الاقتصاد في 2023.. تداعيات طوفان الأقصى ومشهد عالمي مفكك
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
على ما يبدو أن العقد الماضي هو بلا شك عقد عدم الاستقرار المالي والاقتصادي على مستوى العالم، فقد مر الاقتصاد العالمي بأحداث شديدة السلبية، منها: انهيار أسعار النفط منتصف عام 2014، ثم جائحة فيروس كورونا في نهاية 2019 وبداية 2020، ثم التداعيات السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، ثم طوفان الأقصى، وما تبعه من اعتداءات إسرائيلية وحرب إبادة في غزة.
وذهب صندوق النقد الدولي في توقعاته لأداء النمو الاقتصادي العالمي بتقريره "آفاق الاقتصاد العالمي.. أكتوبر/تشرين الأول 2023″، إلى أن النمو الاقتصادي العالمي الحالي هش، ولن يتعدى 3% في 2023، و2.9% فقط عام 2024.
التقرير أشار أيضا إلى أن التضخم سيصل إلى حدود 5.9% عام 2023 بينما سيتراجع إلى 4.8% عام 2024.
ومن العلامات البارزة في العلاقات الاقتصادية الدولية، استمرار الصراع الأميركي الصيني، على الرغم من لقاء رئيسي البلدين في الولايات المتحدة خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
فالمفاوضات لم تصل إلى شيء بخصوص حجب التكنولوجيا الأميركية عن الشركات الصينية، أو تلك الخطوات التي اتخذتها الصين ردا على القرارات الأميركية بهذا الشأن.
وهنا لا بد من ملاحظة مهمة في شأن الصراع الأميركي الصيني، فهو صراع مصالح، تغيب عنه الأيدلوجيا. وكلا الطرفين متمسك بالنهج الاقتصادي الرأسمالي، وهو ما يعني أن معادلة انحياز الاقتصاد العالمي لصالح الأغنياء لن تتغير، حتى لو عادت العلاقات إلى وضعها الطبيعي.
ارتهان اقتصاد العالم لسياسة سعر الفائدة الأميركيةلقد عانى الاقتصاد العالمي خلال عام 2023 من عدة مشكلات اقتصادية، منها استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، وخاصة في السوق الأميركية، وهو ما أثر بشكل كبير على أسواق المال، ورفع من تكلفة التمويل في العديد من الدول النامية والصاعدة.
وترجع الأزمة في جذورها إلى أحداث الحرب الروسية الأوكرانية نهاية فبراير/شباط 2022، وما تبعها من ارتفاع كبير في أسعار النفط والغاز، ثم ارتفاع في تكلفة أسعار الغذاء، وهو ما أثار مخاوف تكرار أزمتي الطاقة والغذاء التي عاشها الاقتصاد العالمي في عامي 2006 و2007.
وتصاعدت معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث وصلت المعدلات آنذاك إلى 9.1%، وهو ما جعل صانع السياسة المالية، يُعمل آلية سعر الفائدة ليمتص التضخم المرتفع.
واتخذ سعر الفائدة مسارا تصاعديا حتى وصل الآن إلى نطاق 5.25%- 5.5%، قبل أن يقرر المجلس الفدرالي الأميركي تثبيته عند هذا المستوى في آخر اجتماع له في ديسمبر/كانون الأول 2023.
وأشار المركزي الأميركي في اجتماع الأخير إلى أن التشديد التاريخي للسياسة النقدية الأميركية بلغ نهايته، وأن تكاليف الاقتراض ستنخفض في 2024.
