كيف كشف العدوان على غزة تناقضات سياسة الخارجية الألمانية النسوية؟
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
برلين- طموحات كبيرة تلك التي أعلنتها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، عندما اعتلت منصبها لأول مرة، وهي السيدة التي كانت مرشحة من حزب الخضر لمنصب رئيسة الوزراء خلفا للمستشارة السابقة أنجيلا ميركل، قبل أن يحصل الحزب على المركز الثالث في الانتخابات.
لكن سياسة ألمانيا الخارجية في عهد الوزيرة الشابة -وهي أوّل سيدة تتولى حقيبة الخارجية- تثير جدلا كبيرا خصوصا إثر وقوف برلين بشكل حازم بجانب إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة.
وقبل أشهر أعلنت بيربوك لأول مرة عن "سياسة خارجية نسوية" قوامها "المساواة بين الجنسين ودعم السلام"، حيث قالت في اجتماعات الأمم المتحدة، في فبراير/شباط الماضي، إن "حقوق الإنسان هي عالمية. وحياة إنسان هي حياة إنسان، بغض النظر عن الأصل، أو العرق، أو الجنس، أو التوجه الجنسي، أو المعتقد".
وتابعت حينها "لهذا السبب سنتحدث علنا في هذا المجلس عندما تُنتهك حقوق الإنسان سواء في الشرق، أو الغرب، أو الشمال، أو الجنوب". لكنها رغم أن عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة يقترب من 20 ألف شهيد وآلاف الجرحى وحوالي مليوني إنسان مُهجّرين، لا تزال ترفض بشكل واضح وقفا نهائيا لإطلاق النار.
يقول خبير العلوم السياسية الألماني ميشيل برونينغ -للجزيرة نت- إنه "يتم تعريف المصالح الألمانية بشكل متزايد على أنها تحديات أخلاقية، ورغم أنه لا حرج في الدفاع عن معتقدات المرء، إلا أن أولوية الأخلاق تأتي بثمن باهظ".
ويضيف "في الواقع، هذه المسألة عزلت برلين في قضايا أساسية عدة عن الإجماع العالمي المتزايد، وأحدث مثال على ذلك هي الطريقة الألمانية الخاصة فيما يتعلق بصراع الشرق الأوسط". واستخدم الباحث مصطلح "Sonderweg" الذي يشير إلى نهج ألماني خالص في تنظير مختلف عن النهج الأوروبي.
ونشطت بيربوك بقوة منذ بدء الحرب على غزة في دعم إسرائيل، وقالت في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مجلس وزراء خارجية أوروبا، إن وقف إطلاق النار غير ممكن بمبرّر أن "الحرب على الإرهاب ضرورية" وأن "تل أبيب لا تزال تتعرض لإطلاق الصواريخ".
وكرّرت موقفها في تصريحات إعلامية لاحقة، لكن الموقف الألماني لم يصل حد التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد وقف إطلاق النار، واكتفت بالامتناع عن التصويت.
فجوة صعبة التقبل
وحاولت بيربوك القيام ببعض التوازن عندما أعلنت أن بلادها سترفع الدعم الإنساني الموجّه لغزة، علما أن برلين لا تزال تعلّق المساعدات التنموية الموجهة لدعم فرص العمل والمجتمع المدني وإدارة قطاع المياه في الأراضي الفلسطينية.
وحول ما إذا كانت ألمانيا غير قادرة على الموازنة بين المصالح وبين ما تعلنه من قيم، يقول برونينغ "في الوقت الذي تروج فيه بيربوك بكل فخر لما يسمى بالسياسة الخارجية النسوية، فإن الفجوة بين الخطاب الأخلاقي والواقع أصبحت صعبة التقبل، خصوصا لدى العديد من بلدان الجنوب العالمي".
وتكتب ليديا بوث، مسؤولة في فرع مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية في الشرق الأوسط في مقال لها، "بينما يحذر الخبراء، بمن فيهم النسويات، من أن الحكومة الإسرائيلية تقوّض القانون الدولي، فإن من يمثلون ما يسمى بالسياسة الألمانية النسوية تواروا عن الأنظار".
