عدن الغد:
2024-07-04@04:53:06 GMT

هجرة الذات (قصة واقعية) "١"

تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT

هجرة الذات (قصة واقعية) '١'

بقلم / حسين السليماني الحنشي

 

*الجزء الاول:ققم الجبال*

على ضفاف قمم الجبال تقع قريتنا الصغيرة التي تطل على مدرجات زراعية في (ريمة)، لاتعرف خطوط السيارات، وأعمدة الكهرباء... 
يقع منزلنا الصغير الذي نعيش فيه (حجرة واحدة). ممتلئة بالقمّل وغيره من البعوضة ، وهذه الغرفة مبني على الجبل يقع تحتها غرفة خاصة بالبقرة، ولايوجد معنا غيرهن من الغرف في المنزل، وتلك الغرف ليس لها نوافذ غير ثقوب صغيرة كانت منفذ للهواء، ولايوجد لها شباك يمنع البرد أو غيره من الدخول، فكانت تلك النوافذ أو الثقوب نجعل فيها بعض الحجارة الصغيرة أو نحشوها بما يكون معنا من قماش وغيره.


كانت أمي عند دخول الشتاء تغلقها بالوحل (كمادة بديلة عن الأسمنت؛ المستخدم في البناء اليوم) حتى تمنع الصقيع أو دخول الهواء البارد منها...
كانت تلك الغرفة الصخرية التي نتواجد بها لليلا ونهاراً ، وينام الجميع فيها ، وأكثر أوقاتنا كانت خارجها، أما برعي البقرة أو نجمع لها الأعلاف؛ كانت البقرة بالنسبة لنا أصل من أصول البقاء ، حديث كانت تمدنا بالحليب ومشتقاته...
ثم نعود لنخلد للنوم بعد يوم شاق، ولا ننهض من النوم حتى تبدأ خطوط الضوء من الفجر الساطع.
بينما الغرفة التي تقع تحت غرفتنا ، هي غرفة دون نوافذ لها باب يغلق إلى منتصفها  تسكن به بقرتنا الوحيدة .
لم نعد نطيق العيش بهذه الحالة...
نفكر كل يوم كيف نستطيع العيش ونبني لنا منزل ونسكن به ؛ كان حلم يراودنا...

*الجزء الثاني ضيق في الرزق*

كانت عائلتنا تريد من يقوم بمساعدتها والعون في متطلبات الحياة...
خرجنا للبحث عن العمل إلى مدينة (ذمار) لأن بها مناطق زراعية فيجد الباحثون فرص عمل على الرغم من شحتها.
عملنا برعي الضأن أنا وأخي الأكبر مني ، حوالي سنتين، ولم تكن أجرة العمل (نقود) بل كانت عينية فمن يعمل في الزراعة يعطى له من الحبوب أجره ، ومن يعمل برعي الغنم يكون الاجر أيضاً منها ، وكانت لكل واحد منا في السنة نعجة واحدة فقط ، فكانت معنا من أجرتنا برعي الضان خلال سنتين أربع نعاج!
بينما نحن نمنّي أنفسنا بما معنا من ربح، وهي أربع نعاج ، يطل علينا رجل فيجلس إلى جانبنا ويسرح ببصره إلى قمم الجبال وهو يتنهد!
نظرنا إليه ، فنظر إلينا وقال: كم لكم على هذه الحالة في رعي الضأن ؟
اخبرناه بمكوثنا بين تلك الجبال والسير خلف الضأن ، أنها سنتين  وربحنا من عملنا هذا أربع نعاج.
فقال: أنها رفيقاتكم إلى الأبد!
لكن ياعيالي هل تسمعون عن (عدن)؟!
قلنا: نعم.
قال: أحكوا لي عنها، فأنا أعرفها!
قلنا: أنها مدينة مثل (ذمار) تعمل الناس فيها, لكنها بعيدة من هنا،  ويقولون الناس : إن بها حرارة مرتفعة ، ونحن لانطيق العيش بها!
قال: نعم، حرارتها مرتفعة، وليست كبلادنا ، ولكن قلوب أهلها بردا وسلاما على من يدخلها!!!

