هل تتمكن تركيا من الحصول على طائرة مقاتلة متطورة من باكستان والصين؟
تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT
نشرت صحيفة "نيزافيسيمايا" الروسية تقريرا تحدثت فيه عن محاولة تركيا الحصول على مقاتلات صينية باكستانية من الجيل الرابع من طراز "جيه إف 17 ثاندر".
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن إمكانية حصول تركيا على هذا النوع من المقاتلات يعود إلى الشك المحيط بقدرة الولايات المتحدة على الموافقة على تسليم طائرات "إف-16"، التي تشكل العمود الفقري للقوات الجوية لتركيا.
وذكرت الصحيفة أن ألمانيا أظهرت أيضاً عدم قدرتها على التفاوض، ويعتمد حصول أنقرة على بديل أوروبي للمقاتلة إف-16، أي طائرة "يوروفايتر تايفون" متعددة المهام على قرارها.
في هذا الصدد، يرجع الخبراء تعقيد الوضع إلى التوجه السياسي المتخذ بشأن ملف قطاع غزة.
وحسب صحيفة "أوراسيا تايمز" فإن الطائرة الجديدة "جيه إف 17" يمكن أن تمثل دعمًا كبيرًا لأسطول الطائرات التركي.
مشيرة إلى أن عدم إحراز تقدم في المفاوضات مع موردي المقاتلات ذات المعايير المماثلة سبب اللجوء إلى هذا البديل.
من جهتها، تقدم الصحافة الناطقة بالتركية نفس الفرضيات، آخذة بعين الاعتبار حقيقة أن عملية الاستحواذ يمكن أن تصبح عاملاً في تفاقم العلاقات بين أنقرة وواشنطن بسبب مشاكل التوافق مع أنظمة الناتو، علما بأن مقاتلة "جيه إف 17" هي تطوير مشترك بين بكين واسلام آباد.
وبدأ تنفيذ مشروع "جيه إف 17" في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من قبل مجموعة "تشنغدو" لصناعة الطائرات الصينية بدعم مالي باكستاني. وتم الإنتاج التسلسلي المشترك للطائرة منذ سنة 2009.
وفقًا لصحيفة "أوراسيا تايمز" في حال قررت تركيا الاستفادة من القدرة الصينية الباكستانية، فقد تكون الطائرة "جيه إف 17" بديلاً مناسبًا لأسطولها من طائرات "إف-16"، التي أصبحت تحتاج إلى التحديث.
وقد استخدمت باكستان "جيه إف 17" في العديد من المناسبات في عمليات مكافحة الإرهاب. وتعد ماليزيا ونيجيريا وأذربيجان وميانمار والأرجنتين من بين الدول التي أبدت اهتماما بقدرات المقاتلة الصينية الباكستانية.
أبدى الجانب العراقي هذا العام استعداده للانضمام إلى الأطراف التي تعتبر "جيه إف 17" بديلاً جيدًا لمقاتلات الجيل الرابع الأمريكية.
تتمثل المشكلة الرئيسية بالنسبة لتركيا في إحجام الولايات المتحدة عن الموافقة على تسليم طائرات "إف-16" الجديدة.
وقد تعقدت العملية في الوقت الراهن بسبب الوضع المحيط بقطاع غزة بعد دعم الرئيس رجب طيب أردوغان لفلسطين بشكل قاطع، وانتقاده لإسرائيل والعالم الغربي برمته.
يتجلى ترابط القضايا السياسية في تصريحات القيادة العليا. في هذا الصدد، قال أردوغان مخاطبا القيادة الأمريكية غيابيا: "أنتم تقولون إنكم ستتخذون خطوة بشأن مسألة طائرات "إف-16" بعد أن يتم حلها في الكونغرس. ونحن لدينا برلمان، ولا أستطيع أن أقدم على خطوة مماثلة إلا بعد مرور بروتوكول المصادقة على البرلمان. وإذا كنا دولاً شريكة في حلف شمال الأطلسي، فدعونا نفعل كل شيء في نفس الوقت كدليل على التضامن".
وأوردت الصحيفة أن أنقرة أشارت إلى امتلاكها خيارات مختلفة فيما يتعلق بقنوات الشراء.
وقد أشار وزير الدفاع الوطني للجمهورية، يشار جولر، منذ فترة إلى أن بلاده يمكنها شراء 40 مقاتلة من طراز يوروفايتر، وهي عبارة عن مشروع مشترك بين عدة دول أوروبية، موضحا أن بريطانيا العظمى وإسبانيا موافقتان على ذلك وتعملان على إقناع ألمانيا، الرافضة حتى الآن للفكرة.
