واصل الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" تصعيد عملياتهما العسكرية بضراوة حول محيط القيادة العامة للقوات المسلحة وسلاح المدرعات بوسط وجنوب الخرطوم، إذ تبادل الطرفان القصف المدفعي، فضلاً عن استخدام المسيرات، مما أحدث دوي انفجارات تصاعد على إثرها أعمدة الدخان في سماء مناطق متفرقة من العاصمة السودانية.

ورصد شهود قصفاً مدفعياً عنيفاً ومتتابعاً من "قوات الدعم السريع" المتمركزة بشرق وجنوب الخرطوم، استهدف محيط القيادة العامة للجيش وسط العاصمة، فيما سمع دوي قصف متواصل لساعات من ناحية أحياء شرق العاصمة من جهة جسر المنشية وبري والرياض، إضافة إلى أصوات إطلاق نار متقطع.

كما شن الجيش غارات جوية على مواقع وتجمعات "الدعم السريع" قرب محيط سلاح المدرعات، بخاصة أحياء الشجرة والنزهة والصحافة.

وفي أم درمان أشارت مصادر عسكرية إلى تقدم الجيش عبر خمسة محاور تبدأ من قاعدتي وادي سيدنا، وكرري شمال المدينة، وتنتهي بسلاح المهندسين جنوباً، في وقت يسيطر فيه على طرق رئيسة هي شارع النيل والوادي والشنقيطي والصناعات والعرضة.

ونوهت المصادر إلى أن الجيش صوب مدفعيته أمس الأربعاء، باتجاه أحياء أم درمان القديمة، ومقر الإذاعة والتلفزيون، ومنطقة الصالحة أقصى جنوب المدينة، حيث مواقع تمركزات "قوات الدعم السريع"، مشيرة إلى حدوث اشتباكات برية بين طرفي الصراع حول منطقة السوق الشعبي غرب أم درمان.

وفي الخرطوم بحري، خاض الجيش معارك عنيفة مع "قوات الدعم السريع" في منطقة الكدرو الواقعة أقصى شمال المدينة، فيما أطلقت الأخيرة صواريخ مدفعية عدة من منصاتها بجنوب وشرق ووسط العاصمة باتجاه سلاح الإشارة جنوب بحري.

ولفت مواطنون بعدد من أحياء العاصمة، إلى تصاعد وتيرة القتال خلال الفترات الصباحية وانخفاضه في وقت الظهيرة، ليعود الجيش لاستخدام الطيران الحربي، و"الدعم السريع" إلى إطلاق مدفعيته مساء، فضلاً عن استخدام الطرفين للمسيرات.

على الجانب الإنساني، ما زال سكان جنوب أم درمان، خصوصاً منطقة الفتيحاب والمربعات القريبة من سلاح المهندسين يعيشون وضعاً مأسوياً بسبب نقص الغذاء وانقطاع خدمتي الكهرباء والمياه لأكثر من ثلاثة أشهر، في وقت ظلوا يطالبون بفتح مسارات آمنة للخروج من هذه المنطقة الملتهبة التي تشهد حصاراً عسكرياً ضارباً.

أما في الخرطوم فتعمل السوق المركزية والمحال التجارية داخل الأحياء خصوصاً الجنوبية بشكل جزئي، كما يعمل عدد من المخابز لساعات محدودة لتغطية حاجة الأسر الموجودة من الخبز، لكن تشهد هذه الأحياء فقداناً تاماً لغاز الطهي منذ أكثر من أربعة أشهر، مما قاد الأسر إلى استخدام أغصان الأشجار كبديل، في وقت يعاني فيه معظم الأطفال سوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية.

أما الخرطوم بحري فشبه خالية من السكان بسبب انقطاع الكهرباء والمياه منذ بدء القتال في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، وغدت مسرحاً للعمليات العسكرية

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

المعارك العسكرية هي الحلقة الأخيرة من حلقات الحرب

عساكر وضباط الجيش يقدمون أنفسهم بكل سخاء في ظل ظروف سيئة للغاية. رواتب متدنية لا تكفي لشخص واحد ناهيك عن أسرة، وحتى في ميدان المعركة بعضهم لا يجد ولا حتى عناية طبية؛ جرحى يتم علاجهم بالتبرعات وآخرين يتكفل بهم أهلهم. مواقع عديدة سقطت بسبب نفاد الذخيرة.

ومع كل ذلك، العسكري يقاتل ويستشهد. بلا مرتب، بلا معينات، بلا ذخيرة ويقاتل حتى النهاية.

