أما آن لقطار التعليم العمومي ببلادنا أن ينطلق؟
تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT
بقلم: إسماعيل الحلوتي
يحز كثيرا في نفس كل مواطن مغربي غيور يحب الخير لوطنه ويعتز بالانتماء إليه، أن تستمر بلاده منذ فجر الاستقلال قابعة في أسفل الترتيب العالمي على مستوى التعليم، الذي يعد قاطرة للتنمية المستدامة، رغم كل ما بذل من جهود مضنية وصرف من ميزانيات ضخمة في محاولات الإصلاح، حيث لم تنفك البرامج والمخططات والرؤى الاستراتيجية تتناسل دون جدوى، وكأن قدر المغرب أن يظل قطار التعليم متوقفا خارج سكته الصحيحة، دون أن يكون بمقدور أي كان تحريكه.
إذ أنه في الوقت الذي ما فتئت فيه التقارير الوطنية والدولية تدق ناقوس الخطر حول تردي أوضاع قطاع التعليم وتراجع مستويات التلاميذ، جراء السياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة وانعدام الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، ولاسيما أن الكثير من التقارير والدراسات تضع المغرب في مراتب متدنية، كما هو الحال مثلا بالنسبة للدراسة الدولية الخاصة بالتحصيل الدراسي في القراءة، المعروفة اختصارا باسم "بيرلز 2021" الصادرة في 16 ماي 2023 التي أظهرت النتائج المجراة على تلاميذ المستوى السنة الرابعة من التعليم الأساسي برسم نسخة 2021 أن تلاميذنا يتذيلون الترتيب، باحتلالهم المرتبة ما قبل الأخيرة قبل جنوب إفريقيا...
وبصرف النظر عن عدة معايير ومؤشرات أخرى، التي تسائلنا جميعا حول الأسباب الحقيقية الكامنة خلف تواضع مستوى تلامذتنا في الأسلاك التعليمية الثلاثة والتعليم الجامعي أيضا، خاصة أن المنظومة التعليمية ببلادنا خضعت لتحولات عميقة ولم تفتأ تحاول التخلص من رواسب الاستعمار، وأن مؤشر التربية والتكوين يعد من بين أهم المؤشرات التي يقاس بها مستوى التنمية داخل المجتمعات.
فإنه لم يعد مقبولا الاستمرار في استنزاف الوقت في الحسابات الضيقة، دون القدرة على معالجة الاختلالات التي تحول دون النهوض بهذا القطاع الحيوي الحساس، ولا في شد الحبل بين الوزارة الوصية والشغيلة التعليمية، وما يترتب عن ذلك من احتجاجات وإضرابات محلية ووطنية، تنعكس بالسلب على مردودية تلاميذ مؤسسات التعليم العمومي، حيث أنه كلما طال زمن التوقف عن التعلم في المدرسة، كلما تراجع مستوى التحصيل لدى المتعلمات والمتعلمين وخاصة منهم المتعثرين دراسيا، مما يمكن أن يؤدي حتما إلى ارتفاع معدل الهدر المدرسي، أو إلى اضطرار بعض الأسر إلى تهريب أبنائها نحو مدارس التعليم الخصوصي، رغم ما يكلفها ذلك من مصاريف إضافية فوق طاقتها في ظل ضعف قدرتها الشرائية أمام استفحال الغلاء الفاحش.
حيث أصبح اليوم آلاف الأمهات والآباء وأولياء التلاميذ يضعون أيديهم على قلوبهم وهم يعيشون حالة من الاستياء والقلق، خوفا على مستقبل بناتهم وأبنائهم الدراسي، بسبب تواصل الإضرابات التي شلت مدارس التعليم العمومي في كافة جهات المملكة، الناجمة عن رفض الشغيلة التعليمة للنظام الأساسي الجديد، الذي صادقت عليه الحكومة في 27 شتنبر 2023، وهو النظام الذي يرى الأساتذة أنه جاء بعد طول انتظار وترقب خارج تطلعاتهم ولا يستجيب لأبسط انتظاراتهم، فضلا عن أنه نظام تعسفي وإقصائي، يهدف إلى تقييد حرياتهم والحط من كرامتهم، حتى أنهم أطلقوا عليه اسم "نظام المآسي".
