تعترف إسرائيل بأن شبكة الأنفاق التابعة للمقاومة الفلسطينية قادرة على ردع أي هجوم عسكري على غزة/ رويترز

مدينة تحت الأرض، أو كما يسميها الاحتلال بمترو حماس، تلك الأنفاق التي حفرتها المقاومة على مدار سنين من العمل شبه المتواصل، والتي حُفرت بأعماق مختلفة تحت الأرض، ما يتراوح بين 30 و70 متراً كما يُشاع.

تُمكن الأنفاق المقاومة من الحركة بسهولة لمناطق توغل القوات البرية، ومهاجمتها بأساليب عسكرية تعتمد على المباغتة والضرب والانسحاب من دون أن يكون هناك اشتباك متبادل بين الطرفين إلا ما ندر، وفي حالات الإنزال أو الإبرار.

أعلن جيش الاحتلال عن الوصول إلى 800 نفق، دمر منها 500، أياً يكن مدى صحة ذلك الخبر، فإن جيش الاحتلال يوظف العديد من التقنيات المتطورة، في محاولة لرصد الأنفاق ومعرفة أماكنها، ثم محاولة تحييدها وتدميرها، ومن دون تدميرها فإن مهمتها في استئصال البنية التحتية للمقاومة تكاد تكون ضعيفة، حيث يطول زمن العملية العسكرية، مما يرفع تكلفة الاجتياح إلى ذروتها، وهو عين ما تريده المقاومة.

ماذا تقول الجيوفيزياء عن الأنفاق؟

في عمق ضحل كالموجودة فيه الأنفاق يمكن للعديد من التقنيات المستخدمة في الكشف عن المياه الجوفية والآثار وتقنيات دراسة التربة في هندسة الإنشاءات والطرق أن يستخدمها الاحتلال للكشف عن الأنفاق، لكن هذه المهمة ليست السهلة في حالة الحرب والنزاع، وتزداد تعقيداً في المناطق الحضرية.

تعتمد التقنية ببساطة على فرق الجهد بين التيار الكهربي، فلكل مادة فيزيائية في حالتها الصلبة والسائلة والغازية مقاومة مرور التيار الكهربي، وذلك بحسب قدرتها على توصيل التيار، حيث يقوم المساح بوضع عمود معدني صغير في الأرض وآخر لاستقبال التيار الكهربي التي يمرر بينهما، ومن خلاله يتم قياس المقاومة النوعية resistivity ويمكن من خلالها معرفة هل المادة موصلة أم لا للتيار الكهربي. 

لكل نوع من الصخور والتربة والماء والأملاح درجة مقاومة، في حالة كانت القراءة تنبئ عن شذوذ كبير في القراءة عن مقاومة عالية وانعدام تام للتوصيل يعني ذلك أن هناك تجويفاً في الأرض يمتلك بالهواء، يمكن تحديد عمقه بدقة عالية، وهذه هي الفكرة الأساسية للأجهزة التي تستخدمها إسرائيل، لكن بدلاً من التيار الكهربي فهي تستخدم الموجات الكهرومغناطيسية.

للموجات الكهرومغناطيسية خصائص مشابهة للتيار الكهربي، حيث يقوم بقياس المقاومة النوعية للمادة، يمكن توجيه هذه الموجات من الطائرات المخصصة لذلك، بموجات طولية صغيرة وكبيرة، ومن خلالها يمكن تحديد العمق بشكل أدق، واحتمالية وجود الأنفاق وبتكلفة بشرية أقل من دون الحاجة لاستخدام الطرق الكهربية التقليدية أو استخدام تقنية GPR، والتي تحتاج لوجود عنصر بشري أو روبوت على الأرض لمسح المناطق.

من السهل استخدام تلك التقنية في المناطق الزراعية المفتوحة، لكنها تتحول إلى مهمة صعبة في المناطق الحضرية، وذلك لوجود المباني التي تحول دون دقة القياس، وما يزيد الأمر صعوبة هو وجود البنى التحتية وشبكات الصرف الصحي والمياه، لذا فستحتاج جيش الاحتلال للدخول إلى تلك المناطق برياً للكشف أولاً قبل أن ينتقل لمرحلة آلية تحييد النفق.

