هل جنّدت الصين سياسياً أوروبياً لتقسيم الغرب؟
تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT
سلطت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية الضوء على قضية السياسي البلجيكي فرانك كريلمان، الذي قالت إنه استُخدم كجاسوس لصالح الصين لأكثر من 3 سنوات بهدف توسيع نفوذ بكين وسياساتها في أوروبا.
تم توثيق العلاقة بين ضابط صيني ونائب بلجيكي في رسائل نصية من 2019 إلى 2022
تتمتع الصين بقدرة كبيرة على الجمع البشري والإلكتروني في بروكسل
وتقول الصحيفة إن دانيال وو، وهو ضابط في وكالة التجسس التابعة لوزارة أمن الدولة الصينية، دفع بفرانك كريلمان، عضو مجلس الشيوخ البلجيكي السابق، للتأثير على المناقشات في أوروبا بشأن قضايا تتراوح بين حملة الصين على الديمقراطية في هونغ كونغ واضطهادها للأقليات في شينجيانغ.
تقسيم العلاقات الأمريكية الأوروبية
وبينما كان المستشار الألماني أولاف شولز على وشك زيارة الصين في أواخر عام 2022، طلب وو من كريلمان إقناع عضوين يمينيين في البرلمان الأوروبي بالقول علنا إن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تقوضان أمن الطاقة الأوروبي.
وكتب وو في رسالة نصية إلى كريلمان:"هدفنا هو تقسيم العلاقة الأمريكية الأوروبية"، بحسب الصحيفة.
وتم توثيق العلاقة بين الضابط الصيني ووكيله البلجيكي في رسائل نصية من عام 2019 إلى أواخر عام 2022، وتم الحصول عليها من مصدر أمني غربي في تحقيق مشترك أجرته "فايننشال تايمز" و"دير شبيغل" الألمانية و"لوموند" الفرنسية.
وبحسب الصحيفة، لم يرد كريلمان على الجهود المبذولة للوصول إليه عن طريق الرسائل النصية والهاتف والبريد الإلكتروني.
والصحيفة تشير إلى أن التبادلات النصية تكشف بالتفصيل كيف تحاول المخابرات الصينية التلاعب بالمناقشة السياسية في جميع أنحاء العالم لصالح بكين، وهو مصدر قلق متزايد من قبل الأجهزة الأمنية الغربية.
سمات التجسس الصيني
في حين أن معظم الدول الكبرى تشارك في التجسس، فإن هذه العملية في أوروبا تسلط الضوء على واحدة من السمات المميزة للتجسس الصيني، وهي بحسب الصحيفة: "عمليات التأثير على نطاق واسع تهدف إلى تشكيل النقاش السياسي الذي يمتد أوتاوا ولندن وكانبيرا". كما حذرت واشنطن مراراً من الجهود السرية التي تبذلها بكين للتدخل في الانتخابات.
Chinese spies recruited European politician in operation to divide west https://t.co/cx4jJDGLJ6
— FT China (@ftchina) December 15, 2023
يقول أليكس جوسك المؤلف والمحلل: "أمضت وزارة الأمن الداخلي عقوداً في محاولة لتشكيل السياسة والخطاب العالمي بشأن الصين، إن تجنيد الأكاديميين وصانعي السياسات وقادة الأعمال والتلاعب بهم، وكما تظهر هذه الحالة، حتى السياسيين، يعد جزءاً من ذلك".
يعمل وو من تشجيانغ، وفقاً لمسؤولين استخباراتيين من 4 دول غربية، كما تعقبته المخابرات الغربية وهو يعمل كذلك في بولندا ورومانيا.
وفي تبادل للرسائل عام 2021، أخبر وو كريلمان أنه تم تكليفه بـ "مهاجمة أدريان زينز"، الباحث الذي ساعد في الكشف عن كيفية احتجاز الصين لمئات الآلاف من أقلية الأويغور في منطقة شينجيانغ الواقعة في أقصى غرب البلاد.
„Die Nachrichten legen nahe, dass Keuter nicht selbst auf die Idee gekommen war, die Kleine Anfrage zu stellen – sondern mutmaßlich im Auftrag einer fremden Macht agiert hat,“
Chinas Stasi warb einen belgischen Politiker an - und Spuren zur AfD https://t.co/VE31dZDOwG
كما طلب وو من كريلمان المساعدة في تعطيل مؤتمر حول تايوان، كما ناقشا دفع وسيط للتأثير على كاردينال كاثوليكي للتحذير من تسييس كوفيد -19 حيث تعرضت الصين لضغوط بسبب الفيروس الذي خرج من ووهان.
