هل ستترك أمريكا أوكرانيا لمصيرها؟
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
عندما حرَّكت روسيا قواتها إلى داخل حدود أوكرانيا، منذ سنتين اعتقدت أنَّ حربَها لن تتجاوزَ أياماً معدودات، أو في أسوأ الحساباتِ بضعة أشهر. فوجئت روسيا بحجم الدعم الأمريكي والغربي لأوكرانيا. سلاح من دون حدود، ودعم مالي تجاوز مئات المليارات، وتدفق السلاح لكييف من أمريكا، وبريطانيا، وألمانيا وفرنسا. المهاجرون الأوكرانيون، فتحت لهم دول أوروبا الأبواب وأغدقت عليهم المساعدات، ومكّنتهم من فرص العمل في كل المجالات.
في الأشهر الأخيرة، بدأ الموقف الأوربي يغشاه البرود، وخاصة في بعض دول أوروبا الشرقية. المجر وبولندا وبلغاريا. بدأت تفقد الحماس للدعم الأمريكي والأوروبي لأوكرانيا، في حين استمر الحماس والدعم الأمريكي والبريطاني، وإلى حد ما الفرنسي والألماني لأوكرانيا. المعاناة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، زاد ثقلها على أوكرانيا، رغم الدعم الغربي، وفي مقدمته الولايات المتحدة. بعد ما سببه وباء الكوفيد من أزمات اقتصادية في العالم، وارتفاع التضخم، أضافت الحرب الأوكرانية - الروسية، أزمة جديدة لأزمة الوباء الذي ضرب الاقتصاد العالمي. المقاطعة شبه الشاملة التي فرضها الغرب على روسيا، سببت أزمات في الغذاء في البلدان الفقيرة عامة، ولم تنجُ من ضرباتها حتى الدول الأوروبية الغنية، وخاصة في قطاع النفط والغاز والأغذية والأعلاف. الأموال والأسلحة التي يضخها الغرب لأوكرانيا، طالت جيوب المواطنين الأوروبيين، وحتى الأمريكيين، حيث ارتفعت مؤخراً أصوات في أمريكا، تقول إن عشرات الملايين من المواطنين يعانون الفقر. ترعرع مزاج جديد بين شعوب الدول المانحة لأوكرانيا، وتراجعت المظاهرات الضخمة التي خرجت في البداية تأييداً لأوكرانيا ضد الاجتياح الروسي، وبدأت الأصوات تتغير في وسائل الإعلام الغربية، وفي بعض البرلمانات ارتفع السؤال، إلى متى تستمر هذه الحرب، وإلى متى ندفع من قوتنا أموال لحرب لسنا طرفاً مباشراً فيها؟
دخلت الولايات المتحدة، السنة الساخنة، سنة الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. الحزب الديمقراطي يعيش حالة من المخاض التنافسي في داخله. الرئيس جو بايدن أعلن ترشحه لخوض الانتخابات عن الحزب، لكن المؤشرات المبكرة، بها غموض يغذي الخلافات، والاستطلاعات المبكرة، ليست في صالح الرئيس بايدن. أما الحزب الجمهوري فيعيش حالة غير مسبوقة في جولاته الانتخابية الرئاسية. الرئيس السابق دونالد ترمب، أعلن مبكراً عن ترشحه للرئاسة، وسط طوفان من الاتهامات التي قادته إلى القضاء. استطلاعات الرأي داخل حزبه، تضعه في المقدمة. ليس داخل حزبه فحسب، بل على المستوى الوطني. ترمب له مريدون داخل الحزب الجمهوري وحتى خارجه، وهم أكثر تشدداً من المؤيدين، ولن يترددوا في حشد تجمعات كبيرة، قد تندفع إلى العنف في حالة صدور أحكام نافذة ضد ترمب. المشهد السياسي في الولايات المتحدة، يشوبه غموض مشحون. كل ذلك له انعكاسات ساخنة على السياسة الخارجية الأمريكية. الصين هي الناقوس الذي يفعل فعله داخل أمريكا. روسيا لها حضور في داخل أمريكا، والحرب الروسية في أوكرانيا، هي العامل الذي يحرك ذلك. الدعم المالي والعسكري والسياسي الأمريكي المستمر والمتصاعد لأوكرانيا، أعاد زمن حرب فيتنام إلى الشارع الأمريكي، بما فيها من تكاليف باهظة. احتمال انتصار أوكرانيا