قبل عام ونصف، تراكمت رسائل المحبة إلى إبراهيم عبدالمجيد داخل صندوق زجاجي في صالة 2 بمعرض القاهرة للكتاب 2021، إثر ظروف صحية صعبة على مدار عامين ونصف، وسفره للعلاج بسويسرا. في الصُندوق الشفاف، وضع الأصدقاء والمحبون والقراء رسائلهم إلى الكاتب السبعيني، تمنّى البعض الشفاء، وكتب البعض الآخر شهادةً أو اعترافًا بفضل، مذيّلين رسائلهم بتوقيعهم وأرقام هواتفهم، وظل صاحب «لا أحد ينام في الإسكندرية» محتفظًا بالرسائل، يعاود قراءتها من حين لآخر.

أخبار متعلقة

خلال ندوة «شغف الكتابة».. إبراهيم عبدالمجيد: رفضت العمل في الصحافة حتى أصبح حرا ومتفرغا للكتابة الإبداعية

الروائى الكبير إبراهيم عبدالمجيد يكتب: إنقاذ الأمل.. هل يمكن؟

الروائى الكبير إبراهيم عبدالمجيد يكتب: «أمينة رشيد» أو العبور إلى الآخر

رسائل حبي «ضاعت في الهوا».. وسمعت نصيحة نجيب محفوظ

«المصري اليوم» حصلت على بعض تلك الرسائل، وطلبت في حوار احتفائي بالروائي الكبير أن يرد على محبيه، لنقسم البسمة الواحدة على شفتي «عبدالمجيد» وقرائه، فربما تختفي الأوراق يومًا ما لكن تبقى محبة من كتبوها، فرسائل القراء ليست كخطابات الحب التي كتبها «عبد المجيد» في شبابه و«راحت في الهوا» حسبما يقول ضاحكًا.

الآن لدينا رسائل من محمد المنسي قنديل وإنعام كجه جي وسيد محمود، وكتاب وصحفيين وقراء آخرين، فتحناها مع «عبد المجيد» فانفتحت طاقة من البوح والذكريات.

سحر الورق.. لم أكتب على كمبيوتر إلا في 2009

تحتل الرسائل عمومًا، بملمسها الورقي وزمنها البعيد، مساحة في قلب وذاكرة إبراهيم عبد المجيد. يقول لـ«المصري اليوم»: «الرسائل القديمة كانت جزءًا من حياتي»، حتى أنه ظلّ فترة طويلة يقاوم الكتابة على الكمبيوتر إلى أن كسر هذا الروتين الكتابي لأول مرة عام 2009: «كنت أقدم رواياتي للنشر مكتوبة بخط يدي، لا أريد تدخل الآلة فيما أكتب، لكن شاءت الظروف أن أقع في منزلي وأصاب في كتفي، فكان لا بد أن أكتب على الكمبيوتر بسبب صعوبة الكتابة بيدي اليمنى». اكتشف صاحب «البلدة الأخرى» جماليات أخرى للكتابة على الكمبيوتر غير ملمس الورق، وباتت مراجعة الرواية أسهل بكثير.

حي في قلوبنا

«أنت علامة جيلنا وأكثرنا جسارة وخوضًا للمعارك» محمد المنسي قنديل

يونيو 1967، إبراهيم عبدالمجيد في الحادية والعشرين، بينما لم يتجاوز محمد المنسي قنديل الثامنة عشر، كان الجيل كله مشبعًا بالروح الناصرية، لكنهم فجأة اكتشفوا أنهم عاشوا أوهامًا. في اليوم الثاني من الحرب، عرف «عبدالمجيد» عبر محطة «بي بي سي» أن الجيش المصري انسحب إلى خط الدفاع الثاني في سيناء، وكان هذا أسودَ يومٍ في حياته هو وجيله.

رسائل إلى إبراهيم عبد المجيد

في الصندوق الزجاجي الشفاف ترك الروائي محمد المنسي قنديل رسالة رقيقة ودالة لإبراهيم عبد المجيد: «الأخ والحبيب المخلص. نحن بحاجة إليك». تتجاوز رسالة «المنسي» الدعوة بالشفاء لتسجل شهادة مهمة بين ابني جيل الستينيات. يقول «قنديل» بصفاء نفس: «أنت علامة جيلنا ورمزه وأكثرنا جسارة وخوضًا للمعارك. أنت حي في قلوبنا». هكذا، بلا حسابات أو تنافس ضيق، بل إن المنسي يعترف لـ«إبراهيم» بأستاذية ما.

