سوف ينشغل الفكر السياسى ومراكز الدراسات السياسة كثيراً بمحاولة فهم وتفسير لغة الخطاب الأمريكى والغربى والإسرائيلى السائدة، بشأن (H1) حرب الإبادة الجماعية التى تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية، وربما يتوقف الجميع أمام مصطلحات جديدة غير مألوفة، تم صكها ونشرها فى بيانات وتصريحات الساسة الأمريكيين والإسرائيليين على وجه الخصوص، وفى وسائل الإعلام الناطقة باسمهم، والتى بدت جميعها تبريراً لحرب التطهير العرقى التى تقوم بها إسرائيل، بدعم مالى ولوجستى وعسكرى من دول المعسكر الغربى، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن بين عينات ذلك الخطاب غير المسبوق فى تاريخ الصراع الإسرائيلى– الفلسطينى وصف أعضاء حركة حماس بالوحش البشرية المسعورة، وبأنهم ليسوا بشراً ودواعش. ووصف الهجوم الذى نفذته فى السابع من أكتوبر بالنازية والمحرقة، وعدم الكف عن ترديد أكاذيب عن وقائع اغتصاب نساء لم يثبت حدوثها، ووضع قائمة يتم الإعلان عنها فى وسائل التواصل الاجتماعى من قبل عسكريين إسرائيليين عن اغتيال الصحفيين والإعلاميين الذين صوروا وبثوا ونشروا وقائع يوم السابع من أكتوبر، ليصل عدد القتلى بينهم فى غضون شهرين من حرب غزة طبقاً لموقع يورونيوز الأوروبى إلى 87 صحفياً، بينهم صحفيون قتلوا فى مكاتبهم ومنازلهم داخل إسرائيل فى المدن الفلسطينية القديمة، فضلاً عمن تم اعتقالهم، ليفوق ذلك عدد القتلى من الصحفيين فى الحرب العالمية الثانية التى امتدت لنحو خمس سنوات، كل هذا ودول الغرب تصمت صمت القبور، ليس هذا فحسب، بل هى تقبل بكل أريحية المنطق الذى يقول بحق إسرائيل وهى دولة احتلال، الحق فى الدفاع عن النفس، وهو ما يترجم عملياً بمجازر ضد كل أهل غزة العزل، انتقاماً ربما لسماحهم لحماس بالقيام بهجومها، لترسى كما يزعم قادتها، دعائم الحضارة ضد الهمجية البربرية. أما التصريحات الإسرائيلية التى تتدافع بشأن ما سوف يحدث بعد انتهاء حرب غزة، فهى لون من التدليس يستهدف صرف الأنظار عن استمرار حرب التطهير العرقى والإبادة الجماعية والتهجير القسرى، بحق الشعب الفلسطينى.
فاق خطاب إدارة الرئيس الأمريكى بايدن فى ابتداع مصطلحات جديدة كل ما سبق، بينها وصف الحرب بأنها حرب ديمقراطية، وبينها حث إسرائيل على تقليل عدد القتلى المدنيين، وأن الالتزام بذلك لا يصادر حقها فى فى الدفاع عن نفسها، وبينها استخدام الفتيو الأمريكى لإسقاط مشروع القرار الأخير المقدم من دولة الإمارات باسم المجموعة العربية، إلى مجلس الأمن يدعو لوقف إنسانى للحرب، بزعم أن واشنطن تسعى للتفاوض لوقف دائم لها بجانب التشدق بالدعوة لحل الدولتين، ومبعوث بايدن يجول فى المنطقة ليفاوض السعودية فى نفس التوقيت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بزعم تسهيل التوصل لذلك الحل!
فى أعقاب مؤتمر مدريد الذى تم عقده فى العام 1991 وأسفر عن عقد اتفاقيات أوسلو التى تبادل فيها الفلسطينيون والإسرائيليون الاعتراف كل منهم بالآخر، أنهت الدول العربية مقاطعة الشركات العالمية التى كانت تتعامل مع إسرائيل، وكان من جراء ذلك أن تدفقت استثمارات تلك الشركات على إسرائيل، بما أسهم فى إنعاش اقتصادها، ومنذئذ ونتنياهو يدرك أنه بات بالإمكان إنهاء كل أشكال المقاطعة العربية، وإقامة علاقات طبيعية مع دولها دون أى مقابل، أو فى مقابل ما يسميه السلام مقابل السلام، وليس مقابل الأرض، وصولاً لتنفيذ مخططه الوهمى الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية، لكن بموافقة عربية هذه المرة !
