ما معنى قوله تعالى «ويرسل عليكم حفظة».. ولماذا نبتلى مع وجودهم؟
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
ما معنى قوله تعالى: «ويرسل عليكم حفظة»؟ سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}.
ما معنى قوله تعالى: «ويرسل عليكم حفظة»؟وقال علي جمعة إن الله سبحانه وتعالى عندما يتكلم عن جلاله يُعقِّب بجماله، وعندما يتكلم عن جماله يتكلم عن جلاله، وفي ذلك إشارة إلى الكمال الإلهي، مضيفًا: عندما تجلى علينا باسمه القاهر {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} في جلال بيَّن لنا أنه أيضًا صاحب الجمال فقال: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} فالله يرسل علينا ملائكةً كرامًا حفظة، يحفظوننا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائلنا، ومن فوقنا ومن تحتنا، يحفظوننا من أمر الله ؛ أمر الله هذا إما المصائب، والكوادر، والبلاء الذي قد يصيب الإنسان.
وأوضح علي جمعة في توضيح معنى قوله تعالى: «ويرسل عليكم حفظة»: قد يصاب فعلًا الإنسان بمثل هذه العثرات، أو البلايا من أجل التذكير، ومن أجل أن تلتفت إلى النعمة التي لا تلتفت إليها من كثرة إلفك لها، وعادتك التي أنت فيها؛ فلما تجلى بالجلال تجلى بعد ذلك بالجمال تهدئةً للنفوس، وبيَّن أن هذا الأمر الأول من أمر الله.
واستطرد: لكن هناك أمر ثاني أن الحفظة إذا ما تخلت عنك فإنك لا تستطيع الاستمرار في الحياة، ولذلك الحفظة سيأتي وقت ويتركونك من أجل الانتقال من دار الدنيا إلى دار الآخرة ؛ ليقوم ملك الموت بواجبه.
واختتم: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} من هم ؟ الحفظة والرسل ؛ الحفظة لا تُفرط في الحفظ، ولا الرسل تُفرط في استيفاء النفس وقبضها من الإنسان، لماذا؟ {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} فكلهم تحت القهر الرباني الإلهي.
وفي تفسير قوله تعالى: «وهو القاهر فوق عباده»، يقول الإمام ابن كثير في تفسيره أي : هو الذي قهر كل شيء ، وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء .
وأضاف: «ويرسل عليكم حفظة» أي : من الملائكة يحفظون بدن الإنسان ، كما قال [ تعالى ] ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) [ الرعد : 11 ] ، وحفظة يحفظون عمله ويحصونه [ عليه ] كما قال : ( وإن عليكم لحافظين [ كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ] ) [ الانفطار : 10 - 12 ] ، وقال : ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ ق : 17 ، 18 ] .
وقوله : «حتى إذا جاء أحدكم الموت» أي : [ إذا ] احتضر وحان أجله «توفته رسلنا» أي : ملائكة موكلون بذلك .
قال ابن عباس وغير واحد : لملك الموت أعوان من الملائكة، يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم وسيأتي عند قوله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت [ في الحياة الدنيا وفي الآخرة ] ) [ إبراهيم : 27 ] ، الأحاديث المتعلقة بذلك ، الشاهدة لهذا المروي عن ابن عباس وغيره بالصحة .
وقوله : ( وهم لا يفرطون ) أي : في حفظ روح المتوفى ، بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء الله ، عز وجل ، إن كان من الأبرار ففي عليين ، وإن كان من الفجار ففي سجين ، عياذا بالله من ذلك .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدكتور علي جمعة ملك الموت معنى قوله تعالى أمر الله
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: الله منح الإنسان العقل وأنزل إليه الرسل حتى تقوم عليه الحجة
أكَّد الدكتور نظير عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- أن الإنسان، في واقعه المعيش، يدرك تمامًا أنه مختار فيما يأتيه من أفعال، فهو حين يُقدِم على أي تصرف يُفكر ويخطط ويتروَّى، وهذا في حد ذاته دليل كافٍ على حرية الإنسان ومسؤوليته عن اختياراته.
وأضاف مفتي الجمهورية، في مستهل حديثه الرمضاني اليومي في برنامج "حديث المفتي" الذي يذاع يوميًّا على قناة dmc، وذلك في معرض إجابته عن سؤال يتردد كثيرًا في الأذهان، ويعكس إشكالية فلسفية عميقة وقديمة تتعلق بمسألة القضاء والقدر، والجبر والاختيار، وهو: إذا كان كل شيء قد قدَّره الله تعالى وكتبه على الإنسان، فلماذا العذاب؟
وأوضح مفتي الجمهورية، أن الإنسان يعيش في مجتمع تحكمه قوانين وقيم وضوابط، ومن يخرج عن هذه المنظومة يتعرض للعقاب، ولا يُقبل منه الاحتجاج بأنه كان مُجبَرًا على المخالفة. وكذلك الشأن مع الله تعالى؛ فقد خلق الإنسان وزوَّده بالعقل والبيان، وأرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وبيَّن له الطريق ثم ترك له حرية الاختيار.
وأشار إلى أن المغالطة في السؤال تنشأ من الخلط بين "العلم الإلهي الأزلي" وبين "الجبر الإنساني". فكون الله تعالى يعلم ما سيكون من الإنسان لا يعني أنه يُجبره على فعله، وإنما علم الله هو علم كاشف، لا مُؤثر. فالله يعلم ما يفعله الإنسان بإرادته، لكنه لا يُلزمه بذلك.
ولتقريب الفكرة، ضرب مثالًا بمدرِّس يعرف طلابه، ويدرك من واقع التجربة والاجتهاد من منهم سيتفوق ومن سيرسب. فهل هذا العلم بالحال هو الذي تسبب في الرسوب؟ أم أن النتائج هي ثمرة مقدمات واضحة؟ كذلك علم الله تبارك وتعالى لا يعني الإكراه، بل هو علم سابق بما يختاره الإنسان لنفسه، لذلك يُحاسب عليه.
وبيَّن المفتي أن الله سبحانه وتعالى وهب الإنسان العقل ليُميز بين الخير والشر، ثم أرسل الرسل وأيدهم بالكتب، لتقوم الحجة على الناس، فلا يكون لهم عذر. وإذا انقطعت الصلة بين النبي وأمته، بقيت الكتب السماوية حجَّة واضحة ناطقة.
واستشهد مفتي الجمهورية بالآيات التي تدلُّ على حرية الإنسان واختياره، كقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، وقوله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. وهي نصوص تؤكد أن الإنسان حر في اختياراته، ومسؤول عن أفعاله.
وفي ختام حديثه، شدد المفتي على أن الإنسان ليس مُجبَرًا على إطلاقه، ولا حرًّا على إطلاقه، بل هو بين الأمرين، ولا يُحاسبه الله تعالى إلا على ما يدخل ضمن دائرته الاختيارية، رحمةً به وتخفيفًا عنه. كما أكد إمكانية التغيير من خلال حسن العمل والتأمل الرشيد في معاني القدر والاختيار، وضرورة التفكر في النصوص الشرعية لفهم طبيعة العلاقة بين الخالق وعباده.