بعد هزيمة يونيو، ابتعد «عبدالمجيد» عن الناصرية واقترب أكثر من الماركسية، شعر برغبةٍ أن يكتب روايةً تُسَجِّل هذه الفجيعة فكانت «في الصيف السابع والستين» بعد سبع سنواتٍ تقريباً من النكسة. بينما ستنشر رواية «انكسار الروح» لمحمد المنسي قنديل في عام 1992، لينقل فيها كل سمات وملامح الستينات: القمع، الهزيمة، الانكسار، والمتاجرة بأحلام الطبقات الفقيرة.

غير أن المنسي قنديل بصفاء نفسه وتقديره لإبراهيم عبد المجيد، من الاستثناءات، إذ أن «عبد المجيد» ما زال يؤمن بمقولة «عدوك ابن كارك» إلى حد كبير، ويقول: «الأمر وصل عند البعض لمحاولة أن يدخلوني السجن، في حوار سابق مع الكاتب الصحفي يسري حسان، قلت إنني سأكتب رواية سيئة لأهديها لأولاد «كذار الذين يكرهوني كي يرتاحوا، كان سبب كرههم أن رواياتي جيدة، لم أكن ذو منصب ولا علاقات، خصوصا بعد أن نشر محمود درويش روايتي «الصياد واليمام» في مجلة الكرمل عام 84 وانتشرت في العالم العربي، وبعدها نشرت «البلدة الأخرى» و«لا أحد ينام في الإسكندرية»، فزادت الحرب عليّ».

في رأي الروائي السبعيني، «أسوأ ما في حروب أولاد الكار قطع العيش، لا مشكلة في نقد رواية أو وصفها بالسيئة لأنها في النهاية سلعة».

«مدين لك بكل شئ»

سيد محمود

حكايات كثيرة وراء رسالة الكاتب الصحفي سيد محمود إلى إبراهيم عبد المجيد: «مدين لك بكل شئ. بالمحبة والدعم والحكايات. دمت لنا سنًدا ومنجماً للعطاء المتوهج والمتوج».

رسائل إلى إبراهيم عبد المجيد

يكشف سيد محمود لـ«المصري اليوم»: «في بداياتنا كتبنا شعرا. سمعنا عبدالمجيد في أتيليه القاهرة في التسعينات فشجّعنا ودعمنا. وعندما ترأس سلسلة كتابات جديدة، نشر لجمال القصاص وفريد أبوسعده وإبراهيم داود، وطلب مني وميلاد زكريا وكريم عبدالسلام وعزمي عبدالوهاب، فخرج أول كتبي للنور».

ويضيف: «اختارني أيضا مع الشعراء ياسر الزيات وأحمد يماني لنشارك في الدورة الأولى للملتقى الثقافي بمعرض الكتاب. أنا ممتن دائمًا لتلك اللحظات، فلم يكن أحدًا منا قد تحقق، نعمل بالقطعة، لكنه طوال الوقت يتعامل معنا معاملة الكتاب الكبار».

«صياد تائه».. وبحر واسع

ماذا عن بدايات إبراهيم عبد المجيد وشبابه؟ يظل إبراهيم عبدالمجيد ممتنًا للكتاب الأول الذي أثر فيه، القصة التي جعلته كاتبًا فيما بعد. يروي: «في مكتبة المدرسة كانت هناك حصتين أسبوعيًا للاطلاع، قرأت لمحمد فريد أبوحديد ومحمود مندور، لكن أول ما أثر وحوّل حياتي رواية «الصياد التائه» لمحمد سعيد العريان ولم يتجاوز عمري حينذاك الـ 13 عاما».

يضيف: «تتحدث الرواية عن صياد تاه في الصحراء فبكيت، رآني مدير المكتبة فسألني: إنت بتعيط ليه يا إبراهيم؟ فأجبت: الصياد تاه ومش لاقيينه، فقال لي: أنت مصدق يا إبراهيم.. دي مش حقيقة، الكاتب اللي مألف ده.. بس هو مألفها حلو فأثرت فيك. ذهبت إلى المنزل وكتبت».

