هالة الحلفاوي تكتب: عام جديد.. أمل جديد
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
دائما، ما نجد أنفسنا أمام هذا الموقف المتجدد، في بداية كل عام، وغالبا ما نطرح على أنفسنا هذا التساؤل المهم: ما حصاد عامنا الذي مضى؟ وسرعان ما نضيف إليه تساؤلا آخر: وماذا ننتظر من عامنا القادم؟
إذن، فهو عام فات أو راح أو انصرم وطويت أيامه وأسابيعه وشهوره، ثم يأتي عام جديد، بأيامه وأسابيعه وشهوره.. من عام نأخذ الدروس ونتعلم من تجاربه، فيما نتطلع بأحلامنا إلى العام الجديد، ننتبه ونفكر لنتعلم، ونحسب لمواقع أو مواضع أقدامنا.
في هذه اللحظات المفصلية من "الزمن"، وفي هذه اللحظات الفارقة، يتجه الجميع إلى التفكير، ويتوقفون للتأمل. لا يختلف الأمر بين الأفراد كانوا، أو مؤسسات، أو دولا وحكومات، أو شعوبا وجماعات.
ونحن ــ هذه الأيام ــ علي وشك انتهاء عام 2023 بكل ما فيه من إيجابيات، وسلبيات، وما انطوى عليه من آلام ومآسي، ومن أحزان وأتراح، وأفراح.. وسوف تستقبل البشرية كلها عاما جديدا في 2024، وهو استقبال تمتزج فيه التهاني والأماني من ناحية، بالمخاوف والقلق من ناحية أخرى، خاصة في ظل تلك التوترات والاضطرابات العالمية والإقليمية، وذلك الفوران أو الغليان الذي أصبح السمة الغالبة في كل مكان من عالمنا المضطرب، لأسباب عدة!
في مقدمة هذه الأسباب، يأتي بالطبع ذلك تزايد التوحش الذي أصاب الذئب الإسرائيلي، الذي فقد وعيه وازداد ضراوة ــ بعد السابع من أكتوبر الماضي خاصة ــ والذى لم يعد لعدوانه حدود، ولا لجرائمه قيود، وقد أصبح فى كل لحظة، يؤكد أنه لا يعنيه من خلال مخططاته، وأهدافه، وجرائمه ــ مستندا إلى قوة الممولين لمخططاته، والمؤيدين لجرائمه ــ سوى مجرد التدمير، والتفجير، وقتل الأطفال والنساء، وهدم المنازل والبيوت على رؤوس ساكنيها من المدنيين الأبرياء، لا يهم ذلك الذئب "المسعور" سوى إحداث أكبر قدر من الشروخ في السياج الأمني النفسي والمادي، إضافة إلى حلمه بردع وتخويف محيطه العربي، والفلسطيني خاصة، متوهما أنه بذلك يستطيع في النهاية أن يكون هو السلطة الحاكمة إقليميا، والمتسيدة في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، ليسود الشر كبديل للخير، وهو ما تدحضه قوى المقاومة الفلسطينية التي أرهقته وكبدته خسائر لم يكن يتخيلها عندما بدأ حربه على الفسطينيين عامة وقطاع غزة الأبية خاصة.
أما حلمه فلن يكون أبدا، لأن ذلك يجافي الفطرة القويمة، ويناقض الخلقة السوية. لقد راهن الاحتلال على القهر والقتل والإمعان في الظلم والترويع، تحقيقا لمفهوم الردع. وفي الواقع ــ وعلى الأرض ــ فإنه لم ينجح حتى الآن، ولم يحدث شيء مما أراد، فقد رأينا أهل غزة الذين أراد منهم الاحتلال أن ينزحوا جنوبا يصرون على الاتجاه شمالا، عكس ما يطلب منهم، وبالآلاف، غير عابئين بمنع الاحتلال، بل ويفتشون عن الإعلاميين والصحافيين، ويقصدون الكاميرات للتحدث، وإظهار حجم التعلق بالأرض والوطن والهوية.
وفي الحقيقة، فإن ما يحدث الآن في غزة هو معمل تجارب لأفكار المستقبل، بوصفه جزءا من نظام وممارسة استعمارية لن يطول أمدها بالشكل نفسه، كما لن يستمر ما سينتج عنها، حتى وإن حاول الاستعماري "القديم" تغطية النقص المعروف عنه سابقا والمتمثل في نظرية الاستشراق، بمحاولة القرب بين المستوطن وصاحب الأرض.
