ماذا بعد نزوح سكان غزة إلى رفح؟
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
غزة- بعمر الـ80 عاما يعيش عبد الواحد أحمد ما عايشه إبان النكبة عام 1948، وكان حينها طفلا في السادسة من عمره، عندما هُجّر مع أسرته قسرا من بلدتهم "بربرة" وأقاموا مع الآلاف في خيام، تحولت مع مرور الوقت لمخيمات لاجئين في غزة، تشرف عليها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
كانت تلك الخيام "مؤقتة"، أو هكذا اعتقد جيل النكبة، إلى حين العودة إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم التي هُجروا منها على وقع مجازر مروعة ارتكبتها "العصابات الصهيونية".
ومضت السنوات حتى باتت هذه الخيام تشكل 8 مخيمات للاجئين في قطاع غزة الذي يواجه حربا شرسة للشهر الثالث على التوالي، تسببت في تهجير ونزوح 1.9 مليون فلسطيني.
منظمات محلية ودولية تقدر نزوح قرابة 700 ألف فلسطيني إلى مدينة رفح بسبب الغارات الإسرائيلية (الجزيرة) أكبر عملية تهجيروتقدّر منظمات محلية ودولية أن النازحين بسبب الحرب الإسرائيلية يمثلون 85% من بين 2.3 مليون فلسطيني يقطنون القطاع، وينحدر أكثر من 70% من عائلات لاجئة في أكبر عملية تهجير قسري منذ النكبة.
وبسخرية وقهر يقول عبد الواحد للجزيرة نت "كنا نطالب بحق العودة إلى بربرة، وأصبحنا نطالب بحق العودة إلى جباليا وبيت لاهيا".
وفي خيمة صغيرة ومتواضعة تعبث بها الريح، يقضي عبد الواحد جل وقته يصلي ويأكل القليل من الطعام المتوفر، ويجول ببصره في أرجاء المكان الذي تحوّل إلى مخيم وتتزاحم في رأسه الذكريات، ويتساءل "وين بدهم يهجرونا بعد رفح؟".
بضع عشرات من الخيام أقامها نازحون من مناطق شمال القطاع في حي تل السلطان المتاخم للحدود مع مصر، ويخشى هذا اللاجئ الثمانيني من أن تجبرهم المجازر التي ترتكبها إسرائيل على النزوح إلى سيناء.
ويشاركه كثيرون هذه الخشية في ظل ما تشهده مدينة رفح الفلسطينية -على الحدود مع شقيقتها رفح المصرية- من اكتظاظ شديد نتيجة موجات نزوح واسعة، تقدرها السلطات المحلية بنحو 700 ألف نازح، يقيمون في مراكز الإيواء وفي منازل أقارب وأصدقاء.
لكن الآلاف من أمثال عبد الواحد وأسرته لم يكن أمامهم خيار سوى نصب الخيام في أرض خالية في غربي المدينة، تفتقر لأبسط مقومات الحياة الأساسية.
النازحة أم شفيق تترقب انتهاء معاناة النزوح والعودة إلى منزلها في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة (الجزيرة) ملاحقة النازحينوما يزال عبد الواحد يختزن ذكريات كثيرة ومؤلمة، ويقول "هكذا بدأت"، ويشير بيديه إلى الخيام المتجاورة، ويكمل "ماذا بعدها، هل سنقيم هنا أم ستلاحقنا إسرائيل بالقتل وتهجرنا بره البلاد؟".
ولاحق جيش الاحتلال النازحين من مدينة خان يونس ومناطق شمال القطاع إلى مدينة رفح، بالقتل وارتكب مجازر مروعة بغارات جوية استهدفت منازل سكنية تؤوي أُسرا من النازحين، آخرها منزل عائلة أبو ضباع في مخيم الشابورة للاجئين، وتسببت في استشهاد وجرح العشرات.
وتقدّر السلطات المحلية في غزة أن أكثر من 45% من ضحايا الغارات الجوية الإسرائيلية في مناطق جنوب القطاع، بما فيها مدينة رفح، هم من النازحين، الذين هجروا منازلهم ومناطق سكنهم في مدينة غزة وشمال القطاع، ولجؤوا إلى مناطق الجنوب، الذي زعم جيش الاحتلال أنها "آمنة".
