لجريدة عمان:
2025-04-27@05:37:58 GMT

«أضـاعـوني».. المؤرخ حين يـكـون مثقفا

تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT

«أضـاعـوني».. المؤرخ حين يـكـون مثقفا

عمّان - العُمانية: تُعيد الكاتبة والمؤرّخة الدكتورة هند أبو الشّعر رَصف الحكايات، وترتيب الحنين إلى الماضي على رفوف الزمن، مُشعلة فينا الحنينَ إلى أزمان مَضَت من خلال مجموعتها القصصيَّة الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون» في الأردُن تحت عنوان «أضَاعوني». الكاتبة أبو الشّعر التي تمتلك مهارات الإبداع والتجلّي أخذَتنا في هذه المجموعة إلى محطاتٍ مُهمةٍ من تاريخنا الّذي ضاعَ في مَفاصل الزمن ولم يَعد من يهتمّ به أو يلتقطَ حكاياته، فقدّمت من خلال هذه المجموعة قصصا خفيفةَ الظلّ تُعيد توثيقَ علاقتنا بما مَضى، أو كُنا نعتقد أنَّه مضى، فمنذُ أبو فراس الحمدانيّ في قصَّة «أضاعوني» مرورا بالجَدّ الذي حَمَل على ظهره كلَّ الآلام والخيبات في قصة «البيت»، وصولا إلى «حوار.

. حوار.. وحوار» وهي تفتحُ الجروحَ الغائرة وتُعيد كيّها، تارة من أجل الشفاء من داء الحنين، وتارة من أجل الخوف من استشراء الداء، في استباق لما هو قادم. المجموعة القصصيَّة التي اشتمَلت على العديد من القصص هي: أضاعوني، البيت، التوقف عن العدّ، الحيطان لها آذان، الفُتات، ضَبَاب.. محضُ ضباب، العيون الباهتة، قطط.. قطط، لا.. لا.. لا!، الجائحة، طلبُ صداقة، والّتي انطلقت بـ«أضاعوني»، تكشف عن وعيٍ كبيرٍ يحملُه المؤرّخ الذي يَتقيّد بقواعد الكتابة التاريخية وصرامة البحث لكنه لا يخلو من موقف مُنحاز أحيانا لا يمتلك إظهاره في البحث التاريخي، وسُرعان ما يظهر ويتجلّى بوضوح عند الانفلات من قواعد الكتابة الصارمة والذهاب إلى الأدب الذي يحرّر الكاتب من كلّ القيود. مجموعة «أضاعوني» القصصية هي رأي وموقف وحضور واثق في الحياة لكاتبةٍ أنجزت العشَرات من الأبحاث التاريخية الصارمة، ورُغم أنها تكتبُ ضمن معايير الكتابة التاريخية فإنَّ القارئ يشتم رائحة موقفها الثقافي المُنجز ورؤيتها للأشياء من خلال الكتابة التاريخية رُغم الالتزام بقواعد البحث العلمي. صرخَ أبو فراس الحمدانيّ في وجوهنا، توقفنا، كُنّا نحمل سيوفنا بأغمادها، ونرفع المشاعل، تردَّد صوتهُ في الكون كله، كانت جُدران قلعةَ حلبَ عالية تصلُ إلى السماء ونحن نحتَمي بها، تجمهَرنا في القاعة