في فترة الطفولة تلك، وبخلاف مدير المكتبة الودود، يحتفظ إبراهيم بمواقف لا تُنسى مع مدرسين أثّروا فيه سلبًا وإيجابًا. يحكي مثلًا: «رسمت في صغري، لم يعجب مدرس الرسم به فأعطاني ٨ من ٢٠، لكن ظل الرسم داخلي وكنت أرسم لنفسي كروت شخصية».

يتذكر أكثر: «كان حظي سيئًا في الصف الأول من المرحلة الإعدادية مع اثنين: مدرس الرسم ومدرس الموسيقى. كان معي زميل في حصة الموسيقى، فجأة قال: الجنة هي بلادنا، فرددت معه: وجهنم هي حدودنا. فطردنا من جماعة الموسيقى ولم ندخلها مرة أخرى».

لا أقرأ روايات الآن.. وتبرعت بـ30 ألف كتاب لمرضى السرطان

على ذكر الرسم، إذا رسم إبراهيم عبد المجيد لوحة شخصية لنفسه، ماذا سيضع في خلفيتها ليعبر عن شخصيته؟ يجيب بلا تفكير طويل: «البحر المتوسط، بحر إسكندرية، أعطاني ثقة في نفسي وفي الكتابة، وعرفت من خلاله أن العالم أوسع».

رسائل إلى إبراهيم عبد المجيد

«جعلت العالم مكانا أفضل»

قراء إبراهيم عبدالمجيد

أثرّت الكتابة في إبراهيم عبدالمجيد فبدا العالم أمامه أوسع، وهو ما فعله أيضًا مع قرائه الذين رأوا العالم مكانا أفضل. إذ أن أغلب الرسائل التي كتبها الشباب له ووضعوها بمحبة في الصندوق الزجاجي وهو على فراش المرض في فرنسا، تعبّر عما يمثله «عبد المجيد» بالنسبة لهم، وكيف غيّر رؤيتهم للحياة.

تكتب له الصحفية رنا الجميعي: «فاكرة لحضرتك موقف لحد دلوقت لما كنت طالبة في كلية إعلام القاهرة، لما كلمت حضرتك على طول وافقت وجيت ومكسفتنيش». وتشكره سارة حسين «على الرحلات الممتعة التي عشتها بداخل صفحات رواياتك». أما محمد عصمت فبعد أن تمنى له الشفاء يترك رسالة دعم: «المحن على قدر البطولة». في حين يصفه علي حسن بـ«شمس الإسكندرية». ويشبّهه كامل ااشيخ بـ«العمالقة الروس في الأدب»، ويعترف له مينا هاني «حببتنى في القراءة منذ الصغر متأثرا بإبداعك». ويقول له حازم عبدالعزيز بعذوبة «جعلت العالم مكانًا أفضل».

إلى عبده جبير والكتاب الشباب.. ومرضى السرطان

لإبراهيم عبد المجيد أيضا رسائله المُحبة، أولى الرسائل يوجهها لكل كاتب شاب يتلمس طريقه للأدب: «الكتابة ليست سهلة، اقرأ في تاريخ الأدب والنقد الأدبي والمذاهب الأدبية كي تعرف في أي مكان ستضع قدمك».

ثاني الرسائل للكاتب عبده جبير: «أتمنى له السلامة والصحة وأن يتحفنا بأعمال أخرى، عبده روائي وكاتب قصة مهم، وكان له دور في الصحافة في الثمنينات والتسعينات، وصديق عمر، أتمنى أن أراه لكن الظروف تمنعني، الشارقة تذكرته مع جار النبي حلو وكليهما ممتعان، أتمنى أن تتذكره الدولة المصرية في جوائزها لأنه يستحق».

رسالة أخرى قدمها «عبد المجيد» لمرضى السرطان بعد سؤاله عن مصير مكتبته بعد عمر طويل. يقول: «تبرعت بـ30 ألف كتاب لجميعات مثل رسالة وغيرها لصالح مرضى السرطان، واحتفظت بمجموعة قليلة من الكتب المهمة والموقعة بإهداء شخصي».

قرار يبدو صعبًا للغاية على كتاب كثيرين، لكن يبدو أن «عبد المجيد» عمل بنصيحة أديب نوبل: «عندما فزت بجائزة نجيب محفوظ عام 1996 طلبني للزيارة في منزله، فرأيت مكتبة صغيرة جدًّا وسألته فقال لي: يا إبراهيم كله هيروح بعد كدا، ففعلت مثله».

