الكسابة … ثقافة تاريخية مجهولة في الوسط !!
لم يفجع أهل الخرطوم في هذه الحرب 15 أبريل 2023م شيئ أشد مضاضة ومرارة من نهب ممتلكات بيوتهم ومتاجرهم التي غادروها وهم يأملون بالعودة إليها فيجدوها سالمة بما حوت.
ولكن فئة الكسابة المجهولة في أطراف السودان وثقافة انتهاز الحروب للنهب هي التي أضرت بأهل الخرطوم مثل ما أضر بهم الجهل بوجودها وثقافتها.

وهذه الفئات الغير مقاتلة لا تعتبر مداهمة البيوت ونهب الممتلكات زمن الحروب عيبا وليس من دليل على مشروعية هذه الممارسة عندهم أكثر من المصطلح الذي يطلقونه عليها : الكسابة ، فهو مصطلح لا يدل على الحرام لممارسة هي في حقيقتها إفساد في الأرض وليست نهبا ، ذلك أن الذي ينهب هو الذي يقطع عليك الطريق ويسلبك ما تحمل (همباتي) ، أما الذي يدخل بيتك خلال غياب أجبرتك عليه الظروف ثم يبدأ في تجريده من مقومات المعيشة من أجهزة وأثاث ومفروشات … إلخ فلا يجوز أن يطلق عليه نهاب بل هو : مفسد في الأرض.

الحكومات الواعية تستعين بعلم الإجتماع وعلماء الإجتماع لدراسة وفهم مكونات الشعب وتضع ذلك في اعتبارها عند التخطيط سواء عند تخطيط المدن أو المناهج الدراسية أو الدعوية ذلك أن الكساب يمكن أن يكون متمسكا في الظاهر بشعائر الدين يصلي الصلوات في أوقاتها ويصوم وربما يحج ولكن يغلب عليه جهله بأحكام الدين وغلبة العرف.

وظاهرة الكسابة أو الغنامة موجودة خاصة في دارفور منذ مئات السنين وجميعهم يمارسونها خلال التاريخ البعيد والقريب في حروب ما بعد 56 وما بعد 2003م ضد بعضهم بجميع حركاتهم ومكوناتهم وليست حكرا على الجنجويد التي ألصقت بالقبائل العربية غرضا واستهدافا ،

فجميعهم كانت حروبهم جنجويدية تستهدف السكان وتحرق القرى والفرقان وتنهب المحتويات.
ولذلك جاءت ردود أفعالهم غالبا باردة ومتأخرة تجاه ما حل بسكان العاصمة المثلثة بل أن بعضهم قال أن ما حدث من تبعات الحرب وكل إناء بما فيه ينضح ، ولكن ثقافة الوسط ليس فيها هذه الممارسة في الحروب كما أن أهل الوسط لم تكن بينهم وبين المكونات المجتمعية حروب ولكن تم تحميلهم أوزار أداء حكومات الخرطوم وهذه هي الفاجعة السياسية التي تصعب على الفهم.

#كمال_حامد ????

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

الانتخابات الأمريكية ديمقراطية.. ولكن!

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

 

أيامٌ قليلة تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية وسط حالة من الترقب والقلق غير المبرر من احتمالات فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والذي يُعد بكل المقاييس حالة استثنائية غير مألوفة وطارئة على المشهد السياسي الأمريكي.

وبعيدًا عن الهلع الذي ينتاب البعض وأية اعتبارات ومآخذ أخرى مُحِقَّة، ربما يكون الخيار الأنسب القادر على دفع تناقضاتها الداخلية إلى مستويات مُتقدِّمة، وبطبيعة الحال فإن ترامب يُشبه أمريكا ووجهها الذي تحاول إخفاءه. وكثيرة هي التساؤلات التي تُثار حول مستقبلها حال فوزه، بيد أن مجرد طرح مثل هذا التساؤل ينُم عن جهل عميق بتركيبة خارطتها السياسية؛ حيث إن الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين يتبادلان السلطة هما وجهان لعملة واحدة ولا يختلفان عن بعضهما، سوى في بعض البرنامج الإصلاحية الداخلية. أما فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية فلا يوجد بينهما خلاف، وإن كانت طرق مقارباتهما للأحداث والوقائع اليومية تُوحي أحيانًا بعكس الحقيقة.

الولايات المتحدة الأمريكية هي بالفعل نموذج الدولة الرأسمالية الديمقراطية التي استكملت كافة مؤسساتها التمثيلية شكلًا ومضمونًا، بحيث تصب كل ما تُفرزه فعاليتها الداخلية في بوتقة مصالح طبقاتها الرأسمالية الاحتكارية. وبهذا المعنى فإن من يقف على رأس السلطة التنفيذية مجرد مُمثِّل قانوني لإرادة اللوبيات الإمبريالية ومراكز الثقل المالي والاقتصادي والصناعي، التي تُدير ما يقارب 80 في المئة من الاقتصاد الأمريكي، وتتحكم بالمفاصل الرئيسية للنظام الرأسمال العالمي. وفي هذا الإطار، فإنَّ وصول دونالد ترامب أو كامالا هاريس الى البيت الابيض لا يستحق كل هذا الاهتمام؛ كونهما في نهاية المطاف سيخضعان لسطوة رأس المال وتطلعاته نحو إحكام السيطرة على الأسواق والمواد الخام والمواقع الاستراتيجية؛ الأمر الذي يعني المزيد من الحروب الاقتصادية والعسكرية، بكل ما يستتبعها من مآسٍ وكوارث إنسانية، وستظل الديمقراطية الأمريكية بكل عيوبها من أهم الأسلحة التي تُمكِّنُها من استعادة أنفاسها وترتيب أولوياتها بعد كل 4 سنوات عجاف من مواجهة الشعوب وأحلامها، في عالم تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية.