وكان من تبعات ارتفاع سعر الفائدة في أميركا، عدة أمور سلبية على الصعيد الأميركي والعالمي:
على الصعيد الأميركي، أدى الأمر إلى انهيار بنوك أميركية كبرى، بسبب خلل هيكلها التمويلي الذي بني على أسعار فائدة منخفضة، وهو ما اضطر المودعين لدى هذه البنوك إلى سحب مدخراتهم، وتسبب ذلك في أزمة سيولة لديها، ولكن الحكومة الأميركية، تبنت سياسة دعم هذه البنوك من خلال توفير السيولة اللازمة، ليتم تمرير أزمة البنوك الأميركية، وإنقاذها من الإفلاس. أما على صعيد باقي دول العالم، فلا يزال سعر الفائدة في السوق الأميركية، هو من يقود أسواق المال في العالم، وكذلك صناعة السياسات النقدية الخاصة بسعر الفائدة، وما يتبعها من مشكلات تتعلق بالديون العامة، وزيادة العجز بالموازنات العامة، وخاصة في الدول التي ترتبط اقتصادياتها بالدولار. في منطقتنا العربية وجدنا حالة من التماهي من قبل البنوك المركزية، خاصة في دول الخليج، برفع أسعار الفائدة كلما اتخذ المجلس الفدرالي الأميركي قرارا بذلك. معدلات النفط الغامضةمنذ يناير/كانون الثاني 2023 وأسواق النفط تعيش تقلبات متكررة، تارة بسبب ضعف أداء النمو الاقتصادي، وتارة بسبب أحداث سياسية هنا وهناك، إلا أن ما يتعلق ببيانات اقتصادية تخص أميركا أو الصين كان له أثر السحر في تحريك أسعار النفط صعودا وهبوطا.
ورغم أن أسعار النفط في الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى مايو/أيار 2023 كانت متماسكة عند متوسط 85 دولارا للبرميل، بالنسبة لخام برنت، إلا أن الفترة من مايو/أيار وحتى سبتمبر/أيلول من نفس العام، شهدت تراجعا ملحوظا حتى وصلت إلى 72 دولارا للبرميل.
ومع بداية سبتمبر/أيلول 2023 شهدت أسعار النفط تحسنا، حيث ارتفعت أعلى من 90 دولارا للبرميل، لكن هذا الارتفاع لم يصمد طويلا، حيث عادت إلى التراجع من جديدة في ديسمبر/كانون الأول 2023. وتخبرنا الأسواق أن خام برنت بات يتأرجح بين 75 و76 دولارا للبرميل، مقابل 71 دولارا للخام الأميركي، رغم أن تحالف أوبك بلس أعلن عن تخفيضات جديدة بشأن سقف الإنتاج.
وعلى الجانب الآخر، فإن الأحداث التي تعيشها غزة بسبب حرب إسرائيل، وما ترتب عليها من أحداث وتداعيات سلبية اقتصادية على المنطقة والعالم، وأيضا الواقع الجديد الذي فرضته جماعة الحوثي على حركة السفن الإسرائيلية، لم تؤد إلى إشعال أسعار النفط، ومن هنا تم وصف معادلة النفط في السوق الدولية بأنها غامضة.
وفي أوروبا تم التعامل مع أسواق النفط والغاز خلال 2023، بما يمكن أن نسميه استيعاب الأزمة، وإداراتها بشكل جماعي، ومحاولة فرض سعر موحد للنفط الروسي، وهو ما خفف من الأعباء المالية على الدول الأوروبية وأوجد ظروفا أفضل، لكن ذلك لا يعني انتهاء هذه الأزمة، خاصة أن فاتورة الطاقة بالنسبة للدول الغربية بعد أزمة الحرب "الروسية – الأوكرانية" كانت الأعلى على مدار السنوات الفائتة.
واقع الاقتصاد العربيالواقع الاقتصادي للدول العربية، يجعل من الصعب وصفه بأنه اقتصاد متجانس، لا من حيث الأداء، ولا النتائج، فهناك الدول النفطية -دول الخليج والعراق والجزائر وليبيا- لها بنيتها وهيكلها الاقتصادي والمالي.
وهناك دول غير نفطية لكنها صاحبة اقتصادات متنوعة مثل مصر، والمغرب، والأردن، وتونس، ولبنان، ودول شديدة الفقر أو أقل نموا مثل السودان وموريتانيا واليمن، وجيبوتي والصومال وجزر القمر.