*الجزء الثالث الهجرة إلى عدن*


يا أبنائي الأعزاء، أنني أشفق عليكم ، وأنصحكم بالسفر إلى (عدن) فإن بها أعمال تغنيكم عن ما أنتم عليه.
قلنا: كيف ومن هو الذي يحملنا إلى عدن؟
قال: أنا لكن أعطوني هذه الأربع من النعاج أجرة لي...
وافقنا على الرحيل الى عدن!
ومع أول خطوط الفجر خرجنا، كنا صغار السن أخي الأكبر عمرة قد يكون في الثانية عشرة سنة. وكنت أصغره بسنتين تقريباً.
وأخذنا طرق وعرة وصعبة جداً كان الجوع والبرد الإرهاق الشديد قد أصابنا بشكل كبير...
كان يخاف علينا من أتباع الإمام. حاكم صنعاء آنذاك؛ لاننا صغار وسيضمنا إلى جيشه أو بعض المتوحشين من الناس يأخذوننا للخدمة لهم أو قد تكون معهم أعمال أخرى ، وعرفنا ذلك في الطرق الصعبة التي سلكناها.
كان يجلسنا (المهرّب) تحت شجرة صغيرة أو صخرة وننام بشكل سريع نتيجة للارهاق الشديد... ويذهب وبطريقته يأتي لنا بالماء وبعض الفتات من الاكل أو من أوراق الأشجار التي يستحسنها الناس للأكل .
ثم نواصل المسير نحو عدن ، وكلنا أمل بما نسمعه من الأناشيد الشعبية التي تزين لنا العالم الجديد المتمثل بعدن.
((عدن عدن ياريت عدن مسير يوم*شاسير به ليلة مشرقد النوم)) كان الناس والنساء نسمعهم يرددون هذه العبارات في الحقول وغيرها.
وعلى نقم تلك الكلمات نطوي المسافات بأقدام حافية تسير إلى عدن...

*الجزء الرابع: الحوطة ـ بوابة الإنسانية*

وعلى نقمات عدن مسير يوم تطوي أقدامنا الصغيرة المسافات الطويلة، حتى وصلنا (لحج) قال: (المهرب) الآن وصلتوا بلاد الطيبين لاخوفا عليكم بعد اليوم.
ثم قال: لاتخافوا من الجوع ومن الناس ألكل هنا يحبون أعمال الخير، ويعملون لوجه الله ، إذا غابت عليكم الشمس ادخلوا بيوت الله وإذا جعتم أطرقوا أي باب أو ادخلوا المساجد!
ثم وادعنا ورجع... 
فكان ماقاله صحيح !
أول ما دخلنا المسجد كانت أحوالنا يستطيع التعرّف الكثير من الناس؛ لأن وجوهنا يظهر عليها أثر السفر وشدة الحاجة...
انتهت الصلاة فإذا بالكثير من الناس يأتون إلينا خفنا منهم ظننا ظن السوء...
لكن كان ظننا ما يظنه الإنسان من الذئاب...
لقد غرس فينا المهرّب من الرعب الكثير، حين يخبرنا عن المجرمين من الناس!
لكن تبدد الخوف وزال ستاره وانكشفت لنا أرواح لم نعهدها في حياتنا.
الكثير منهم يمسك بمعصمي وهناك أخي عليه نفر كثير مثلي يدور برأسه إلى كل الوجوه التي تدعيه ليتناول وجبة الغداء...
خرجنا من (الحوطة) حاطها الرحمن من كل سوء.
ونحن لا نعلم أين يقع عدن..

*الجزء الخامس: زال ستار الخوف*

بينما نحن على قارعة الطريق الذي لم أشاهده في حياتي والسيارات التي كانت لأول مرة أراها! 
كنت مندهش مما أنظر إليه من حولي من دكاكين الممتلئة بالملابس والدكاكين الممتلئة بالمواد الاستهلاكية، والمأكولات في المطاعم ، كانت تلك الأشياء أنظر إليها وكأني لأول مرة أنظر إليها، حيث أن حياتي كانت في قرى ، وبينما أنا مندهش هرول إلينا رجل وقال: هل تريدون عدن؟ 
قلنا : نعم.
قال : اتبعوني أهديكم الطريق !
أوصلنا إلى رجال كانوا من لحج ذاهبين إلى عدن.
قال: إن هؤلاء الفتية لايعلمون شئ, ساعدوهم حتى يصلون إلى عدن.
ونحن في الطريق قال لنا رجل كبير كان ضمن رحلتنا الى عدن، إذا أصابكم الجوع أو تريدون مساعدة أطرقوا أي باب من أهل عدن!
وصلنا عدن على متن سيارة( لاند روفر ) شراعية ...
ونزلنا بمدينة (الشيخ عثمان) مكثنا بها سنتين ونحن نعمل أعمال متفرقة لصغرنا ، ولم نجد العمل المناسب كنا نسكن المساجد وكانت الناس من أهل الخير يتفضلون علينا.
بعدها وجدنا رجل عسكري كان ذلك الوقت قد قامت الثورة وكان يحكم عدن الثوار.
قال الضابط لنا: هل تستطيعون رعي الإبل؟
قال أخي: نعم، نريد أي عمل نعمله...
كان هذا الضابط يسكن في الأرياف من مدينة أبين.
ذهب أخي معه لأنه أكبر مني .
وتركني بمحل أعمل مع تاجر صومالي أساعده في دكانه...