وتضيف "يجب عليهم أن يتذكروا أن المبدأ البسيط والواضح للسياسة الخارجية النسوية هو العمل على تعزيز الحلول السياسية وليس العسكرية".
وتوضح أن المبادئ التوجيهية للسياسة النسوية الألمانية، لم يتم تطبيقها عندما راجعت برلين بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تعاونها مع المجتمع المدني الفلسطيني بشبهة "الارتباط بالإرهاب"، ولا عندما صوّتت بيربوك داخل الاتحاد الأوروبي ضد وقف إطلاق النار في غزة.
وتقول بوث إن سلوك ألمانيا في الأمم المتحدة خلق حالة من "السخط" بين من كانوا في دول الجنوب يتابعون بحماس هذه المبادئ التوجيهية.
وتململ عدد من المواقف الغربية بعد سقوط الآلاف من الضحايا في غزة، وانتقدت فرنسا استهداف إسرائيل للمدنيين، كما رفعت إسبانيا وبلجيكا وإيرلندا اللهجة عاليا ضد قادة الحرب الإسرائيلية، وخففت المملكة المتحدة دعمها لتل أبيب.
ولكن ألمانيا تبقى الوحيدة بين الدول الأوروبية الكبرى التي ترفض لهجتها في الحرب على غزة، وأضحت حاليا الداعم الغربي الأكبر لإسرائيل، بعد الولايات المتحدة.
"لا يوجد تغيير"
ورغم الدعم التقليدي لإسرائيل، احتفظت السياسة الألمانية الخارجية في بعض فتراتها بمسافة نقدية أتاحت لها الكثير من الهامش، وآخر وزير خارجية جسد هذا الأمر هو زيغمار غابرييل، الذي تولى الوزارة 14 شهرا ما بين 2017 و2018.
والتقى خلالها منظمات تنتقد بقوة سياسات تل أبيب، وهو الأمر الذي دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إلغاء لقاء معه، لكن جاء بعده هايكو ماس الذي دعم إسرائيل في حربها على غزة عام 2021، ثم الوزيرة الحالية بيربوك.
وبحسب ماركوس بيكل، رئيس قسم الأمن والشؤون الخارجية بموقع "تيبيل ميديا" (Table.Media)، في حديث مع الجزيرة نت؛ لا يوجد تغيير كبير في السياسة الخارجية بين حكومتي أنجيلا ميركل والمستشار أولاف شولتز، لكن ما يميز أنالينا بيربوك في نظره، عن سابقيها هو "رفعها الأصبع للحديث عن الوضع السيئ لحقوق الإنسان في زياراتها لعدد من الدول العربية والإسلامية".
ويضيف "فيما يخصّ إسرائيل، فإن سياسة الحكومة الألمانية ككل تعتمد على النظر لتل أبيب كمصلحة عليا، وهو ما تتقاسمه جميع أحزاب البلاد"، ويقول إن ألمانيا ترى أن تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس -عندما قال في برلين إن "المجازر الإسرائيلية تساوي 50 هولوكستا"- واقعة لم تدعم الموقف الفلسطيني في ألمانيا.
وفي ظرف شهر واحد، استقبلت ألمانيا ضيفين انتقدا إسرائيل بشكل كبير، وهو ما تسبب لها بإحراج واضطر مستشارها شولتز إلى تأكيد وقوفه مع تل أبيب، والأول كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي اتهم إسرائيل بالتصرف "كدولة إرهابية"، والثاني الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا الذي قال إن ما يجري في غزة "إبادة جماعية".
ولا يمكن عزل موقف بيربوك عن موقف شولتز الذي صرّح بشكل غريب، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بأنه "لا يشك أبدا في أن الجيش الإسرائيلي، وفي كل ما يفعله، سيراعي القواعد المشتقة من القانون الدولي"، حسب تقديره.