وبالنسبة للاقتصادات النفطية، فإن وضعها المالي كان أفضل خلال 2023 بسبب أسعار النفط التي مكنت معظم الدول النفطية من تحقيق فوائض مالية، وتحسين أرصدتها من النقد الأجنبي، كما قللت من ظاهرة الاستدانة الخارجية، وإن كانت مشكلات هذه الاقتصادات أزلية، من حيث اعتمادها على الخام بشكل كبير.
أما بالنسبة للدول صاحبة الاقتصادات المتنوعة، التي تصنف كذلك بأنها متوسطة الدخل، ففي غالبيتها تعاني من أزمة تمويل، يمكن وصفها بالخانقة في مصر وتونس.
أما في لبنان فيعد الأمر عصيا عن الحل، على الرغم من حالة التفاؤل بعد التوصل لاتفاق بشأن الحدود البحرية، وتمكين إسرائيل من التنقيب عن الغاز في الحدود المشتركة، لكن إلى الآن لبنان لم يتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، كما أن وضعه المالي العام ومستوى معيشة الأفراد شديدا السلبية.
وفي المغرب والأردن، نجد أن البلدين يمران بمشكلات اقتصادية، لكنهما لا يجدان صعوبات في الحصول على تمويلات من المؤسسات الدولية، خلافا لما عليه الوضع في كل من مصر وتونس ولبنان.
وهناك مكون مهم من الاقتصادات العربية، عانى من أزمات اقتصادية واجتماعية خلال عام 2023، بسبب النزاعات المسلحة، وهي ليبيا وسوريا واليمن والسودان والصومال والعراق. وإن كانت حدة المشكلة تختلف من بلد إلى آخر.
والجديد بالنسبة للسودان، هو أنه يتجه بشدة لتفكك الدولة، وخضوع موارده الاقتصادية للأطراف المتنازعة.
تركيا وتعثر ثمار التوجهات الاقتصادية الجديدةمنذ مايو/أيار 2023، عندما أُعلن عن فوز الرئيس رجب طيب أردوغان وتحالفه السياسي بالانتخابات، حدثت تغيرات كبيرة في السياسات الاقتصادية، مثل ارتفاع سعر الفائدة من 8.5% إلى 40%، وانخفاض مستمر في سعر الليرة أمام الدولار، حيث يقترب الآن من 29 ليرة للدولار، ويتوقع أن يصل إلى 30 دولارا في نهاية 2023.
أما عن التضخم، فقد وصل إلى 62% بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بعد أن كان بحدود 38% في يونيو/حزيران 2023، وهو ما يترك آثارا سلبية على مستوى معيشة المواطنين، وإن كانت تركيا لا تزال تحافظ على أداء إيجابي جيد في مجالي الصادرات السلعية والسياحة.
ولا تلوح في الأفق بوادر لتحسن المؤشرات المالية والنقدية لتركيا في عام 2024. وإن كانت العلاقات الخارجية الاقتصادية لتركيا قد شهدت تحسنا ملحوظا مع منطقة الخليج خلال عام 2023، خاصة مع السعودية والإمارات، سواء على الصعيد التجاري، أو السعي لجلب استثمارات هاتين الدولتين للسوق التركي.
طوفان الأقصى وتداعياته الاقتصادية
قد يقرأ البعض التداعيات الاقتصادية السلبية لطوفان الأقصى، على الجانب الإسرائيلي، في شكل توقف بعض الأنشطة التجارية والاقتصادية أو اختلال وضعها المالي بسبب تكلفة الحرب، وخسائرها العسكرية في العتاد والموارد البشرية.
كما قد يتم حصر قراءة الأوضاع من جانب التأثير على شعب غزة، في هدم المباني، وتدمير البنية التحتية، أو فقدان آلاف الشهداء خاصة الكوادر العلمية، لكن لأحداث اعتداءات إسرائيل وحربها عل غزة تداعيات أكبر.
