أسير ملهم يقود النشاط الثقافي في أقبية السجون (بورتريه)
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
قضى في سجون وأقبية التحقيق الإسرائيلية 32 عاما، منها 29 متصلة.
استثني من صفقة "وفاء الأحرار/ شاليط"، ويلقب بـ "الأسير الذي حاصر السجن ولم يحاصره السجن".
أعادت الحرب على غزة إلى الواجهة العديد من الشخصيات الفلسطينية التي يرفض الاحتلال الإسرائيلي الإفراج عنهم بسبب التهم المنسوبة إليهم والأحكام العالية بالسجن، وكان اسمه من بين الأسماء البارزة طيلة الحديث عن صفقة تبادل محتملة.
ولد عبد الناصر عيسى عام 1968 بمدينة نابلس، لعائلة لاجئة من طيرة دندن شمال شرقي مدينة اللد المحتلة.
اعتقل والده وحكم عليه بالسجن 7 سنوات، وهدم الاحتلال منزل عائلته التي هجرت إلى مخيم بلاطة.
بدأ عبد الناصر نضاله ضد المحتل بوقت مبكر من حياته، وشارك في الاحتجاجات والمظاهرات، وأصيب برصاصة من قوات الاحتلال الإسرائيلية عام 1982، أثناء مشاركته في احتجاجات على مجزرتي صبرا وشاتيلا جنوب لبنان، مما جعل مطاردته من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية متوقعا.
التحق في عام 1983 بجماعة الإخوان المسلمين في مساجد مخيم بلاطة، واعتقل للمرة الأولى عام 1985، والثانية عام 1986، وفي تلك الفترة، التقى بالمفكر جمال منصور واستفاد منه كثيرا.
أصيب برصاصة عام 1988 اعتقل على أثرها للمرة الثالثة بتهمة إعداد عبوة ناسفة، وصناعة قنابل "المولوتوف" ورميها على دوريات جنود الاحتلال، وقضى سنوات بالسجن عذب فيها، وهدم بيت أسرته، ثم توالت عليه الاعتقالات.
كان "أميرا" لأسرى الحركة الإسلامية التي ضمت عناصر حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي في سجن نابلس المركزي، ما بين عامي 1990 و1991.
وعام 1994 وبعد الإفراج عنه، سارع إلى الانضمام إلى كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وتواصل مع قائد أركانها محمد الضيف لإعادة تفعيل خلايا القسام في الضفة الغربية.
كما لازم الشهيد المهندس يحيى عياش وتعلم من خبراته، مما أعاد اسمه ليكون على رأس سجلات المطاردة الإسرائيلية، وليكون المطلوب الثاني بعد عياش.
اعتبرته سلطات الاحتلال "مطلوبا بالغ الخطورة" لدوره في تدريب وقيادة عدد من الخلايا العسكرية التي نفذت عمليات استشهادية داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
وفي عام 1995، اعتقل مجددا بتهمة تنفيذ عمليتي "رمات غان" و"رمات أشكول" اللتين قضى إثرهما 12 إسرائيليا وأصيب العشرات.
وكان عيسى قد تمكن من إيصال حقيبة من المواد المتفجرة للشهيد محيي الدين الشريف الذي كان يتحضر لتنفيذ عملية في مدينة القدس، وعاد أدراجه إلى مدينة نابلس، وما أن وصل أحد شوارعها وهم بإجراء مكالمة هاتفية مع الشهيد عياش، حتى تفاجأ بالعشرات من جنود الاحتلال يحيطون به، لتكون تلك المحطة الأخيرة في عمل عيسى المقاوم خارج السجن.
وحكم على عبد الناصر بمؤبدين، بالإضافة إلى 7 سنوات، وأمعنت محكمة الاحتلال في إجراءاتها القاسية بحقه فعزلته في سجن عسقلان أكثر من عامين، ومنعت عنه زيارة الأهل والأقارب، ويمضى فترة الأسر الآن في سجن رامون الإسرائيلي.
ولم يتمكن من وداع والديه، إذ توفي والده عام 2006، وكان قد منع من زيارته قبل وفاته، كما توفيت والدته عام 2012 دون أن يسمح له بوداعها.