كما لفت أردوغان الانتباه إلى أن اهتمام أنقرة بالطائرات المقاتلة لا يقتصر على طائرات يوروفايتر، قائلا: "هل ألمانيا الدولة الوحيدة في العالم التي تنتج الطائرات العسكرية؟ تعمل العديد من الدول على هذا. وفي الوقت الراهن، تعد تركيا إحدى الدول الرائدة في مجال الطائرات القتالية دون طيار".
ونقلت الصحيفة عن الخبراء أن الوضع الحالي في غزة عقّد عملية البحث عن شركاء في الصناعة الدفاعية. في هذا الصدد، قالت دراسة نشرتها مجلة تركي سكوب، التي تصدر تحت رعاية مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا: "لقد امتدت تداعيات حرب غزة من منطقة الخليج العربي إلى دول شمال أفريقيا، وتعتمد رغبة تركيا في الحصول على رأس المال الأجنبي والاستثمار والصفقات التجارية إلى حد كبير على سلسلة من الاختراقات الدبلوماسية الإقليمية التي تم تحقيقها على مدى العامين الماضيين".
في المقابل، يعتقد الباحثون أن السياسة الخارجية التركية عرضة للتأثير المضاعف للصراع المسلح بين إسرائيل وحماس. كما أن حرب غزة تمثل اختبارًا سياسيًا خطيرًا لمعظم العواصم العربية، لذلك تشعر أنقرة بالقلق إزاء حجم الضرر المحتمل الذي يمكن أن يحدث لهذا المشهد الدبلوماسي المشكل حديثًا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية باكستانية غزة الصينية غزة الصين باكستان الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الخلافات الحدودية بين باكستان وأفغانستان: هل يمكن أن تتطور إلى مواجهة عسكرية؟
تعود جذور توتر العلاقات والخلافات الحدوديّة بين أفغانستان وباكستان إلى أكثر من قرن من الزمان، وبالرغم من مرور هذا الوقت الطويل تظلّ قضية الحدود المتنازع عليها بين الطرفين أحد أبرز عوامل التوتّر السياسي والأمني في جنوب آسيا، وهي ما يثير استغراب الكثيرين لما تربط الشعبين من أواصر الأخوة.
بقيت المناوشات والمواجهات العسكرية والأمنية بين البلدين كالجرح المفتوح رغم تغيّر النظام السياسي في كابل وتعاقب الحكومات الباكستانية المختلفة، وسط تزايد للمخاوف أن يتحوّل هذا التوتر في أي وقت إلى مواجهة عسكريّة مفتوحة، خاصة مع المناوشات العسكريّة الأخيرة على الحدود.
ديوراند خط من لهب
تنبع الخلافات بين كلّ أفغانستان وباكستان بشكل أساسيّ من مشكلة "خط ديوراند"، وهو خط حدودي يمتدّ بين أفغانستان وباكستان تمّ ترسيمه عام 1893م باتفاقية وُقعت بين حكومة "الهند البريطانيّة" والأمير الأفغاني عبد الرحمن خان، وتمّت نسبته إلى رئيس الوفد البريطاني السير هنري مارتيمور ديورند، سكرتير الشؤون الخارجية في حكومة الهند البريطانية، ويبلغ طوله 2,200 كيلومتر. وكان البريطانيون يهدفون إلى تحويل أفغانستان إلى دولة عازلة بينهم وبين روسيا القيصريّة، في سياق ما كان يسمى حينها بـ"اللعبة الكبرى".
تكمن معضلة خط ديوراند بأنّه يمرّ وسط منطقة قبائل البشتون ويقسِّمها على طرفيّ الحدود فاعترضت عليه بشدة، إذ ترى في دولة أفغانستان امتدادها العرقيّ والقبليّ، ويرى كثير من الأفغان أنّ تقسيم بلاد البشتون ليس مجرد خلاف جغرافي، بل مسألة هويّة وطنيّة عميقة، في حين وصفت الحكومات الأفغانية المتعاقبة الخط بأنّه "حدود فرضها الاستعمار"، وتراه اتفاقا غير عادل فرضته بريطانيا بقوّة السلاح، وهو ما دفع أفغانستان إلى عدم دعم عضويّة باكستان في الأمم المتّحدة، بينما اعتبرته باكستان منذ ذلك الحين حدودا معترفا بها دوليّا.