*الجزء السادس: الإستقرار بالعمل*

أخي عاش أفضل مني من حيث السكن والمخصص المالي حيث يتقاضى أجرا أكثر مني.
لكن وقوع الانقلاب على الدولة المتمثلة في الرئيس (قحطان الشعبي) ، فقد تم القضاء على كل الشخصيات والضباط المحسوبين على (قحطان)
كان ذلك الضابط محسوب على(قحطان الشعبي) فهرب خارج الوطن وترك أملاكه ، وتم تسريح العمال الذين كانوا يعملون معه، وكان أخي أحدهم.
عاد أخي إلى عدن وقد بلغ من العمر ما يؤهله للعمل فكان يعمل ببعض الورش للنجارة أو يعمل في البناء مما أكتسب خبرة في مهنة البناء من الطوب وكانت لديه مهارة في هذا الفن...
وكنت أنا أعمل بنفس الدكان الذي تركني أخي فيه.
بعد الإنقلاب تم التضييق على أصحاب التجارة وقامت الدولة بتأمين الشركات وبعض المحلات التجارية والصناعية والزراعية وحتى بعض البنايات السكنية.
ونتيجة لتلك السياسات ، تململ رجل الأعمال الذي أعمل معه من الوضع القائم، والذي خيّم على المدينة واراد العودة والاستثمار في بلاده الصومال.
بعدها خرج من عدن وسافر إلى الصومال...

*الجزء السابع: لم تعد المدينة حلم الجميع*

كان صاحب المحل (الدكان) الصومالي قد تكونت بيني وبينه صداقة قوية مما أكسبني خبرة في العمل حين يسند علي كثير من أعمال الدكان.
أخبرني بأنه مسافر الى الصومال وإن البلاد لاتصلح له بالعمل.
وبعد عودته من الصومال .
قال لي: أنت ولد محتاج للمساعدة خذ هذا الدكان لك فإني قد أعرضته للبيع وإن المبلغ عليه كبير لاتستطيع دفعه مرة واحدة ، ما رايك أن تشتريه بالمبلغ الذي تضعه عندي والذي يساوي ـ ربع المبلغ المعروض علي ـ وافقت على الشراء.
باعني المحل الذي كنت أعمل فيه.
وساعدني كثير في تسهيلات كثيرة، وعلمني كيفية العمل خلال مكوثي معه للعمل.
بعدها مارست العمل بمفردي، لكن النظام الجديد للبلاد لايسمح لك بالتوسع في الأعمال التجارية، أو تخاف إن يتم اعتقالك أو يتم تأمين المحل، فجلست على هذه الحالة لفترات طويلة تقرب أكثر من عشرين سنة!
أخي بالمقابل تم قبوله في الجيش قسم الأعمال المهنية (النجارة) تحسنت حالته أكثر وتم الإستقرار له وخاصة في حياته الاجتماعية حيث تزوج وبناء منزل بمدينة ـ عدن ـ من بنت من نفس المنطقة التي كان يعمل فيها أخي برعي الإبل ، لكنها تعتبر من سكان عدن؛ لأنها تسكن مدينة عدن.
وأنا كذلك أستقريت في مدينة الشيخ عثمان .
حتى إعلان الوحدة بين نظامين صنعاء وعدن...
هناك تم تعطيل كل الأنظمة والقوانين التي نتعامل بها في عدن .
سمح للتجار بالاستثمار في أي شي...
كانت معي مبالغ مالية جنيتها من عملي في الدكان لسنوات..
قمت بالاستثمار ببناء شقق سكنية وطورت من عملي الأول حتى يواكب العصر...
فأصبحت من سكان المدينة البارزين والمساهمين في الأعمال الخيرية...
أتو بأهلي من القرية ولم يأتي أبي وأمي فقد مات الجميع وزارني إخوتي بعد زمن طويل... كان إخواني قد بقوا لمساعدة الوالدين ، وعندما فتح الله علي. اليوم يعمل معي أبناءهم ...
لكن لم تكتمل الفرحة....
أخي الكبير مات في عدن شريك حياة الهجرة ...
واليوم بقيت مقطوع الجناحين بدون إخوة...

