سلطت صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية في تقرير لها الضوء على مسألة هروب مليارات الدولارات بشكل سري من الصين مع تشديد الصين الرقابة على رأس المال.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن العام الجاري كان رهيبًا بالنسبة للصين فقد انخفض مؤشر "سي إس آي 300" للأسهم الصينية بنسبة 13 بالمائة حتى الآن، بمستوى أقل مما كان عليه خلال آخر عمليات الإغلاق الصارمة بسبب جائحة كوفيد-19.

وتدفع الصعوبات في سوق العقارات الشركات إلى التخلف عن السداد، بينما أدّت التوقعات الباهتة للنمو الاقتصادي، مقترنةً بالحاجة لإدارة القيادة الاستبدادية المتقلبة والعلاقات المضطربة مع كبار الشركاء التجاريين، إلى تشكّل مناخ مالي بائس.



وأوضحت الصحيفة أن هذا المناخ كان دافعًا لتدفق رؤوس أموال هائلة إلى الخارج، حيث يسارع المستثمرون الأجانب والعديد من الصينيين الأثرياء إلى الخروج من البلاد، وذلك وفقًا لمعهد التمويل الدولي. وقد شهدت الصين خمسة أرباع متتالية من تدفق الأسهم والسندات خارج الحدود، وهي أطول مدة تم تسجيلها على الإطلاق. وتشعر الشركات بالقلق أيضًا، إذ تحول صافي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين في الربع الثالث من هذا العام إلى المستوى السلبي للمرة الأولى منذ بدء جمع البيانات، ويعكس هذا جزئيًا استثمار الشركات المصنعة المحلية في العمليات الخارجية، وهو ما يمكن أن يخفض تكاليف العمالة ويساعد في تجنب التعريفات الجمركية الأمريكية. ورغم الجدل حول الحجم الإجمالي للتدفقات الخارجة، فإن البعض يعتقد أن حوالي 500 مليار دولار تختفي من بيانات ميزان المدفوعات الغامضة في الصين.

وأشارت الصحيفة إلى أن آخر موجة خروج لرأس المال من الصين كانت في الفترة 2015-2016، وبدأت نتيجة انخفاض قيمة العملة، وكانت سببًا في انهيار سوق الأوراق المالية. وحسب التقديرات، فقد هرب حينها ما يقارب تريليون دولار من البلاد؛ حينئذ رحّبت العديد من الدول برأس المال الصيني بأذرع مفتوحة، لكنه أصبح الآن مشبوهًا، لذا يتم البحث عن وجهات جديدة للأموال الصينية، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة.

وأوردت الصحيفة أن التهرب من ضوابط رأس المال في الصين أصبحت المهمة الأولى للمستثمرين القلقين. يجزّئ البعض التحويلات، إذ يقوم سكان البر الرئيسي بشراء وثائق تأمين قابلة للتداول في هونغ كونغ على الرغم من أنهم قد ينفقون من الناحية القانونية 5000 دولار فقط في المرة الواحدة. وقد بلغت مبيعات التأمين لزوار البر الرئيسي في الأشهر التسعة الأولى من العام 47 مليار دولار لهونغ كونغ (6 مليارات دولار)، أي أكثر بنحو 30 بالمائة عما كانت عليه في الفترة نفسها من سنة 2019. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، منعت الصين الوسطاء المحليين من تسهيل الاستثمار الخارجي من قبل السكان المحليين. وبالنسبة لأصحاب الأعمال، فإن إحدى طرق إخراج الأموال من البلاد هي التلاعب بالشحنات التجارية، من خلال المبالغة في تقدير قيمة البضائع.



وذكرت الصحيفة أن العديد من الدول أصبحت أقل ترحيبًا بالمستثمرين الصينيين مما كانت عليه خلال الحقبة الأخيرة من هروب رأس المال. وقد أقرّت العشرات من الهيئات التشريعية في الولايات الأمريكية قوانين تمنع المواطنين الأجانب غير المقيمين من شراء الأراضي والعقارات. وقد أنفق المشترون الصينيون 13.6 مليار دولار على العقارات الأمريكية حتى مارس/آذار، أي أقل من نصف المبلغ الذي اُنفق خلال الفترة نفسها من 2016 إلى 2017. وفي كندا، يُمنع غير المقيمين من شراء العقارات تمامًا، كما لم  تعد التأشيرات الذهبية في أوروبا تحظى بالقبول، حيث تُشدد الإجراءات في أيرلندا وهولندا والبرتغال. ورغم بقاء هونغ كونغ بوابةً تمكّن رأس المال الصيني من الوصول إلى بقية العالم، إلا أن جاذبيتها تضاءلت منذ حملة القمع السياسي في المنطقة.

