يمن مونيتور:
2024-12-26@02:55:35 GMT

الجمر تحت رماد خيمة

تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT

الجمر تحت رماد خيمة

سميرة المسالمة

الخيمة هي “عراء” لا يستتر فيه بشيء، عراء متنكر بقطعة قماش، يهرب بها من برده وقيظه، لكن عورة قيامها تبقى مكشوفة لكل من هو تحتها، يرصد ساكنها من خلف جدرانها الواهية تداعي هذا العالم بكل قيمه وشعاراته، يفكك مدنية الغرب وقضية العرب المركزية، تتحول تلك الأقمشة التي تنازع الموت إلى مرآة سحرية تنبئ سائلها عن المستقبل، وتمده بأسباب الحياة، باختصار تصنع الخيمة عالمها، وقوانينها ومواقيت ثورتها، وتعيد ترتيب أولويات مواطنيها، فيصبح الموت خلفهم، والحياة أمامهم، فلا اشتداد الحرب يزحزحهم عنها، ولا ثقل خطواتها العابثة بأقدارهم تهزمهم، الخيمة هي الحرب التي لا ينجو منها إلا من يعرف “ديتها”، وتشبّع من تجاربها.

تدرك إسرائيل في حربها الهمجية على غزة أن التشريد وبناء المخيمات للفلسطينيين في أرض فلسطين لن يغير من حالة الذعر التي يعيشها الإسرائيليون، فقد حول الفلسطينيون منذ النكبة حتى مخيم جنين الصامد اليوم، خيام اللجوء إلى منابت للثورات، والمخيمات إلى قلاع، قضّت مضاجع المحتلين، وقطعت قلوبهم، واللاجئون هم الذين خاطبهم الكاتب غسان كنفاني “لك شيء في هذا العالم، فقم” وقد لبى أبناء المخيمات في كل يوم دعوته، وحولوا خيامهم ومخيماتهم إلى فزاعة ترهب جلادهم، وتحاصره بالخوف من اليوم التالي لصمتهم.

فالخيمة التي تؤرق ساكنها هي الخيمة ذاتها التي تفزع المتسبب فيها، وهي عادة ما تقود الأطراف المتصارعة إلى استمرار الحرب، حيث لا يمكن أن تصبح الخيمة وطنًا هادئًا وسط مستوطنات الاحتلال، ويمكن تعميم ذلك للقول إن الخيمة ستبقى جمرًا تحت الرماد ما إن تأتي ريح حتى تشتعل بكل من تسبب في وجودها، سواء كان محتلًا، أو حاكمًا مغتصبًا لإرادة شعبه، وهو ما يجعل الإمعان في القتل وسيلة من وسائل حرب الوجود للمعتدين، ليس على المدن وحسب، بل وصولًا إلى المخيمات التي تحاول إسرائيل اقتلاعها، أو الحيلولة دون وجودها أساسًا.

صحيح أن “الحرب هي تكملة السياسة بوسائل أخرى” حسب المؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز، لكنها في الحالة الإسرائيلية يمكن أن تكون هي السياسة بعينها، حيث لا يمتلك صانعها (بنيامين نتنياهو) أي رؤية لما بعدها، سوى الاستمرار فيها، لأنها تساوي استمراره في منصبه، ولأنه بحربه الإجرامية هذه يصنع من كل من حوله أعداء له، سواء الداخل الإسرائيلي، أو الخارج الدولي الذي بدأ يرتاب من دوافع الحرب قبل نتائجها، في ظل غياب توضيح إسرائيلي لما سيكون عليه اليوم التالي، الذي يسعى لأن يجعله بعيدًا قدر استطاعته، لأن اليوم التالي في غزة سيكون هو اليوم التالي لإسرائيل أيضًا، ما يعني أنه اليوم الأخير لمستقبل السياسة “النتنياهوية الوحشية”.

“الخيمة ستبقى جمرًا تحت الرماد ما إن تأتي ريح حتى تشتعل بكل من تسبب في وجودها، سواء كان محتلًا، أو حاكمًا مغتصبًا لإرادة شعبه”

التهجير ببعده المعنوي ليس بالضرورة أن يكون مآله “خيمة نزوح”، فسياسات إسرائيل عامة، وآخرها السياسة العدوانية لحكومة نتنياهو ألحقت بالإسرائيليين خسائر معنوية تفوق خسائرهم المادية، فقد أدت إلى تحطيم حلم وطن الأمان، وحرضتهم على الهجرة العكسية، أي قد تعمل هذه الحرب الطويلة والشرسة والمكلفة على تهجير الإسرائيليين، وتدفعهم إلى البحث عن أوطان لجوء آمنة، قد لا يسكن الإسرائيليون فيها تحت أسقف ورقية أو قماشية، كحال خيام اللاجئين التي ملت أجساد الفلسطينيين منها منذ عام 1948، ولحقهم السوريون الذي اختبروها وذاقوا مآسيها بسبب حرب النظام السوري عليهم منذ عام 2011، ما يعني أن الحرب ليست بالضرورة تكملة للسياسة، فقد تكون مدمرة لها، فإسرائيل منذ نشأتها لم تستخدم إلا القتل والتهجير والحروب ضد الفلسطينيين، ربما تكون مجزرة الطنطورة (22 ـ 23 مايو/ أيار 1948)، التي ارتكبت بعد أسبوع من إعلان الدولة اليهودية، بأبشع الطرق والأدوات، كما يروي تفاصيلها مرتكبوها الإسرائيليون أنفسهم، توضح حقيقة حرب غزة وهدفها الحقيقي، وهو التطهير العرقي للبلاد، ما  يعني أيضًا أن الحرب هي كل السياسة عند مجرمي الحروب عامة، ومغتصبي حقوق الشعوب.