انفجرت الحرب عام ((٢٠١٥))في اليمن، وهذه الحرب الأخيرة لم نشاهد مثلها حرب، فقد عشنا من قبل فكانت أقذر حرب لقذارت مقاتليها...
لاتعلم إلى من تتجه !
كل من يسيطر على مكان من الوطن أصبح هو الحاكم له، ولابد من الطاعة والاتباع حتى تخرج من منطقته ، وهكذا إذا دخلت منطقة أخرى تجد وحوش من البشر تمسك بفوهات البنادق نحو من يعبر حدودها...
فعادة التعاسة تطل على الجميع من جديد...
فقد كان اليمنيون موحدون بنظامين، وكنا ننعم بهذا ، واليوم وبعد الوحدة اصبحنا شعوبا متعددة تحت دولة خاوية مسلوبة....
وعادة هجرة الذات إلينا من جديد !!
__________________
"١" - لم نذكر أسم صاحب القصة لطلبه !

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: من الناس إلى عدن

إقرأ أيضاً:

لا تحلموا بالعودة للدولة القديمة

حرب أبريل أرّخت لعهد جديد وصفّرت العداد فهزمت منظومة المفاهيم القديمة، في أبعادها الاجتماعية والثقافية والسياسية، فاجتماعياً أحدثت توازناً ملحوظاً بين جميع فئات وشرائح المجتمع، فوحّدت الناس بمختلف خلفياتهم الجهوية والاجتماعية، وساوت بين الجميع حينما تذوق الجميع طعم الموت واستشعر مآسي الدمار والتبرم جراء ويلات التشرد، وهذا بدوره حرّك الضمير الجمعي للأمة، فأيقن الناس أن النجاة من جحيم الحرب لا يكون فردياً، وأن العمل الجماعي والتضامن الجمعي أصبح ضرورة وجودية لا فكاك منها، فانهزمت الفكرة الأحادية المكرسة لأمان البعض وفناء البعض الآخر، تلك الفكرة المجنونة التي سيطرت على ذهنية ومنهج روّاد الدولة القديمة، الذهنية التي أحرقت سكان الجنوب وأزهقت أرواح مواطني دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، من منطلقات دينية منحرفة وتوجيهات تقليدية سالبة وغارقة في انتهاكات حقوق الانسان، واليوم لن تجد من يحدثك عن إبادة مجتمع بعينه ليسلم ويأمن المجتمع الآخر، فصار الجميع مهدد بالفناء وبالإبادة القسرية، المفروضة من شيطان الدولة القديمة المترنحة والآيلة للسقوط، المتدهورة والمتدحرجة كرتها الآن تزامناً مع انسكاب هذا المداد الحزين، فعندما يداهم الخطر الجميع يعمل الجميع بعقل الرجل الواحد وقلب المرأة الواحدة، والرافضون لأمان وسلام الوطن المناهضون لمشروع كنس أركان الدولة القديمة الفاسدة، هم في الأساس ثلة من الفاسدين الذين احتكروا الدخل القومي لمصالحهم الفردية، ولاذوا بالفرار لبلدان الغرب البعيد والشرق الأوسط القريب، وفي جيوبهم مدخرات المواطن وكنوز الوطن يصرفونها على شراء وقود الحرب – المرتزقة والسلاح.
ثقافياً اعترف الجميع بأن إيقاع اهازيج الحقيبة ما عاد معبراً عن الذائقة العامة، ولا معتبراً قاسماً مشتركاً بين أمزجة الناس الجمعية ومناهجهم الفنية، وأن للناس رقصاتهم الشعبية وغنائهم المحلي النابع من صفاء سمائهم الزرقاء المكسوة بالسحب، ومن نقاء باديتهم وحواضرهم ودامرتهم، فانصت من اعتادت أذنه على سماع النغم الواحد فتقبل الرقص على إيقاعات أخرى طبلها يستجيب لنغم جميل آخر، واحتفل الصغار من أبناء المدن المركزية بالزي الجديد للفرسان الجدد، فنُسفت أبجديات عروض مسرحية الرجل الواحد، واقتنع الجيل الحديث بأن الثراء في التنوع وأن الابداع في التعدد، ناهيك عن مزاحمة اللهجة اللغوية الجديدة للهجة المركزية