وتشكو أمل عبد الله "أم شفيق" من ضيق الحال في خيمتها المجاورة لخيمة عبد الواحد، وتقول للجزيرة نت "نزحنا من بيت لاهيا لخان يونس ومنها إلى رفح، وبعدين وين بدهم يهجرونا؟".
"على سيناء"، أجابها ابنها توفيق (30 عاما) وهو يحتضن بيده اليمنى طفلته الوحيدة "أمل" التي أنجبها بعد 10 سنوات من الزواج، وبيده الأخرى أشار إلى الحدود مع مصر. وقال للجزيرة نت "بيوتنا دمرت في بيت لاهيا، ولم نعد قادرين على التفكير بشيء، ولا يهمني الآن سوى سلامة بنتي".
لكن والدته الخمسينية لا تريد سوى العودة إلى بيت لاهيا وإعادة إعمار منزلها المدمر، وتؤكد "إذا طلعنا من أرضنا مش حنرجع لها ثاني زي ما صار في الـ48".
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في قطر الأحد الماضي، من تزايد الضغط من أجل النزوح الجماعي إلى مصر.
واتهم فيليب لازاريني المفوض العام للأونروا، إسرائيل بتمهيد الطريق لطرد سكان القطاع جماعيا إلى مصر عبر الحدود، مشيرا في مقال نشرته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأميركية، إلى الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة واحتشاد المدنيين النازحين الذين فروا من القصف الإسرائيلي والحرب البرية قرب الحدود في الشمال ثم الجنوب.
وأكد أن "التطورات التي نشهدها تشير إلى محاولات لنقل الفلسطينيين إلى مصر".
وفي حين دأبت أوساط سياسية وعسكرية إسرائيلية على نفي أي مخططات لنقل سكان غزة إلى مصر، فإن أعضاء في الحكومة دافعوا علنا عن فرضية مغادرة الفلسطينيين القطاع.
جريمة حرب
وكتب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، على فيسبوك "مرحبا بالهجرة الطوعية لعرب غزة إلى دول العالم". كما دعت وزيرة الاستخبارات غيلا غملئيل، إلى تشجيع "إعادة التوطين الطوعي للفلسطينيين من غزة خارج القطاع، لأسباب إنسانية".
وقدّر مسؤولون إسرائيليون سابقون -في مقابلات تلفزيونية- أن مصر بإمكانها إقامة مدن خيام واسعة في صحراء سيناء، بتمويل دولي.
ويقول رئيس "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" رامي عبدو -للجزيرة نت- إنه بمقتضى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن ترحيل دولة الاحتلال أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها يشكّل جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية.
والواقع أن ما يجري اليوم في غزة ليس حربا بالمفهوم التقليدي بقدر ما هو هجوم عسكري ترتكب فيه إسرائيل جريمة التهجير القسري والإبادة الجماعية بدون وجود أسباب قهرية عسكرية، بحسب عبدو.
ويرى أن ما مارسته تل أبيب من دفع السكان المدنيين في غزة للنزوح، هو مسار يعكس نوايا إسرائيلية للتهجير إلى خارج القطاع باستخدام القصف المستمر وسياسة التجويع ضد الكتلة البشرية الأكبر الموجودة حاليا في رفح، وهو ما قد يدفع هذه الكتلة للبحث عن أماكن يتوفر بها الأمن والحد الأدنى من مقومات الحياة.
ويرى أستاذ العلوم السياسية حسام الدجني، أن إسرائيل تحقق 3 أهداف من وراء دفعها الناس إلى أقصى الجنوب نحو مدينة رفح، يتعلق الأول بسهولة تطبيق سيناريو التهجير القسري للسكان نحو سيناء، لا سيما مع اشتداد العقاب الجماعي وانعدام الأمن الغذائي، وجرائم الإبادة الجماعية.
أما الهدف الثاني يقول الدجني -للجزيرة نت- فهو إظهار الاحتلال بصورة الحريص على المدنيين والمستجيب للنداءات الدولية ضمن سياسة التضليل للعالم، لأنه لا يوجد مناطق آمنة على طول حدود غزة. بينما يتمثل الهدف الثالث في تخفيف الكتلة الديمغرافية في مناطق القتال لتطبيق سياسة الأرض المحروقة.
