في ذكرى رحيله.. تعرف على مسيرة الأنبا إبرام بابا الإسكندرية الـ 62
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
في مثل هذا اليوم من سنة 979 توفي البابا القديس الأنبا أبرآم بن زرعة البطريرك الإسكندري الثاني والستون.
كان هذا الأب من مسيحيي بلاد السريان، وكان تاجراً ثرياً يتردد على مصر كثيراً لشئون تجارته، ثم أقام بها وكان يتحلى بفضائل كثيرة أهمها الرحمة على ذوى الحاجات، كما شاع ذكره بالعلم والصلاح.
لما خلا الكرسي البطريركي أجمع الأساقفة والشعب على اختياره بطريركاً.
وفي عهد هذا البابا تمت معجزة نقل الجبل المقطم الشهيرة. وذلك أنه كان للخليفة المعز لدين الله الفاطمي وزير اسمه يعقوب بن كِلِّس يكره المسيحيين ويريد الإيقاع بهم، فدخل على الخليفة وقال له: يوجد في إنجيل المسيحيين آية تقول: "لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل" (مت 17: 2). ولا يُخفي على أمير المؤمنين ما في هذه الأقوال من الادعاء الباطل.
وللتحقُّق من ذلك يجب استدعاء بطريركهم ليقيم الدليل على صدق قول مسيحهم. ففكَّر الخليفة قليلاً ثم قال "إذا كان قول المسيح هذا صحيحاً فلنا فائدة عظمى، فإن الجبل الذي يكتنف القاهرة إذا ابتعد عنها يصير مركز المدينة أعظم وأوسع، ثم دعا الخليفة الأب البطريرك وعرض عليه هذا الكلام، فطلب منه مهلة ثلاثة أيام فأمهله.
ولما خرج من لدنه جمع الأساقفة والرهبان القريبين ومكثوا بكنيسة القديسة العذراء – المعلقة – بمصر القديمة، ثلاثة أيام صائمين ومصلين لله، وفي فجر اليوم الثالث ظهرت القديسة العذراء للأب البطريرك وأعلمته عن إنسان دبَّاغ قديس اسمه سمعان، سيجرى الله على يديه هذه المعجزة. فاستحضره وأخذه معه وجماعة من الأساقفة والكهنة والرهبان والشعب، ومثلوا بين يدي المعز، وأبلغوه باستعدادهم لنقل الجبل، فخرج المعز ومعه رجال الدولة إلى قرب الجبل المقطم، فوقف البطريرك ومن معه في جانب، والمعز ومن معه في جانب آخر. ثم صلى البطريرك والمسيحيون الذين معه وسجدوا ثلاث مرات قائلين: (كيرياليسون ... يارب ارحم) وكان عندما يرفع البطريرك والشعب رؤوسهم بعد كل ميطانية يرتفع الجبل، وكلما سجدوا ينزل إلى الأرض، وإذا ساروا سار أمامهم. فوقع الرعب في قلب الخليفة ومن معه، فتقدم الخليفة من البطريرك وهتف قائلاً (عظيم هو الله وتبارك اسمه، لقد أثبتم أن إيمانكم حقيقي حي، فاطلب ما تشاء وأنا أعطيه لك).
فلم يقبل البطريرك أن يطلب شيئاً ولما ألح عليه قال له (أريد تعمير الكنائس وخاصة كنيسة القديس مرقوريوس – أبو سيفين – بمصر القديمة). فكتب له منشوراً بذلك وقدَّم له من بيت المال مبلغاً كبيراً، فشكره ودعا له وامتنع عن قبول المال، فازداد توقيراً عند المعز. فعَمَّرَ البابا البطريرك كنيسة أبى سيفين وكنائس أخرى كثيرة.
وتذكاراً لمعجزة نقل الجبل المقطم أضافت الكنيسة ثلاثة أيام إلى صوم الميلاد فأصبح 43 يوماً، كذلك أخذت الكنيسة عن هذا البابا صوم يونان (3 أيام) التي كان يصومها السريان.
ولما أكمل سعيه الحسن تنيَّح بسلام بعد أن أقام على الكرسي المرقسي ثلاث سنين وستة أشهر.
عرف هذا البابا بحبه للفقراء واهتمامه بهم، لهذا في أيامه إذ تعين قزمان الوزير القبطي أبو اليمن واليًا على فلسطين، أودع عند البابا مائة ألف دينار إلى أن يعود، وأوصاه بتوزيعها على الفقراء والمساكين والكنائس والأديرة إن مات هناك. فلما بلغ البطريرك خبر ثورة القرمطيين على بلاد الشام وفلسطين ظن أن قزمان قد مات، فوزع ذلك المال حسب الوصية. ولكن قزمان كان قد نجا من الموت وعاد إلى مصر، فأخبره الأب بما فعله بوديعته، فسّر بذلك وفرح فرحًا عظيمًا.
أعماله الرعوية:
من مآثره أنه أبطل العادات الرديئة ومنع كل من يأخذ رشوة من أحد لتقدمته بالكنيسة.
