«أبوإلياس» يوزّع الخبز: «أعجن وأخبز وأوفّر على سكان غزة وقفة الطوابير»
تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT
داخل مخيم خان يونس جنوبى قطاع غزة، يجلس أحمد مهنا، الذى يعرفه الجميع بـ«أبوإلياس»، صاحب الـ45 عاماً، أمام موقده الذى حوّله من الغاز إلى الحطب، بسبب انعدام الغاز الطبيعى الخاص بالطهى، بينما تلتقط يداه قِدراً من الصاج يضعه بحذر على النار، قبل أن يخلط الطحين بالماء، لتتكون لديه كميات من العجين، يقوم بفردها على قطعة خشبية قبل أن يبدأ فى خبزها، لتكون فى النهاية أرغفة من الخبز يتم توزيعها على النازحين.
«أبوإلياس» واحد من بين مئات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من إحدى الخيام فى خان يونس التى أقامتها «أونروا»، مأوى لهم بعد أن دمّرت غارات الاحتلال الإسرائيلى منزله فى منطقة تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة، فى الأسبوع الأول من العدوان، ويقول فى حديثه لـ«الوطن»: «جاءنا تحذير بأن البناية سيتم قصفها، وعلينا إخلاؤها والخروج منها على وجه السرعة، وهو ما قُمنا به أنا وزوجتى وأبنائى الأربعة». لم يحمل الرجل الأربعينى أى شىء من محتويات منزله أو الاحتياجات الشخصية لأسرته: «وأنا طالع ما قفلت الباب بالمفتاح وقُلت بصوت عالى يا رب أنا استودعتك واستعوضتك فى بيتى وتعبى وشقاى، لأنى كنت حاسس إنى مش هارجع على بيتى».
ما يقرب من 50 يوماً هى الفترة التى مضت على «أبوإلياس» داخل مخيم النزوح، إلا أنّه قرّر بعد نحو أسبوع البحث عن الدقيق لإنتاج الخبز بعد تجربة مريرة يخوضها الفلسطينيون فى القطاع فى سبيل الحصول على رغيف خبز واحد. ويتابع: «كنت أطلع من الساعة 3 الفجر وأقف فى طابور طويل لحد الظهر علشان بس أقدر أجيب ربطة خبز واحدة، وأوقات كتير لما الدور كان يوصلنى يكون الخبز خلص وأرجع بدون ولا أى شىء».
رب الأسرة الأربعينى قرّر صُنع الخبز بنفسه وتوفيره للنازحين: «الدنيا صعبة مش سهلة، خاصة فى الحرب، وتحديداً هاى الحرب المدمرة، واللى عمرى ما عِشت زيها، ووقفة النساء وكبار السن على المخبز كانت بتوجع قلبى، هذا غير الخطر اللى بنتعرّض له لأن الاحتلال كان يستهدف المخابز ويتسبّب فى ارتقاء عشرات الشهداء».
ويستعين «أبوإلياس» بأبنائه فى الحصول على الطحين من «أونروا» وحمله إلى خيمتهم، ليقوم بعدها بإشعال النيران باستخدام الخشب أو الحطب الذى يقوم بإحضاره من الطرق المؤدية إلى شمال القطاع، قبل أن يتعرّض لإطلاق نار من قِبل مدفعية الاحتلال المتمركزة بالقرب من شارع صلاح الدين الواصل بين قطبى المدينة، ليُقرر شراءه من التجار رغم ارتفاع ثمنه أو البحث عند جيرانه فى المخيمات: «يومياً باسوى دور خبز وبياكل منه 6 عائلات بمجموع 27 شخصاً». ويتابع حديثه ضاحكاً: «بمعدل رغيف لكل فرد، وهذا أمر يُعد رفاهية فى ظل تقاسم النازحين الآخرين رغيفاً واحداً بين 3 أو 4 أفراد». ويختم «أبوإلياس» حديثه بينما ترتسم الابتسامة على وجهه، قائلاً: «صرت خبرة، وراح أفتح فرن بس تخلص الحرب».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: العدوان الإسرائيلى ضحايا العدوان قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
انهيار كامل للخدمات | ماذا ينتظر سكان قطاع غزة بعد عودتهم؟.. تفاصيل
يواجه سكان قطاع غزة تحديات إنسانية كبيرة مع عودتهم إلى مناطقهم بعد الهدنة الحالية، حيث تتراكم أكوام النفايات في الشوارع وسط انهيار كامل للخدمات البلدية نتيجة الحرب المدمرة.