بعد استقلال باكستان عام 1947م، رفضت أفغانستان الاعتراف بالدولة الجديدة، ووصف ظاهر شاه، آخر ملوك أفغانستان، الخط بأنّه "حدود مصطنعة"، فيما دعمت الحكومة الشيوعيّة في كابل القوميين البشتون في باكستان. وصرّح الرئيسان السابقان، حامد كرزاي وأشرف غني، بأنّ البشتون يجب أن يكون لهم الحق في تقرير مصيرهم، ممّا يعكس استمرار رفض الاعتراف بالحدود من قِبل الحكومات الأفغانية المتعاقبة. وفي تصريح شهير للرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، قال: "لن نعترف أبدا بخط ديوراند كحدود دوليّة بين أفغانستان وباكستان، لأنّه كان اتفاقا قسريا وغير عادل".
ديوراند بين الإسلاميين والقوميين
لا شكّ أنّ دعم حكومة باكستان لحركات المجاهدين ضد الاحتلال السوفييتي نهاية السبعينيات من القرن الماضي، لم يهدف فقط إلى مقاومة الاحتلال ودفعه بعيدا عن "المياه الدافئة" ونفط الخليج كما كان معروفا حينها، ولكنّه أيضا ضمِن لباكستان أن تكون النخبة الحاكمة في كابول -عند تحرير أفغانستان- نخبة إسلاميّة مواليّة لإسلام أباد وغير مسكونة بالأولويات القوميّة كالحدود، ممّا جعل هذه الحركات عُرضة لنقد وغضب القوميين البشتون في باكستان؛ الذين كانت لهم علاقة مع النظام الشيوعي في كابل، واتهموا المجاهدين الأفغان بأنّهم صنيعة وألعوبة بيد باكستان والولايات المتحدة الأمريكية.
عقب سقوط النظام الشيوعي، دخلت حركات المجاهدين في حرب دامية على السلطة دمّرت ما تبقى من العاصمة كابل، فراهنت باكستان على حركة طالبان الوليدة والتي سرعان ما سيطرت على البلاد وأعلنت فيها حكما إسلاميّا، ولكنّها في نفس الوقت دعمت تنظيم القاعدة الذي كان رأسه مطلوبا للأمريكيين بسبب أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، ما جعل باكستان -تحت الضغط الأمريكي- تتخلّى عن طالبان وتدخل حربا شرسة للسيطرة على حدودها مع أفغانستان، وأدخلت المناطق البشتونيّة التي كانت تتمتّع بشبه استقلال عن حكومة باكستان؛ إلى حظيرة الدولة، فتحوّل الصراع على الحدود للمرة الأولى في تاريخه إلى صراع مع الإسلاميين الباكستانيين البشتون، المسلحين بطموحات قوميّة عنيدة، وسمّم علاقة باكستان مع حركة طالبان، خصوصا بعد تعاون حكومة باكستان المعلن تحت قيادة الجنرال برويز مشرف، مع الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.
لم يقتصر هذا الحال على فترة حكم طالبان الأولى، فقد شهدت المناطق الحدودية في السنوات الأخيرة تصاعدا في الهجمات المسلحة، وتتهم باكستان حركة طالبان أفغانستان بالسماح لمسلحي "حركة طالبان باكستان" (TTP) باستخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة لتنفيذ هجمات ضدها، وهو ما تنفيه طالبان، وقد ذكرت تقارير أمنية أنّ الهجمات عبر الحدود سجلت زيادة بنسبة 40 في المئة خلال عام 2023م، ممّا دفع باكستان إلى تعزيز وجودها العسكريّ على الحدود، وعملت على بناء سياج حدوديّ على طول خط ديوراند بطول 2,600 كيلومتر "للحدّ من التسلل الإرهابي وضمان الأمن" حسب قولها، وهو ما رأته أفغانستان محاولة لفرض واقع جديد على الحدود المتنازع عليها.
ويقدّر الجيش الباكستاني أنّه سيحتاج نحو 56 مليار روبية (532 مليون دولار) لتنفيذ مشروع السياج، مع خطط أيضا لبناء 750 موقعا حدوديا واستخدام نظم المراقبة المتطورة. ونقلت وكالة رويترز في هذا الإطار عن ضابط بالجيش الباكستاني يتولّى القيادة في الإقليم، خلال شرح لوسائل الإعلام الأجنبية، أنه "لن يكون هناك شبر واحد من الحدود الدولية ليس تحت رقابتنا".