"نفوذ سياسي كلاسيكي"
وقال مسؤولون سابقون في المخابرات الأمريكية من ذوي الخبرة في وزارة الأمن الداخلي الذين تم إطلاعهم على التبادلات إن "الرسائل تحمل بصمات عملية نفوذ سياسي كلاسيكية من قبل الوكالة".
وقال دينيس وايلدر، كبير المحللين السابقين في وكالة المخابرات المركزية في جامعة جورج تاون: "العملية تعكس هوس بكين بأن الولايات المتحدة كانت وراء حركة الاحتجاج في هونغ كونغ، والرغبة في البحث باستمرار عن فرص لتعطيل المؤتمرات والفعاليات المؤيدة لتايوان في بلدان ثالثة، ومهمتها تشويه سمعة الذين يبلغون عن انتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ".
وقال بيتر ماتيس، وهو محلل سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية: "سمة من سمات المخابرات الصينية أيضا هي كيفية منح وزارة الأمن الداخلي الحكم الذاتي لفروعها الإقليمية، تظهر هذه القضية أن بكين توفر التوجيه، لكن ضباط المخابرات والمصادر يعملون معاً على كيفية تحقيق أهدافهم".
اختيار المتعاطفين
وقال أحد عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابقين من ذوي الخبرة في أوروبا إن ضباط التجسس يميلون إلى التركيز على تجنيد أو اختيار سياسيين من ذوي الرتب الدنيا في القارة، "متعاطفين مع قضية الصين أو يستفيدون من سخاء الصين".
وقال الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية: "لقد تمكن هؤلاء السياسيون من ذوي الرتب الدنيا من الوصول إلى كبار المسؤولين، ومناقشة الموضوعات الحساسة معهم بانتظام، ومن ثم، عن قصد أو عن غير قصد، مشاركة ما جمعوه مع وزارة الأمن الداخلي".
Pendant près de 3 ans au moins, un ancien député belge d'extrême droite échange des informations avec un certain "Daniel Woo".
Notre enquête @lemondefr révèle que Woo est en réalité un officier de renseignement chinois#ChinaChats
Avec @LucasMinisini https://t.co/ttUGt01muO
ومن غير الواضح كيف أو متى تم تجنيد كريلمان، لكن يبدو أن علاقته مع وو قد تمت عن بعد، باستثناء رحلة إلى سانيا، وهي مدينة منتجع شاطئي في جزيرة هاينان، في عام 2019.
كان كريلمان من قدامى المحاربين في الحركة القومية الفلمنكية اليمينية المتطرفة في بلجيكا منذ عام 1977، وخدم في مجلس الشيوخ الفيدرالي من عام 1999 إلى عام 2007، وهو الآن عضو فخري في البرلمان الفلمنكي، وهو زعيم حزب فلامس بيلانج في مدينته المحلية ميكلين.
5000 ضابط مسؤول
وقال نايجل إنكستر، الرئيس السابق للعمليات وخبير في الاستخبارات الصينية، إن بكين أجرت معظم عمليات التجسس من خلال الإدارات الإقليمية، وإن تشجيانغ لها "الأسبقية" للعمليات في أوروبا.
وقال إنكستر، الذي يعمل الآن في شركة إينودو إيكونوميكس الاستشارية: "تتمتع الصين بقدرة كبيرة على الجمع البشري والإلكتروني في بروكسل، والتي ينظر إليها على أنها بيئة غنية بالأهداف بسبب تمركز المنظمات الدولية فيها، بما في ذلك المفوضية الأوروبية وحلف شمال الأطلسي".
سهولة استهداف بروكسل
وقال الناشط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إن قوات الأمن الصينينة تميل أيضاً إلى تحمل المزيد من المخاطر في أوروبا، لأنها تعتبر عواقب القبض عليها أقل حدة مما هي عليه في الولايات المتحدة.
وقال ضابط مخابرات غربي كبير سابق إن بروكسل محط تركيز خاص لأن أجهزتها الأمنية لا تملك الموارد الكافية.
وقال الضابط الكبير السابق: "أصبحت بلجيكا مركزاً رئيسياً لعمليات الاستخبارات من قبل مجموعة متنوعة من الدول المعادية، بسبب سهولة العمليات هناك".
وقال متحدث باسم الحكومة البلجيكية إن السلطات المعنية على علم بقضية كريلمان لكنها لم تقدم أي تعليق آخر.
