يمن مونيتور:
2025-05-02@23:01:21 GMT

الجمر تحت رماد خيمة

تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT

الجمر تحت رماد خيمة

سميرة المسالمة

الخيمة هي “عراء” لا يستتر فيه بشيء، عراء متنكر بقطعة قماش، يهرب بها من برده وقيظه، لكن عورة قيامها تبقى مكشوفة لكل من هو تحتها، يرصد ساكنها من خلف جدرانها الواهية تداعي هذا العالم بكل قيمه وشعاراته، يفكك مدنية الغرب وقضية العرب المركزية، تتحول تلك الأقمشة التي تنازع الموت إلى مرآة سحرية تنبئ سائلها عن المستقبل، وتمده بأسباب الحياة، باختصار تصنع الخيمة عالمها، وقوانينها ومواقيت ثورتها، وتعيد ترتيب أولويات مواطنيها، فيصبح الموت خلفهم، والحياة أمامهم، فلا اشتداد الحرب يزحزحهم عنها، ولا ثقل خطواتها العابثة بأقدارهم تهزمهم، الخيمة هي الحرب التي لا ينجو منها إلا من يعرف “ديتها”، وتشبّع من تجاربها.

تدرك إسرائيل في حربها الهمجية على غزة أن التشريد وبناء المخيمات للفلسطينيين في أرض فلسطين لن يغير من حالة الذعر التي يعيشها الإسرائيليون، فقد حول الفلسطينيون منذ النكبة حتى مخيم جنين الصامد اليوم، خيام اللجوء إلى منابت للثورات، والمخيمات إلى قلاع، قضّت مضاجع المحتلين، وقطعت قلوبهم، واللاجئون هم الذين خاطبهم الكاتب غسان كنفاني “لك شيء في هذا العالم، فقم” وقد لبى أبناء المخيمات في كل يوم دعوته، وحولوا خيامهم ومخيماتهم إلى فزاعة ترهب جلادهم، وتحاصره بالخوف من اليوم التالي لصمتهم.

فالخيمة التي تؤرق ساكنها هي الخيمة ذاتها التي تفزع المتسبب فيها، وهي عادة ما تقود الأطراف المتصارعة إلى استمرار الحرب، حيث لا يمكن أن تصبح الخيمة وطنًا هادئًا وسط مستوطنات الاحتلال، ويمكن تعميم ذلك للقول إن الخيمة ستبقى جمرًا تحت الرماد ما إن تأتي ريح حتى تشتعل بكل من تسبب في وجودها، سواء كان محتلًا، أو حاكمًا مغتصبًا لإرادة شعبه، وهو ما يجعل الإمعان في القتل وسيلة من وسائل حرب الوجود للمعتدين، ليس على المدن وحسب، بل وصولًا إلى المخيمات التي تحاول إسرائيل اقتلاعها، أو الحيلولة دون وجودها أساسًا.

صحيح أن “الحرب هي تكملة السياسة بوسائل أخرى” حسب المؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز، لكنها في الحالة الإسرائيلية يمكن أن تكون هي السياسة بعينها، حيث لا يمتلك صانعها (بنيامين نتنياهو) أي رؤية لما بعدها، سوى الاستمرار فيها، لأنها تساوي استمراره في منصبه، ولأنه بحربه الإجرامية هذه يصنع من كل من حوله أعداء له، سواء الداخل الإسرائيلي، أو الخارج الدولي الذي بدأ يرتاب من دوافع الحرب قبل نتائجها، في ظل غياب توضيح إسرائيلي لما سيكون عليه اليوم التالي، الذي يسعى لأن يجعله بعيدًا قدر استطاعته، لأن اليوم التالي في غزة سيكون هو اليوم التالي لإسرائيل أيضًا، ما يعني أنه اليوم الأخير لمستقبل السياسة “النتنياهوية الوحشية”.