حرم أيضًا اتخاذ السراري، وشدد في ذلك كثيرًا وقد خاف الكثيرون الله وحرروا سراريهم، وجاءوا يقدمون التوبة على يديه. غير أن أحد الوجهاء لم يبال بحرمان البابا للأمر، وكان البابا ينصحه كثيرًا ويطيل أناته عليه، وأخيرًا إذ رأى أن هذا الرجل قد صار مثلًا شريرًا أمام الشعب قرر أن يذهب بنفسه إلى داره ويحدثه في الأمر. وإذ سمع الرجل بذلك أغلق باب داره ولم يفتح له، فبقى البابا ساعتين على الباب يقرع، وإذ رأى إصرار الغني على عدم فتح الباب والسلوك في حياة فاسدة، قال: "إن دمه على رأسه"، ثم نفض غبار نعله على عتبة الباب. وفي الحال انشقت عتبة الباب أمام الحاضرين وكانت من حجر الصوان. ولم يمض وقت طويل حتى طرد الرجل من عمله وفقد كل ماله وأصيب بأمراض مستعصية، وصار مثلًا وعبرة للخطاة.
في مجلس المعز:
عرف المعز لدين الله الفاطمي بعدله وسماحته وولعه بالعلوم الدينية، فكان يدعو رجال الدين للمناقشة أمامه. كان لديه وزير يهودي يُدعي ابن كِلّس، طلب منه أن يسمح لرجل من بني جنسه يُدعى موسى أن يناقش البابا في حضرته فرحب المعز بذلك، وعرضها على البابا بطريقة مهذبة، فذهب إليه البابا ومعه الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين. أذن البابا للأسقف أن يتكلم، فقال: "ليس من اللائق أن أتحدث مع يهودي في حضرة الخليفة". احتد موسى جدًا وحسبها إهانة واتهامًا له بالجهل. وفي هدوء أجابه الأسقف: "يقول اشعياء النبي عنكم "أن الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف" (إش 1 : 2).
أُعجب الخليفة بهذه الدُعابة ورأى الاكتفاء بذلك، لكن الوزير اليهودي حسبها إهانة شديدة، فبدأ مع صديقه موسى يبحثا في العهد الجديد حتى وجدا العبارة: "من كان له إيمان مثل حبة خردل يقول لهذا الجبل انتقل فيكون" (مر 11: 23، مت 21: 21) فأطلعا الخليفة عليها، وسألاه أن يطالب بابا الأقباط بنقل الجبل المقطم إن كان له إيمان ولو كحبة خردل.
استدعى الخليفة البابا وسأله عن العبارة فقال إنها صحيحة، عندئذ سأله أن يتمم ما جاء بها وإلا تعرض الأقباط جميعا لحد السيف. طلب البابا منه مهلة ثلاثة أيام، وخرج على الفور متجها إلى كنيسة العذراء (المعلقة) وطلب بعض الآباء الأساقفة والرهبان والكهنة والأراخنة وأوصاهم بالصوم والصلاة طيلة هذه الأيام الثلاثة. وكان الكل مع البابا يصلي بنفس واحدة في مرارة قلب، وفي فجر اليوم الثالث غفا البابا آبرام من شدة الحزن مع السهر، وإذ به يرى القديسة العذراء مريم تسأله: ماذا بك؟ أجابها: أنت تعلمين يا سيدة السمائيين بما يحدث، فطمأنته، وطلبت منه أن يخرج من الباب الحديدي المؤدي إلى السوق فيجد رجلًا بعين واحدة حاملًا جرة ماء، فإنه هو الذي ينقل الجبل.
قام البابا في الحال ورأى الرجل الذي أشارت إليه القديسة مريم وقد حاول أن يستعفي لكنه إذ عرف ما رآه البابا وضع نفسه في خدمته متوسلًا إليه ألا يخبر أحدًا بأمره حتى يتحقق الأمر. عرف البابا أن هذا الرجل يسمى "سمعان" يعمل كخراز، جاءته امرأة ليصلح لها حذاءها وإذ كشفت عن رجلها لإثارته ضرب بالمخراز في عينه فقلعها، فصرخت المرأة وهربت. وإنه يقوم كل يوم في الصباح الباكر يملأ بجرته ماءً للكهول والشيوخ ثم يذهب إلى عمله ليبقى صائمًا حتى الغروب.
ذهب البابا والأساقفة والكهنة والرهبان والأراخنة مع كثير من الشعب إلى ناحية جبل المقطم وكان الخليفة بجوار البابا، وكان الوزير اليهودي قد آثار الكثيرين ضد الأقباط وإذ اختفى سمعان وراء البابا صلى الجميع ولما صرخوا "كيرياليسون"، وسجدوا، ارتفع الجبل فصرخ الخليفة طالبًا الآمان وتكرر الأمر ثلاث مرات، فاحتضنه البابا .... وصارا صديقين حميمين.
طلب منه المعز أن يسأله في أي أمر، وكان يلحّ عليه فلم يشأ أن يطلب وأخيرًا سأله عمارة الكنائس خاصة كنيسة القديس مرقوريوس بمصر، فكتب له منشورًا بعمارة الكنائس وقدم له من بيت المال مبلغًا كبيرًا، فشكره وامتنع عن قبول المال فازداد كرامة في عيني المعز من أجل تقواه وزهده. ذهب المعز بنفسه في وضع أساسات الكنيسة ليمنع المعارضين.
