تدهور الوضع الاقتصادي بمنطقة اليورو مع تزايد احتمالات الركود
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
تدهور نشاط القطاع الخاص في منطقة اليورو مع نهاية العام، مما يزيد من خطر تعرض المنطقة للركود في النصف الثاني من العام المقبل حيث انكمش مؤشر مديري المشتريات الذي تصدره "ستاندرد آند بورز غلوبال" للشهر السابع في ديسمبر، وانخفض إلى 47 نقطة.
ويمثل هذا الانخفاض تحدياً لتوقعات خبراء الاقتصاد بحدوث ارتفاع طفيف، رغم أنهم ما زالوا يتوقعون أن يظل المؤشر أقل بكثير من مستوى 50 الذي يشير إلى التوسع، خصوصا بعد أن أظهرت قراءات التصنيع والخدمات حدوث تراجع.
وقال سايروس دي لا روبيا، كبير الاقتصاديين في مصرف "هامبورغ كوميرشال بنك": "الأرقام ترسم صورة محبطة، حيث أخفق اقتصاد منطقة اليورو في إظهار أي علامات واضحة على التعافي". وأضاف: أن احتمال دخول منطقة اليورو في حالة ركود منذ الربع الثالث للعام الحالي لا يزال مرتفعاً بشكل ملحوظ".
وتتوافق أرقام يوم الجمعة -التي أظهرت أيضاً انخفاض النشاط الاقتصادي بشكل حاد- مع المؤشرات والبيانات التي تشير إلى انكماش اقتصاد المنطقة حتى سبتمبر الماضي، ومع ذلك، فإن أحدث توقعات البنك المركزي الأوروبي، التي نُشرت الخميس الماضي، تتوقع تحسناً طفيفاً خلال تلك الفترة، رغم أن مؤشرات مديري المشتريات الخاصة بألمانيا وفرنسا أظهرت أن الانكماش تفاقم لدى أكبر اقتصادين في منطقة اليورو.
ضعف نشاط الأعمال بمنطقة اليورو يفاقم احتمالات الركود
في سياق متصل واصلت السندات الألمانية مكاسبها وانخفض اليورو، ما رفع توقعات المتعاملين بأن يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة في العام المقبل بعد صدور البيانات الضعيفة، إذ يتوقعون أن يخفضها بمقدار 155 نقطة أساس، مقابل توقعات يوم الخميس الماضي بأن يقلصها بمقدار 150 نقطة أساس.
عوامل ضعف اقتصاد ألمانيا
يُشار إلى أن العوامل الجيوسياسية وإحجام العملاء ومعركة البنك المركزي الأوروبي ضد التضخم، تُعتبر أسباباً للأداء الضعيف في ألمانيا.
وقال "دي لا روبيا" إن هناك "عدداً متزايداً من الشركات أعلن عن انخفاض في الإنتاج لدى قطاعي الخدمات والتصنيع". وتابع: "هذا يؤكد رؤيتنا بتسجيل النمو السلبي خلال الربع الثاني على التوالي بحلول نهاية العام، مدفوعا بتراجع قطاع التصنيع".
ومما يزيد من التشاؤم، توقع البنك المركزي الألماني في وقت سابق أن ألمانيا لن تنمو إلا بالكاد في عام 2024 بعد انكماشها هذا العام.
"المركزي الأوروبي" يبقي أسعار الفائدة دون تغيير للمرة الثانية
وقالت "ستاندرد آند بورز غلوبال" إن البيانات الفرنسية تشير في الوقت نفسه إلى انكماش بنسبة 0.2% في الربع الأخير من العام الحالي، بعد انخفاض النمو 0.1% في الربع الثالث من 2023.
وقال طارق كمال شودري، المحلل الاقتصادي لدى "هامبورغ كوميرشال بنك": "الاقتصاد الفرنسي يغرق في مستنقع الركود". وأضاف: "يعزو المشاركون في الاستطلاع انخفاض مستويات النشاط إلى ظروف الطلب الضعيفة، وانخفاض القوة الشرائية للعملاء، والتباطؤ العام في الاقتصاد وهي ليست أخباراً جيدة للنمو في نهاية العام".
كانت وكالة الإحصاء الفرنسية (إنسي) أكثر تفاؤلاً، الخميس الماضي، وتوقعت حدوث ركود في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2023. وتوقعت توسعاً بنسبة 0.2% فقط في النصف الأول من عام 2024.
