقرار من خلال مجموعة من الضامنين لكلا الطرفين، حيث اقترحت تركيا أن تكون ضمن المجموعة الضامنة للطرف الفلسطيني، في حين تقوم أطراف أخرى خارجية بضمان الجانب الإسرائيلي. ومفهوم الضمان هنا يعني أنّ الأطراف المعنية ستضغط على الطرفين لمنع خرق الاتفاقات التي يتم التوصل إليها ومنع التصعيد في حال حصول ذلك ومحاسبة الطرف الذي يقوم بخرق الاتفاقات.
قام الجانب التركي بعد ذلك بتسويق المبادرة إقليمياً ودولياً خلال لقاءات جمعت وزير الخارجية التركي مع نظرائه في الدول العربية والإسلامية والخليجية. وفي تصريح له بتاريخ 25 تشرين أول / أكتوبر 2023، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المقترح المذكور هو الطريقة الأكثر واقعية وفعالية حالياً للتوصل إلى حل واقعي للصراع، على الأقل على المدى القصير والمتوسط. وشدد الرئيس أردوغان على أننا "مستعدون لأن نكون أحد الضامنين للجانب الفلسطيني بحضورنا الإنساني والسياسي والعسكري"، ودعا الدول التي لديها رغبة في إيجاد حل لهذه القضية إلى تقييم الاقتراح في أقرب وقت ممكن. ممكن، اتخاذ خطوات ملموسة، وفتح الأبواب أمام السلام.
تؤيد تركيا القرارات الدولية والمبادرات الإقليمية التي تقر بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، وتطالب باقامتها كجزء من المعادلة التي تهدف إلى تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، لكنّها تعاني من ضعف التأثير لاسيما خلال التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في مقابل الدعم اللامحدود الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتّحدة والحكومات الغربية.
تقوم فكرة المبادرة على تحقيق وقف إطلاق النار أولا، ثمّ تحويله إلى وقف دائم ومستدام، ثم الانتقال إلى مساعي الحل النهائي الذي يضمن تحقيق السلام والأمن والاستقرار من خلال مجموعة من الضامنين لكلا الطرفين..حاولت أنقرة في مرحلة من المراحل زيادة نفوذها وتأثيرها في الملف الفلسطيني من خلال العمل السياسي سواء الوساطات التي كانت نشطة في الفترة بين2002 و2009، ومن ثم حملات الضغط الإعلامي، وبعدها من خلال مبادرات المجتمع المدني كالحملات البحرية التي هدفت إلى كسر الحصار عن غزة (سفينة ماوي مرمرة 2010)، لكن مثل هذه الخطوات لا ترق اليوم إلى مستوى الإجرام الإسرائيلي، ولا تؤمّن لتركيا موطئ القدم اللازم للعب دور قوي في الملف الفلسطيني في ظل صراع القوة الصلبة الجاري في المنطقة.
ومن هذا المنطلق بالتحديد، فإنّ المبادرة التركية الحالية تحاول معالجة نقاط الضعف التركية في مواجهة العدوان الإسرائيلي على غزة، وهي نقاط ضعف سبق وأن أشرنا إليها في مداخلات سابقة وتتضمن عوائق جغرافية وسياسية واقتصادية تقيّد تحرّكات أنقرة وتجعلها أقل فعالية بكثير من غيرها من الدول في الملف الفلسطيني أو حتى بالمقارنة بدورها في مناطق مختلفة كما هو الحال في سوريا أو ليبيا أو أذربيجان أو الصومال. وحقيقة أنّ أنقرة لا تتمتّع بتواجد على الأرض أو حتى علاقات قوية مع حماس أو إسرائيل بشكل يتيح لها موطئ قدم هناك بالأصالة أو الوكالة أو حتى بالصلة، يعني أنّ تأثيرها على الطرفين ضعف للغاية كذلك.
المقترح التركي يتيح لأنقرة التواجد الفعلي على الأرض على المستويات السياسية والإنسانية والعسكرية ويجعلها لاعباً مؤثراً في المعادلة. لكن هذا التصوّر يعتمد على وجود موافقة أو تبني للمقترح من قبل الطرف الآخر، أي الولايات المتّحدة وإسرائيل والدول الأوروبية، وهو أمر غير متوقع حاليا. فضلاً عن ذلك، فإنّ الدول العربية التي من المفترض أن يشارك بعضها في ضمان الجانب الفلسطيني لم يبد حماسة للفكرة، بل إنّ بعض الدول العربية عارضتها، وهو ما يعني أنّ المقترح التركي سيبقى حبيس التصورات النظرية.