مع توقف خدمات جمع القمامة طوال فترة الحرب على غزة، اضطر سكان القطاع للتخلص من النفايات عبر رميها في الشوارع، وأصبحوا يعيشون وسط أكوام من تلك المخلفات التي تجذب القوارض والحشرات مما خلق بيئة صحية خطيرة خصوصا مع عودة مئات الآلاف إلى مدينة غزة والمناطق المحيطة بها.
وقد صرح أبو سعد صالح، أحد سكان المدينة، قائلاً: "نعاني من تراكم القمامة نتيجة الظروف والحرب، كيف يمكن للناس التخلص منها؟ لذلك يرمونها في الشوارع". وأضاف متأسفًا: "تنتشر الأمراض بين الناس، والحكة والسعال بين الأطفال. يحرق الناس القمامة والدخان يدخل منازلنا".
دمرت الهجمات الإسرائيلية المتكررة معظم مدينة غزة والمناطق المحيطة بها خلال 15 شهرًا من الحرب، حيث نزح حوالي مليون فلسطيني من الشمال هربًا من القصف الجوي والهجمات البرية، بينما آثر عشرات الآلاف البقاء هناك طيلة فترة الحرب.
يقول رباح الكرد "عندما نلقي بالقمامة، فإنّها تتسبب في انتشار البعوض والذباب، وفي تفشي في الأمراض" لذلك يلجأ السكان يلجأون إلى حرق القمامة كحل مؤقّت.
وبالإضافة إلى أزمة النفايات، يجد النازحون العائدون أنفسهم بلا مأوى بعد أنّ دمر القصف الإسرائيلي بيوتهم، كما يعانون من شح المياه، وانقطاع شبه تام للكهرباء. فأصبحت أكوام النفايات مكانا للبحث عما يسد الرمق أو يقضي حاجة. إذ يمضي الأطفال جزء من وقتهم وهم يفتشون وسط أكوام القمامة عن الطعام أو عن أي شيء يمكن لأسرهم استخدامُه .
ويحذر سكان القطاع من الآثار الصحية الخطيرة المترتبة عن هذه الظاهرة، ولفتوا إلى أن القمامة تسببت في ظهور الأمراض الجلدية لدى الأطفال وكبار السن، خاصة أولئك المصابين بالأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
تدهور الأوضاع المعيشية
أكد الكاتب والباحث السياسي، صالح النزلي، أن الجهود الحالية في قطاع غزة تتركز على العمل الإغاثي، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية نتيجة انعدام فرص الحياة وهدم آلاف المنازل، ما دفع الفلسطينيين للجوء إلى الخيام.
وشدد على أن ملف النازحين يعد من أبرز القضايا العاجلة، حيث يعيش عشرات الآلاف في خيام تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، ما يفاقم الأزمة الإنسانية والصحية والبيئية في القطاع، مشيرُا إلى أن المنظومة الصحية في غزة تعرضت لانهيار كامل، ولم تعد المستشفيات قادرة على تقديم الخدمات الطبية اللازمة.
كما أكد النزلي على ضرورة التركيز أيضًا على قطاع التعليم، في ظل تدمير مئات المدارس، مشددًا على أهمية العمل السريع لإعادة تأهيل البنية التحتية وضمان حياة كريمة للنازحين في غزة.