نياحته:
جلس على الكرسي ثلاث سنين وستة أيام ثم تنيح في السادس من شهر كيهك.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أقباط ثلاثة أیام
إقرأ أيضاً:
جثمان الأنبا باخوميوس يصل إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية
وصل منذ قليل، إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، جثمان الراحل الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية.
وستقام صلوات التجنيز، على الأنبا باخوميوس، في كاتدرائية العباسية، برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني، وبمشاركة لفيف من الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة، إلى جانب حضور شعبي كبير من محبيه وأبنائه الروحيين.
وعقب انتهاء الصلوات، سيُنقل الجثمان إلى مقر مطرانية البحيرة في دمنهور، حيث يُتاح للشعب إلقاء نظرة الوداع عليه، قبل أن ينقل الجثمان، غدًا الاثنين، إلى دير القديس مكاريوس السكندري بجبل القلالي، لإتمام مراسم الدفن.
مسيرة حافلة بالعطاءورحل الأنبا باخوميوس، بعد مسيرة حافلة بالعطاء الكنسي والرعوي امتدت لأكثر من سبعة عقود، خدم خلالها الكنيسة في مختلف المواقع، وكان له دور بارز في قيادتها خلال فترة توليه منصب قائمقام البطريرك عام 2012م.
فقدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اليوم واحدًا من أبرز أساقفتها، الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية، الذي كان له دور محوري في قيادة الكنيسة خلال واحدة من أصعب مراحلها، حيث تولى منصب القائم مقام البطريرك بعد رحيل البابا شنودة الثالث عام 2012، وساهم في إدارة شؤون الكنيسة بحكمة حتى انتخاب البابا تواضروس الثاني.
مسيرته في الكنيسةوُلد الأنبا باخوميوس عام 1935، وكان من الشخصيات البارزة في الكنيسة القبطية، حيث بدأ خدمته الرهبانية في دير السريان بوادي النطرون عام 1962، وتدرج في المهام الكنسية حتى أصبح أسقفًا للبحيرة عام 1971، ثم رُقي إلى رتبة مطران، ليكون راعيًا لأبرشيته لعقود طويلة.
دوره بعد وفاة البابا شنودةعقب وفاة البابا شنودة الثالث في مارس 2012، وقع الاختيار على الأنبا باخوميوس لتولي منصب القائم مقام البطريرك، وفقًا للوائح الكنيسة، لإدارة شؤونها خلال فترة الانتخابات البابوية، والتي أسفرت عن اختيار البابا تواضروس الثاني.
وخلال هذه الفترة، قاد الكنيسة بحكمة، وحرص على تحقيق التوازن بين مختلف التيارات داخلها، كما لعب دورًا بارزًا في تنظيم الانتخابات البابوية وفقًا للائحة 1957، التي جاءت بتولي البابا تواضروس بطريرك للكنيسة الارثوذكسية.
إرثه وتأثيره في الكنيسةكان الأنبا باخوميوس نموذجًا للقيادة الهادئة والمتزنة، وتمتع بعلاقات طيبة مع مختلف الأطراف داخل الكنيسة وخارجها، وعُرف بحرصه على خدمة المجتمع والتواصل مع الأقباط في مصر وخارجها.
كما ساهم في تطوير المؤسسات الكنسية في البحيرة، وأشرف على بناء العديد من الكنائس والخدمات الاجتماعية والتعليمية.
أهم المحطات البارزة في حياة الأنبا باخوميوس5 دول خدم فيها، شملت: مصر، الكويت، السودان، الحبشة، وإنجلترا.
8 شهور قاد خلالها الكنيسة كـ قائمقام البطريرك بعد وفاة البابا شنودة الثالث عام 2012.
40 مكرسة قام بتكريسهن لخدمة الكنيسة.
43 راهبًا ألبسهم جلباب الرهبنة خلال خدمته.
54 عامًا من الأسقفية، حيث تمت سيامته أسقفًا عام 1971.
59 عامًا في الكهنوت، حيث كُرّس للخدمة الكهنوتية منذ عام 1965.
62 عامًا قضاها في الرهبنة منذ انضمامه لدير السريان عام 1962.
75 عامًا من الخدمة الكنسية التي بدأت منذ شبابه المبكر.
90 عامًا هو عمره الذي أفناه في حب الكنيسة وخدمة شعبها.
139 كنيسة تم تعميرها في حبريته، ليصل إجمالي الكنائس إلى 164 كنيسة، بعد أن كانت 25 فقط عند بداية أسقفيته.
227 كاهنًا قام بسيامتهم، حيث كان مجمع كهنة الإيبارشية عند سيامته مكونًا من 18 كاهنًا فقط.
محافظة البحيرة تنعى نيافة الأنبا باخوميوس: قامة دينية ووطنية حكيمة
وفاة الأنبا باخوميوس شيخ مطارنة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
محافظ البحيرة تُهنئ الأنبا باخوميوس بعيد الميلاد المجيد