في حربها التي مع روسيا، بدأ يتلاشى، ومراجعة أمريكا موقفها من هذه الحرب، بدأت مؤشراتها تتزايد. تاريخ أمريكا في صراعاتها السياسية والعسكرية، يؤكد منهجها البراغماتي في إدارتها هذه الصراعات. في الحربين العالميتين الأولى والثانية، لم تتدخل في بداياتهما، ثم دفعت بثقلها العسكري في كلتيهما بعد حسابات براغماتية متأنية ودقيقة. في الحرب الكورية، التي كانت هي المواجهة الأولى بين الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي، حققت القوات الأمريكية تقدماً ضد القوات الشمالية الشيوعية المدعومة من الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية، كان هدف الجنرال ماك آرثر، السيطرة على كامل شبه الجزيرة الكورية، لتأسيس دولة كورية واحدة موالية للغرب، لكن بعد تدخل عسكري صيني كاسح، وتكبّد قوات الحلفاء الغربيين خسائر كبيرة، قبلت الولايات المتحدة، مشروع تقسيم شبه الجزيرة الكورية إلى دولتين. شمالية شيوعية، وجنوبية رأسمالية موالية، بل تابعة للغرب.
حرب فيتنام التي استمرت لسنوات، وكانت أقرب إلى حرب عالمية، كانت أكبر مواجهة بين الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي. دفعت أمريكا بمئات الآلاف من جنودها المدججين بأحدث الأسلحة لمواجهة هجومات الفيتكونغ الشيوعية التي تهدف إلى توحيد الشمال والجنوب تحت الحكم الشيوعي. كلفت تلك الحرب الولايات المتحدة خسائر كبيرة. وسّعت أمريكا حربها لتشمل دولاً أخرى حول فيتنام، لكن مع توسع نطاق الحرب، وارتفاع الخسائر الأمريكية، جنحت أمريكا إلى الحل السياسي، وزار الرئيس ريتشارد نيكسون الصين، وقبلها عملت أمريكا على إحلال الصين الشعبية الشيوعية، محل الصين الوطنية في مجلس الأمن كعضو دائم، وانتهت الحرب الفيتنامية بمؤتمر باريس للسلام. انسحبت القوات الأمريكية من فيتنام الجنوبية، في مشهد أظهر السفير الأمريكي وهو يغادر هانوي على طائرة مروحية، وعشرات الفيتناميين الجنوبيين الموالين لأمريكا يتقافزون نحو الطائرة هرباً مما ينتظرهم من ملاحقات الشيوعيين. شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي كان من أكثر الموالين لأمريكا، هرب من طهران بعد اندلاع الثورة، والمرض أوهن جسده. أراد أن يدخل أمريكا للعلاج، لكن أبوابها سُدت أمامه؛ إذ لم يعد له دور سياسي في بلاده والمنطقة. ما تابعه العالم من مشاهد في كابول الأفغانية، والكبار والصغار من الأفغان، يتعلقون بأجنحة الطائرات الأمريكية التي تقلع مغادرة من مطار كابول، تحمل القوات الأمريكية المنسحبة، كتب بحبر البشر سطور السياسة البراغماتية الأمريكية. لقد أنجزت أمريكا ما أرادته من حربها الطويلة في أفغانستان، فحان أوان المغادرة، وترك من كانوا خيوطاً في نسيج زمن غبر.
اليوم، يشهد العالم تغيرات استراتيجية كبيرة. الصين الشعبية والولايات المتحدة، هما القوسان الكبيران اللذان يتحرك بينهما المسار الدولي الكبير. الصين هي الخصم الكبير لأمريكا اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً، أما روسيا فهي خصم من الدرجة الثانية. تايوان التي كانت تسمى فرموزا، وسياسياً تحمل اسم الصين الوطنية، لن تتردد أمريكا في القبول بإلحاقها بالصين الشعبية الشيوعية، وفقاً لقاعدة دولة واحدة بنظامين، كما تم بين الصين وهونغ كونغ. الهدف هو تأسيس علاقة جديدة بين القوتين الأكبر في العالم، ولكل ذلك ثمن، في مقدمته التنازلات الكبيرة المتبادلة.