ورغم دخول رئيس الحكومة عزيز أخنوش على الخط لمحاولة نزع فتيل الاحتقان القائم، واعدا النقابات التعليمية الموقعة على محضر اتفاق 14 يناير 2023 بتجويد مضامين النظام الأساسي الجديد، فإن التنسيق الوطني لقطاع التعليم الذي يضم حوالي 23 تنسيقية وطنية ومعه النقابات التعليمية، يرفضون جميعا إنهاء الإضرابات والعودة لفصولهم الدراسية، والعودة إلى طاولة الحوار من جديد ما لم تعمل الحكومة على إبداء حسن "النية" من خلال سحب "نظام المآسي" الملغوم والمشؤوم.
من هنا يحق لنا أن نتساءل إن كان ضروريا ونحن أحوج ما نكون إلى تدارك الزمن الضائع، ونسعى جاهدين إلى محاولة وضع قطار إصلاح التعليم على سكته الصحيحة لضمان انطلاقة موفقة، أن يمضي وزير التربية الوطنية بنموسى حوالي سنتين من الجولات عبر ربوع المملكة والحوار الماراطوني مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية والوصول معا إلى اتفاق 14 يناير2023 حول المبادئ العامة المؤطرة للنظام الأساسي الخاص بقطاع التربية الوطنية، لتتفجر هذه الأزمة ويعم التوتر والغليان الساحة التعليمية؟
فمتى كان إصلاح التعليم يتوقف على إقرار نظام بعينه كالنظام الأساسي؟ فالنظام الأساسي ينبغي له أن يكون من بين أبرز العوامل المساهمة في تحفيز الأستاذ على الرفع من أدائه المهني، باعتباره فاعلا أساسيا في إصلاح المنظومة التربوية ونجاح العملية التعليمية–التعلمية، عوض أن يكون مثبطا للعزائم، عبر تجاهله لأهم مطالب الشغيلة التعليمية المشروعة، وتطويقها بعدة مهام إضافية دون تعويضات وعقوبات مستفزة...
إن ما يدعو إلى الريبة والقلق ويجعل المواطن حائرا، هو أن المغرب الذي استطاع في السنوات الأخيرة تحقيق طفرة هائلة على مستوى البنية التحتية، الطاقات المتجددة، صناعة السيارات وكرة القدم وغيرها، مازال للأسف يتخبط منذ عقود في محاولة النهوض بقطاع التربية والتكوين، وعاجزا عن جعل المدرسة العمومية ذات جودة وفاعلية وفي مستوى تطلعات الجماهير الشعبية.
فالإصلاح ممكن إذا ما توفرت الإرادة السياسية، التخلي عن المعارك الواهية والانكباب على مراجعة جذرية للمناهج التعليمية التي تعتمد فقط على الشحن والتلقين، ورد الاعتبار للأستاذ بتحسين شروط العمل والاهتمام بوضعيته المادية، حتى يمكن لمنظومتنا التعليمية مسايرة المستجدات التقنية والمعرفية والعلمية.
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
بالتفاصيل.. هذا ما حمله القانون الأساسي لقطاع التربية
أصدرت وزارة التربية الوطنية، مساء اليوم الأحد، بيانا بخصوص مشروع المرسوم التنفيذي المتضمن القانون الأساسي والنظام التعويضي الخاصين بالموظفين المنتمين للأسلاك الخاصة بالتربية الوطنية.