وعلى الأغلب ستعود لاستخدام جهاز الجي بي آر (Ground-penetrating radar) سواء محمولاً على ظهر جندي أو روبوت مستخدمة الموجات الكهرومغناطيسية في كشف التجاويف، وهو ما يرفع التكلفة البشرية على جيش الاحتلال، وفي أوقات كثيرة يزيد الأمر تعقيداً. 

كيف تواجه المقاومة تقنيات الكشف؟

أول طريق لإضعاف تلك التقنيات هو التفرقة بين الأنفاق في المناطق الزراعية، شرقي وشمال غزة وبين أنفاق المناطق الحضرية، فجيش الاحتلال يحتاج لرسم خرائط تقريبية لشبكة الأنفاق حتى تمكنه من التعامل معها بشكل فعال، هذه التفرقة تساهم في جعل المهمة أصعب على الاحتلال.

المناطق الزراعية من السهل كشف الأنفاق فيها، وربما أيضاً فتحاتها القديمة، ويعتقد أن هناك فتحات أنفاق تفتح أثناء القتال، هذا الكشف السهل نسبياً بالطائرات الكشفية ينقل تأمين النفق إلى النقطة التالية وهو الاستخدام حيث تتعمد المقاومة حصرها على منصات الصواريخ وبعض العمليات اللوجيستية التي لا تحتاج لوجود كبير للأفراد في نهايتها، من ثم تأمين النفق بتفخيخ فتحاته، وإحاطة كل فتحة بعبوبات وألغام، لذا تعمد إسرائيل باستهداف تلك المناطق بصواريخ اختراق التحصينات والتي قد يصل عمق ما تمتلكه اسرائيل بين 20 و 30 متراً، لذلك تعمد المقاومة أن تكون بعض الأنفاق المهمة في تلك المناطق بعمق أكبر، وربما بأكثر من فتحة، وهكذا ما زلنا نرى أن منصات الصواريخ تخرج حتى يومنا هذا من المناطق التي أعلنت إسرائيل أنها سيطرت عليها.

أما في المدن، فكما قلنا إن المهمة صعبة من أولها خصوصاً مع وجود البنايات، فيعتمد جيش الاحتلال في هذه الحالة على إزالة مربعات سكنية بأكملها، استراتيجية التفجير الفراغي، وينتقل بعدها لدخول البري، أولاً للكشف عن الأنفاق ثم الانتقال للمرحلة التالية وهو تحييد النفق، وفي هذه الحالة يستخدم الاحتلال جهاز GPR، لكنه لا يستطيع بدقة أن يحدد فتحات النفق، لذا يعمد لاستخدام تقنيات مستشعرات الحركة والتي تقيس الذبذبات التي يصنعها أي كائن في ترددات منخفضة جداً، وهو نفس نظام قياس شدة الزلازل.

هذه التقنية تبدو مهمة غير دقيقة تماماً لعدة أسباب أهمها أن المقاومة لا تشغل الانفاق الهجومية بشكل دائم، بل تستخدمها في حالتي الرصد والمهاجمة المباغتة، ثم الانسحاب، وفي كل تلك الأحوال ستحتاج فريق كامل قائم بذاته يقوم بتمشيط متراً متراً، وهو ما فعلته إسرائيل بالفعل، حيث تقوم كتيبة 614 في سلاح المهندسين بتلك المهمة، وهي بالتالي تطيل الوقت حتى تفرغ من كيلومتر واحد، فما بالك غزة كلها! وهو ما تريده المقاومة حيث تكبدها الخسائر مضاعفة.

