كمين الشجاعية.. كيف يستخدم جنود القسام العبوات الناسفة ضد الاحتلال؟
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
قبل أيام، تحديدا يوم الأربعاء 13 ديسمبر/كانون الأول الحالي، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل 10 من مقاتليه بينهم ضباط في كمين في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، غالبية مَن قُتلوا كانوا من لواء جولاني، أحد أهم وأقوى ألوية المشاة في الجيش الإسرائيلي، حيث استدرج جنود القسام الإسرائيليين إلى منزل مجهز مسبقا بالمتفجرات، وحينما جاء فريق آخر من الجنود أوقعوه في كمين مشابه.
في هذا النوع من الكمائن عادة ما تستخدم كتائب القسام العبوات الناسفة(1) أو "الأجهزة المتفجرة المرتجلة" (IED)، وهي قنابل محلية الصنع تحتوي على مكونات عسكرية وغير عسكرية، تُستخدم هذه العبوات عادة من قِبَل القوات العسكرية غير النظامية، وتُعَدُّ فعالة للغاية ضد قوة عسكرية تقليدية، قد تُستخدم في الكمائن على جانب الطريق بحيث تعترض القوات المهاجمة أو خطوط إمدادها، ويكون تركيبها في المداخل أو المباني لضرب فرق الجنود، أو قد يكون تركيبها على العربات والدبابات لتدميرها، ويمكن إسقاطها من مسيرات، والواقع أن المقاومة استغلتها في كل تلك النطاقات تقريبا.
وبغض النظر عن مدى تعقيد الجهاز، فإنه يتكون من خمسة أجزاء تتموضع بشكل مختلف في النسخ المختلفة للعبوات الناسفة: مصدر طاقة، ومفتاح تشغيل، وبادئ تفجير، وشحنة رئيسية متفجرة، وحاوية، والأخيرة عادة ما تحتوي على مجموعة من المقذوفات مثل الكرات أو المسامير، التي تنتج شظايا قاتلة عند التفجير.
(الجزيرة)أما الشحنة المتفجرة نفسها فيمكن الحصول عليها من أي مكون عسكري، بما في ذلك المدفعية أو قذائف الهاون أو القنابل الجوية أو أنواع معينة من الأسمدة المحلية مع مادة "تي إن تي" المتفجرة، أو أي شيء من هذا القبيل، ولذلك فهي مرنة وسهلة التصنيع بالنسبة للمقاومة، كما أن هناك طرقا لا حصر له لبنائها، ويمكن تطويعها لأي غرض بحسب المهمة، فتتمكَّن من اختراق الدروع وهدم المباني وضرب الجنود إن كانوا في فرق حرة.
وإلى جانب ذلك، تُظهِر العبوات الناسفة درجة كبيرة من التباين(2) في طريقة التفجير، فإما أن تكون عبوة ناسفة بدائية الصنع ويكون تفعيلها بواسطة مفتاح ضغط لتشبه اللغم الأرضي، أو قد يكون المشغل معقدا للغاية، فيعمل عن طريق إشارة الترددات الراديوية التي يؤقِّتها ويُطلقها فرد يراقب الهدف، أو ربما يقوم أحد الأفراد بإلصاقها على المدرعة أو الدبابة مباشرة، كما يحدث في حالة المقاومة الفلسطينية.
العبوات الناسفة الخارقة للدروع
أضف إلى ذلك نوعا جديدا من العبوات الناسفة أُضيف مؤخرا إلى ترسانة حماس، وهو العبوات النافذة(3) أو العبوات الناسفة الخارقة للدروع (Explosively formed penetrator)، وهي صورة أكثر تعقيدا وتركيبا من العبوات الناسفة تُمثِّل تطورا مهما في هذا النطاق. عادة ما يكون غطاء هذه العبوة المعدني مقعرا ويتكون من الفولاذ أو النحاس، يؤدي هذا التقعر فيزيائيا إلى تركيز طاقة الانفجار في اتجاه معين دقيق يخلق تيارا من المعدن المنصهر الذي يمكنه أن يخترق الدروع بسرعة تصل إلى آلاف الأمتار في الثانية الواحدة، الأمر الذي يساعد في اختراق أقوى الدروع في العالم حاليا، وفي العراق مثلا أثناء غزو قوات التحالف، تمكنت هذه العبوات الناسفة من اختراق المركبات المدرعة الثقيلة ودبابات أبرامز، التي تُعَدُّ دبابات القتال الرئيسية في جيش الولايات المتحدة.