وفي هذا السياق، تزايدت أهمية الدور الذي تلعبه سنغافورة. يعود نجاحها في جذب الأموال الصينية إلى قربها النسبي، وضرائبها المنخفضة، مع عدد كبير من السكان الناطقين بلغة الماندرين. وقد ارتفع الاستثمار المباشر من هونغ كونغ والبر الرئيسي الصيني بنسبة 59 بالمائة منذ سنة 2021، ليصل إلى 19.3 مليار دولار سنغافوري (14.4 مليار دولار) السنة الماضية. وتشير الفجوات المشبوهة في البيانات التجارية بين البلدين إلى هروب رؤوس الأموال غير المسجلة أيضًا، وذلك حسب المحللين في بنك غولدمان ساكس.

وقد ارتفع عدد مكاتب إدارة الثروات العائلية في سنغافورة من 400 في سنة 2020 إلى 1100 بحلول نهاية 2022، وهو اتجاه مدفوع بالطلب الصيني. وهناك القليل من الشفافية حول الأصول التي يحتفظ بها المستثمرون الأثرياء من خلال مثل هذه الأدوات، لكن أسواق رأس المال المتواضعة في سنغافورة تشير إلى أن معظم الأموال سوف تُتثتمر في الخارج في نهاية المطاف. لكن التدفّقات الصينية ساهمت في دعم البنوك السنغافورية، مما ساعد على رفع أرباح بعض المؤسسات المالية والمصرفية، كما ارتفع إصدار التأشيرات الذهبية في دبي بنسبة 52 بالمائة في الأشهر الستة الأولى من سنة 2023، مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2022، حيث يُعتقد أن الكثير من المستفيدين صينيون.

وأكدت الصحيفة أن الدول المحايدة ليست المستفيد الوحيد، فوفقًا لوكالة العقارات اليابانية جلاس وو، فإن الاستفسارات عن العقارات اليابانية من العملاء الصينيين تضاعفت ثلاث مرات تقريبًا في السنة الماضية. وقد تسارع هذا الاتجاه بسبب ضعف الين الياباني، الذي انخفض بمقدار الخمس في السنوات الثلاث الماضية مقابل اليوان الصيني. وشهدت أستراليا أيضًا ارتفاعًا في الطلب الخارجي على العقارات. ومنذ سنة 2020، ارتفع متوسط سعر المنازل التي تتلقى استفسارات من المشترين الصينيين حول العالم من 296 ألف دولار إلى 728 ألف دولار. وبدلًا من شراء عقارات أصغر لتأجيرها، يختار المشترون عقارات فسيحة سيعيشون فيها بالفعل.



وأوضحت الصحيفة أن رأس المال الصيني قد يسبب المشاكل، ذلك أنه فرض ضغوطًا على سوق الإسكان في سنغافورة، الذي تهيمن عليه الدولة ويحتوي على أقل من نصف مليون وحدة خاصة مما اضطر الدولة إلى فرض ضريبة كبيرة بنسبة 60 بالمائة على جميع مشتريات العقارات من قبل الأجانب في محاولة لتهدئة السوق. وربما تدعو السرية المالية للمدينة أيضًا إلى ممارسة أنشطة خاطئة فقد أسفرت مداهمات الشرطة في أغسطس/آب الماضي عن مصادرة أصول تبلغ قيمتها حوالي ملياري دولار، واعتقال عشرة أجانب ولدوا جميعًا في الصين، لكن معظمهم حصل على جنسيات أخرى من خلال خطط الاستثمار الدولية. وتشعر دول أخرى في المنطقة، مثل كمبوديا وتايلاند، بالقلق من استضافة نخبة المواطنين الصينيين الذين قد يجلبون معهم عواقب سياسية.

مع أن التدفقات الخارجة من الصين لم تصل بعد إلى النطاق الواسع الذي شهدناه خلال فترة 2015-2016، إلا أنها قد تكون أكثر ديمومة. في ذلك الوقت، ساعدت الطفرة الائتمانية التي هندستها الحكومة في صناعة العقارات على إحياء روح الاقتصاد، لكن الحكومة الصينية تريد الآن لهذه الصناعة أن تهدأ. ودون حدوث انتعاش مفاجئ وغير متوقع في حظوظ الاقتصاد الصيني، من غير المرجّح أن يتباطأ تدفق رأس المال إلى الخارج، وسوف يستمر المستثمرون والشركات في البحث عن مجموعة واسعة من الأصول الأجنبية، مما يثير البهجة والصداع أينما وصلوا.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد دولي الصين رأس المال الاقتصادي اقتصاد تجارة الصين رأس المال المزيد في اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ملیار دولار الصحیفة أن رأس المال من الصین فی الصین

إقرأ أيضاً:

ترامب يمنح إسرائيل أسلحة بمليار دولار ونتنياهو يسعى لتأمين 8 مليارات أخرى

  في خطوة جديدة تعزز الدعم العسكري لإسرائيل، كشفت تقارير إعلامية عن توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فترة ولايته صفقة أسلحة بقيمة مليار دولار لصالح إسرائيل، بينما يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحصول على حزمة إضافية تصل إلى 8 مليارات دولار لتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية للجيش الإسرائيلي.  