الرسائل الأخيرة.. إلى زوجتي وعكازي

يعيش إبراهيم عبد المجيد في «حدائق الأهرام»، يستمتع بالهدوء ويقاوم المرض ويكتب ويقرأ في عزلة. اللافت أن عبد المجيد الذي كتب أكثر من 20 رواية، قلما يقرأ روايات الآن، يقول: ذهني يبتعد كثيرًا «يشطح»، مع المرض لجأت لقراءة الكتب الفكرية حتى أستعيد لياقتي العقلية».

وعمومًا، يعتمد في حياته اليومية على اثنين: زوجته وعكازه، هما رفيقاه الدائمان. لذلك، ليس غريبًا أنه إذا جمع كل رواياتك في كتاب واحد فسيهديها لزوجته. يقول: لصبرها علي، أكتب كثيرًا وأناديها بشخصيات السيدات التي أكتب عنها رواياتي.

أما العكاز فهو رفيقه وسنده. يختم: «أؤمن بالأسطورة التي تقول إن الإنسان كائن يسير على أربع ثم اثنين ثم ثلاث. السير مع العكاز أفضل من عدم السير، أصبح الآن صديقي».

أخيرًا، لم ينسَ صاحب «أداجيو» نفسه من رسائله. عندما سألناه: ماذا تحب أن تقول لإبراهيم عبد المجيد؟، أجاب بروح كاتب شاب متحمس لا يريد أن يتوقف عن الكتابة: «أتمنى أن يعينك الله وتنسى من هم حولك كي تكتب».

إبراهيم عبدالمجيد محمد المنسي قنديل نجيب محفوظ

المصدر: المصري اليوم

كلمات دلالية: شكاوى المواطنين المجید فی

إقرأ أيضاً:

والي ينقل يستقبل المهنئين بـ"العيد الوطني المجيد"

ينقل- ناصر العبري

أقام سعادة الشيخ علي بن محمد البوسعيدي والي ولاية ينقل حفل استقبال بمناسبة العيد الوطني الرابع والخمسين المجيد، وبمعيته الشيخ سعود بن أحمد المعولي نائب الوالي، حضره المشايخ والرشداء والأعيان ورؤساء الدوائر الحكومية والأجهزة العسكرية والأمنية وجمع غفير من أبناء الولاية المهنئين بهذه المناسبة الغالية.

وفي بداية الاحتفال، رحب سعادة الشيخ الوالي بالحضور مهنئا الجميع بهذه المناسبة الغالية على كل عماني والتي ستظل محفورة في قلوب المواطنين داعيا الله أن يعيد هذه المناسبة وأمثالها على حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - ليواصل جلالته بناء عمان الحديثة، مجددا سعادته باسمه وباسم أبناء ولاية ينقل أسمى آيات الولاء والعرفان لقائد هذه المسيرة المظفرة.

وأكد سعادته أن كافة المواطنين بالولاية يجددون الولاء والعزم بالمضي قدما خلف قيادة جلالته الحكيمة لبناء عمان الحاضر والمستقبل، لافتا إلى أن ما تحقق هي منجزات عظيمة شملت جوانب الحياة كافة يفتخر ويفاخر بها كل عماني يعيش على هذه الأرض الطاهرة المباركة.

مقالات مشابهة

  • اليوم.. الأقباط الأرثوذكس يبدأون صوم الميلاد المجيد
  • أهالي قرية مغيوث بإزكي يحتفلون بـ"العيد الوطني المجيد"
  • والي ينقل يستقبل المهنئين بـ"العيد الوطني المجيد"
  • ولايات سلطنة عمان تواصل احتفالاتها بالعيد الوطني الـ 54 المجيد
  • كنائس فلسطين تدعو إلى اقتصار فعاليات عيد الميلاد المجيد على الشعائر الدينية
  •  الأرض بيتٌ زجاجي دافئ
  • الدير والدار في ضيافة جامعة سوهاج ضمن مبادرة "بداية"
  • معلومات عن حياة قنديل بطلة فيلم إمبراطورية ميم.. لماذا اعتزلت الفن؟
  • كيف أرى النبي في المنام.. أسرار ونصائح مجربة من علماء الدين
  • وهج الأصالة.. فعاليات سياحية وتراثية بقلعة بهلا احتفاءً بالعيد الوطني الـ 54 المجيد