برلين- طموحات كبيرة تلك التي أعلنتها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، عندما اعتلت منصبها لأول مرة، وهي السيدة التي كانت مرشحة من حزب الخضر لمنصب رئيسة الوزراء خلفا للمستشارة السابقة أنجيلا ميركل، قبل أن يحصل الحزب على المركز الثالث في الانتخابات.

لكن سياسة ألمانيا الخارجية في عهد الوزيرة الشابة -وهي أوّل سيدة تتولى حقيبة الخارجية- تثير جدلا كبيرا خصوصا إثر وقوف برلين بشكل حازم بجانب إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة.

المستشار الألماني أولاف شولتز ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك (غيتي) تناقض

وقبل أشهر أعلنت بيربوك لأول مرة عن "سياسة خارجية نسوية" قوامها "المساواة بين الجنسين ودعم السلام"، حيث قالت في اجتماعات الأمم المتحدة، في فبراير/شباط الماضي، إن "حقوق الإنسان هي عالمية. وحياة إنسان هي حياة إنسان، بغض النظر عن الأصل، أو العرق، أو الجنس، أو التوجه الجنسي، أو المعتقد".

وتابعت حينها "لهذا السبب سنتحدث علنا في هذا المجلس عندما تُنتهك حقوق الإنسان سواء في الشرق، أو الغرب، أو الشمال، أو الجنوب". لكنها رغم أن عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة يقترب من 20 ألف شهيد وآلاف الجرحى وحوالي مليوني إنسان مُهجّرين، لا تزال ترفض بشكل واضح وقفا نهائيا لإطلاق النار.

يقول خبير العلوم السياسية الألماني ميشيل برونينغ -للجزيرة نت- إنه "يتم تعريف المصالح الألمانية بشكل متزايد على أنها تحديات أخلاقية، ورغم أنه لا حرج في الدفاع عن معتقدات المرء، إلا أن أولوية الأخلاق تأتي بثمن باهظ".

ويضيف "في الواقع، هذه المسألة عزلت برلين في قضايا أساسية عدة عن الإجماع العالمي المتزايد، وأحدث مثال على ذلك هي الطريقة الألمانية الخاصة فيما يتعلق بصراع الشرق الأوسط". واستخدم الباحث مصطلح "Sonderweg" الذي يشير إلى نهج ألماني خالص في تنظير مختلف عن النهج الأوروبي.

ونشطت بيربوك بقوة منذ بدء الحرب على غزة في دعم إسرائيل، وقالت في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مجلس وزراء خارجية أوروبا، إن وقف إطلاق النار غير ممكن بمبرّر أن "الحرب على الإرهاب ضرورية" وأن "تل أبيب لا تزال تتعرض لإطلاق الصواريخ".

وكرّرت موقفها في تصريحات إعلامية لاحقة، لكن الموقف الألماني لم يصل حد التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد وقف إطلاق النار، واكتفت بالامتناع عن التصويت.

فجوة صعبة التقبل

وحاولت بيربوك القيام ببعض التوازن عندما أعلنت أن بلادها سترفع الدعم الإنساني الموجّه لغزة، علما أن برلين لا تزال تعلّق المساعدات التنموية الموجهة لدعم فرص العمل والمجتمع المدني وإدارة قطاع المياه في الأراضي الفلسطينية.

وحول ما إذا كانت ألمانيا غير قادرة على الموازنة بين المصالح وبين ما تعلنه من قيم، يقول برونينغ "في الوقت الذي تروج فيه بيربوك بكل فخر لما يسمى بالسياسة الخارجية النسوية، فإن الفجوة بين الخطاب الأخلاقي والواقع أصبحت صعبة التقبل، خصوصا لدى العديد من بلدان الجنوب العالمي".

وتكتب ليديا بوث، مسؤولة في فرع مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية في الشرق الأوسط في مقال لها، "بينما يحذر الخبراء، بمن فيهم النسويات، من أن الحكومة الإسرائيلية تقوّض القانون الدولي، فإن من يمثلون ما يسمى بالسياسة الألمانية النسوية تواروا عن الأنظار".

وتضيف "يجب عليهم أن يتذكروا أن المبدأ البسيط والواضح للسياسة الخارجية النسوية هو العمل على تعزيز الحلول السياسية وليس العسكرية".