في الواقع، اختراع مفهوم العبوات الناسفة الخارقة للدروع كان عام 1910 في ألمانيا، ولكن الأمر تطلب قرنا كاملا حتى نصل إلى غزو قوات التحالف في عام 2003 للعراق، حيث كان استخدام العبوات الناسفة عموما، والعبوات الخارقة للدروع خصوصا، بمنزلة مفاجأة خطيرة لهذه القوات، بل مَثَّل بحسب بعض الباحثين في هذا النطاق(4) "السلاح الأكثر فعالية ضد القوات النظامية" في العراق، الأمر الذي جعل العبوات الناسفة عموما (والعبوات النافذة خصوصا) جزءا رئيسيا من شكل الحرب المعاصرة.
(الجزيرة)العراق نموذج عملي
الفصائل التي واجهت التحالف في العراق تفاجأت هي الأخرى بمدى فاعلية تلك العبوات، فعملت على تحسينها لتصبح عملية التشظي أسهل، وتكون العبوات أكثر مقاومة للتدهور البيئي مما يوفر لها فترة صلاحية طويلة، إلى جانب ذلك فقد صمموا عددا من الطرق الذكية لإخفاء المتفجرات من أجل استخدامها ضد القوات المهاجمة.
لكن الأهم من ذلك كان أن تلك الفاعلية تسببت في بناء منظومة عسكرية تتمحور حول العبوات الناسفة، فتحوَّل استخدامها من عمليات عشوائية إلى تنظيم شبه عسكري يتكون من مدير للعمليات وفريق تخطيط وفريق تنفيذ مختص فقط بالعبوات الناسفة، بل وصدرت كتيبات إرشادية حول كيفية تنفيذ الكمائن على جانب الطريق باستخدام العبوات الناسفة، وكيفية تصنيع العبوات الناسفة من المتفجرات التقليدية شديدة الانفجار والذخائر العسكرية، وكيفية القضاء على القوافل المهاجمة بالكامل(5).
أدى ذلك إلى تنوع استخدامات تلك العبوات بحسب الوظيفة، فظهرت عبوات ناسفة مخصصة للأفراد تمتلك تصميما وآلية عمل وشحنة متفجرة تختلف عن العبوات الناسفة المخصصة للمباني، وتلك المخصصة للمدرعات، والمخصصة للطائرات، والمخصصة لخلق عوائق أمام القوات المتقدمة التي تُستخدم مرحلة أولى قبل تشغيل عبوات ناسفة أخرى على الطريق لتدمير القوات كلها.
أدى كل ما سبق إلى زيادة استخدام العبوات الناسفة بشكل كبير، حيث استُخدمت في أكثر من 100 هجوم شهريا بحلول نهاية عام 2003، وبحلول أبريل/نيسان 2005 ارتفع هذا العدد إلى أكثر من 1000 هجوم، وارتفع الرقم إلى أكثر من 2500 هجوم بالعبوات الناسفة بدءا من صيف عام 2006، وبحلول نهاية عام 2007، كانت العبوات الناسفة مسؤولة عن نحو 63% من وفيات قوات التحالف في العراق (وتسببت في أكثر من 66% من وفيات قوات التحالف في حرب أفغانستان).
إستراتيجية حماس قذائف الياسين. (الصورة: مواقع التواصل)
في عملية 2014، نشرت حماس بذكاء آلاف المقاتلين في صورة فرق هجومية صغيرة نسبيا مدججة بالسلاح؛ وبحسب مصادر إسرائيلية(6) فقد كان مقاتلو المقاومة أكثر فعالية وشراسة مما كانوا عليه في الصراعات السابقة، حيث فاجأوا القوات الإسرائيلية وقاموا بتنسيق إطلاق النار، وأوقعوا إصابات حتى في أفضل تشكيلات المشاة والمدرعات الإسرائيلية، وفي أثناء ذلك تمكنوا من جر الإسرائيليين إلى عدد من الكمائن المعدة مسبقا، لكن الأضرار كانت طفيفة في ذلك الوقت.