وجاء في البيان، أن مشروع هذا القانون الأساسي كان ثمرة عمل متواصل شاركت فيه المنظمات النقابية المعتمدة لدى القطاع، بالإضافة إلى اعتماد الملاحظات والآراء المسجلة خلال اللقاءات الثنائية التشاورية الأخيرة مع بعض النقابات، والتي شكلت فرصة لمن لم يشارك في اجتماعات اللجنة الخاصة بإعداد مشروع هذا القانون الأساسي للتعبير عن وجهة نظرهم وما ينتظرونه من هذا المشروع.
كما تشكرت الوزارة بكامل مكوّناتها، رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، على اهتمامه ومتابعته لمجريات إعداد القانون الأساسي الخاص بالموظفين المنتمين للأسلاك الخاصة بالتربية الوطنية، منذ أن أمر بمراجعته إلى غاية الموافقة عليه اليوم في اجتماع مجلس الوزراء مع النظام التعويضي.
وأبرز المصدر ذاته، أنه سيكون لهذين النّصين الأثر الإيجابي على الوضعيتين المهنية والاجتماعية للأسلاك والرتب التي يحكمها هذين النصين، ومنها:
- الحفاظ على المكتسبات الإيجابية التي تضمّنها النص ساري المفعول، بما فيها شموليته لجميع
الفئات والأسلاك والرتب.
-ضبط المهام الأساسية لجميع الأسلاك والرتب
-إخضاع إسناد المهام البيداغوجية والتعليمية إلى موظفي التعليم لمعايير التخصص والجدارة والتنافسية.
– تحسين تصنيف الرتب القاعدية مع الاستفادة من الأحكام الانتقالية للإدماج في رتب أعلى.
– استحداث رتبة “أستاذ مميز” ضمن المسار المهني لموظفي التعليم.
– تثمين الشهادات في الترقية والإدماج ضمن المسار المهني.
-ضبط جسور ومسارات الترقية.
-إمكانية استفادة موظفي التعليم من تكييف الحجم الساعي لتحضير تأهيل علمي في مجال التخصص.
– إمكانية استفادة موظفي التعليم من شغل المناصب العليا الهيكلية بالإدارة المركزية والمصالح غير الممركزة والمؤسسات العمومية تحت الوصاية الموافقة لمهامهم؛
– إمكانية الاستفادة من تخفيض يتراوح بين 3 إلى 5 سنوات في السن للإحالة على التقاعد.
– إمكانية الاستفادة من عطلة التحرك المهني مدفوعة الراتب لتعميق المعارف في مجال التخصص.
– تخفيض الحجم الساعي الأسبوعي لأساتذة المراحل التعليمية الثلاث.
– تخفيض الحجم الساعي الأسبوعي لموظفي التعليم المرتبين في الدرجة 10 فما فوق +.
-تخفيض مدة المكوث في المنصب للمشاركة في الحركة النقلية إلى سنتين دراسيتين على الأقل.
-استحداث مسار مهني لموظفي التغذية المدرسية.
-التكفل بمستخدمي جهاز المساعدة على الإدماج المهني الذين تم إدماجهم في مرحلة التعليم الابتدائي، برفع تصنيفهم ووضع مسار مهني لهم؛
– التأكيد على حماية الدولة للموظفين ضد التهديدات والاعتداءات.
وستكون هذه الحقوق والواجبات محل تطبيق عند صدور النص وفقا للكيفيات التي ينص عليها.
هذا وجددت وزارة التربية الوطنية نيابة عن الأسرة التربوية شكرها الجزيل لرئيس الجمهورية على العناية التي أولاها لهذا القطاع، لا سيما قراره التاريخي بتحسين الظروف المادية للأسرة التربوية وكذا قراره التاريخي المتعلّق بإمكانية الاستفادة من الإنهاء الاختياري للخدمة قبل السن القانوني للتقاعد بفترة تتراوح من 03 إلى 05 سنوات.
وبهذه المناسبة، دعا وزير التربية الجماعة التربوية، بمن فيهم الشركاء الاجتماعيين إلى مزيد من العطاء والتشاركية والتعاون للنهوض بالقطاع بما ينسجم مع الآمال والآفاق التي حملها قرار السيد رئيس الجمهورية.