قبل عقود من حرب غزة، وبالتحديد بعد غزو العراق، والنقاش يطرح فى دوائر القوى السياسية العربية فى السلطة وخارجها وفى دول ما كان يعرف بالعالم الثالث، وأضحت تسمى دول الجنوب، حول ضرورة إصلاح هيئة الأمم المتحدة وتوسيع عدد الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن الدولى، ليشمل تمثيلاً عادلاً لدول القارة الإفريقية، ويضم اليابان وألمانيا والبرازيل والهند، لاسيما بعد أن تم احتلال العراق ونهب ثرواته بموافقة 14 عضواً من مجلس الأمن، ما قدم غطاء شرعياً لإجراء يناقض نص ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولى. أما الجديد بعد بدء حرب غزة، فهو الإهانات المتوالية التى توجهها إسرائيل للهيئة الدولية وأمينها العام أنطونيو جوتيرش لمجرد تفقده معبر رفح، ووصفه ما يجرى فى الحرب بأن غزة باتت مقبرة للأطفال، ولجوئه للمادة 99 من ميثاق المنظمة الدولية التى تقضى أن من حق الأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى ما قد يهدد السلم والأمن الدوليين، وهو ما دعا المندوب الإسرائيلى لمطالبته بالاستقالة من منصبه، ووصفه وزير الخارجية الإسرائيلى بأنه يؤيد حركة حماس الإرهابية، وأن فترة ولايته للهيئة الأممية تشكل خطراً على السلام العالمى. ولا شىء يهم لدى واشنطن ولا تل أبيب بعد مقتل نحو 140 شخصاً من العاملين فى هيئات الأمم المتحدة فى غزة، بما يعد كما قال جوتيريش،أكبر خسارة فى الأرواح فى تاريخ المنظمة الدولية !
وقبل نحو عشر سنوات نشرت صحيفة «اللموند دبلوماتيك» الفرنسية، نص الاتفاق السرى بين الأمين العام للامم المتحدة بان كى مون والأمين العام لحلف شمال الأطلنطى جاب دى هوب شيفر فى 23 سبتمبر عام 2008، رأت فيه الصحيفة أنه يقضى على صلاحيات الأمم المتحدة ودورها. وأقر هذا الاتفاق بتعاون أكبر بين الطرفين، وتبادل للمعلومات، واستمرار الحوار على مستوى أخذ القرار، وعلى المستوى التنفيذى فى المسائل السياسية والإجرائية على وجه الخصوص، وهو اتفاق لا يقضى فقط على صلاحيات مجلس الأمن الدولى الذى تم تشكيله لفرض السلم العالمى والحيلولة دون ظهور نازية جديدة، بل يرهن القرار الدولى فى يد واشنطن، ووفقاً لمصالحها وتحالفاتها، والدليل استخدام الولايات المتحدة لحق النقض 83 مرة فى السنوات العشر الأخيرة معظمها ضد العرب وفلسطين. أما كيف نذهب إلى مسألة الإصلاح فلذلك حديث آخر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حرب غزة على فكرة حرب الإبادة الجماعية غزة والضفة الغربية الأمم المتحدة مجلس الأمن حرب غزة
إقرأ أيضاً:
بريطانيا: تجديد نظام العقوبات وسيلة ضغط على الحوثيين
أكدت المملكة المتحدة، أن تجديد مجلس الأمن لنظام العقوبات المفروضة على اليمن أمر ضروري للحفاظ على الضغط على جماعة الحوثي.
وقالت السفيرة باربرا وودوارد، المندوبة الدائمة للمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة، في اجتماع مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، إن إجماع المجلس بتجديد نظام العقوبات يرسل إشارة واضحة أن المجلس لا يزال يقدر الدور الحاسم الذي يلعبه القرار 2140 في الحفاظ على الضغط على الحوثيين الذين يواصلون عرقلة الطريق إلى السلام في اليمن.
وأضافت أن استمرار مشاركة مجلس الأمن الإيجابية في هذا الملف أمر بالغ الأهمية لتجديد عملية السلام في اليمن، مشيرة إلى أن المجتمع الدولي يواصل تقديم دعمه القوي لمؤسسات الأمم المتحدة التي تضمن التنفيذ الفعال للعقوبات الواردة في القرار 2140 وحظر الأسلحة الوارد في القرار 2216.
وأكدت وودوارد أن هذه الأدوات تلعب دورًا حيويًا في الحد من قدرة الحوثيين على زعزعة استقرار اليمن وتهديد البحر الأحمر وإعاقة جهود السلام.