تتضمن الصفقة الأولى التي أقرها ترامب مجموعة متطورة من الأسلحة والأنظمة الدفاعية، بما في ذلك صواريخ دقيقة التوجيه، وطائرات بدون طيار حديثة، وأنظمة رادار متقدمة لتعزيز قدرات الدفاع الجوي. وتأتي هذه الخطوة في إطار الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تعتبر الأخيرة ركيزة أساسية للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.  

الصفقة تمثل دعمًا مباشرًا لبرنامج التسلح الإسرائيلي، الذي يُعرف بأنه من بين الأضخم في المنطقة، وتؤكد التزام واشنطن بضمان تفوق إسرائيل العسكري النوعي على جيرانها.  

من جانبه، يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى الحصول على دعم إضافي بقيمة 8 مليارات دولار من الإدارة الأمريكية، بهدف تمويل خطط عسكرية طموحة تشمل تحديث أسطول الطائرات الحربية الإسرائيلية، وتطوير أنظمة صواريخ هجومية بعيدة المدى، وتعزيز قدرات إسرائيل في الحرب السيبرانية.  

ووفقًا لمصادر مقربة من الحكومة الإسرائيلية، فإن هذه الحزمة تُعتبر حيوية للحفاظ على التفوق الاستراتيجي لإسرائيل، لا سيما في ظل التحديات الأمنية المتزايدة في المنطقة، بما في ذلك تهديدات إيران وحلفائها في الشرق الأوسط.  

أثارت هذه التطورات انتقادات واسعة من بعض الدول والمنظمات الدولية، التي ترى أن الدعم العسكري المفرط لإسرائيل قد يساهم في زيادة التوترات في المنطقة ويعرقل جهود السلام. كما حذر خبراء من أن تصاعد التسلح الإسرائيلي قد يدفع دولًا أخرى في المنطقة إلى الدخول في سباق تسلح غير مسبوق.  

على الجانب الآخر، دافعت واشنطن وتل أبيب عن هذه الصفقات باعتبارها جزءًا من تعزيز الأمن الإقليمي، حيث أكد مسؤولون أمريكيون أن دعم إسرائيل يأتي في إطار استراتيجية أوسع لضمان استقرار الشرق الأوسط وحماية المصالح المشتركة.  

تأتي هذه التحركات في سياق سياسي حساس، حيث يسعى نتنياهو لتعزيز شعبيته الداخلية عبر تحقيق إنجازات استراتيجية ملموسة، بينما تظهر هذه الصفقات استمرار التأثير العميق للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية، حتى بعد انتهاء ولاية ترامب.  

بينما تستمر الصفقات العسكرية بين إسرائيل والولايات المتحدة في تعزيز القدرات العسكرية الإسرائيلية، يبقى التساؤل قائمًا حول تأثير هذه الخطوات على استقرار المنطقة، وما إذا كانت ستسهم في تقليل التوترات أو تعميق الانقسامات في الشرق الأوسط.

مقالات مشابهة

  • خبير: 7 مليارات دولار حجم خسائر مصر من الحرب على غزة
  • ترامب: مليارات الدولارات سرقت من يو أس إيد.. اتهم الديمقراطيين
  • 4 مليارات دولار أرباح توتال انرجيز في 3 أشهر.. هبوط بـ22%
  • 5 مليارات دولار أرباح أدنوك للغاز في 2024.. نمو بـ13%
  • كيف هز ديب سيك الصيني عروش الذكاء الاصطناعي بـ5.6 ملايين دولار فقط؟
  • وزيرة التخطيط: مؤسسة التمويل الدولية قدمت 9 مليارات دولار للقطاع الخاص
  • هروب الفئران من السفينة!!
  • وزير الخارجية التركي: التبادل التجاري مع مصر وصل إلى 9 مليارات دولار
  • ترامب يمنح إسرائيل أسلحة بمليار دولار ونتنياهو يسعى لتأمين 8 مليارات أخرى
  • وسائل إعلام أمريكية: نتنياهو يستهدف من زيارته زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل بأكثر من 8 مليارات دولار