كما ناقش وو الأمور المالية عدة مرات في البورصات، بما في ذلك المبالغ التي سيدفعها كريلمان أو غيرهم مقابل مساعدة بكين، وفي مرحلة ما، علم وو كريلمان كيفية يستخدم أحد التطبيقات لنقل العملة المشفرة.
ويبدو أن كريلمان لم يحقق نجاحاً كبيراً في إنجاز المهام التي كلفه بها وو في النصوص، ففي يونيو (حزيران) 2021، على سبيل المثال، اعترف بأنه "حاول المعارضة لكنه فشل بشأن قرار في البرلمان البلجيكي أعلن أن الأويغور معرضون لخطر الإبادة الجماعية".
وفي عام 2019، طلب وو من كريلمان ترتيب نشر مقال يقاوم الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ، وقال كريلمان إنه يمكن أن يدفع لصحافي مستقل ما لا يقل عن 2000 دولار.
وقال الصحفي جيمس ويلسون الذي يتخذ من بروكسل مقراً له إن كريلمان اتصل به "للعمل في الصين لكنه رفض بأدب.. وأن كتابة القصص مقابل المال مخالف لمبادئي".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الصين الاتحاد الأوروبي فی وکالة المخابرات المرکزیة وزارة الأمن الداخلی فی أوروبا من ذوی
إقرأ أيضاً:
من "الحافة" إلى "بكين".. سيرة ومسيرة
خالد بن سعد الشنفري
من بكين إلى الحافة ومن الحافة إلى بكين هي حقيقة رحلتين لشخصيتين مميزتين كلٍ في موطنه وبينهما تماس في أمور وتجمع بينهما مشتركات؛ الأولى لشخصية رحالة وتاجر صيني من حقبة مضت وأصبحت تاريخاً، والثانية لدبلوماسي وسياسي عُماني عريق لا زالت أحداثها مَعِيشة أطال الله في عمره وأبقاه.
هوة زمنية لا شك تفصل بين الحدثين.. ولكنهما يشتركان في كونهما حدثا في الحافة وانطلقا من شاطئها تحديدًا في زمنين مختلفين ومن غريب الصدف ظهورهما الآن معاً في الحافة كلٌ بطريقته ففي العام 2024 الذي ودعنا قريبا دشنت الصين النصب التذكاري احتفاء برحالتها شنغ خه على شاطئ الحافة وعلى نفس الشاطئ ونفس العام دشنت عُمان كتاب (شاهد على مسيرة دبلوماسية الحكمة) لسعادة السفير والدبلوماسي العُماني المُحنك عوض بن بدر بن عوض مرعي الشنفري.
تعودت أن أختار عناوين كتبي ومقالاتي في الأخير بعد الانتهاء من كتابة العمل أو أثنائها أما قبل ذلك فنادرا ما يحصل، فكما يُقال الكتاب يُعرف من عنوانه، ولكنني هذه المرة اختلف معي الأمر فتبادر إلى ذهني عنوان "من الحافة إلى بكين" واستحضرته مخيلتي بيسر وسرعة دون جهد مني؛ بل برز من أول ما أمسكت يدي القلم لتختط أولى كلمات هذا المقال فبعد أن فرغت مباشرة من قراءة كتاب من 200 صفحة من الحجم المتوسط والذي لم تتركه يدي حتى انتهيت من قراءته كاملاً؛ من الجلدة للجلدة (كما يقول الطلبة عن كتبهم المدرسية).. كل ذلك رغم أني مؤخرا أصبحت قليل القراءة عمومًا لأني- لا أراكم الله مكروهاً- أصبحت أعاني من مرض النوم القهري وأفضل أوقات هجوم هذا النوم عليّ وتمكنه مني هو وقت القراءة بالذات.
سعادة السفير عوض بن بدر بن عوض مرعي الشنفري مؤلف كتاب شاهد على دبلوماسية الحكمة غادر شاطئ الحافة في العام 1957، وهو في سن الثالثة عشرة من عمره على ظهر قارب خشبي شراعي ركيك مخصص لحمل البضائع تكدس فيه مع 30 راكباً آخرين ميممًا وجهه شطر بلاد المهجر حال معظم الظفاريين، إلا أن مقصده لم يكن طلب الرزق كحال أقرانه.. أبحر بهم هذا القارب إلى مسقط ابتداء في رحلة مُعاناة استغرقت عشرين يومًا وهم وقاربهم كقشة وسط البحر؛ بل هاجر لطلب العلم والعلم فقط بعد أن فتحت الصفوف الخمسة المتاحة للتعلم في مدرسة سعيدية ظفار من شهيته للازدياد والنهل من هذا المنهل.