لكن مع ما يظهر لنا من تطور في قدرات المقاومة، وخاصة بعد النجاح العملياتي والاستخباراتي في عملية "طوفان الأقصى" 7 أكتوبر/تشرين الأول، وانضمام أسلحة جديدة إلى قوات المقاومة، مثل قذائف الياسين والعبوات الناسفة الأحدث (ولم نتحدث بعد عن المسيرات والصواريخ الجديدة ومنظومة رجوم وغيرها من الأسلحة)، فإن ذلك يعني أن المقاومة الآن مختلفة تماما، وأن خطتها بإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف العدو تتحقق ببراعة.
أضف إلى ذلك نقطة مهمة، فقد مضت قرابة 70 يوما بعد "طوفان الأقصى" وما زالت المقاومة تتعامل بالقوة نفسها، سواء عدديا أو من حيث العتاد، بل بالعكس يبدو أنها كلما مضى الزمن أصبحت أكثر قوة ودقة وثقة، لقد بات المقاتلون أدق في إصاباتهم وأشجع في الهجوم على آليات العدو واستهداف جنوده، وهذا بدوره يترك أثرا غاية في السلبية على صانعي السياسات في تل أبيب ممن ظنوا أنه يمكن تحقيق نصر على المقاومة بإطالة أمد المعركة، نصر يمكنه معادلة الكارثة التي واجهوها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لكن يبدو أن العكس هو ما يحدث على أرض الواقع.
——————————————————
المصادر1- Improvised Explosive Device
2- IMPROVISED EXPLOSIVE DEVICE LEXICON
3- Operational and Medical Management of Explosive and Blast Incidents – The Modern Explosive Threat: Improvised Explosive Devices Brian P. Shreve Chapter First Online: 04 July 2020
4- Improvised Explosive Devices: The Paradigmatic Weapon of New Wars Palgrave Macmillan -CHAPTER 4 – Authors: James Revill
5- المصدر السابق
6- The Combat Performance of Hamas in the Gaza War of 2014
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: العبوات الناسفة قوات التحالف التحالف فی فی العراق أکثر من
إقرأ أيضاً:
محمولَين على أكتاف القسام.. غزة تشيّع القائدين مشتهى وعودة
غزة- على أنقاض المسجد العمري، أكبر وأقدم مساجد غزة التاريخية الذي دمرته "إسرائيل" خلال حربها على القطاع، يتجمع آلاف الفلسطينيين في الجمعة الأولى بعد انتهاء الحرب، لصلاة الجنازة على جثماني الشهيدين، عضوي المكتب السياسي لحركة حماس روحي مشتهى وسامي عودة، اللذين انتشل جثماناهما من تحت الأنقاض يوم أمس الخميس.
وشهد التشييع حضورًا شعبيًا حاشدًا شمل مختلف الفئات العمرية والمجتمعية، بالإضافة إلى قيادات سياسية وعسكرية من حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، الذين أجمعوا في كلماتهم على أن استشهاد القادة كان وقودا للمعركة ولم يثنهم عن المضي قدمًا في المقاومة حتى الرمق الأخير.
كان حضور عناصر كتائب القسام لافتا خلال جنازة الشهيدين روحي مشتهى وسامي عودة (الجزيرة) وداع عسكريكان لافتا في مراسم التشييع حضور المئات من عناصر كتائب القسام بأسلحتهم وزيهم العسكري، حيث التفوا حول جثماني القائدين، أدوا صلاة الجنازة مع المحتشدين ورددوا الأدعية قبل حملهما على الأكتاف في جنازة مهيبة انتهت إلى مقبرة ابن مروان في حي الشجاعية شرق المدينة حيث مسقط رأس القيادي مشتهى.
وفي الطريق إلى المقبرة رفع المشيعون الأعلام الفلسطينية وصور الشهيدين، ورددوا عبارات داعمة للمقاومة وقادتها مؤكدين السير على نهجهم، والوفاء لدمائهم.
جثمانا عضوي المكتب السياسي لحركة حماس روحي مشتهى وسامي عودة، اللذين انتشلا من تحت الأنقاض (الجزيرة) القتل لا يثنيومن أمام قبر الشهيدين قابلت الجزيرة نت قياديا عسكريا فضّل عدم الكشف عن اسمه، حيث أكد أن اغتيال القادة كان دافعا لجنود القسام للاستمرار في مقاومتهم، وأن هدف الاحتلال لتحطيم معنوياتهم لم يتحقق.