سقط جيش الاحتلال في الفخ

قد يظن الجندي الاسرائيلي أنه عندما يظفر بنفق أنه قد حقق نصراً كبيراً بتحييد هذا النفق، ما لا يدركه أن أغلب الأنفاق لها أكثر من نهاية طرفية، فإن تدمير نهاية ذلك النفق لا تعني تحييد النفق الرئيسي المربوط به، لذا ستحتاج إسرائيل بعد الكشف عن النفق تتبع تفرعاته وامتداده بالطرق نفسها، من ثم أن تدمير كل فتحات النفق لا يعني تدير النفق الرئيسي، وذلك لأن النفق عادة ما يكون مسلحاً وعميقاً، إذ يمكن إعادة حفر نهاية للنفق خلال ساعات.

يلجأ جيش الاحتلال إلى آلية التدمير بالروبوت أو الطائرة الانتحارية. لم تثبت تجارب شركة Samur أن روبوتاتها القادرة على التعامل مع الأنفاق أنها تستطيع التعامل مع العوائق أو المستويات المختلفة للنفق صعوداً أو هبوطاً أو في حال وجود درج. أما الأمر الآخر فإن المقاومة قد استعدت لهذا الأمر، حيث كشفت التقارير وجود أبواب فولاذية في وسط الأنفاق، وبالتالي لن تستطيع تفجيره.

الفوهات الملغومة قد تكون الخيار الأمثل لتكبيد سلاح المهندسين تكلفة كبيرة وإطالة أمد تمشيطه لكل منطقة، ربما قد تستغرق المهمة شهوراً أو عاماً وأكثر، تفخيخ فتحات الأنفاق واستدراج الجنود إليها يعد من تكتيكات التي استخدمتها المقاومة في جعل مهمة السيطرة على النفق بعد الوصول إليه ليست بالمهمة السهلة.

من المستبعَد أن تلجأ إسرائيل إلى مسار الحفر لتدمير الأنفاق، وذلك لأن عامل الوقت يداهمها، فلم يتبق لها سوى طريقتين، الغمر بمياه البحر، والأخرى استئصال المقاومة نفسها قبل تدمير الأنفاق.

تذهب إسرائيل إلى الخيار الأول، لكنه فيه معضلتان، الأولى أنه سيسبب ضغطاً سياسياً داخلياً بسبب أن الإغراق يعني قتل الأسرى الإسرائيليين في حالة كانوا بالأنفاق، الأمر الثاني فشل الأمر في حالة كانت تلك الأنفاق ليست متصلة في شبكات وإنما كل نفق أو اثنين متصلين بمفردهما. ربما تذهب إسرائيل باستخدام غازات سامة محرمة دولياً وضخها في الأنفاق كما فعلت في بعضها في حرب سيف القدس، وربما قد أعدت لهذا الأمر عدته، لكن في نهاية المطاف ما تريده المقاومة هو جعل فاتورة الحرب كبيرة على الاحتلال، وهذا يقتضي إطالة الوقت، وهو ما يسير فيه الاحتلال حتى لو أعلن عن تدمير 800 نفق.

 

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

خبير عسكري: القسام تخطط لعملياتها بغزة وتنوع أدواتها القتالية

قال الخبير العسكري العقيد المتقاعد حاتم كريم الفلاحي إن الفيديو الجديد الذي نشرته كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) يؤكد أن عمليات المقاومة مدبرة وليست تصادفية، وتظهر ضراوة المعارك البرية.

ووفق حديث الفلاحي للجزيرة، فإن عمليات القسام الجديدة تشير إلى أنها نفذت في الأماكن التي توجد فيها قوات وآليات إسرائيلية وذلك باستخدام وسائل متعددة، ولا تتركز في منطقة واحدة.

وبثت القسام اليوم الأحد مقطع فيديو حمل اسم "كمائن الصمود والتحدي"، وتضمّن عمليات مباشرة ضد قوات الاحتلال في مخيم جباليا شمال قطاع غزة شملت استخدام قذائف مضادة للدروع ضد دبابة وناقلة جند، وضرب أحد المنازل بقذيفة "تي بي جي" مضادة للتحصينات.