كانت فترة سجنه كلها تحدي وإصرار لا يلين لكسر الحاجز النفسي للسجن، فقد حصل على درجة البكالوريوس من الجامعة العبرية في تخصص العلوم السياسية عام 2007، واحتاج إلى سبع سنوات لإنهاء دراسته الجامعية بسبب عقوبات في السجن، وعرقلة دراسته ومنعه من إكمالها.
ثم باشر دراسته لنيل درجة الماجستير في دراسات الديمقراطية عام 2009، لكن بعد أشهر ألغت مصلحة السجون الإسرائيلية تسجيله للدراسة من جديد لـ"أسباب أمنية" حسب الاحتلال الذي أصر على استثناء عبد الناصر من صفقة "وفاء الأحرار" لتبادل الأسرى مقابل الجندي شاليط عام 2011.
وفي 2014 استطاع أن يكمل مشواره وينال شهادة الماجستير في "الدراسات الإسرائيلية" من جامعة القدس في أبو ديس.
ولم يتوقف عن نشاطه السياسي حتى وهو في السجن فقد أدى دورا رئيسيا في تشكيل أول هيئة قيادية عليا لحركة حماس بالسجون، وانتخب لرئاستها، إلى جانب يحيى السنوار وروحي مشتهى وصالح العاروري وعبد الخالق النتشة وغيرهم.
وفي عام 2015 انتخب منسقا عاما للهيئة العليا لحماس بالسجون ونائبا للرئيس، وعمل مسؤولا للجنة السياسية ما بين عامي 2019 و2021، ويتابع مسؤولية ملف التعليم الأكاديمي في السجون.
واصل نشاطه الثقافي والفكري بإنشاء مركزا للدراسات يتابع حراكا فكريا وعلميا ويساهم بشكل فعال في ترسيخ الفكر المقاوم لسياسات الاحتلال. كما ترأس تحرير مجلة "حريتنا" التي تعبر عن روح الحركة الأسيرة وغاياتها، كما كان له دورا بارزا في تأسيس العمل التنظيمي بالسجون وتفعيل خطوط الإنتاج.
وكان عبد الناصر عيسى المشرف على البرنامج الثقافي العام بالسجن، إضافة إلى كونه باحثا وكاتبا.
وكتب مع الأسير القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي وعاهد غلمة قائد الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كتاب "مقاومة الاعتقال" وأغنى المشهد الثقافي الفلسطيني والعربي بثلاثة مجلدات بدأ نشرها عام 2018.
وفي عام 2022، نشر كتابه "وفق المصادر" الذي يعد المؤلف الخامس بعد أن صدر له "مقالات حرة" و"دراسات حرة" علاوة على عدد من الأبحاث المحكمة.
وهو إلى جانب كل ذلك قارئ من طراز فريد، فهو يقضي أكثر من 18 ساعة في اليوم بين القراءة والكتابة، حتى إن نصف مخصصاته المالية التي تدخل على حسابه في "الكانتينا" تذهب لشراء الكتب والدوريات العالمية المشترك بها.
ومن ناحية أخرى، هو شخصية محبوبة بين أوساط جميع الأسرى من مختلف التنظيمات وليس داخل التنظيم الذي ينتمي إليه فقط.
يبقى القائد عبد الناصر عيسى شخصية ملهمة داخل السجون وخارجها، نجح في إكمال دراسته العليا وتقديم إسهامات مؤثرة في المجال الثقافي على الرغم من قيود السجن.
وربما يرى شمس الحرية قريبا في حال نجاح أية مفاوضات مقبلة لإطلاق سراح الجنود الإسرائيليين لدى المقاومة مقابل تبيض سجون الاحتلال.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه الفلسطينية الاحتلال عبد الناصر عيسى السجون فلسطين الاحتلال السجون عبد الناصر عيسى بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عبد الناصر فی عام
إقرأ أيضاً:
ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع
توشك المفاوضات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس أن تصل إلى ذروتها بإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. ورغم أن جانب دولة الاحتلال غير مأمون بناء على التجارب التاريخية وبناء على تجارب مفاوضات الحرب الحالية، لكن المؤشرات والتسريبات التي رشحت خلال الأيام الماضية والمشهد العام في المنطقة والمزاج الأمريكي كلها تشير إلى أن إسرائيل مضطرة هذه المرة إلى التوقيع قبل بدء الفترة الرئاسية للرئيس الأمريكي ترامب.