إعلانولفت القيادي إلى "أن المقاومة كانت تعالج بشكل آني الثغرات والفراغ السياسي أو العسكري الذي يحدثه رحيل القادة، وأن القيادة الجديدة ستواصل العمل وفق النهج الذي رسمه القادة الشهداء"، لافتا إلى أن الأرض التي حاول الاحتلال طردهم منها لم يتخلوا عنها وتمسكوا بها ودفنوا بأحشائها.
مسيرة لا تقف
وقال حسام بدران عضو المكتب السياسي لحركة حماس، في تصريح خاص لـ"الجزيرة نت" إن "الشعب الفلسطيني يودع اليوم رجلين من خيرة قيادات المقاومة، لكل منهما بصمته الخاصة".
وأوضح بدران أن روحي مشتهى الذي أمضى ربع قرن في سجون الاحتلال، كان "قائدا سياسيا صلبا". أما سامي عودة فقد وصفه بدران بأنه أحد أبرز العقول الأمنية، وقد لعب دورا محوريا في حماية الجبهة الداخلية الفلسطينية وأربك أمن الاحتلال بمهنيته العالية.
وأكد بدران أن "ارتقاء هذين القائدين في معركة عظيمة مع المحتل لن يوقف المسيرة، فقد تركا خلفهما رجالًا وقيادات أوفياء قادرين على مواصلة الطريق".
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهاز الأمن العام "الشاباك" قد أعلن، الخميس الماضي، للمرة الرابعة اغتيال عضوي المكتب السياسي لحركة حماس روحي مشتهى وسامح السراج، بالإضافة للقيادي الأمني سامي عودة في غارة على مدينة غزة قبل 3 أشهر.
يذكر أن حركة حماس لم تعلن عن أي من الاغتيالات التي استهدفت قادتها باستثناء عدد محدود منهم. ويبدو أن الحركة تنتهج تكتيكا سياسيا ومعنويا يقوم على عدم الإعلان عن عمليات الاغتيال سواء بفشلها أو نجاحها.
ويأتي هذا التكتم في إطار إستراتيجية الحركة للحفاظ على تماسكها الداخلي في ظل الظروف الأمنية المعقدة كما يقول مراقبون، إلا أنها أبلغت عوائل بعض القيادات باستشهادهم خلال الحرب على غزة.
تاريخ حافل
ويعد روحي مشتهى (66 عاما) من أبرز قيادات حركة حماس ومؤسسي جناحها العسكري في قطاع غزة، اعتُقل عام 1989 أثناء تلقيه العلاج في مستشفى الأهلي العربي المعمداني، في عملية نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد رصد حركته من قبل أحد العملاء، ليحُكم عليه بالسجن 7 مؤبدات و20 عامًا بتهمة نشاطه العسكري والأمني ضد الاحتلال.
إعلانأمضى مشتهى أكثر من 25 عامًا في سجون الاحتلال تمكن فيها من تنظيم حياة الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، قبل أن يتحرر ضمن صفقة تبادل الأسرى "وفاء الأحرار" عام 2011، لينتخب عضوًا في المكتب السياسي لحركة حماس بعد الإفراج عنه عدة مرات، حيث لعب دورًا محوريًا في صياغة قرارات الحركة وإدارة شؤونها الداخلية والخارجية، وكان من ضمن وفود الحركة التي شاركت في محادثات المصالحة الفلسطينية مع حركة فتح برعاية مصرية.
في جنازة مهيبة شيّعت غزة القائدين مشتهى وعودة في الجمعة الأولى بعد وقف إطلاق النار (الجزيرة)
أما سامي عودة فتُحيط به هالة من السرية، إذ لا يتوفر الكثير من المعلومات عنه، لكنه كان يُدير الجهاز الأمني الذي يُشرف على الملفات الأمنية والحساسة المتعلقة بالحركة وإدارة منظومتها الأمنية في قطاع غزة.
حاول الاحتلال اغتياله عدة مرات، أبرزها خلال معركة "سيف القدس" عام 2021، لكنه نجا آنذاك واستمر في قيادة الجهاز إلى أن تم اغتياله خلال الحرب على غزة.