الكبيرة، كُنّا نتشاور في أمر تسليم القلعة بأصواتٍ مهزومةٍ، والليلُ يجتاح الفضاء ويسدُّ الطرقات، صمتنا كُلنا بوجوه مخذولة، وصرخَ فينا من جديد: - أضَاعوني! كانَ صوتَهُ يتردَّدُ في أعلى جُدران القلعة، لم نقل شيئا، فقط تحركت أقدامُ البعض نحو الخلف قليلا، وبأيدينا تتراقصُ حركات المشاعل، وتنعكسُ على الجدران مثلَ فرسانٍ مشلولة الأطراف، دفَعَنا الفتى، خرجَ من بيننا مثل سَهمٍ مجنونٍ، كانَ أطوَل من نخلةٍ، وأصلبَ من رُمحٍ، اندفعَ نحوهُ وصاحَ بصوتٍ هزَّ صمتنا الخائف: - أضعتَ نفسكَ أيُّها العمّ.. وأضَعتنا معك! كعادتها تُعيد نفخَ الحياة في الحكاية التاريخية لتغدو متماهية معَ حالتنا وترسم فيها لوحة تعبّر عن موقفَها. وترى الباحثة نوارة جاسم الفواعرة في دراسةٍ لها عن القصة القصيرة عند هند أبو الشعر أنها تحيَّزت بشكلٍ ملحوظٍ إلى المرأة، فجعلت شخصيَّاتها الرئيسة شخصيَّات أُنثوية، تحمل الحدَث وتَعرضَه على المتلقّي، ولكنَّ تحيّزها كان تحيزا مبررا عند الباحثة إذ إنَّ القاصّة تطالب بإنصاف المرأة، وتَخفيف وطأةَ الظُّلم الثنائيّ الّذي تتعرض لهُ، بكونها إنسانا بالدرجة الأولى، وبكونها أُنثى بالدرجة الثانية، وأنها بنَت قصَصَها على جمالية الربط بين الثنائيات الضديَّة، فقد كان هناك تَذبذُب ملحوظ ما بينَ استرجاع الماضي والحاضر، وبين سوداويّة الحياة وإشراقة الأمَل، والموت والحَياة، والغنى والفَقر، والغياب والحضُور، وأنها ابتعدَت في مجموعاتها عن النَّمطية والتَّقليد للقصّة العربيَّة، واتجهت نحوَ أساليب الحداثَة والتَّجديد. منَ الجَدير ذكره أنَّ هند أبو الشعر كاتبة وأكاديمية ومؤرّخة أردنية، تكتبُ القصةَ القصيرةَ، والنصوص، والمقالات الصحفيَّة، والدراسات التاريخية، وهي أستاذة جامعيَّة، شاركت في العديد من المؤتمرات والندوات التاريخية والأدبية في الأردن والبلاد العربية، وأشرفت على العديد من الرسائل الجامعية وشاركت في عشرات المناقشات لرسائل الماجستير والدكتوراة في الجامعات الأردنية والعربية، ولها 86 كتابا منشورا بين القصص والدراسات التاريخية والكتب الوثائقيَّة، وحصلت على وسام المَلك عبدالله الثاني ابن الحسين للتميُّز والإبداع عام 2016م، كما حصلت على جائزة الدولة التقديرية عام 2021م عن مُجمل أعمالها في حقل العلوم الاجتماعية وتاريخ الأردُن.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