وتوضح أن المبادئ التوجيهية للسياسة النسوية الألمانية، لم يتم تطبيقها عندما راجعت برلين بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تعاونها مع المجتمع المدني الفلسطيني بشبهة "الارتباط بالإرهاب"، ولا عندما صوّتت بيربوك داخل الاتحاد الأوروبي ضد وقف إطلاق النار في غزة.

وتقول بوث إن سلوك ألمانيا في الأمم المتحدة خلق حالة من "السخط" بين من كانوا في دول الجنوب يتابعون بحماس هذه المبادئ التوجيهية.

وتململ عدد من المواقف الغربية بعد سقوط الآلاف من الضحايا في غزة، وانتقدت فرنسا استهداف إسرائيل للمدنيين، كما رفعت إسبانيا وبلجيكا وإيرلندا اللهجة عاليا ضد قادة الحرب الإسرائيلية، وخففت المملكة المتحدة دعمها لتل أبيب.

ولكن ألمانيا تبقى الوحيدة بين الدول الأوروبية الكبرى التي ترفض لهجتها في الحرب على غزة، وأضحت حاليا الداعم الغربي الأكبر لإسرائيل، بعد الولايات المتحدة.

"لا يوجد تغيير"

ورغم الدعم التقليدي لإسرائيل، احتفظت السياسة الألمانية الخارجية في بعض فتراتها بمسافة نقدية أتاحت لها الكثير من الهامش، وآخر وزير خارجية جسد هذا الأمر هو زيغمار غابرييل، الذي تولى الوزارة 14 شهرا ما بين 2017 و2018.

والتقى خلالها منظمات تنتقد بقوة سياسات تل أبيب، وهو الأمر الذي دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إلغاء لقاء معه، لكن جاء بعده هايكو ماس الذي دعم إسرائيل في حربها على غزة عام 2021، ثم الوزيرة الحالية بيربوك.

وبحسب ماركوس بيكل، رئيس قسم الأمن والشؤون الخارجية بموقع "تيبيل ميديا" (Table.Media)، في حديث مع الجزيرة نت؛ لا يوجد تغيير كبير في السياسة الخارجية بين حكومتي أنجيلا ميركل والمستشار أولاف شولتز، لكن ما يميز أنالينا بيربوك في نظره، عن سابقيها هو "رفعها الأصبع للحديث عن الوضع السيئ لحقوق الإنسان في زياراتها لعدد من الدول العربية والإسلامية".

ويضيف "فيما يخصّ إسرائيل، فإن سياسة الحكومة الألمانية ككل تعتمد على النظر لتل أبيب كمصلحة عليا، وهو ما تتقاسمه جميع أحزاب البلاد"، ويقول إن ألمانيا ترى أن تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس -عندما قال في برلين إن "المجازر الإسرائيلية تساوي 50 هولوكستا"- واقعة لم تدعم الموقف الفلسطيني في ألمانيا.

وفي ظرف شهر واحد، استقبلت ألمانيا ضيفين انتقدا إسرائيل بشكل كبير، وهو ما تسبب لها بإحراج واضطر مستشارها شولتز إلى تأكيد وقوفه مع تل أبيب، والأول كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي اتهم إسرائيل بالتصرف "كدولة إرهابية"، والثاني الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا الذي قال إن ما يجري في غزة "إبادة جماعية".

ولا يمكن عزل موقف بيربوك عن موقف شولتز الذي صرّح بشكل غريب، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بأنه "لا يشك أبدا في أن الجيش الإسرائيلي، وفي كل ما يفعله، سيراعي القواعد المشتقة من القانون الدولي"، حسب تقديره.

ولم يصدر عنه أو حكومته أيّ موقف ناقد للسياسات الإسرائيلية في غزة، باستثناء قول بيربوك مؤخرا إنه من مصلحة إسرائيل إمداد سكان غزة بالطعام حتى "لا يغذي الجوع الإرهاب"، وفق تعبيرها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: سیاسة الخارجیة على غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

المسؤولون الأميركيون الذين استقالوا احتجاجا على سياسة بايدن في غزة

دفع دعم الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل خلال حربها المستمرة منذ نحو تسعة أشهر في غزة تسعة مسؤولين على الأقل في إدارته إلى الاستقالة واتهمه بعضهم بغض الطرف عن الفظائع الإسرائيلية في القطاع الفلسطيني.