إن هذه الخطوة كان يمكن أن تحدث منذ أكثر من عام لولا تعطش رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتطرفة للدماء ولولا الأحقاد التي تستعر في نفوسهم ضد الشعب الفلسطيني، ولو حدثت في ذلك الوقت لكان يمكن لآلاف الأطفال الذين استشهدوا في هذه الحرب أن يكونوا من بين الذين سيفرحون بالقرار وهم يعودون إلى قراهم المدمرة ليبحثوا عما تبقى من ذكرياتهم وألعابهم وبعض طفولتهم.
لكن قتلة الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء لا يفهمون معنى الطفولة ولا قدسيتها حتى خلال الحرب ومن باب أولى لا يفهمون معنى أن تعود الأمهات الثكلى بأطفالهن فلا يجدن حتى قميصا فيه رائحة طفلها قد يخفف بعض حزنها أو يوقف دموع عينها المبيضة من الحزن والبكاء.
من حق الفلسطينيين أن يشعروا بالنصر رغم كل الخسائر التي منوا بها: خسائر في الأرواح التي قد تصل الآن بعد أن تتلاشى أدخنة الحرب إلى نحو 50 ألف شهيد وأكثر من 200 ألف جريح وبنية أساسية مهدمة بالكامل وغياب كامل لكل مظاهر الحياة الإنسانية وانعدام كامل للمواد الغذائية والطبية.. وشعور النصر مصدره القدرة على البقاء رغم الإبادة التي عملت عليها قوات الاحتلال، الإبادة المدعومة بأعتى الأسلحة الغربية التي جربها العدو خلال مدة تصل إلى 18 شهرا.
في مقابل هذا لا أحد يستطيع أن ينكر أن الموازين في المنطقة قد تغيرت بالكامل خلال هذه الحرب، والمنطقة في اليوم التالي لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار ليست هي المنطقة التي كانت عليها قبل يوم 7 أكتوبر.
وإذا كانت إسرائيل قد صفَّت الكثير من خصومها في هذه الحرب وفككت محور المقاومة وأثخنت الكثير من جبهاته وآخرها الجبهة السورية إلا أنها كشفت عن ضعفها في المواجهات المباغتة، وفضحت أسطورة أجهزتها الأمنية وقبتها الحديدية.
وفي مقابل ذلك فإن حركة حماس رغم ما تعرضت له من خسائر فادحة في رجالها وقياداتها الميدانية إلا أنها أثبتت في الوقت نفسه أنها منظمة بشكل دقيق ومعقد وأنها قادرة على الصمود وتجديد نفسها وتقديم قيادات جديدة.
والأمر نفسه مع حزب الله ومع إيران التي دفعتها هذه الحرب إلى دخول مواجهة مباشرة لأول مرة في تاريخها مع إسرائيل، ولا شك أن تلك المواجهات كشفت لإيران نفسها عن مواطن الضعف في منظوماتها كما كشف مواطن القوة.
ورغم أن بعض الخبراء يرون أن حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله يمكنهم تجديد قوتهم خلال المرحلة القادمة إلا أن الأمر يبدو مختلفا في سوريا التي يظهر أنها خرجت من المحور تماما سواء كان ذلك على المستوى الأيديولوجي أو حتى مستوى العمل الميداني واللوجستي.
وأمام هذا الأمر وتبعا لهذه التحولات ما ظهر منها وما بطن فإن الموازين في المنطقة تغيرت بالكامل، ولا يبدو أن ذلك ذاهب لصالح القضية الفلسطينية في بعدها التاريخي أو في جوهر ما تبحث عنه وهو دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المحتلة ولو على حدود 5 يونيو 1967.
لكن هذا لا يعني أن المقاومة ستنتهي أو تنتهي نصرة القضية الفلسطينية من الشعوب الحرة المؤمنة بالقضية، بل ستزهر في كل مكان في فلسطين أشكال جديدة من المقاومة والندوب الذي أحدثتها الحرب في أجساد الفلسطينيين وفي أرواحهم، ستبقى تغلي وستكون بذورا لمواجهات أخرى أكثر ضراوة وأكثر قوة وإصرارا على النصر.