وشمل الفيديو أيضا عملية قنص أحد الجنود وسط جباليا، إلى جانب تفجير عبوة أرضية ناسفة في عدد من الجنود الإسرائيليين.

ولفت الخبير العسكري إلى تنوع الوسائل القتالية المستخدمة في العمليات مثل قذيفة "الياسين 105" المضادة للدروع، إلى جانب استخدام قذيفة "تي بي جي" لاستهداف قوة إسرائيلية متحصنة بأحد المنازل.

ويعطي هذا التنوع -وفق الفلاحي- دلالة على الإمكانيات والتكتيكات التي استخدمتها القسام، حيث يتم تحديد السلاح لضرب هدف في المعركة "بناء على ما تملكه المقاومة من قدرات وإمكانيات، ومن ثم البحث عن بديل إذا لم يتوفر".

إعلان

ويرى الخبير العسكري أن العمليات المتتالية التي نفذتها المقاومة في شمال القطاع رغم مرور أكثر من 77 يوما على انطلاق العملية البرية الإسرائيلية تؤكد أن الاحتلال فشل في فرض السيطرة على المنطقة، ويظهر ضراوة المعارك البرية.

وكان جيش الاحتلال قد أعلن في السادس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي بدء عملية عسكرية جديدة في جباليا بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة".

وحسب الفلاحي، فإن تنفيذ المقاومة عمليات نوعية خاصة في المنطقة الشمالية من جباليا يعود إلى طبيعة المنطقة الجغرافية، والخبرة الميدانية التي اكتسبتها المقاومة، إلى جانب الإنهاك الذي أصاب جيش الاحتلال، وهذا أدى إلى ارتفاع فاتورة خسائره البشرية والمادية.

وبشأن الرسائل التي وجهها مقاتلو القسام خلال الفيديو، يرى الخبير العسكري أن العمليات الإسرائيلية لا تحمل أهدافا عسكرية وإنما سياسية، وهو ما يفسر استخدام أسلحة فتاكة لقتل المدنيين وتدمير الأحياء السكنية.

وكان مقاتل قسامي قال في الفيديو إن الألوية العسكرية التي زج بها جيش الاحتلال في شمال قطاع غزة لم تحقق أهدافا سوى قتل المدنيين وتدمير المباني السكنية، مؤكدا أن الجنود الإسرائيليين لا يبعدون عنهم أقل من 200 متر.

ووفق الفلاحي، فإن المقاومة أدخلت وسائل قتالية جديدة في المعركة مثل السكاكين والعمليات الاستشهادية، وقال إنها "خيار واضطرار في الوقت نفسه".

وخلص إلى أن تعدد الوسائل وتنوع التكتيكات يعطي بعدا آخر في عمليات المقاومة "لكي لا يعرف جيش الاحتلال نهج المقاتلين"، مؤكدا أن القدرات متوفرة ولكن استخدامها يختلف حسب طبيعة المنطقة والأهداف.

مقالات مشابهة

  • خبير عسكري: المقاومة طورت عملياتها وجعلت جنود الاحتلال صيدا سهلا
  • خبير عسكري: القسام تخطط لعملياتها بغزة وتنوع أدواتها القتالية
  • "كمائن الصمود والتحدي".. كتائب القسام تنشر مشاهد جديدة لاستهداف قوات الاحتلال
  • عمليات نوعية للقسام اليوم ضد جيش الاحتلال / تفاصيل
  • المقاومة بالسكاكين.. الفصائل الفلسطينية تفاجئ الاحتلال بعمليات نوعية مؤلمة
  • كتائب القسام تسلط الضوء على معاناة الأسرى وتوجه رسالة لنتنياهو والمستوطنين
  • كتائب القسام تنشر فيديو يجمع قادة حماس الشهداء للمرة الأولى
  • حصيلة جديدة لشهداء غزة والمقاومة تشتبك مع الاحتلال بجباليا
  • تفاصيل جديدة مثيرة حول عملية جباليا المعقدة
  • خبير عسكري: جباليا معركة مصيرية وأول عملية استشهادية للمقاومة منذ 2002