محمد مصطفى أبوشامة يكتب.. «اليوم التالي» في مصر (١)
تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT
حرمنى عارض صحى طارئ من المشاركة بفاعلية فى الانتخابات الرئاسية وأيامها الثلاثة المشهودة، ولم أستطع أيضاً الظهور فى التغطية الإعلامية بالتعليق والتحليل فى أى من القنوات المصرية المختلفة.
لكن عوضنى ما تابعته على شاشة «إكسترا نيوز» من تغطية مهنية مميزة، رصدت فيها جانباً مهماً من المشهد البديع لخروج المصريين للتصويت بكثافة واحتشادهم بالملايين أمام صناديق الاقتراع، لاختيار رئيس مصر القادم.
فوز الرئيس السيسى مؤكد بالطبع، وهو فوز مستحق بعد انتخابات حقيقية تمثل قفزة كبيرة على طريق الإصلاح، لنكمل معه «حكاية وطن»، مسيرة البناء ورحلة الإنجازات من أجل مستقبل نتمناه طيباً لأبنائنا وبناتنا.
وظنى أن مصر سوف تستفيد بما تم إنجازه على مسار التنمية السياسية وتوظف الزخم الذى أحدثته الانتخابات (وقبلها الحوار الوطنى) فى إعادة بناء النظام السياسى، بتنقية الحياة الحزبية ووضعها فى سياق عصرى يليق بالمستقبل، وتحرير العمل السياسى والسماح الدائم بجميع الفعاليات الجماهيرية من ندوات ومؤتمرات، لكى نضمن بقاء الأحزاب فى الشارع، مكانها الطبيعى بين الشعب تتفاعل معه وتؤثر فيه وتلبى مطالبه.
لقد أكدت الانتخابات أهمية الأحزاب ومحورية دورها فى أى إصلاح سياسى نترجاه، وحان الوقت لأن تصلح الأحزاب نفسها ونتوقع أن يتدخل البرلمان بإصدار قانون جديد ينظم عملها ويضع لها ضوابط تضمن استقرارها المالى والإدارى، وتحكم وضعها القانونى كأى مؤسسة وطنية محترمة.
اليوم التالى رسمياً، سيكون يوم 19 ديسمبر، التالى لإعلان نتيجة الانتخابات، الذى سيطوى صفحة مرحلة سبقته، لنستعد ونبدأ مرحلة جديدة، تستدعى من الشعب والجيش الانتباه وشحذ الهمم لمواجهة مخاطر الأيام القادمة، خاصة على حدودنا الشرقية مع استمرار الاندفاع الإسرائيلى الهمجى والإصرار على تهجير الشعب الفلسطينى وإبادة غزة إنسانياً وجغرافياً، وتبعات هذا السلوك الإجرامى التى ستلقى بظلال مخيفة على مصر، ندعو الله ألا تتدهور المسألة سريعاً ويحدث ما نخشاه.
واليوم التالى، هو يوم غزة باقتدار، ارتبط بها مؤخراً منذ أن انطلقت مراكز أبحاث، ووسائل إعلام، وساسة، ومفكرون، فى طرح سيناريوهات مستقبل الحكم فى القطاع المنكوب عندما تتوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، ورغم البدايات المبكرة لمناقشة الأمر، إلا أن تكرار طرحه أصبح مدهشاً خاصة مع تلاشى الأمل فى إيقاف عجلة الحرب، أو وضع حد لشهوة الانتقام المسيطرة على العقلية الصهيونية، والجنون المهيمن على صناع القرار الإسرائيلى، والتواطؤ الغربى والتدليل المستمر لدولة احتلال ومنحها كل الوسائل المساعدة لاستكمال جريمتها الجديدة، وأخيراً العجز الأممى والعربى فى كبح هذا الطوفان المضاد الذى تسبب فيه طوفان حماس فى السابع من أكتوبر الماضى.