استمرار حركة الهجرة المعاكسة للإسرائيليين المتصاعدة وتيرتها، في وقت كان نتنياهو يحتاج فيه إلى دعم سياسته العدوانية، ويبحث عن الإجماع الإسرائيلي عليها، ربما هو إشارة على عمق سردية انهيار دولتهم المحتوم في عقدها الثامن، حسب نبوءة العهد القديم، فهل بوادر هذه الهجرة هي الشعرة التي ستقصم ظهر البعير، وتقلب السحر على الساحر؟ وهل استخدام “النبوءة التلمودية” من قبل ساسة إسرائيل كوسيلة ترويج لبرامجهم الانتخابية، كانت محض دعاية “ترهيبية”، أم إيمان راسخ بزوال قريب لدولتهم؟ وهل يمكنهم فعليًا بعد هذه الحرب تقديم أنفسهم كضمانات لفك سحر التعويذة التي تلاحق ممالك إسرائيل؟

تلك الضمانات التي تحولت بفعل سياسات رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو إلى ما يشبه الدليل المحسوس على صحة مخاوفهم، حيث الحرب التي يخوضها جيشهم ضد شعب أعزل، بدل أن تحاصر الفلسطينيين حاصرت الإسرائيليين، وعملت على “عقلنة” أحلام كثير من الإسرائيليين، ما قادهم إلى الهروب منها على أمل النجاة من المصير الذي يجرهم إليه قادتهم، فيحولونهم من ضحية استثمرت معاناتها المؤلمة “الهولوكوست” لعقود طويلة ولا تزال، إلى قاتل منبوذ يخشاه كل المتمدنين في العالم الحر، حتى وإن غيبت “السياسة القذرة” لبعض الوقت حقائق هذه الحرب وجرائمها.

لا يخشى الفلسطيني من خيمة يتذوق فيها كل ملامح قسوة الحياة على بشاعتها، وعدم إنسانيتها، وتمثلها لمعنى تخلي المجتمع الدولي بكل منظماته وأدواته عن دوره في حماية المدنيين، وحقهم في حياة كريمة، إلا أنه ومع كل آلامها، ما يعني الفلسطيني هو أن يشد حبال خيمته فوق أرضه، وأن يسند أطرافها بحجارة يدخرها ليوم عظيم، يوم قد لا يطيقه ساسة إسرائيل، ولا يتحملون تبعاته، فيهربون أفواجًا، كما قالت لهم نبوءة العهد القديم.

 

المصدر: ضفة ثالثة

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الثقافة الخيمة الیوم التالی

إقرأ أيضاً:

حريق مدمر في بوردور: شبهة جنائية وراء اشتعال 6 حافلات عامة وتحولها إلى رماد!

تركيا الآن

اندلع حريق في ساحة انتظار الحافلات العامة بمدينة بوردور عند منتصف الليل، حيث انتشرت النيران لتطال 6 حافلات. وتم إرسال العديد من فرق الإطفاء إلى مكان الحادث، وتمت السيطرة على الحريق بعد جهود طويلة، لكن الحادث أسفر عن تدمير 5 مركبات.

مكان الحريق
وقع الحريق في الساعة 03:18 ليلاً في منطقة وقوف السيارات التابعة لجمعية الحافلات العامة الخاصة في شارع ماهروكتجي لار – تيراكّي(Mahrukatcılar Sitesi Terakki)، وسط بوردور. حيث اشتعلت النيران في حافلة عمومية متوقفة لأسباب غير معروفة، وسرعان ما امتدت النيران إلى الحافلات الأخرى المتوقفة.

استجابة الطوارئ
عقب الإبلاغ عن الحريق إلى مركز اتصال الطوارئ 112، توجه عدد من فرق الإطفاء والشرطة والفرق الطبية إلى موقع الحادث. بينما كانت سيارتا الإطفاء تعمل على إخماد الحريق، قامت الشرطة بتأمين المنطقة.

الأضرار الناتجة
بفضل جهود فرق الإطفاء، تم إخماد الحريق الذي أتى على 5 حافلات بالكامل، في حين تم سحب حافلة واحدة انفجرت نوافذها في اللحظة الأخيرة.

تصريحات مسؤولي الإطفاء
قال رئيس إطفاء بلدية بوردور، محمد علي بالاك، إن الفرق استجابت بعد تلقي الإخطار في الساعة 03:18 ووصلت إلى المكان في الساعة 03:22.

اقرأ أيضا

الصين تختار تركيا كموقع استثماري

مقالات مشابهة

  • نائب بالكنيست يوبخ نتنياهو: أنت آخر ديكتاتور في المنطقة وستسقط
  • تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
  • إسرائيل: حماس تراجعت عن التنازلات التي أدت لاستئناف مفاوضات غزة
  • الصفقة المنتظرة: نتنياهو يريد ولا يريد
  • موقع عبري: الحوثيون لا يمكن ردعهم.. الجماعة التي تتحدى الولايات المتحدة وتتحدى العالم
  • خيارات نتنياهو لمواصلة الحروب العدوانية
  • أردوغان: إسرائيل ستنسحب من الأراضي السورية التي احتلتها
  • نتنياهو: لن نكشف عن تفاصيل المفاوضات والإجراءات التي نقوم بها
  • قلق متصاعد في “إسرائيل”.. ما خيارات نتنياهو لردع اليمنيين؟
  • حريق مدمر في بوردور: شبهة جنائية وراء اشتعال 6 حافلات عامة وتحولها إلى رماد!