ولم يصدر عنه أو حكومته أيّ موقف ناقد للسياسات الإسرائيلية في غزة، باستثناء قول بيربوك مؤخرا إنه من مصلحة إسرائيل إمداد سكان غزة بالطعام حتى "لا يغذي الجوع الإرهاب"، وفق تعبيرها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: سیاسة الخارجیة على غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
مرتزِقةٌ مع “إسرائيل”.. بلا خجل
محمود المغربي
في سنوات العدوان على بلادنا والذي شارك فيه مرتزِقة العدوان وكانوا فيه رأس حربة ووقودًا له تم حصد أرواح عشرات الآلاف من أبناء الوطن أغلبهم من المغرر بهم بشعارات كاذبة ويافطات خادعة تتنافى مع الواقع كتلك التي تدَّعي إعادة الشرعية، فيما الواقع يقول إن تحالف العدوان هو من أسقط الشرعية وقضاء عليها وأهانها بعد أن وضعها تحت الإقامة الجبرية في فنادق الرياض لسنوات، رافضًا منحَها حتى موطئ قدم في المناطق التي سيطر عليها وسلب منها السلطة والقرار والإرادَة والكرامة وجعلها أضحوكة أمام العالم وذهب لخلق مليشيات بدلًا عنها متعددة ومتصارعة فيما بينها لها ولاءات وأهداف ومشاريع وانتماءات متضاربة ومختلفة، وإعطاء لكل فصيل منها جزءًا من الوطن المحتلّ ونفوذًا لتكونَ بديلةً عن الشرعية الساقطة وما تبقى من مؤسّسات الدولة.
أو كتلك التي تدَّعي الدفاع عن الجمهورية وهي تابعة ومرتهنة بيد أعداء الجمهورية والثورة الملك السعوديّ والشيخ الإماراتي أدوات أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني والخناجر المغروسة في جسد الأُمَّــة، أَو كتلك التي تدَّعي الدفاع عن الإسلام وتحارب المد الإيراني فإذا بها في خندق واحد مع الكيان الصهيوني وضد الإسلام وفلسطين وضد من يناصر ويساند أبناء غزة، أَو كتلك التي تدَّعي الدفاع عن الوطن فإذا بها تنادي وتطالبُ بالانفصال وتمزيق الوطن.
وقد شاهد الجميعُ كيف يتسابق هؤلاء المرتزِقة لعرض خدماتهم على أمريكا والكيان واستعدادهم لمواجهة القوات المسلحة اليمنية المناصِرة والمدافعة عن غزة نيابة عن أمريكا والكيان من أمثال عيدروس والعليمي وطارق عفاش الذي تم وضعُه في الساحل الغربي لليمن لحراسة بابِ المندب والبحر الأحمر وحتى يكونَ خادمًا ومدافعًا عن المصالح الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية وهو اليوم يستعدُّ ويحشدُ ويشتري المغرر بهم من أبناء تعز لحماية السفن الصهيونية والأمريكية ولمواجهة القوات المسلحة اليمنية بعد أن خسر عشراتِ الآلاف من المرتزِقة في السنوات الماضية أغلبُهم من شباب تعز الذين استُغلوا بدافع الفقر والبطالة والحاجة إلى المال القذر.
وربما يجهل الكثيرُ الحجمَ الكبير من القتلى في صفوف طارق عفاش من أبناء تعز؛ طمعًا في ألف درهم إماراتي كراتب شهري، أكثرهم فقد حياته قبل أن يحصل على تلك الدراهم الملعونة، وحتى الآن لا يزال أغلب الأهالي في تعز لم يستلموا جثث أبنائهم التي فُقدت في رمال تهامة.
وهَـا هو طارق عفاش وبلا خجل يطالبهم ببيع المزيد من أبنائهم ليكونوا وقودًا لحروب وطموح وجشع طارق وخدمة لمصالح أسياده في أبو ظبي وواشنطن وتل أبيب، وحتى تكون تعز وأبناؤها الخاسرَ الأكبرَ بشريًّا وماديًّا ووطنيًّا بعد أن رفض أغلب أبناء المحافظات الأُخرى الانضمامَ له؛ لعلمهم بفشله وهروبه من صنعاء مسقط رأسه بثياب نسائية.