صورة مختلطة للتضخم
وتراقب الأسواق مؤشرات مديري المشتريات عن كثب عند صدورها في وقت مبكر من الشهر، وهي جيدة في الكشف عن الاتجاهات ونقاط التحول في الاقتصاد، ويكون من الصعب أحياناً على استطلاعات الرأي الربط المباشر بين التغيرات الواسعة في الناتج بدلاً من تفاصيل الأداء المتعمقة والناتج المحلي الإجمالي الفصلي.
وقد انخفض معدل التوظيف في كلا البلدين، مما زاد من العلامات المبدئية على التباطؤ في سوق العمل لدى منطقة اليورو، والتي كانت بمثابة نقطة مضيئة حتى الآن.
لاغارد: "المركزي الأوروبي" بدأ رصد تأثير رفع أسعار الفائدة
وأظهرت بيانات منفصلة للمملكة المتحدة أن الشركات شهدت أقوى انتعاش في الانتاج خلال ستة أشهر، مما يعكس تكاليف الاقتراض الأكثر استقراراً وارتفاع الطلب على الخدمات.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: منطقة اليورو الركود السندات الألمانية البنک المرکزی الأوروبی أسعار الفائدة منطقة الیورو
إقرأ أيضاً:
الرسوم الجمركية بين التوتر الاقتصادي وإغراق الأسواق
منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية على غالبية دول العالم، يعيش الاقتصاد العالمي مرحلة مخاض ربما تفضي إلى توتر اقتصادي يتعدى مرحلة الركود إلى كارثة اقتصادية؛ خاصة وأنه يستهدف الصين بالدرجة الأولى التي تعد ندًا قويًا للولايات المتحدة الأمريكية لإزاحتها عن تربُّع عرش الاقتصاد العالمي، ورغم أن سلطنة عُمان وشقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي ليست الشريك التجاري الأساسي والمستهدف من فرض الرسوم الجمركية الأمريكية ولن يؤثر كثيرا على صادراتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ إلا أن ارتدادات الرسوم الجمركية المفروضة على شركاء دول الخليج المتأثرين بالرسوم مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند مما أدى إلى نزول حاد لأسعار النفط عالميا إلى حافة 60 دولارًا بعد أن اقترب عتبة 80 دولارًا، مجمل تأثر الصادرات الخليجية عمومًا والعُمانية على وجه الخصوص يتركّز في سعر سلعة النفط التي تمثّل نسبة عالية من الإيرادات الخليجية، ولأن الصين هي المستورد الرئيس للنفط العُماني، فإنه لا يمكن تجاهل ما يحدث كوننا طرفًا غير مباشرين من هذه الحرب التجارية المستعرة بين أمريكا والصين، وعلينا أن نهيئ اقتصادنا لأي سيناريو محتمل.
خلال الأيام الماضية، تابعت مستوى التفاعل مع الرسوم الجمركية الأمريكية ورغم توجُّس البعض من تأثيرها على الاقتصاد العُماني، إلا أنني متفائل كثيرا بالتعديلات التي طرأت على الاقتصاد العُماني منذ تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ مقاليد الحكم في البلاد، حيث لم يعد انخفاض سعر النفط هو الهاجس الرئيس للتشاؤم بتضرر مؤشرات الاقتصاد الكلي؛ بسبب انخفاض سعر التعادل في الميزانية العامة للدولة إلى أقل من 70 دولارًا أمريكيًا بعد أن كان يتجاوز 80 دولارًا أمريكيا قبل خطة التنمية الخمسية العاشرة. وأن الأزمة الاقتصادية الحالية -إن حدثت- سيكون تأثيرها محدودًا بسبب أن المالية العامة للدولة حقّقت ارتفاعًا في الإيرادات منذ سنوات، وبالتالي لن يكون التوتر الاقتصادي عميقًا مقارنة بالفترة قبل الوباء العالمي كوفيد19، إضافة إلى استفادة المخططين الاقتصاديين والباحثين في الشأن الاقتصادي والمالي من مآلات أزمة انخفاض أسعار النفط العالمية منذ 2014 مرورا بأزمة كوفيد 19 إلى عودة الحياة إلى طبيعتها منذ أواخر 2021، والرسوم عمومًا تربك مؤشرات الاقتصاد الكلي من خلال