أثار هذا الإجراء اعتراضات من قبل حكومة طالبان، وأدى إلى اشتباكات مسلحة بين الجانبين، مثل التي وقعت في كانون الأول/ ديسمبر 2024م، حيث قُتل جندي باكستاني وأصيب 7 آخرون في تبادل لإطلاق النار مع القوات الأفغانية في المنطقة الحدودية، وتتبادل القوات الباكستانية والأفغانية إطلاق النار بشكل متكرر بسبب الخلافات حول البناء على طول الحدود بالقرب من خط ديورند، مثل مقتل جندي باكستاني وإصابة 7 آخرين في كانون الأول/ ديسمبر 2024م. وفي آب/ أغسطس من ذات العام، اتهمت حكومة طالبان القوات الباكستانية بقتل ثلاثة مدنيين خلال اشتباكات على الحدود بين البلدين، ورغم تأكيد باكستان على أهمية السياج كإجراء أمني حيث صرّح وزير الداخلية الباكستانيّ السابق، أعظم سواتي: "السياج الحدودي هو ضرورة أمنية لحماية باكستان من الإرهاب العابر للحدود"، إلا أنّ أفغانستان ترى فيه تعدّيا على سيادتها الوطنيّة.
من جانبه، قال "جولاب مانجل" حاكم إقليم ننكرهار في شرق أفغانستان لرويترز إن السياج سيخلق "المزيد من الكراهية والاستياء بين الدولتين الجارتين ولن يفيد أيّا منهما، وسيخلق مشاكل كثيرة للنّاس على امتداد جانبيّ الحدود، وأنّه ما من سور أو سياج يمكن أن يفصل هذه القبائل"، كما حرّض القبائل على التحرك في وجه مشروع السياج قائلا: "أطالب القبائل بالوقوف في وجه هذا العمل".
من جانبه، صرّح ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم طالبان، بأنّ "قضية خط ديوراند تحتاج إلى حل سياسي يعكس إرادة الشعب الأفغاني". وهذه التصريحات تعكس رفض الحكومات الأفغانية المتعاقبة رغم اختلاف مشاربها الفكريّة وبرامجها، الاعتراف بالخط كحدود دوليّة، بينما يرى المسؤولون الباكستانيون أنّ رفض أفغانستان الاعتراف بالحدود ما هو إلا ذريعة لتعزيز نفوذها في المناطق الحدوديّة.
الأزمات الاقتصادية وتأثيرها على التوترات
يُنظر إلى الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها كل من أفغانستان وباكستان كعامل يدفع نحو زيادة التوتر بين البلدين، وربما تستخدم التوترات الحدودية كأداة لحشد الدعم الداخلي، ووسيلة لتخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية في كلا البلدين، فسوء الأوضاع الاقتصادية يخلق ضغطا على حكومتي البلدين، اللتين قد تحاولان توجيه الغضب الشعبي نحو "العدو الخارجي" من خلال تأجيج الخلاف الحدودي خاصة في أفغانستان، التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة منذ سيطرة طالبان على الحكم عام 2021م، خصوصا مع تجميد الأصول الدولية وتوقف المساعدات. وهذا يزيد من الاعتماد على التهريب عبر الحدود لتوفير احتياجات السكان، ما يؤدي إلى تصاعد النشاط غير المشروع في المناطق الحدودية، فيما تواجه باكستان أيضا أزمة ديون وارتفاعا في التضخم والبطالة، ولا شك أنّ هذا الوضع الاقتصادي الهش يجعل الحكومة أكثر حساسية تجاه التهديدات الأمنية والاقتصادية على حدودها.
رغم كل ذلك، تشهد الحدود بين البلدين نشاطا كبيرا في التهريب والتجارة غير الرسمية، في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وعلى الأرجح سيؤدي التضييق الباكستاني على المعابر الحدوديّة وتشديد الرقابة وزيادة تقييد التجارة الرسمية مع أفغانستان إلى تفاقم التوتر وإلى المزيد من الاحتقان بين الطرفين، كما أنّ التوترات الحدوديّة تؤدي أحيانا إلى إغلاق المعابر الرسميّة مثل "معبر طورخم"، ما يعطل حركة التجارة ويؤثر سلبا على سكان المناطق الحدوديّة.