غير أن الديمقراطية وإن كانت طبقية إلّا أنها لا تخلو من المزايا؛ حيث إن فكرة التبادل السلمي للسلطة تُشكِّل بحد ذاتها حاجة موضوعية. وفي واقع الأنظمة الرأسمالية، هي عملية تجديد وضخ دماء جديدة في شرايين المؤسسات القائمة على الاستغلال وفرض السيطرة الطبقية. ومن الناحية النظرية، فإنها تُساير منطق التطور البشري وما راكمه من تراث معرفي يعلي من قيم العدل والمساواة، وتعد بمظاهرها الليبرالية المختلفة أقصى ما أنتجه الفكر السياسي البرجوازي الغربي، بحيث تُعطي للنظم الرأسمالية إمكانية إعادة تكريس بُناها الاقتصادية والاجتماعية والآيديولوجية القائمة على الاستغلال والاضطهاد والعمل المأجور.

علاوة على أن الهوامش النسبية من حرية الرأي والتعبير وغيرها التي تتمتع بها ما زالت لها بريقها، ومن الذي لا يستوقفه مشهد الملايين وهم مُتجهين نحو صناديق الاقتراع بلا عنف أو إراقة الدماء، بصرف النظر عن محتواها، مع الإقرار بأنَّ الديمقراطية الأمريكية هي نموذج مختلف؛ سواءً من حيث آليات اختيار مجلسي الشيوخ أو النواب، أو من حديث اختيار الرئيس، وضيق الخيارات أمام الناخبين، وحجم المقترعين التي لا تتعدى في السنوات الماضية حدود 30 في المئة من مجموع السكان، البالغ عددهم ما يقارب 400 مليون نسمة، وهي نسبة ضئيلة جدًا، ولا تُعبِّر عن إرادة الأغلبية الساحقة، إلّا أنها- بحسب نخبها وتكوينها السياسي- كافية لتبرير شرعيتها. وتتيح الانتخابات الأمريكية فرصة مناسبة لتقييم التجربة الاشتراكية النقيضة ونموذجها الأبرز الاتحاد السوفيتي السابق، الذي غابت الممارسة الديمقراطية عن نهجه؛ وهي حالة غريبة عن جوهر الاشتراكية نفسها. وقد حصدت بغيابها هزيمةً غير مُستحَقَّة؛ حيث تسلَّل ميخائيل جورباتشوف بمواصفاته الرديئة إلى رئاسة الحزب والدولة، واستطاع إخفاء جوهر برنامجه الحقيقي الذي ظل مخبوءًا في مُخيِّلته، حتى تمكن لاحقًا من نسف تجربة بشرية انتشلت ملايين البشر من براثن الجوع والعبودية، وحوَّلت بلدًا شبه مُتخلِّف نصفه إقطاعي ونصفه الآخر رأسمالي، إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، وفتحت عصر الثورة الاشتراكية بكل آمالها في القضاء على القهر الطبقي واستغلال الإنسان للإنسان بكافة أشكاله وأنواعه.

وتبقى الديمقراطية وسيلةً لا غنى عنها في تصليب البنى الداخلية للشعوب وحماية منجزاتها، وأن كل محاولات احتكار السُلطة أو حصرها في فئات قليلة وعدم إشراك الجماهير وتعبيراتها السياسية في رسم مستقبلها، ستصل في النهاية إلى الطريق المسدود. وللأسف، فإن البلدان العربية تنحو يومًا بعد آخر نحو الديكتاتورية والأوتوقراطية، وتُجري محاولات مُتعددة لإقناع الجماهير بعدم جدوى المشاركة السياسية، وتقليص صلاحيات المجالس الشعبية المنتخبة، وإظهار عجزها في لجم النزعات الفردية والطبقية.

ومن نافلة القول إن الديمقراطية لا يمكن حصرها في جوانب تمثيلية شكلية فحسب؛ بل هي بالأساس مفهوم شمولي اقتصادي واجتماعي وسياسي، وممارسة عملية تقوم على ضمان حق الاختلاف وتجسيده في العمل المُنظَّم تحت مظلة دستورية وقانونية عصرية، تكفل حرية التنوع الفكري والسياسي بكل أبعادها وتجلياتها.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الحوثيون يبتكرون آلية جديدة للنهب تحت ستار ”دعم القضاء”
  • حرب السودان كأداة للهيمنة عليه
  • القصبي: الدولة لديها إرادة سياسية قوية لتعزيز مكانة وثقافة حقوق الإنسان
  • في يوم الحب.. قصة إيزيس وأوزوريس السينما المصرية التي هزت الوسط الفني
  • سفير الخرطوم بالقاهرة: المنتدى الحضري فرصة لعرض رؤية السودان في قضايا التنمية
  • السودان: والي الخرطوم يجدد هجومه على الوجود الأجنبي
  • الانتخابات الأمريكية ديمقراطية.. ولكن!
  • المملكة تعرب عن قلقها إزاء استمرار القتال في السودان الشقيق وتصاعد أعمال العنف التي طالت المدنيين
  • وزارة الخارجية تعرب عن قلق المملكة إزاء استمرار القتال في السودان الشقيق وتصاعد أعمال العنف التي طالت المدنيين من نساء وأطفال
  • سندٌ ضخم، ولكن مهمل*