ويجزم المتحدث بأن إسرائيل لن تنجح في مخططاتها ومساعيها، ويقول إن كافة المؤشرات تؤكد أن ثمة تحولات في المشهد الإقليمي والدولي، وفي الإطار العملياتي داخل غزة، وأبرزها تسريبات جيش الاحتلال لعدد قتلاه، لتأليب الداخل الإسرائيلي على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
كما أن حجم الحراك المستمر داخل الدول الغربية، والمقاطعة الاقتصادية وغيرها، كلها أسباب ودوافع تعجّل من نهاية الحرب وهزيمة إسرائيل، كما يؤكد الدجني.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: عبد الواحد للجزیرة نت العودة إلى مدینة رفح بیت لاهیا إلى مصر فی غزة
إقرأ أيضاً:
عاجل | القسام: تمكنا من إيقاع قوة صهيونية من 10 جنود بين قتيل وجريح شرق مدينة رفح
استشهد 35 شخصا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة، وفي حين قال المكتب الإعلامي الحكومي إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استهداف مستشفى كمال عدوان وطواقمه الطبية، قصفت كتائب القسام مواقع إسرائيلية شمال ووسط القطاع.
فقد قالت وزارة الصحة في غزة إن قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت 4 مجازر بحق عائلات في القطاع، ما أسفر عن استشهاد 35 شخصا، بينما أصيب 94 آخرون خلال الساعات الـ24 الماضية،
وأضافت وزارة الصحة أن عددا من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات، حيث لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
ولفتت إلى أن حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع بلغت 44 ألفا و211 شهيدا، في حين بلغ عدد المصابين مئة ألف و4 آلاف و567 مصابا، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.
في وسط القطاع شيع فلسطينيون جثامين ستة شهداء، بينهم طفلان، من مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح.
وكان 4 فلسطينيين قد استشهدوا في قصف إسرائيلي على منزل في مخيم البريج وسط القطاع. كما استشهد فلسطينيان وأصيب آخرون بجروح إثر قصف مسيرة إسرائيلية خيمة تؤوي نازحين في مخيم المغازي.
مشهد يوثق نزوح الأطفال مع عائلاتهم تحت القصف وفي ظل الأجواء الباردة من حي الشجاعية شرقي مدينة غزةpic.twitter.com/dnsNQJ4RTi
— محمد عبدالصمد (@mhmdbda44899493) November 24, 2024
نزوح بالشجاعيةوفي مدينة غزة، اضطر المئات للنزوح قسرا من حي الشجاعية شرقي المدينة، باتجاه مناطق أخرى في الجنوب والوسط، خشية الاستهداف والقتل.
وجاءت حركة النزوح بعد طلب الجيش الإسرائيلي من سكان الحي بالإخلاء قبل مهاجمتها، معتبرا إياها منطقة قتال خطيرة.
في الأثناء، تتفاقم أزمة المخابز في مدينة غزة بسبب شُح السولار وقلة المخابز ومنع الاحتلال تشغيل مخابز أخرى.
وأظهرت مشاهد مصورة تكدس المواطنين أمام مخبز العائلات غرب مدينة غزة لساعات طويلة على أمل الحصول على خبز لإطعام أطفالهم
#خاص فلسطين أون لاين | تكدس المواطنين أمام مخبز العائلات غرب مدينة غزة بعد يوم واحد من نفاذ السولار وسط مماطلة إسرائيلية مستمرة في السماح بإدخال كميات كافية من الوقود للمخابز. pic.twitter.com/oRBTFxZvsj
— فلسطين أون لايـن (@F24online) November 24, 2024
مستشفى كمال عدوانفي السياق نفسه، قال المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة إن الجيش الإسرائيلي يضع مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا وطواقمه الطبية هدفا للتدمير والقتل، مؤكدا أن تلك الأفعال تعد جرائم حرب ووحشية مركبة.
وأشار المكتب في بيان إلى أن الهجمات على مستشفى كمال عدوان تصاعدت خلال الأسبوعين الماضيين، مع تعرض المستشفى للقصف المتواصل بالقذائف والقنابل من الطائرات وإطلاق النار المباشر على غرف المرضى.