المسيطرة، المولودة مع تاريخ تأسيس إذاعة أم درمان (العامية السودانية)، فأثرى قاموس ثوار التغيير الحاملين للواء التجديد المخزون المعرفي القومي ثراءً كبيراً، وفي اثناء مرور اللحظات المؤسفة لهذه الحرب هنالك غليان وتفاعل اجتماعي يجري بين الناس، وفي بعض الأحيان يولّد هذا التفاعل الخصومة الصارخة بين الشقيقين، بل حتى بين الأم وابنتها، إنّه الغليان المفاهيمي الذي يمور ويفور كالمرجل بين صفوف العلاقات الحميمة للأفراد والجماعات، هذا المطبخ الساخن المزدحم بالأدخنة والأبخرة سيخرج لنا طبخة مسبوكة ومتماسكة، لمجتمع سئم مرارات الحرب وأنهكته مآسي اللجوء ومعاناة النزوح وضياع الهجرة والتشرد، وبلا شك سوف يخرج الشيف المحترف من هذا المطبخ بمنظومة ثقافية متجانسة، تعبر عن اللوحة الكبيرة للوطن الجميل المنظور اليه من زوايا مختلفة.
سياسياً انهزمت جميع اطروحات المشاريع المقدمة من الأحزاب، وفشلت جميع المؤتمرات التي تنادي بحل المعضلة الوطنية الكبرى، وأخفقت التحالفات السياسية ومعها الحركات المسلحة والعسكر في الإتيان بمسودة جديدة تزيح المأساة عن كاهل الشعب المكلوم، واستكان الناشطون الخاضعين لأجندة الدولة القديمة، فما استطاعوا مجاراة الحراك الثوري منذ ابريل قبل عام وبضعة أشهر، وذهبت أدراج الرياح الأطروحات الكثيفة التي تكدست بها دور البحوث العلمية بالجامعات والمعاهد العليا، وعجزت في أن تقدم دواءً ناجعاً لأمراض المنظومة القديمة، فقفز إلى سطح الأحداث منظرون حداثيون يؤمنون بالتجديد والتغير واجتثاث الجذور التالفة للشجرة القديمة، فتقدم خطهم السياسي الرائد ليتوافق مع خط حراك أبريل الكاسح الماسح كالسيل الجارف، واتسقت الرؤى الجديدة مع آلة التغيير وبدأت ملامح الشكل الجديد للدولة الجديدة، الدولة الكاسرة لقيد وشرط الجهة والنوع والحزب والعرق في التموضع فيما يتعلق بالحصول على أي محاصصة متعلقة بالشأن العام، أو اجتياز امتحان من الامتحانات المؤهلة لولوج باب أي مؤسسة من مؤسسات العمل العام، على دعاة البقاء على النمط القديم أن لا يحلموا حلماً باذخاً وطويلا، لأن سفينة التغيير الحقيقي قد مخرت عباب البحر، ورفعت رايات السلام المسنود بالمدفع الرزّام، الذي اقسم الفارس الممسك بزناده قسماَ غليظاً أن لا عودة للقديم المهترئ البالي، لقد ولى عهد الظلام بكلفة باهظة في الأرواح والممتلكات، لكن هذا ديدن الانعتاق ومهر التحرر الذي لا يسلك تفرعات الطرق القصيرة ولا يقبل بأنصاف الحلول.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • مطلب برلماني بحلول واقعية لمشكلات التسجيل العقارى والقضايا الضريبية والتملك
  • لا تحلموا بالعودة للدولة القديمة
  • "هجرة إلى أرض الإسراء" في احتفاء السلطنة بذكرى الهجرة النبوية الشريفة
  • يحبس الأنفاس.. نقاد يشيدون بفيلم الرعب «A Quiet Place 3»
  • الخوري ناقش مع نواب من تكتل لبنان القويموضوع هجرة السوريين الى لبنان وتداعياتها
  • الحبس ستة أشهر على شخص “سب الذات الإلهية” في الموصل
  • الحبس ستة أشهر على شخص سب الذات الإلهية في الموصل
  • أمن المنافذ يضبط 3 قضايا هجرة غير شرعية
  • من طرف المسيد: حديث عن النخيل(8)
  • أمين الفتوى يحسم الجدل عن الهدايا وموقف الذهب بعد فسخ الخطوبة -(فيديو)