فلإن كانت الأرقام ترصد توقف حركة السياحة في إسرائيل، وخروج بعض سكانها هربا من الحرب، فإن بنية إسرائيل الاقتصادية ضربت في مقتل، بسبب عدة أمور أنجزتها عملية طوفان الأقصى التي نفذت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وعلى رأسها هدم صورة إسرائيل المتقدمة تكنولوجيا، حيث تم اختراق نظمها الأمنية المعنية بتأمين غلاف غزة، وكذلك اختراق نظامها الأمني لمؤسساتها الحكومية غير مرة.
هذا الوضع سيفقدها تسويقها كمنتج ومصدر للأنظمة والمعدات التكنولوجية، وما يترتب على ذلك من هروب الاستثمارات الحالية في هذا المجال وحرمانها من جذب استثمارات خارجية جديدة.
وعلى الصعيد الإقليمي، سيكون لعملية طوفان الأقصى وهجمات جماعة الحوثي تأثيرا على السياحة الإقليمية وحركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وتأمين التجارة العالمية.
استشراف الأوضاع الاقتصادية في 2024يدخل الاقتصاد العالمي عام 2024، وسط ضبابية في كافة القضايا المثارة خلال عام 2023. فلم يتم التوصل إلى تسوية بين القوى الاقتصادي الكبرى (أميركا والصين)، كما أن كلا البلدين لم يتخلصا من مشكلاتهما الاقتصادية الداخلية، والتي تكبل دور كل منهما في تحقيق حالة رواج أو انتعاش للنمو الاقتصادي العالمي، وخاصة الصين، التي تتفاقم فيها أزمة الديون الداخلية.
وقد تساعد سياسة أميركا الخاصة بسعر الفائدة، واحتمالات أن تشهد اتجاها نزوليا؛ في تخفيف وطأة تكلفة التمويل، وهو ما يسهم بشكل ما في تخفيف حدة الأوضاع المالية للدول الصاعدة والنامية.
وعلى الصعيد العربي، لا يلوح في الأفق تعاون اقتصادي عربي، يمكن أن يزحزح حالة التبعية للمنطقة ككل للخارج، أو يؤدي إلى استثمار أفضل للموارد الاقتصادية المتاحة.
كما أن دول النزاع في المنطقة العربية، وكذلك الدول الأشد فقرا، ينتظران التدخلات الخارجية، في وقت لا تتوفر الإرادات الداخلية لتسوية الأزمات القائمة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاقتصاد العالمی دولارا للبرمیل طوفان الأقصى أسعار النفط سعر الفائدة خلال عام 2023 على الصعید الأول 2023 وإن کانت عام 2024 وهو ما
إقرأ أيضاً:
المعجزة الفيتنامية من بلد مزقته الحرب لمركز صناعي عالمي
شكّل 30 أبريل/نيسان عام 1975 محطة فاصلة في التاريخ الحديث لفيتنام؛ إذ جرى تحرير سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية، اسمها الحالي "هو تشي منه")، من الاحتلال الأميركي بعد حرب مدمرة استمرت أكثر من 20 عاما، خلّفت وراءها مآسي إنسانية عميقة، وتسببت في مقتل ما لا يقل عن مليوني مدني فيتنامي، إلى جانب تدمير البنية التحتية وتشريد الملايين.
وقد خسرت الولايات المتحدة نحو 58 ألف جندي في تلك الحرب، التي وصفتها صحيفة الغارديان البريطانية بأنها واحدة من أكثر الأحداث إذلالا في تاريخ أميركا الحديث.
وعقب الحرب، فرّ أكثر من 1.5 مليون شخص من البلاد، مما تسبب في أزمة لاجئين خانقة إلى جانب ملايين النازحين داخل البلاد. كما خلّفت الحرب آثارا صحية طويلة الأمد نتيجة استخدام المواد الكيميائية السامة، إلى جانب بقاء كميات هائلة من الذخائر غير المنفجرة التي ما زالت تهدد أرواح السكان حتى اليوم.
الفقر والجوع في كل مكانوجدت فيتنام نفسها بعد انتهاء الحرب غارقة في الفقر والانهيار الاقتصادي، حيث كان أكثر من 70% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، معتمدين على اقتصاد زراعي هش وبنية تحتية مدمّرة.