ارتفاع نسبة التوظيف لتغطية الطلب على السلع والخدمات التي ستشهد ارتفاعا في الأسعار بلاشك؛ بسبب ارتفاع الطلب وانخفاض العرض. أيضًا يؤدي ذلك إلى تضرر دخل الأفراد؛ لزيادة الإنفاق على الاستهلاك وبالتالي يحدث انخفاض في دخل المستهلك، فأثر الرسوم الجمركية الأمريكية بمعدلات قياسية يمتد إلى ارتفاع احتمالية حدوث ركود في الاقتصاد العالمي والاقتصاد الأمريكي على وجه الخصوص؛ بسبب ضعف الطلب على المنتجات الأجنبية وارتفاع أسعار الصناعات الأمريكية؛ لارتفاع أسعار المواد المستخدمة في الصناعات. وبالتالي ما أتوقعه أن يحدث إغراق للأسواق بالمنتجات الصينية بأسعار مخفّضة للتخلص من تكدس المنتجات، رغم أن زيادة الإنتاج المحلي يدعم الصناعات المحلية إلا أن ذلك لا يمكن تعويض الخسائر المتوقعة من فرض الرسوم الجمركية؛ بسبب فرض رسوم جمركية على الصادرات إلى الدول التي تم فرض رسوم جمركية على سلعها ومنتجاتها. فماذا يمكن أن تفعل الدول بصادراتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ كونها فرضت رسومًا جمركية على غالبية الدول وحتى مع تأجيل الرسوم الجمركية الأمريكية لمدة 90 يومًا، كيف ستواجه سلطنة عُمان رفع الرسوم الجمركية على الصين إلى 145%؛ كون الصين الشريك التجاري الأهم لسلطنة عُمان ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى؟ حقيقة لابد من التوسع في الأسواق الأخرى غير السوق الصيني؛ لعدة أسباب أولها أنّ الحرب التجارية الأمريكية الصينية يبدو أنها مستمرة خلال الفترة القادمة في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين؛ أي خلال فترة رئاسة دونالد ترامب الحالية. ورغم الجهود التي بذلتها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لحماية السوق من حالة الإغراق كالسلع الكهربائية الصينية، إلا أن الصناعات العُمانية بحاجة إلى مواد أولية من الصين لمواصلة عمليات التصنيع والإنتاج، وبالتالي لا يمكن فرض رسوم جمركية على جميع المواد الأولية الصينية؛ لعدة أسباب من بينها أن فرض الرسوم، سيؤدي إلى ارتفاع المنتجات المحلية وبالتالي يؤثر على دخل الأفراد في حال كانت من الضروريات، وسيسهم في كسادها في حال كانت من الكماليات، مما سيؤثر على الأداء المالي والإداري للشركات وربما يتعرض بعض العاملين لحالات إنهاء الخدمات وإفلاس الشركات، وفي حال قررت الشركات بيع السلع بأقل من سعر تكلفتها؛ للتخلص من المخزون الزائد، وبقاء الشركات على قيد الحياة، سيؤدي ذلك إلى مخاطر كبيرة على المصنّعين المحليين في صادرات سلعهم إلى الأسواق العالمية؛ بسبب ضعف الطلب في ظل تباطؤ اقتصادي عالمي سيتعمّق في حال استمرار الرسوم الجمركية الأمريكية مما سيلقي بظلاله على أسعار النفط عالميًا.
إن جملة الإصلاحات المالية التي أقرتها سلطنة عُمان منذ عام 2020 ونتج عنها حوكمة الإنفاق الحكومي وتخفيض سعر التعادل إلى أقل من 70 دولارًا أمريكيًا كانت خطوة إيجابية للتعامل مع تقلبات أسعار النفط بسبب الحرب التجارية التي يشهدها العالم حاليا، إلا أننا نرجو أن ننوّع صادراتنا وأن نبحث عن أسواق بعيدة عن التوتر الاقتصادي بين أمريكا والصين الذي يبدو أمده طويلًا في ظل استمرار التنافس التجاري والاقتصادي بينهما على تربُّع عرش الاقتصاد العالمي، وأن نبذل جهودًا أكبر في التنويع الاقتصادي عبر رفع مساهمة القطاعات الأخرى في الناتج المحلي الإجمالي حتى لا يستمر سعر برميل النفط هو المؤثر الرئيس على الاقتصاد العُماني نتيجة الرسوم الجمركية الأمريكية سواءً الحالية أو المستقبلية.