تواصل مليشيا الحوثي الذراع الإيرانية في اليمن، شن هجمات عسكرية على السفن التجارية قرب باب المندب الممر المائي الحيوي في البحر الأحمر.

ورغم التحذيرات الدولية واليمنية من مغبة استمرار هذه الهجمات وخطرها المهدد للأمن الغذائي في اليمن مع ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، فإن الجماعة الحوثية قالت إنها مستمرة في مهاجمة السفن التي تزعم أنها متجهة من أو إلى الموانئ الإسرائيلية بغض النظر عن جنسيتها.

وشهدت الأيام الأخيرة هجمات حوثية عدة رغم مساعي القوات البحرية الأميركية والفرنسية والبريطانية لتقديم المساعدة لسفن الشحن، وذلك بالتوازي مع توجه واشنطن لتشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب

وباب المندب هو مضيق يصل البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، فاصلا بين جيبوتي في أفريقيا واليمن في آسيا، وتتحكم به كل من اليمن وجيبوتي وإريتريا. وازدادت أهمية هذا المضيق عالميا بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 وربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط.

ويحظى أمن وسلامة المرور بالمضيق -الذي يعبر من خلاله نحو خُمس الاستهلاك العالمي من النفط- باهتمام دولي، وحرصت دول مثل أميركا وروسيا والصين وتركيا وفرنسا وإسرائيل على وجود قواعد عسكرية لها في دول جيبوتي والصومال وإريتريا.

على الجانب الآخر، توجد قناة السويس، وهي ممر مائي اصطناعي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وتختصر المسار التجاري البحري بين كل من أوروبا وآسيا دون الحاجة إلى اتخاذ طريق أطول حول القارة الأفريقية.

وتمر نحو 10% من تجارة النفط، و8% من تجارة الغاز المسال عبر قناة السويس، بينها نحو ثلثي النفط الخام القادم من منطقة الخليج، وفقا لبيانات وكالة “بلومبيرغ” الأميركية. كما يمر نحو 30% من حاويات الشحن في العالم يوميا عبر قناة السويس -البالغ طولها 193 كيلومترا- ونحو 12% من إجمالي التجارة العالمية من جميع السلع. وتصل حصة البضائع القادمة من جنوب القناة -العابرة من مضيق باب المندب- نحو 47% من حجم البضائع العابرة بقناة السويس، وفقا لإحصاءات هيئة قناة السويس.

فضلا عن ذلك، تمر نحو 98% من البضائع والسفن القادمة من جنوب قناة السويس في مصر من خلال مضيق باب المندب باليمن.

ما الخسائر المحتملة؟ وحذرت تقارير صحفية وردت في وكالة “بلومبيرغ”، وصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية وغيرهما من أن التطورات الأمنية في مضيق باب المندب ستكون لها تأثيرات على حركة الملاحة العابرة للبحر الأحمر، وبالتالي قناة السويس المصرية، وقد يتسبب ذلك في حدوث ركود اقتصادي عالمي. وتوفر حادثة جنوح السفينة العملاقة “إيفر غيفن” البالغ طولها 400 متر وعرضها 59 مترا في قناة السويس في مارس/آذار 2021 وتعطل حركة الملاحة في قناة السويس في كلا الاتجاهين لمدة 6 أيام أرقاما مقاربة لحجم الخسائر المحتملة التي قد يتكبدها الاقتصاد العالمي في حال تطورت الأوضاع الأمنية في مضيق باب المندب الحيوي والأكثر ازدحاما.

وتسبب إغلاق القناة لمدة أسبوع في خسارة للتجارة العالمية بلغت نحو 10 مليارات دولار يوميا، فيما بلغت خسائر هيئة قناة السويس 14 مليون دولار يوميا، وارتفع الرقم إلى 28 مليون دولار يوميا ونحو 200 مليون دولار أسبوعيا. وقد تؤدي أحداث مشابهة إلى مضاعفة أسعار النقل والتأمين وتكاليف الإنتاج والوقود. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميا، وبالتالي زيادة أسعار السلع عالميا.

ماذا عن قناة السويس؟ وتعد قناة السويس أحد المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي لمصر، وسط توقعات أن يبلغ 10.3 مليارات دولار بنهاية عام 2023. ولم تتأثر حركة مرور السفن عبر قناة السويس حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بالتطورات في مضيق باب المندب، حيث زاد عددها إلى 2264 سفينة من الاتجاهين، مقابل عبور 2171 سفينة خلال الشهر ذاته من العام الماضي، بنسبة زيادة 4.3%، كما نمت عائدات القناة بنسبة 20.3%، بحسب الهيئة العامة لقناة السويس.