“الخيمة ستبقى جمرًا تحت الرماد ما إن تأتي ريح حتى تشتعل بكل من تسبب في وجودها، سواء كان محتلًا، أو حاكمًا مغتصبًا لإرادة شعبه”

التهجير ببعده المعنوي ليس بالضرورة أن يكون مآله “خيمة نزوح”، فسياسات إسرائيل عامة، وآخرها السياسة العدوانية لحكومة نتنياهو ألحقت بالإسرائيليين خسائر معنوية تفوق خسائرهم المادية، فقد أدت إلى تحطيم حلم وطن الأمان، وحرضتهم على الهجرة العكسية، أي قد تعمل هذه الحرب الطويلة والشرسة والمكلفة على تهجير الإسرائيليين، وتدفعهم إلى البحث عن أوطان لجوء آمنة، قد لا يسكن الإسرائيليون فيها تحت أسقف ورقية أو قماشية، كحال خيام اللاجئين التي ملت أجساد الفلسطينيين منها منذ عام 1948، ولحقهم السوريون الذي اختبروها وذاقوا مآسيها بسبب حرب النظام السوري عليهم منذ عام 2011، ما يعني أن الحرب ليست بالضرورة تكملة للسياسة، فقد تكون مدمرة لها، فإسرائيل منذ نشأتها لم تستخدم إلا القتل والتهجير والحروب ضد الفلسطينيين، ربما تكون مجزرة الطنطورة (22 ـ 23 مايو/ أيار 1948)، التي ارتكبت بعد أسبوع من إعلان الدولة اليهودية، بأبشع الطرق والأدوات، كما يروي تفاصيلها مرتكبوها الإسرائيليون أنفسهم، توضح حقيقة حرب غزة وهدفها الحقيقي، وهو التطهير العرقي للبلاد، ما  يعني أيضًا أن الحرب هي كل السياسة عند مجرمي الحروب عامة، ومغتصبي حقوق الشعوب.

استمرار حركة الهجرة المعاكسة للإسرائيليين المتصاعدة وتيرتها، في وقت كان نتنياهو يحتاج فيه إلى دعم سياسته العدوانية، ويبحث عن الإجماع الإسرائيلي عليها، ربما هو إشارة على عمق سردية انهيار دولتهم المحتوم في عقدها الثامن، حسب نبوءة العهد القديم، فهل بوادر هذه الهجرة هي الشعرة التي ستقصم ظهر البعير، وتقلب السحر على الساحر؟ وهل استخدام “النبوءة التلمودية” من قبل ساسة إسرائيل كوسيلة ترويج لبرامجهم الانتخابية، كانت محض دعاية “ترهيبية”، أم إيمان راسخ بزوال قريب لدولتهم؟ وهل يمكنهم فعليًا بعد هذه الحرب تقديم أنفسهم كضمانات لفك سحر التعويذة التي تلاحق ممالك إسرائيل؟

تلك الضمانات التي تحولت بفعل سياسات رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو إلى ما يشبه الدليل المحسوس على صحة مخاوفهم، حيث الحرب التي يخوضها جيشهم ضد شعب أعزل، بدل أن تحاصر الفلسطينيين حاصرت الإسرائيليين، وعملت على “عقلنة” أحلام كثير من الإسرائيليين، ما قادهم إلى الهروب منها على أمل النجاة من المصير الذي يجرهم إليه قادتهم، فيحولونهم من ضحية استثمرت معاناتها المؤلمة “الهولوكوست” لعقود طويلة ولا تزال، إلى قاتل منبوذ يخشاه كل المتمدنين في العالم الحر، حتى وإن غيبت “السياسة القذرة” لبعض الوقت حقائق هذه الحرب وجرائمها.

لا يخشى الفلسطيني من خيمة يتذوق فيها كل ملامح قسوة الحياة على بشاعتها، وعدم إنسانيتها، وتمثلها لمعنى تخلي المجتمع الدولي بكل منظماته وأدواته عن دوره في حماية المدنيين، وحقهم في حياة كريمة، إلا أنه ومع كل آلامها، ما يعني الفلسطيني هو أن يشد حبال خيمته فوق أرضه، وأن يسند أطرافها بحجارة يدخرها ليوم عظيم، يوم قد لا يطيقه ساسة إسرائيل، ولا يتحملون تبعاته، فيهربون أفواجًا، كما قالت لهم نبوءة العهد القديم.

 

المصدر: ضفة ثالثة

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الثقافة الخيمة الیوم التالی

إقرأ أيضاً:

نتنياهو يعقد غدا اجتماعا للمصادقة النهائية على توسيع الحرب في غزة

أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي، بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعقد غدا الجمعة، 02 مايو 2025، اجتماعًا أمنيًا رفيع المستوى، لتقييم الأوضاع والمصادقة النهائية على خطط توسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة ، بمشاركة كبار مسؤولي الأجهزة الأمنية.