وتعبير «اليوم التالى» يستخدم كثيراً ومنذ سنوات فى الغرب، لكن تأخر ظهوره فى إعلامنا العربى إلى أن اشتعلت الأوضاع فى غزة، ولهذا كان وجوده نادراً فى الأرشيف الصحفى، حيث لم أجد له أثراً على محركات البحث الشهيرة إلا فى إشارة (يتيمة) على صفحات جريدة «الشروق» المصرية عام 2012، التى ذكرت أنه: «قبل سنوات عقدت جامعتا هارفارد وستانفورد الأمريكيتان ورشة عمل فى إطار برنامج مشترك بينهما تحت عنوان «ورشة عمل اليوم التالى» فى إطار مشروع مشترك أيضاً باسم «مشروع الدفاع الوقائى» شارك فيه عدد من المسئولين المدنيين والعسكريين والعلماء وخبراء السياسة والإعلاميين لمناقشة ما يتعين عليهم أن يفعلوا فى اليوم التالى لوقوع تفجير نووى فى مدينة أمريكية. وقد أسفرت هذه المناقشة النظرية عن إصدار تقرير وقع فى أكثر من 240 صفحة».
ومبدأ «الدفاع الوقائى» ظهر كاستراتيجية أمريكية جديدة للأمن القومى فى أعقاب انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتى، وكان عنواناً لكتاب مهم ألفه وليم بيرى وزير الدفاع الأمريكى الأسبق (فى عهد كلينتون)، ومساعده أشتون كارتر الذى أصبح وزيراً للدفاع فى نهاية عهد الرئيس أوباما، وكلا المؤلفين ينتمى كأستاذ جامعى للجامعتين المشار إليهما فى ورشة (اليوم التالى)، هارفارد وستانفورد.
ظاهرياً تبدو اختلافات كبيرة بين يومنا التالى وموضوع هذه الورشة، لكنى ألمح تشابهاً فى فكرة «الخطر الكبير»، وأهمية التعامل الوقائى الاستباقى معه، وهذا ما اتبعته الدولة المصرية خلال الشهرين الماضيين (وربما منذ سنوات بعيدة) واجتهدت فيه عبر كل السبل والمسارات، وهى بحاجة لتكمل عملها كى تنزع فتيل هذه الأزمة قبل أن تشتعل على حدودنا.
إن تمسك مصر بالسلام كخيار استراتيجى لم يمنعها من وضع تصورات لجميع الاحتمالات فى شكل العلاقة المستقبلية مع إسرائيل، وهذا أمر يدركه جيداً أى متابع منصف، ومنذ أن أطلق الرئيس الراحل أنور السادات عبارته الشهيرة «أصبح للوطن درع وسيف» بعد العبور العظيم سنة 1973، والدولة المصرية حريصة على ردع أى تهور إسرائيلى، بالتسليح الحديث لقواتها المسلحة وتطويرها الدائم، مع استمرار الحفاظ على التوازن والرشد فى علاقاتها مع كل دول العالم، دون إخلال بسيادة الوطن وسلامة أراضيه، ويحسب للجيش المصرى والرئيس عبدالفتاح السيسى تجديد هذه الجاهزية وهذا الحضور وإحياء روح أكتوبر فى الوجدان المصرى فى نفوس المصريين.
وختاماً، ندعو الله بقلوب مخلصة أن يمد يده لينقذ أشقاءنا فى فلسطين المحتلة، ويرزق المنكوبين فى غزة الصبر والعزيمة ويؤمن روعهم، ونبتهل إليه أيضاً أن يحفظ مصر ويلهم قائدها ورئيسها السبيل لينجو بسفينة الوطن من أمواج عاتية تلاطمها.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسية شاشة إكسترا نيوز حكاية وطن صناديق الاقتراع
إقرأ أيضاً:
د. محمد بشاري يكتب: مدونة الأسرة المغربية.. اجتهاد شرعي في ظل التحولات المجتمعية
تشكل مراجعة مدونة الأسرة المغربية، التي أُشرف عليها تحت قيادة الملك محمد السادس، خطوة مفصلية في تحقيق التوازن بين الثوابت الشرعية ومتطلبات العصر.
هذه المراجعة تأتي في سياق وطني ودولي يشهد تغيرات اجتماعية واقتصادية عميقة، حيث تتطلب التشريعات الأسرية مراجعات مستمرة تُراعي خصوصيات المجتمع وتستجيب لتحولاته. وقد كان الالتزام بمبدأ “لن أُحلل حرامًا ولن أُحرم حلالًا” أساسًا اجتهاديًا ومنهجيًا لهذا المشروع الإصلاحي.