وتنفي إدارة بايدن ذلك مستشهدة بانتقادها لسقوط قتلى مدنيين في غزة وجهودها لتعزيز المساعدات الإنسانية للقطاع حيث يقول مسؤولو صحة هناك إن نحو 38 ألف شخص قتلوا في الهجوم الإسرائيلي.

وشنت إسرائيل هجومها على غزة بعد هجوم مسلحين بقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر، أدى إلى مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 250 رهينة، وفقا للسلطات الإسرائيلية.

وفيما يلي المسؤولون الأميركيون الذين استقالوا:

- تركت مريم حسنين التي كانت تعمل مساعدة خاصة بوزارة الداخلية الأميركية - المختصة بالموارد الطبيعية والإرث الثقافي- عملها اليوم الثلاثاء. وانتقدت سياسة بايدن الخارجية ووصفتها بأنها "تسمح بالإبادة الجماعية" وتجرد العرب والمسلمين من إنسانيتهم.

- غادرت ستايسي جيلبرت التي عملت في مكتب السكان واللاجئين والهجرة بوزارة الخارجية، منصبها في أواخر شهر مايو. وقالت إنها استقالت بسبب تقرير إلى الكونغرس قالت فيه الإدارة كذبا إن إسرائيل لا تمنع المساعدات الإنسانية عن غزة.

- استقال ألكسندر سميث، وهو متعاقد مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في أواخر مايو، بدعوى الرقابة بعد أن ألغت الوكالة نشر عرض له عن وفيات الأمهات والأطفال بين الفلسطينيين. وقالت الوكالة إن العرض لم يخضع للمراجعة والموافقة المناسبة.

- في مايو، أصبحت ليلي غرينبيرغ كول أول شخصية سياسية يهودية معينة تستقيل، بعد أن عملت مساعدة خاصة لكبير موظفي وزارة الداخلية الأميركية. وكتبت في صحيفة الغارديان "باعتباري يهودية، لا أستطيع أن أؤيد كارثة غزة".

- غادرت هالة راريت، المتحدثة باسم وزارة الخارجية باللغة العربية، منصبها في أبريل احتجاجا على سياسة الولايات المتحدة في غزة، حسبما كتبت على صفحتها على موقع لينكدإن.

- استقالت أنيل شيلين من مكتب حقوق الإنسان بوزارة الخارجية في أواخر مارس، وكتبت في مقال نشرته شبكة "سي.أن.أن" أنها لا تستطيع خدمة حكومة "تسمح بمثل هذه الفظائع".

- استقال طارق حبش، وهو أميركي من أصل فلسطيني، من منصبه كمساعد خاص في مكتب التخطيط التابع لوزارة التعليم في يناير. وقال إن إدارة بايدن "تتعامى" عن الفظائع في غزة.

- استقال هاريسون مان، الضابط برتبة ميجر في الجيش الأميركي والمسؤول بوكالة مخابرات الدفاع، في نوفمبر بسبب السياسة في غزة، وأعلن أسباب استقالته في مايو.

- غادر جوش بول، مدير مكتب الشؤون السياسية العسكرية بوزارة الخارجية، منصبه في أكتوبر في أول استقالة معلنة، مشيرا إلى ما وصفه "بالدعم الأعمى" من واشنطن لإسرائيل.

مقالات مشابهة

  • معلمة كارفخال تفاجئه قبل مواجهة ألمانيا في يورو 2024.. فيديو
  • 150 كاتباً من 50 دولة يشاركون في مهرجان الأدب الدولي في برلين
  • ألمانيا.. القبض على 5 أشخاص بتهمة ارتكابهم جرائم حرب في سوريا
  • ألمانيا تسعى لاستيراد الهيدروجين الأخضر من المغرب.. ومحطة تجريبية قريبا
  • 12 استقالة من إدارة بايدن بسبب سياسته حيال غزة.. من هم المستقيلون؟
  • بيان مشترك لـ12 مسؤولاً أمريكياً استقالوا بسبب سياسة بايدن تجاه "حرب غزة"
  • المسؤولون الأميركيون الذين استقالوا احتجاجا على سياسة بايدن في غزة
  • عبدالله الرويشد يظهر على كرسي متحرك في ألمانيا
  • بالفيديو.. عبدالله الرويشد يظهر على كرسي متحرك في ألمانيا
  • بيربوك: ليس لألمانيا مصلحة أعظم من دعم أوكرانيا