وكان الناتج المحلي الإجمالي للفرد في عام 1984 لا يتجاوز 200 إلى 300 دولار سنويا، ما جعل البلاد تصنّف بين أفقر دول العالم، وفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي. وزادت السياسات المركزية الصارمة، مثل إلغاء الملكية الخاصة وسوء الإدارة البيروقراطية، من تعقيد الأزمة، إلى جانب الحصار الاقتصادي الأميركي المفروض بعد الحرب.
لمواجهة التحديات الاقتصادية الطاحنة، أطلقت الحكومة الفيتنامية في عام 1986 برنامج "دوي موي" والذي يعني "التجديد"، وكان الهدف منه الانتقال من الاقتصاد المركزي إلى اقتصاد سوقي اشتراكي.
إعلانشملت الإصلاحات تحرير التجارة، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، وتفكيك التعاونيات الزراعية، ومنح حقوق ملكية الأراضي للمزارعين. وقد أسهم هذا البرنامج في تحوّل جذري لاقتصاد فيتنام، فارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من أقل من 700 دولار عام 1986 إلى ما يقرب من 4500 دولار عام 2023، بينما انخفضت نسبة الفقر من نحو 60% في أوائل التسعينيات إلى أقل من 4% في 2023، وفقا للبنك الدولي.
الركائز الأساسية لبرنامج "دوي موي" تحرير الزراعة وتفكيك التعاونياتأصدرت الحكومة الفيتنامية القرار رقم 10، الذي منح الفلاحين حقوق استخدام الأراضي الزراعية لفترات طويلة، ما أتاح لهم حرية الإنتاج والتسويق، وأسفر عن زيادة كبيرة في الإنتاجية الزراعية.
وفي عام 1993، تم إعادة توزيع أراضي التعاونيات على المزارعين مجانا، ما ساعد فيتنام على التحول من دولة تعاني الجوع إلى واحدة من أكبر مصدري الأغذية في العالم، بحسب مركز تكنولوجيا الأغذية والأسمدة في آسيا والمحيط الهادي.
وفي عام 2008، صدّرت فيتنام 4.7 ملايين طن من الأرز، لتصبح ثاني أكبر مصدر للأرز في العالم بعد تايلند، كما ساهمت هذه الصادرات في درء أزمة غذائية عالمية في ذلك العام، حسب منصة غلوبال آسيا.
إصلاح الشركات المملوكة للدولةومنحت الدولة استقلالية أكبر للشركات الحكومية، وركّزت على الربحية والكفاءة، في حين جرى تشجيع الشركات الخاسرة على إعادة الهيكلة أو الخصخصة. وأكد بنك التنمية الآسيوي أن هذه الإجراءات شكّلت ركيزة أساسية للتحول نحو اقتصاد السوق.
في عام 1988، اعترفت الحكومة بالقطاع الخاص كمكوّن رئيسي في الاقتصاد الوطني، مع ضمان حقوق الملكية والميراث. وتم تعديل الدستور عام 1992 لترسيخ هذه الحقوق.
الاندماج في الاقتصاد العالميانضمت فيتنام إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) عام 1995، ثم إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) عام 2007، ووقّعت العديد من اتفاقيات التجارة الحرة، ما عزز اندماجها في الاقتصاد الدولي، وفقا لموقع فيتنام بلس.
إعلان فتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبيةأصدرت الحكومة عام 1987 قانونا للاستثمار الأجنبي المباشر، شمل إنشاء مشاريع مشتركة أو شركات مملوكة بالكامل للأجانب، مع حوافز ضريبية وضمانات ضد التأميم.