إذن لا توجد مشكلة في الجيش كجيش. وفي الوقت نفسه، ورغم كل شيء، لا ننكر المجهود الذي تقوم به قيادة الجيش من الناحية العسكرية البحتة، والذي لولاه لسقطت البلد ولأصبحنا تحت سلطة عملاء الأمارات. بعد أن تسببت في تردي الأوضاع الأمنية والعسكرية في البلد إلى هذا الدرك، لاشك أن قيادة الجيش تبذل أقصى ما في وسعها. ولكن أقصى ما في وسع الجيش ليس كافيا.

لا يمكن للجيش أن يقاتل وينتصر بدون دولة تسنده. في كل تاريخ العالم والبشرية الحروب تخوضها الدول والممالك والإمبراطوريات لا الجيوش؛ بمعنى أن الجيش هو أداة الدولة في الحرب، وهو ليس الدولة ولا يخوض الحرب من تلقاء نفسه بمعزل عن الدولة.

لذلك، فالوضع الحالي في السودان شاذ للغاية. يوجد جيش يقاتل ولكن لا توجد دولة. حينما اندلعت الحرب لم تكن هناك حكومة. وفي الحقيقة فقد توقف وجود الدولة في السودان منذ لحظة بيان ابنعوف وإنهاء نظام الإنقاذ. أصبحت البلد تحت قبضة حميدتي لبعض الوقت ثم حميدتي والقحاتة الخونة ومعهم البرهان كشريك ثم بعد الإطاحة بحكومة حمدوك استمر الفراغ، وظلت الدولة تتآكل وتذوب طوال هذا الوقت قبل الحرب وبعدها. والمسئول الأول عن كل هذا هو البرهان شخصيا.

الجيش يقاتل لوحده بلا أي سند. معينات كثيرة فيما يخص الجانب العسكري كان يمكن توفيرها لو أن هناك حكومة فاعلة، ولكن الجيش يقاتل بلا ظهر لأن قيادته تسجن الدولة وتعطلها. قيادة عسكرية قد تجيد العمل العسكري أو لا تجيده ولكنها قطعا غير مؤهلة لإدارة دولة كاملة في حالة حرب؛ دولة بلا حكومة وبلا مؤسسات.

عساكر وضباط الجيش يجب أن يعلموا أن ظهرهم مكشوف بسبب قيادتهم التي تسيطر على الدولة دون أن تملك القدرة السياسية على إدارة هذه الدولة؛ وأنهم كجيش لن يستطيعوا الصمود لفترة طويلة في ظل هذا الوضع. قد تصمد اليوم وتنتصر غدا، ولكنك على المدى القصير ستنهزم.

لا يوجد جيش في العالم يستطيع أن يحارب حرب طويلة تدعمها دول ومنظمات لها قدرات إقتصادية وسياسية ودبلوماسية فائقة دون أن تكون هناك دولة وراء هذا الجيش.

لقد جرد أعداء السودان الدولة السودانية من صفة الدولة واختزلوها في الجيش؛ حتى في التفاوض يتفاوض الجيش كجيش، لا كحكومة. ولكن اللوم ليس على الأعداء، فهم أعداء في النهاية. السؤال هو ماذا فعلت القيادة التي تحتكر في بورتسودان لكي يتم التعامل مع السودان كدولة؟.هل البرهان نصف إله مثلا أو سوبرمان لكي يستمد الشرعية من ذاته؟
يوجد في السودان حاليا أكبر التفاف جماهيري حول هدف الدفاع عن الدولة والمحافظة عليها؛ لا يمكن أن تتوفر شرعية لأي حكومة في تاريخ السودان أكثر من شرعية الدفاع عن الدولة والشعب في هذه اللحظة، ولن تجد سندا أكثر من السند المتاح حاليا. ولن يكون السودان في أي لحظة من تاريخه أحوج إلى وجود حكومة ودولة من الآن.

حليم عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • السودان والأسئلة المفتوحة
  • تجدد الاشتباكات في الفاشر والجيش السوداني يحاصر الدعم السريع غربي سنار
  • تجدد الاشتباكات بالفاشر وتحذيرات من مجاعة كارثية بالسودان
  • السودان: تواصل العمل لتأهيل مطار عطبرة
  • السودان: النيابة العامة تكشف حقيقة إطلاق سراح قناصة إثيوبيين
  • الجيش في السودان يؤكّد مقتل العشرات في عملية تحرير جبل موية
  • المعارك العسكرية هي الحلقة الأخيرة من حلقات الحرب
  • كباشي يتفقد الجيش في سنار ويؤكد إفشال «مخططات تدمير السودان»
  • حركة مناوي ترد على تصريحات الدعم السريع بشأن القتال معها.. ما علاقة الإمارات؟
  • والي سنار يعلن إحباط هجوم للدعم السريع ويؤكد استقرار المدينة