وزادت الإيرادات الكلية لقناة السويس بنسبة 34.7% في العام المالي المنتهي في 30 يونيو/حزيران 2023 إلى 9.4 مليارات دولار، مقابل 7 مليارات دولار في العام المالي السابق، كما زادت أعداد السفن المارة بالقناة بنسبة 17.6% لتبلغ 26 ألف سفينة، حسب بيانات هيئة قناة السويس.

ويقول مدير الكلية البحرية المصرية الأسبق، اللواء بحري محفوظ مرزوق، إن “كل الأحداث المتعلقة بالمنطقة تؤثر في قناة السويس، لكن لا يُتوقع أن تؤثر في حجم مرور السفن وإيرادات القناة التي تزيد بشكل مستمر، بسبب ارتفاع رسوم الشحن ورسوم المرور وزيادة حجم التجارة العالمية”.

واستبعد مرزوق -في حديثه للجزيرة نت- أن تتطور الأوضاع الأمنية في باب المندب، لأن فلسفة الدول المعنية بأمن وسلامة المضيق تتلخص في حماية خطوط الملاحة وتأمينها، وليس مهاجمة مصادر التهديد، مؤكدا أن التوترات في السنوات الماضية لم تؤثر في قناة السويس بسبب محدوديتها كما وزمنا.

وأشار اللواء مرزوق إلى أنه رغم قدرة الدول المشاركة في تأمين المضيق عسكريا على توجيه ضربات عسكرية إلى مصدر التهديد، فإن هناك قيودا سياسية تحول دون الانخراط في مواجهات عسكرية تشعل المنطقة، وتؤدي إلى عواقب وخيمة. وإلى جانب ما سبق هناك حاجة ماسة لقناة السويس حاليا أكثر من أي وقت مضى -بحسب اللواء مرزوق- تستوجب التعامل بهدوء وروية، لافتا إلى أن خطوط البضائع التي تخرج من الساحل الشرقي للولايات المتحدة نحو آسيا وبالعكس تمر حاليا من قناة السويس، بسبب القيود المناخية في قناة بنما وموجة الجفاف هناك.

من جانبه رهن خبير اقتصاديات الطاقة والنفط الدكتور نهاد إسماعيل تأثر قناة السويس بعمليات مليشيا الحوثي بارتفاع وتيرة التصعيد واضطرار السفن إلى تجنب مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس واللجوء إلى خيار الرحلات الطويلة والمكلفة حول أفريقيا.

واعتبر إسماعيل -في حديثه للجزيرة نت- أن خروج الأمر عن السيطرة جنوب البحر الأحمر سيكلف الاقتصاد المصري -الذي يعاني من شح الدولار -خسائر كبيرة، مشيرا إلى أن الاقتصاد الدولي سيعاني هو الآخر من ركود تجاري.

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

صواريخ اليمن تُغيّر معادلة البحر الأحمر وتفرض حصارًا على إسرائيل

يمانيون – متابعات
غيرت الوحدة الصاروخية التابعة للجيش اليمني موازين القوى في البحر الأحمر وخليج عدن بتنفيذ ثلاث عمليات خاصة خلال الفترة الأخيرة. في الأيام الماضية، تمكنت الوحدة من تغيير موازين القوى من جديد من خلال هذه العمليات، حيث منعت دخول البضائع إلى فلسطين المحتلة، مع بقاء البوارج الأمريكية على بعد 900 كيلومتر من الحدود اليمنية.

في الأسابيع الأخيرة، بدأت القوات الصاروخية والبحرية التابعة للجيش اليمني جولة جديدة من العمليات التفصيلية ضد السفن التجارية المتجهة نحو فلسطين المحتلة، وألحقت ضربات ساحقة بالشركاء الاقتصاديين والحكومات المتحالفة مع إسرائيل. إذ توسعت عمليات الوحدات الصاروخية والمسيرة والبحرية منذ 43 يومًا، وشملت استهداف السفينة التجارية “بولولاجين” التي كانت في طريقها نحو سواحل الأراضي المحتلة بدقة.

وحسب المصادر الميدانية، تم استهداف السفينة يوم 12 أغسطس عندما كانت تتحرك باتجاه فلسطين المحتلة، وذلك بعد تجاهلها تحذيرات البحرية اليمنية. تمت العملية على بعد 115 كيلومترًا من ميناء الصليف غرب محافظة الحديدة.