أوكرانيا الدولة القلقة جغرافياً وسياسياً، تخوض حرباً صفرية مع روسيا الكبيرة جغرافياً، والقادرة عسكرياً، وما زالت متشددة في سياستها تجاه أوكرانيا، رغم الدعم العسكري والمالي الغربي الذي لا حدود له، لن تتراجع في حربها الطويلة ضد كييف. أمريكا البراغماتية، التي تموج في حراك سياسي داخلي، لا نستبعد أن ترتب إلى اجتماع في باريس أو في مكان غيره، كما كان لإنهاء حرب فيتنام، لتترك أوكرانيا تواجه مصيرها، كما كان مع من سبقها من حلفاء الولايات المتحدة. البراغماتية سلاح السياسة الواقعية الأمريكية الشامل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه روسيا امريكا روسيا اوكرانيا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الصین الشعبیة
إقرأ أيضاً:
الحرب تشتعل في أوكرانيا.. روسيا تعلن اسقاط صواريخ بريطانية وأمريكية
أعلنت وزارة الدفاع الروسية، اليوم الخميس، اعتراض جديد للأسلحة الغربية المتقدمة وسط التوترات المستمرة في أوكرانيا، مشيرة إلى اسقاط صاروخين بريطانيين الصنع، دون ذكر المكان والزمان.
وفي يوم الخميس، أبلغت الوزارة الروسية عن إسقاط صاروخين بريطانيين من طراز "ستورم شادو Storm Shadow"، وستة صواريخ "هيمارس HIMARS " الأمريكية، و67 طائرة بدون طيار.
وجاء هذا الإعلان جزءا من الإحاطة اليومية للوزارة حول ما يسمى "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا.
ولم يحدد الاعلان التوقيت الدقيق أو مواقع هذه الاعتراضات، كما أنه لم يوضح الأهداف المحتملة للذخيرة التي أسقطت.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها روسيا عن اعتراض صواريخ ستورم شادو، بعد أن قالت سابقا أنها أسقطت بعضها في شبه جزيرة القرم.
وفي وقت سابق من اليوم، قالت أوكرانيا، إن روسيا أطلقت صواريخ باليستية عابرة للقارات دون رأس نووية على مدينة دنيبرو في وسط شرق البلاد؛ وذلك لأول مرة منذ بدء الحرب على أوكرانيا منذ أكثر من 33 شهرا مما يمثل تصعيدا ملحوظا في الصراع الدائر. بينما رفضت روسيا، اليوم الخميس، التعليق على إطلاق صاروخ عابر للقارات على أوكرانيا مداه 5600 كلم.
ووفقا للقوات الجوية الأوكرانية، شمل الهجوم صاروخا باليستيا عابرا للقارات تم إطلاقه من منطقة أستراخان الروسية، إلى جانب صاروخ أيروباليستي "Kinzhal" Kh-47M2 من تامبوف وسبعة صواريخ كروز Kh-101 من فولجوجراد.
وأعلن مسؤولو القوات الجوية على قناة تيليجرام الخاصة بهم أن الهجوم وقع في وقت مبكر من اليوم الخميس، مستهدفا المصانع والبنية التحتية الحيوية والمؤسسات.
وتمكنت الوحدات المضادة للطائرات من اعتراض ستة من صواريخ كروز Kh-101، على الرغم من أن التفاصيل حول الإصابات ما زالت غير معروفة وما إذا كان قد تسبب في أي ضرر.
ويبلغ مدى هذا النوع من الصواريخ آلاف الكيلومترات ويمكن استخدامها لتوصيل الرؤوس الحربية النووية، على الرغم من أنها يمكن أن تحتوي أيضا على رؤوس حربية تقليدية.
وفي تطور منفصل، أكدت الولايات المتحدة أنها ستزود أوكرانيا بالألغام الأرضية المضادة للأفراد غير المستمرة، وفقا للمتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر.
ويأتي هذا القرار ردا على التقدم الروسي في شرق أوكرانيا، مما يمثل أول حكم من هذا القبيل لأوكرانيا كجزء من الدعم المستمر ضد العمليات العسكرية الروسية.