أبرز الشركات الأجنبية المستثمرة في فيتنامبحسب فيتنام بريفنغ ووكالة رويترز، جذبت فيتنام استثمارات ضخمة من شركات عالمية في قطاعات التكنولوجيا والتصنيع، وأبرزها:
"سامسونغ" (Samsung):
القطاع: الإلكترونيات. حجم الاستثمار: 22.4 مليار دولار في 6 مصانع ومركز بحث وتطوير، مع استثمار إضافي بـ1.8 مليار دولار لمصنع "أوليد" في باك نينه."إل جي ديسبلاي" (LG Display):
القطاع: الإلكترونيات. حجم الاستثمار: 5.65 مليارات دولار."أمكور تكنولوجي" (Amkor Technology):
القطاع: أشباه الموصلات. حجم الاستثمار: 1.6 مليار دولار."سبيس إكس" (SpaceX):
القطاع: الإنترنت عبر الأقمار الصناعية. حجم الاستثمار: 1.5 مليار دولار."فوكسكون" (Foxconn):
القطاع: تصنيع الإلكترونيات. حجم الاستثمار: 80 مليون دولار لإنشاء مصنع دوائر متكاملة في باك جيانغ.وبفضل بيئة أعمال جاذبة، وموقع إستراتيجي، وقوى عاملة ماهرة، ودعم حكومي متواصل، باتت فيتنام تحتل موقعا متقدما كمركز صناعي إقليمي وعالمي.
ويشكّل قطاع التصنيع أكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لتقرير "فيتنام إنفستمنت ريفيو". وتُعزى هذه المكانة إلى:
الاستثمار في رأس المال البشري والتقنيات الحديثة: تدريب 50 ألف مهندس في الرقائق الإلكترونية بحلول 2030، وتطوير التعليم الفني بالشراكة مع شركات عالمية. اتفاقيات تجارة حرة: أبرزها مع الاتحاد الأوروبي، حيث زادت الصادرات بنسبة 50%. الاستفادة من سياسة "الصين +1": حيث تُعد فيتنام وجهة بديلة للشركات التي تسعى لتقليل اعتمادها على الصين. قوى عاملة تنافسية: ماهرة ومنخفضة التكاليف مقارنة بجيرانها. ملامح الاقتصاد الفيتنامي في 2024ورغم التحديات العالمية، واصل الاقتصاد الفيتنامي نموه بثبات في 2024، وفقا لـ"فيتنام بريفنغ" ومكتب الإحصاء العام:
إعلان الناتج المحلي الإجمالي: 476.3 مليار دولار أميركي، بمعدل نمو 7.09% مقارنة بعام 2023. نصيب الفرد من الناتج المحلي: 4700 دولار (بزيادة 377 دولارا عن 2023). القطاعات الاقتصادية: قطاع الخدمات: 49.46% من الناتج، بنمو 7.38%. الصناعة والبناء: 45.17%، بنمو 8.24%. الزراعة والغابات ومصائد الأسماك: 5.37%، بنمو 3.27%. التجارة حجر الزاوية في النهضة الاقتصاديةوبلغ حجم التجارة الخارجية لفيتنام في 2024 أكثر من 786.29 مليار دولار، مع فائض تجاري قدره 24.77 مليار دولار:
الواردات: 380.76 مليار دولار (زيادة 16.7%) الصادرات: 405.5 مليار دولار (زيادة 14.3%)أما الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد بلغ 38.2 مليار دولار رغم انخفاض طفيف بنسبة 3%، بحسب وكالة الاستثمار الأجنبي.
وأثبتت فيتنام أن الإرادة السياسية والإصلاحات الجذرية قادرة على تحويل مسار أمة كاملة. فمن دولة أنهكتها الحروب، ومزقتها الأزمات، استطاعت فيتنام أن تنهض من رماد التاريخ إلى قلب المستقبل، بفضل رؤية اقتصادية بعيدة المدى واستثمار ذكي في الإنسان والبنية التحتية.
لم تعد فيتنام دولة نامية تبحث عن فرصة، بل أصبحت مركزا صناعيا واعدا في عالم التكنولوجيا وسلاسل الإمداد، يستقطب استثمارات بمليارات الدولارات سنويا، ويقدم نموذجا يُحتذى به في التنمية الاقتصادية المستدامة.