في 18 أغسطس، رصدت القوات اليمنية السفينة “جريتون” التي كانت تتجه نحو الأراضي المحتلة، واستهدفتها بشكل حاسم بعد عدم استجابة مالك السفينة للتحذيرات.

في بداية سبتمبر، نفذت الوحدة عمليات خاصة أخرى ضد ناقلة النفط “سونيون” والسفينة “SW North Wind”، على بعد 107 كيلومترًا غرب ميناء الحديدة.

تكشف المعلومات أيضًا أن الجيش اليمني استخدم 4 نماذج خاصة من الصواريخ المضادة للسفن خلال العمليات في البحر الأحمر وخليج عدن. حيث شمل ذلك صواريخ “المندب كروز”، “عاصف”، “تانكيل”، و”قدس”، والتي تغطي مجالات واسعة وتستطيع استهداف السفن المتجهة نحو فلسطين المحتلة.

وفي الوقت نفسه، تم نشر حاملة الطائرات أبراهام لنكولن والمجموعة الهجومية الخاصة بها على مسافة 700 إلى 900 كيلومتر من الحدود اليمنية لتحاشي خطر هذه الصواريخ. لكن المصدر الميداني يشير إلى أن الطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية المتقدمة يمكنها استهداف هذه الطرادات بسهولة.

كما صرح المتحدث الرسمي باسم”أنصار الله” محمد عبد السلام بأن الملاحة الدولية في البحر الأحمر والبحر العربي آمنة، ودعا دول العالم إلى الحذر من خطط الولايات المتحدة الرامية إلى عسكرة البحر الأحمر، مشيرًا إلى أنها قد تدعم إسرائيل في استمرار عدوانها على قطاع غزة.

واختتم عبد السلام بالتأكيد على أن صنعاء “ماضية في استهداف السفن “الإسرائيلية” أو تلك المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة حتى يتوقف العدوان ويرفع الحصار عن غزة،” متوعدا من يعترض تلك العمليات بالرد. وفي وقت سابق، اعتبر رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” وزير الدفاع “الإسرائيلي” الأسبق أفيغدور ليبرمان أن إطلاق جماعة صنعاء الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه السفن في البحر الأحمر “أمر لا يحتمل”.

جاء ذلك عبر تدوينة في حسابه على منصة “إكس”، بعد إعلان صنعاء في وقت سابق من يوم الأربعاء الماضي “تم استهداف سفينة أمريكية كانت تقدّم الدعم للكيان الصهيوني بعدد كبير من الصواريخ البالستية والبحرية والطائرات المسيرة.” ومنذ مطلع ديسمبر الماضي، تبنت صنعاء استهداف 11 سفينة في البحر الأحمر وباب المندب، بالصواريخ والطائرات المُسيرة، خلال تنفيذ قرارها بمنع السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى موانئ “إسرائيل” من المرور في البحر الأحمر، ردًا على عمليات الجيش “الإسرائيلي” ضد المقاومة الفلسطينية.

وبين الحين والآخر، تعلن صنعاء أنها جزء من محور المقاومة الذي يضم إيران وسوريا و”حزب الله” اللبناني وفصائل المقاومة الفلسطينية، مؤكدة استعدادها للمشاركة في القتال إلى جانب المقاومة الفلسطينية.

مقالات مشابهة

  • ميليشيا الحوثي تهدد أصحاب السفن عبر البريد الإلكتروني
  • صحيفة هندية: قوات صنعاء أنشأت مسار مرعب على البحر الأحمر
  • جولة بحرية بقناة السويس للفِرق المشاركة بمهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية
  • مدبولي: قناة السويس تفقد 600 مليون دولار شهريا
  • رئيس الوزراء: قناة السويس تخسر 600 مليون دولار شهريا بسبب أحداث المنطقة
  • مصر.. عجز ميزان المعاملات يصل إلى 20.8 مليار دولار والسبب قناة السويس
  • إيرادات قناة السويس تتراجع 25% على وقع توترات البحر الأحمر
  • سجلت انخفاضا.. البنك المركزي المصري يكشف إيرادات قناة السويس
  • صواريخ اليمن تُغيّر معادلة البحر الأحمر وتفرض حصارًا على إسرائيل
  • قوة الردع اليمنية أعادت السيادة الجيو اقتصادية لليمن على البحر الأحمر وباب المندب