ومن شاطئ الحافة جرت الرياح بقاربه الشراعي إلى الكويت ومدرسة الشويخ بها وجامعة القاهرة ليرتبط بمجموعة من الطلبة اليمنيين هناك ويلتقي مع وفد بلقاء الرئيسين أنور السادات وجمال عبد الناصر، وتردد بعد ذلك بين القاهرة وبغداد التي أكمل دراسة الحقوق بها وما بين هذين الشوطين يتجه إلى دمشق أحيانا واليمن ودول الخليج العربي في هذه المرحلة من التاريخ العربي التي تعج بالحركات التحررية وتتمركز بالذات في هذه الدول فدخل باب السياسة والنضال والتحرر من أوسع أبوابه ومن اليمن التي كانت ثورتها تمد جذورها ناحية جارتها ظفار ابتغاء عُمان والخليج العربي بأسره واعترك أبو ظافر السياسة وعاركها في خضم حركات تحررية يعج بها الوطن العربي كله للتخلص من الاستعمار الجاثم على صدرها فتارة بعث عربي وقومية عربية وحتى اشتراكية عالمية وغيرها؛ فالهدف الانعتاق مما هم فيه وهكذا وجد الشاب اليافع نفسه وسط هذا الخضم الهائل من الحراك السياسي وها هو يبحر بنا اليوم بعد أن أرست سفينته مراسيها في كتابة هذا الكتاب السفر بحق عن كل ذلك، وهو يحكي مرحلتين منفصلتين متناقضتين من حياته وحياة عُمان كلها.. المرحلة الأولى من معترك حياته والممتدة من الأربعينات إلى نهاية الستينات من القرن الماضي ولا صوت لديه فيها يعلو على صوت الدراسة والسياسة والتحرر من الانعتاق الذي وجد نفسه ووطنه فيه وأصبح منذ بداية مشواره الدراسي وأسفاره ومتعرجاتها، في سبيل تلقي العلم وهم التحرر بين مصر الكنانة وعراق الرافدين، ويشطر تارة إلى الشام وتارة إلى اليمن في مسيرة قلَّ أن اتيحت لأحد من أقرانه ويخرج لنا حصيلته عن هاتين المرحلتين في هذا الكتاب الذي يجعلك تعيش معه هاتين المرحلتين من تاريخ عُمان؛ الأولى كما أسلفنا من الأربعينات إلى نهاية الستينات والمرحلة الثانية بعد عصر النهضة العُمانية المباركة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد وإلى عصر التجديد بقيادة السلطان المجدد هيثم بن طارق المُعظم- أبقاه الله.
قائمة طويلة من الأحداث والمحطات الوطنية والعديد من المشاركات المهمة والفعالة في سبيل العلم والمعرفة وتسخيرها لخدمة الوطن؛ فمنذ أول اغتراب له من شاطئ الحافة في العام 1957 إلى المجهول إلى أول اغتراب من نوع آخر في العام 1973 إلى لندن لتسلم مهام تكليف سامٍ كسكرتير أول في سفارة سلطنة عُمان بالمملكة المتحدة، ومن هروب من وطأة الظروف القاسية في المرحلة الأولى الى تمثيل بلد أصبح له مكانته بين الدول مؤثرا ومتفاعلا ومن لندن إلى بكين وإسلام أباد والولايات المتحدة الأمريكية كسفير مقيم إلى سفير مفوض غير مقيم في العديد من الدول المجاورة لهما كالنيبال والفلبين وتايلند وكندا وتشيلي والبرازيل التقى خلالها وجلس إلى العديد من الزعماء والقادة العظام والملوك والرؤساء إلى عضوية مجلس الأمن الدولي إلى الأمين العام المساعد للشؤون السياسية بمجلس التعاون الخليجي إلى عضو مكرم في مجلس الدولة وظل على رأس عمله إلى نهاية العقد الأول من القرن الواحد وعشرين. إنه فعلا كتاب سفر مشوق يحمل متعة المتابعة والقراءة وكنز معلوماتي ثمين من رجل ثمين عن مرحلتي عُمان الأخيرتين قبل وبعد النهضة جدير بالاقتناء والقراءة ومرجع وثائقي وتاريخي بمعنى الكلمة.
شكرًا سعادة السفير على هذا الكنز الثمين وجزاك الله عنَّا وعن عُمان كل خيرٍ.
رابط مختصر