وللأسف، فإن أحدا لا يملك حتى الآن تصورا تفصيليا وواضحا للمرحلة التي ستعقب توقف الحرب في غزة، حتى الاحتلال الاستعماري الاستيطاني نفسه، ولا قوى الاستعمار "التقليدي" الراعية له. وبرغم تلك المرارات، والتخوفات والحسرات، والصدمات، إلا أن طبيعة الأشياء، ودروس التاريخ، وتجارب الشعوب الحية تبقى نبراسا لكل من يتطلع إلى المستقبل، وتبقى هي الأمل، وتبقى هي الدواء الواجب على كل قوى الحرية ــ في عالمنا العربي، وفي العالم أيضا ــ التقوي بمفعوله، والتصدي بعزمه، لتهزم قوى الشر والظلم والعدوان، لتستمر الحياة حقا للشعوب الساعية إلى الحرية والديمقراطية والعدل. وبفضل ذلك الأمل يتعين علينا كافة أن نتبادل التهاني، ونتكامل بالأماني، لنزيل ما في الحياة من قلق ومخاوف، وليدوم الوجود الإنساني بالرضا والتسامي.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
شيخة الجابري تكتب: حديث حول التراث ومعتقداته
يربط الكثير من المهتمين والباحثين بين الأسطورة والطقس والمعتقد والخرافة، ويرون أن النسبية في الخرافة تعد رابطاً بين الأجناس الأخرى للتراث، ذلك أن الخرافة والمعتقدات كانا يشكلان الوعي بالطقوس التي تتركز أكثر ما تتركز في العادات والتقاليد والسلوكيات والتصرفات المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالمعتقد، فهناك طقوس ترتبط بعادات الميلاد مثلاً أو الزواج أو الوفاة أو دورة الحياة بشكل عام، إن هذا التداخل يعمل كثيراً على بلورة رؤية واضحة حول مفهوم التراث ودلالات العناصر الأخرى فيه.
وكما هو معلوم أن التراث يمثل الذاكرة الحية للمجتمعات، تلك الذاكرة التي دون حضورها لا تنمو معرفياً، ولا تحتفظ بماض وتاريخ وذاكرة أرشيفية تعبّر عنها، وما يحمله التراث من تنوع ثقافي يعتبر مخزوناً حيوياً للمجتمعات التي بدأ بعضها يفقد أواصر الود بين القديم والحديث، بعد أن انسلخت بعض المجتمعات عن ماضيها وتنصلت عن ثقافتها المادية واللامادية البكر، فسارت بسرعة غريبة نحو العولمة، وانساقت للآخر، متناسية ما يقدمه التراث باعتباره إرثاً حيوياً يحمل العديد من الحلول لمشكلات عالقة تعانيها المجتمعات، بخاصة الاجتماعية منها.
فعلى سبيل المثال، يستند مجتمع الإمارات على قيم وعادات وتقاليد منذ الأزل، وقد شكلت تلك التقاليد والأعراف الاجتماعية سوراً منيعاً أمام انهيار بعض القيم، فكانت «الفزعة» نظاماً اجتماعياً ساهم في حماية العلاقات الأسرية والمجتمعية وما يعتري العلاقات الإنسانية في المجتمع بخاصة في الشأن الأسري من تحولات وتصدعات قد تؤدي إلى تفككها وتدميرها لولا تدخل وفزعة الأقرباء والحكماء من منطلق الدين الذي يدعو إلى الشورى، والمجتمع الذي يدعو إلى التعاون، والتعاضد واحتواء الآخر.
من هنا تنبع الحاجة لإعادة الحياة إلى التراث الذي بات مهدداً بالاندثار ولم يتبقَ منه إلا الشكليات والمظاهر التي من خلالها يحتفى به، كالمعارض وما يتبعها من فعاليات ومشاركات فنية، إن حفظ التراث يعني محاولة إحياء بعض عناصره ضمن وعاء مهم هو مجتمعنا المتكامل بكل ما يحمل من تفاصيل زاخرة بالحياة والمفعمة بالعمل الجاد، وصولاً إلى التفرد والخصوصية.
ولا شك في أن الدولة تبذل عبر مؤسساتها الرسمية وبمساندة أبنائها الجهود الكبيرة للحفاظ على التراث بشقيه المادي واللامادي من خلال جمعه وحفظه وتدوينه، وتعمل كذلك على تعزيز الهوية الوطنية، والتأكيد على أهمية ما خلفه الأولون من عادات وتقاليد وطقوس وأعراف رسمت الطريق لهم لتأسيس مجتمعات تقوم على منظومة من القيم كالمحبة والتسامح والتواصل، وصولاً إلى تلاحم مجتمعي ضمن بيت متوحد نفخر بالانتماء إليه.