ارتكزت المراجعة على مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ الحقوق وتحقيق العدل، وتمحورت حول قضايا حيوية مثل الحقوق المالية داخل الأسرة. ومن بين المفاهيم البارزة التي لعبت دورًا في معالجة القضايا، كان مفهوم الكد والسعاية، الذي يمثل أساسًا فقهيًا في المذهب المالكي. لم يُطرح هذا المفهوم كمطلب مستقل، ولكنه استُخدم كأداة تحليلية لمعالجة قضايا متعددة، خصوصًا تلك المتعلقة بالحقوق المالية للزوجين.
من بين أهم القرارات التي اعتمدها المجلس العلمي الأعلى، جاء إيقاف بيت الزوجية عن الدخول في التركة كخطوة جوهرية لحماية حقوق الأسرة، وخصوصًا الزوجة والأبناء، من التشرد أو الضياع بعد وفاة أحد الزوجين. هذا القرار يعكس تقديرًا عمليًا للدور الذي تلعبه الزوجة في بناء الأسرة واستقرارها. كما أقر المجلس الاعتراف بالعمل المنزلي كمساهمة في تنمية الأموال المشتركة، ليُعطي قيمة قانونية للجهد غير المادي الذي تبذله الزوجة، وهو تطور يعزز العدالة بين الزوجين ويكرس الشراكة الحقيقية في الحياة الزوجية.
قرار آخر هام تمثل في جعل الديون المشتركة بين الزوجين مقدمة على غيرها، حيث يعكس هذا القرار الفهم الاجتهادي لمسؤولية الطرفين في تحمل الأعباء المالية بشكل متساوٍ ومنصف. هذه القرارات، التي استندت إلى مبادئ الكد والسعاية، تُبرز كيف يمكن للفقه الإسلامي أن يواكب التحولات الاجتماعية دون التفريط بثوابته.
على الجانب الآخر، تمسك المجلس العلمي الأعلى بثوابت الشريعة في بعض القضايا الحساسة. رفض المجلس مقترحات مثل استعمال الخبرة الجينية لإثبات النسب، وإلغاء العمل بقاعدة التعصيب في الإرث، والتوارث بين المسلم وغير المسلم. هذه المواقف لم تكن مجرد آراء محلية، بل جاءت متسقة مع ما أقرته المجامع الفقهية الكبرى، ومنها مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الذي يولي أهمية كبيرة للنصوص القطعية باعتبارها مرجعية لا تقبل الاجتهاد.
اللافت أن القضايا المتعلقة بحقوق المرأة والأسرة التي يتناولها المغرب اليوم ليست محلية فقط، بل تعكس قضايا متشابهة تواجهها معظم الدول الإسلامية. ما يُقدم عليه المغرب تحت مظلة مؤسسة إمارة المؤمنين قد يصبح نموذجًا يُستفاد منه في العالم الإسلامي، حيث يمكن لهذا النهج الاجتهادي أن يُلهم دولًا أخرى في تحديث تشريعاتها الأسرية بما يراعي التوازن بين الثوابت الدينية ومتطلبات العصر.
ختامًا، تبرز مراجعة مدونة الأسرة المغربية كمثال على قدرة الشريعة الإسلامية على تقديم حلول مبتكرة لقضايا معقدة، دون المساس بثوابتها. ولكن يبقى السؤال مفتوحًا: كيف يمكن للاستمرار في الاجتهاد الشرعي أن يُلبي احتياجات المجتمعات الإسلامية المتغيرة مع الحفاظ على المرجعيات الشرعية؟ هذه المراجعة تُذكرنا بأهمية الاجتهاد في تحقيق العدل والإنصاف في ظل إطار الشرع الحنيف.
وفي هذا السياق، يُسعدنا التذكير بأننا أصدرنا العام الماضي كتابًا بعنوان “حق الكد والسعاية: مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة في الإسلام” عن دار نهضة مصر. يقدم هذا الكتاب قراءة معمقة لهذا المفهوم الفقهي، ويُبرز دوره في تعزيز العدالة الاجتماعية، مما يجعله مرجعًا هامًا لفهم الإصلاحات التي يشهدها المغرب اليوم.