الجهود الدولية لاحتواء الأزمة
تحظى التوتّرات الحدوديّة بين باكستان وأفغانستان باهتمام دوليّ بسبب تأثيرها على الاستقرار الإقليميّ، والمصالح الجيوسياسيّة لكل من الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وتشكّل القوى الإقليميّة والدوليّة عاملا مهما في هذا النزاع، إذ تنظر الولايات المتحدة بقلق إلى التوتّرات بين باكستان وأفغانستان، خاصة بعد انسحابها من أفغانستان في آب/ أغسطس 2021م، وتخشى من تصاعد الإرهاب الذي قد يشكّل تهديدا لمصالحها ومصالح حلفائها، خصوصا من أن يتم استخدام المناطق الحدودية "كقاعدة للجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش"، في وقت تُعتبر باكستان شريكا استراتيجيا في الحرب ضد الإرهاب، وتحتاج الولايات المتحدة للحفاظ على علاقات قوية معها لضمان تعاونها في مكافحة الإرهاب، كما أنّها تحاول الإبقاء على طالبان ضعيفة، وتضغط على باكستان لتقليص أي دعم قد تحصل عليه الحركة من شبكات الناشطة على الحدود.
أمّا الصين وروسيا فتسعيان إلى لعب دور الوسيط لتجنب صراع مسلح قد يزعزع الاستقرار في المنطقة، ويؤثر سلبا على مشاريعهما الاستراتيجية والاقتصادية خاصة الصين. وتدعو بكين إلى التهدئة والحوار، نظرا لمصالحها الاقتصادية والأمنيّة في المنطقة، خاصة الممّر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، فاندلاع مواجهة عسكريّة أو توترّات يمكن أن تؤثر على مشاريع البنية التحتية الضخمة التي تنفذها الصين في باكستان، ويُعدّ الحفاظ على الاستقرار الإقليميّ ضروريّ لإنجاح هذه الاستثمارات.
كما أنّ الصين قلقة من إمكانيّة تسلّل الجماعات المسلحة من أفغانستان إلى منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة، إضافة إلى أنّها تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة كقوّة اقتصاديّة وسياسيّة، وهو ما يتطلب تهدئة التوتّرات التي يمكن أن تعطّل مشاريعها. وقد أكد "وانغ يي"، وزير الخارجية الصيني، على ضرورة الحوار، قائلا: "يعتمد السلام الإقليمي على قدرة باكستان وأفغانستان على حل خلافاتهما الحدوديّة بطرق سلميّة".
أمّا روسيا، تحاول لعب دور الوسيط الإقليميّ، وتشعر بالقلق من تأثير عدم الاستقرار في أفغانستان وباكستان على الدول المجاورة مثل طاجيكستان وأوزبكستان، التي تعتبرها مناطق نفوذ لها، كما أنها ترى أنّ الجماعات الإرهابية في أفغانستان تشكّل تهديدا أمنيا للدول الحليفة لها في آسيا الوسطى.
أمّا عن الدور الهنديّ، فإنّ نيودلهي طالما حافظت على علاقة طيبة مع كابُل، ورغم أنّ هذه العلاقات قد شهدت فتورا وتراجعا في عهد طالبان الأول، فهي اليوم تتقدّم بخطى ثابتة خصوصا في مجالات التجارة والبنية التحتية والدعم الإنسانيّ، ولطالما اتّهمت باكستان الهند بمحاولة تقويض أمنها من دعم الموقف الأفغاني وإسناد المجموعات الباكستانية الانفصاليّة، كجزء من استراتيجيتها الإقليمية.
وهناك خشية دوليّة من تفاقم الأزمة الإنسانية، وأن يؤدي الصراع إلى زيادة أعداد النازحين وتعطيل المساعدات الإنسانيّة في المناطق الحدوديّة، وبحسب تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش، فإنّ "أي صراع حدودي سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية المتدهورة بالفعل في أفغانستان".
لا شكّ أنّ الخلافات الحدوديّة بين باكستان وأفغانستان قضيّة معقّدة تتداخل فيها العوامل التاريخيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، ورغم أنّ الوضع الاقتصادي الصعب للدولتين والوشائج الثقافيّة لا تشجعان على حدوث حرب مفتوحة، يبقى خطر اندلاع مواجهة عسكرية أمرا محتملا في ظل استمرار التوتّرات وتصاعد الهجمات المتبادلة، فيما يتطلب الحلّ إرادة حقيقية لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع، وإلا ستبقى الحدود بين البلدين بؤرة صراع تهدّد الاستقرار الإقليميّ.