وكانت الخطط قد حظيت سابقًا بموافقة كل من رئيس الأركان إيال زامير، ووزير الجيش يسرائيل كاتس، وتُعرض الآن على نتنياهو لاعتمادها رسميًا، بحسب ما أوردته إذاعة الجيش الإسرائيلي.

من جهتها، أفادت القناة 13 الإسرائيلية بأن وزراء الحكومة تلقوا دعوة لحضور اجتماع يُعقد يوم الأحد المقبل، مخصص لمناقشة إمكانية توسيع الحرب على قطاع غزة.

وقال نتنياهو في تصريح له اليوم الخميس: "نريد إعادة الأسرى، لكن الهدف الأعلى للحرب هو الانتصار على أعدائنا". وأضاف، "لدينا أهداف كثيرة وأعدنا 196 أسيرا حيا وميتا من غزة ونريد إعادة 59 متبقين بينهم 24 على قيد الحياة".

اقرأ أيضا/ زامير يتوعّد حمـاس: جاهزون لتوسيع العملية في غـزة وتوجيه ضربة "حاسمة"

ومن جانبه، صرّح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، اليوم الخميس، 01 مايو 2025، بأن الجيش مُستعد لتوسيع عملياته في قطاع غزة، مؤكدًا أن حركة حماس لا تزال تحتجز 59 من الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة.

وأضاف زامير، في تصريحات له، أن الجيش الإسرائيلي في حالة جهوزية كاملة لتوجيه ضربة حاسمة، موضحًا "سنستخدم كل القوة التي بحوزتنا، وسنزيد من وتيرة العمليات وشدّتها، وإن طُلب منا ذلك، سنقوم به قريبًا."

وأكد أن الحرب الجارية متعددة الجبهات ومعقّدة للغاية، وتتضمن تحديات كبيرة، أبرزها إعادة الأسرى وضمان أمن المستوطنات القريبة من غزة، قائلًا: "نعمل على تدمير حماس وضمان أمن سكان غلاف غزة."

إعادة رسم خارطة قطاع غزة

في سياق متصل، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن إسرائيل قامت بإعادة رسم خارطة قطاع غزة عقب انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، حيث قلّصت المساحات التي يُسمح للفلسطينيين بالتواجد فيها إلى نحو الثلث مقارنةً بما كانت عليه سابقًا.

ووفقًا للتقرير، فإن نحو 70% من المناطق المتبقية أُعلنت كمناطق عسكرية مغلقة أو مناطق مخلاة، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة تُفاقم من معاناة المدنيين وتزيد من صعوبة الأوضاع الإنسانية مع استمرار العمليات العسكرية.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية زامير يتوعّد حماس: جاهزون لتوسيع العملية في غزة وتوجيه ضربة "حاسمة" إصابة جندي إسرائيلي بجروح خطيرة إثر انفجار عبوة شمالي الضفة شاهد: التهمت 24 ألف دونم.. حرائق غابات جبال القدس لا تزال خارج السيطرة الأكثر قراءة مصرع مواطنة بحادث سير في الخليل نتنياهو يزور أذربيجان لبحث انضمامها إلى "اتفاقيات التطبيع" ووساطتها مع تركيا مركز حقوقي يحذر من تفاقم أزمة السيولة النقدية بقطاع غزة نتنياهو يطلب تأجيل تقديم تصريحه في قضية إقالة رئيس الشاباك إلى الأحد عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • زعيم الدروز في إسرائيل لشكر نتنياهو
  • وسط خلاف خلاف بين نتنياهو وزامير.. إسرائيل تستعد لتوسيع الحرب في غزة
  • غضب في إسرائيل بشأن تصريحات نتنياهو عن أهداف حرب غزة
  • هل معادن أوكرانيا النادرة التي أشعلت الحرب ستوقفها؟
  • عائلات الأسرى تهاجم نتنياهو: أعاد تعريف أولويات الحرب
  • نتنياهو يعقد غدا اجتماعا للمصادقة النهائية على توسيع الحرب في غزة
  • المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
  • إسرائيل التي تحترف إشعال الحرائق عاجزة عن إطفاء حرائقها
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • إسرائيل.. ظرف مشبوه يصل إلى مكتب نتنياهو