وحتى إذا ما افترضنا جدلاً وجود موافقة مبدئية من جانب الدول الغربية، فإنّ المقترح يعاني من معضلة أساسية وهي كيف سيكون بالإمكان إلزام إسرائيل بأي إتفاق إذا ما كانت الأطراف التي من المفترض أن تضمن الموقف الإسرائيلي غير قادرة او راغبة بالضغط على إسرائيل كما يتبيّن من الموقف الحالي؟
الحالة الوحيدة ربما التي من المكن أن يتم الموافقة من خلالها على المقترح هي إمّا تفادي تحمّل مسؤولية الضغط على إسرائيل من جانب واحد وبالتالي إشراك أكبر مجموعة ممكنة من الدول لتلافي تحمّل المسؤولية منفردة، لكن لا يوجد سبب مقنع لكي نفترض أنّ الولايات المتّحدة أو الدول الغربية تريد ذلك. الاحتمال الآخر، هو أن تطلب إسرائيل بنفسها هذا الأمر نتيجة لعدم قدرتها على إكمال عملياتها العسكرية مع إستمرارها في نفس الوقت في تلقّي الضربات والخسائر البشرية، وهو أمر لا يبدو أنّه عنصر فاعل في المعادلة حالياً.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تركيا العدوان فلسطين تركيا فلسطين مواقف عدوان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإسرائیلی على من خلال
إقرأ أيضاً:
«الإخوان» والانتهازية
منذ تأسيس جماعة «الإخوان المسلمين» عام 1928، تماشت الجماعة مع نظام الملكية الدستورية الذي يضمن التعددية السياسية تحت مظلة الملك، وأنشأت مقرات لها في دول أخرى يديرها أبناء تلك الدول. ورغم كثرة التجاذبات السياسية، فإن الجماعة ظلت بعافيتها حتى بعد اغتيال مؤسسها عام 1949 وانتخاب حسن الهضيبي خلفاً له. وحتى بعد ثورة يوليو (تموز) 1952، تم استثناء جماعة «الإخوان» من قرار حل الأحزاب السياسية؛ إذ كان بين الضباط الأحرار من خلفية إخوانية مثل حسين الشافعي. ولكن لاحقاً تطورت العلاقة بين نظام الرئيس عبد الناصر وبين جماعة «الإخوان» لتصبح صراعاً على السلطة، رأت فيه جماعة «الإخوان» أنها الشريكة الأقوى، والأحسن تنظيماً، والأرسخ جذوراً في البيئة المصرية، وفي هذا ما يؤهلهم للعمل على الصعود لأعلى هرم السلطة، أي تبديل نظام الحكم.
وقد امتدت هذه الثقافة لبقية فروع التنظيم في الدول العربية؛ حيث شكّلت مسألة إقامة الدولة الإسلامية على نظام الخلافة الأولويةَ في الفكر الحركي. بررت هذه الأولوية مسألة السعي إلى إسقاط الأنظمة السياسية في الدول الوطنية بهدف إقامة الدولة الإسلامية الجامعة التي يحكمها الخليفة أو من يقوم بمقامه. وقد أدى ذلك لصدامات كبيرة مع الأنظمة السياسية في المنطقة وعلى رأسها مصر وسوريا.
نتذكر في هذا الصدد شعار «الإخوان» في مصر «على القدس رايحين، شهداء بالملايين»، ولكن عندما وصلوا للحكم في مصر عام 2012، لم يتخذوا موقفاً حازماً من الدولة الإسرائيلية، ليس فقط على مستوى إبقاء العلاقات، ولكن حتى في ودية الرسائل البروتوكولية على غرار رسالة محمد مرسي لشمعون بيريز التي بدأت بـ«صديقي بيريز».
فشل «الإخوان» في مصر، ثم في تونس، وقد تورّطوا في نزاعات مسلحة في سوريا، ليس مع النظام المخلوع فحسب، بل حتى مع الفصائل الأخرى. كان القاسم المشترك على طول تاريخهم السياسي أنهم جماعة معارضة للسلطة لا تحسن توليها إن سنحت لها الفرصة. فنموذج الاصطدام في مصر، والتدرج في تونس لم يجعلهم قادرين على تمثيل الشارع الوطني نظراً لكونهم لم يخرجوا من فكرة الجماعة إلى فكرة المواطنة، فالوطن محدود جغرافياً وليس ممتداً ليكون دار إسلام مقابل دار الكفر.
على مدى تاريخهم اتخذوا سياسة التكتيك والانتهازية، فهم ينظرون للنزاعات ويتقربون للأقوى وإن اختلفوا معه بهدف الاستفادة من انتصاره على عدوهم الأكبر. ولنا في موقفهم من السعودية ودول الخليج خلال فترة الستينات والسبعينات خير مثال، فقد وقفوا مع الدول الملكية ضد حكومات الجمهورية ذات التوجه الثوري. وعندما انتهت تلك الصراعات كانوا دائماً في دور المزايد على علماء الدين السلفيين في مسألة التعاطي مع الدولة؛ وخير مثال على ذلك موقفهم في أزمة احتلال الكويت وتأليبهم الشارع على حكوماتهم بحجة استدعاء القوات غير الإسلامية لمواجهة جيوش صدام حسين.
خلاصة القول، إن تكتيك «الإخوان» أقرب لسلوك الضِباع التي تقتات على الجيف التي يصطادها الأسود. فالضبع - بالرغم من قوة فكه - لا يهاجم إلا الحيوانات الضعيفة التي يلتهمها من دون رحمة، ومن دون أن ينتظر الإجهاز عليها قبل قتلها. واليوم نجد أصواتهم في الفضاء الإعلامي بعد سقوط حكم البعث في سوريا؛ حيث تتعالى نداءات الانتصار وصيحات الأحلام بأن يمتدوا للدول الأخرى ليقيموا دولتهم المزعومة. فهم يمجّدون الدولة التي سقطت فيها آخر خلافة عابرة للحدود، بالرغم من علاقتها الوثيقة مع إسرائيل، بل لا يكترثون لكل ما تفعله إسرائيل في الأراضي السورية. وعندما يزايدون على الدول المعتدلة، فإنهم يتغافلون عن حقيقة أن دولة مثل المملكة العربية السعودية أدانت الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا في ظل صمت إخوان سوريا الذين دخلوا دمشق دخول الفاتحين.
ختاماً، إخوان سوريا مثلهم مثل بقية التنظيمات المتبنّية للفكر الإخواني، يُتقنون دور المعارض المزايد على الآخرين، وبمجرد وصولهم للحكم، فإنهم يركزون على الاستئثار بالسلطة على حساب المكاسب الوطنية، بل وحتى المبادئ التي يزايدون بشعاراتها. فهدفهم دائماً الوصول للسلطة في دول العالم الإسلامي، ولا تشكل قضية فلسطين أولوية في أجندتهم.