وأشار المكتب إلى أنه منذ بداية الحرب يستهدف جيش الاحتلال المنظومة الصحية في غزة من خلال تدمير وإحراق المستشفيات والمراكز الطبية وإخراجها عن الخدمة، حيث استشهد أكثر من ألف طبيب وممرض، واعتقل أكثر من 310 منهم، بالإضافة إلى منع إدخال المستلزمات الطبية والوفود الصحية ومئات الجراحين إلى قطاع غزة.
وكان مدير مستشفى كمال عدوان الدكتور حسام أبو صفية أصيب في فخذه الأيسر جراء قصف إسرائيلي استهدف المستشفى شمالي قطاع غزة.
واستهدف القصف الذي نفذته طائرة مسيّرة للاحتلال محطة الأكسجين في مستشفى كمال عدوان، في ظل مخاوف من اشتعال النيران في المستشفى بعد تسرب الأكسجين.
وأثارت الإصابة مخاوف بشأن حالة أبو صفية الصحية بسبب نقص الأطباء والأضرار التي لحقت بالمعدات والأجهزة الطبية في المستشفى الذي يعد أحد المرافق الطبية الثلاثة التي تعمل بالكاد بالطرف الشمالي لقطاع غزة.
وتزامن الهجوم مع مواصلة قوات الاحتلال توغلها وقصفها الأطراف الشمالية للقطاع، في هجومها الرئيسي الذي تشنه منذ أوائل الشهر الماضي.
خطة الجنرالات
بدورها، نقلت صحيفة هآرتس عن مسؤولين إسرائيليين كبار أن الجيش الإسرائيلي يطالب سكان شمال غزة بإخلاء منازلهم، على الرغم من نفي الجيش الاسرائيلي تنفيذ خطة الجنرالات في شمال القطاع.
وأضافت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي يقوم بتسوية المباني المتبقية في مخيم جباليا بشكل ممنهج.
وأوضحت أن منطقة مخيم جباليا لم تعد صالحة للسكن. وكانت الجزيرة قد حصلت على صور تظهر آثار الدمار في مخيم جباليا.
وأشارت هآرتس إلى أن صور أقمار صناعية حديثة تظهر حجم الدمار الواسع الذي خلفته العمليات البرية والقصف الجوي الإسرائيلي في مخيم جباليا.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن عملياته في شمال غزة تهدف إلى منع عناصر المقاومة من شن هجمات وإعادة تنظيم صفوفهم. وعبر سكان فلسطينيون عن خوفهم من أن يكون الهدف هو إخلاء جزء من القطاع بصورة دائمة وتحويله إلى منطقة عازلة.
هجمات المقاومةفي المقابل،أعلنت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- أنها قصفت مقر قيادة وسيطرة قوات العدو المتوغلة في منطقة التوام شمال مدينة غزة بوابل من قذائف الهاون من العيار الثقيل.
وقالت القسام إنها "استهدفت بالاشتراك مع كتائب الشهيد جهاد جبريل، موقع قيادة وسيطرة العدو الإسرائيلي في محور نتساريم بصواريخ 107".
وكانت كتائب القسام أكدت أنها نفذت عملية مركبة استهدف مقاتلوها خلالها قوة مشاة هندسية إسرائيلية من 5 جنود بقذيفة مضادة للأفراد أصابتهم بشكل مباشر، كما استهدف مقاتلو القسام ناقلة جند بقذيفة "الياسين 105" ورصدوا هبوط مروحيات للإجلاء وذلك قرب مفترق برج عوض بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
كما أعلنت كتائب القسام قصفها قاعدة رعيم العسكرية بغلاف غزة بعدد من صواريخ "رجوم" قصيرة المدى.
شمالا أعلنت القسام استهداف ناقلة جند من نوع "نمر" بعبوة "شواظ" في شارع الشهيد أحمد ياسين بمنطقة الصفطاوي، كما بثت صورا لاستهداف مقاتليها منزلا في المنطقة تحصنت فيه قوة إسرائيلية.
من جهته أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض صاروخين أطلقا من غزة باتجاه مستوطنتي العين الثالثة وكيسوفيم في غلاف غزة.