خالد بن محمد بن زايد يشيد بجهود صون المعالم التاريخية الإماراتية

متابعات: «الخليج»

شهد سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، إعادة افتتاح «متحف المقطع» بعد عملية تأهيل وتجديد شاملة، من خلال مبادرة مشتركة بين دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي وشرطة أبوظبي، تستهدف حماية الهوية التراثية وصون الإرث الثقافي للإمارة.
واستمع سموّه إلى شرح حول أبرز المراحل التي مر بها مشروع ترميم وإعادة تأهيل المتحف، واطّلع على مختلف الأقسام والمرافق وبعض المقتنيات التاريخية المتعلقة بشرطة إمارة أبوظبي منذ إنشائها ومن أهمها البدلات الرسمية القديمة وسيارات الدوريات التي كانت تستخدم سابقاً.
وأشاد سموّه، خلال جولته التفقدية في المتحف، بالجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات المعنية من أجل صون المعالم التاريخية ذات الرمزية الوطنية، والتي تعكس ثراء الإرث الثقافي والتراثي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولاسيما إمارة أبوظبي، مؤكداً سموّه أهمية توثيق هذا الموروث الوطني وحمايته، لما له من دور محوري في تعريف أجيال الحاضر والمستقبل بقيمته التاريخية ورمزيته الوطنية، وفي ترسيخ مفاهيم الهوية الوطنية في وجدان أبناء وبنات الوطن.
ويقع المتحف داخل حصن المقطع، في قلب المنطقة المحمية التي تضم مباني ومنشآت تاريخية تعكس مختلف مراحل التطور العمراني التي شهدتها إمارة أبوظبي، حيث كان المبنى الحالي للمتحف يُستخدم في خمسينيات القرن الماضي مقراً لدائرة الجمارك ومركزاً للشرطة، حيث أدّى دوراً محورياً في مراقبة حركة المرور بين البر الرئيسي وجزيرة أبوظبي، وذلك قبل إنشاء «جسر المقطع» الذي يُعد أول جسر يربط الجزيرة بالمناطق الخارجية. وقد جاء هذا الجسر ليكمل الدور الذي أدّاه «برج المقطع»، أول حصن شُيّد لحماية المعبر المائي، ولا يزال قائماً حتى اليوم شامخاً وسط خور المقطع كأول حصن يحرس المعبر المائي.
وبهذه المناسبة، أكد الشيخ زايد بن حمد بن حمدان آل نهيان، رئيس مكتب المؤسس بديوان الرئاسة، أن إعادة افتتاح «متحف المقطع» بعد تأهيله وتجديده الشامل، تأتي ترجمة لتوجيهات القيادة الرشيدة الساعية إلى صون الموروث الثقافي والمعالم التاريخية لدولة الإمارات، لتبقى منارات شامخة تشهد على حكمة الأجداد، وتجسد القيم الإنسانية والمعرفية الأصيلة.
وأضاف: «يُعد المتحف صرحاً مهماً في مسيرة هذه الأرض الطيبة، ويروي سيرة تراث عريق، حيث إن إعادة افتتاح هذا الصرح الثقافي تمثل إضافة نوعية إلى المشهد السياحي والثقافي الغني في الدولة، إذ يُعد المتحف شاهداً أصيلاً على المسيرة الحضارية لإمارة أبوظبي، وتحولها من مركز تجاري نابض بالحياة إلى عاصمة عصرية تواكب تطلعات المستقبل، دون أن تنفصل عن جذورها الراسخة.
ويُبرز المتحف الذي تم تجديده الجهود التي تبذلها دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي وشرطة أبوظبي في عرض تاريخ هذا الموقع والترويج له أمام المجتمع والزوار على نطاق واسع. فقد شمل مشروع الترميم كلاً من المبنى نفسه ومحتواه التفسيري. وللمرة لأولى، تم استبدال الجص بمادة أكثر تجانساً ومتانة، تُشبه إلى حد كبير المظهر الأصلي.
وفي أوائل عام 1761، قام الشيخ ذياب بن عيسى آل نهيان - الذي كان شيخ قبيلة بني ياس في واحة ليوا الداخلية - بزياراتٍ متكررة إلى جزيرة أبوظبي، ومع نموها أصبح من المهمّ تعزيز دفاعات أبوظبي، حيث أشرف الشيخ شخبوط بن ذياب بن عيسى آل نهيان، على بناء «برج المقطع» في أواخر القرن الثامن عشر، والذي كان يحمي «معبر المقطع» بين جزيرة أبوظبي والبر الرئيسي.
ولا يزال «برج المقطع» شامخاً في قلب المعبر المائي (الخور)، محافظاً على مكانته التاريخية، وقد خضع البرج لعملية ترميم دقيقة نفذتها دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي عام 2022، بهدف معالجة الأضرار المتكررة التي لحقت به نتيجة التأثيرات الطبيعية للبيئة البحرية. وحتى خمسينيات القرن الماضي، شكل البرج علامة بارزة للمسافرين القادمين إلى جزيرة أبوظبي، حيث وقف حارساً صامداً يحمي المعبر ويدل على مشارف المدينة.
وفي أواخر خمسينيات القرن الماضي، تم تشييد جسر يربط البر الرئيسي بجزيرة أبوظبي، وعلى البر الرئيسي تم تشييد مركز شرطة لمراقبة حركة المرور من وإلى جزيرة أبوظبي. وأصبح هذا المبنى لاحقاً مركزاً لدائرة الجمارك، واستمرّ في العمل حتى تأسيس اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وعقب هذه الفترة لم تعد هناك حاجة لوجود دائرة للجمارك لتفتيش البضائع على الحدود المؤدية إلى جزيرة أبوظبي. وبناء عليه خضع المبنى، الذي أُعيدت تسميته بحصن المقطع، لترميم شامل، وفي عام 2002، تم تحويله إلى متحف يُحتفى بأهميته الاجتماعية والثقافية والتاريخية العميقة لإمارة أبوظبي.

مقالات مشابهة

  • الكتابة للأطفال وجذب الانتباه بالصور والحبكة والأسلوب
  • خبيران في "أدب الطفل": الكتابة للأطفال تستلزم جذب الانتباه بالصور والحبكة والأسلوب
  • بعد المواجهة التاريخية في البيت الأبيض.. ترامب وزيلينسكي يلتقيان مجدداً
  • برشلونة يسعى لترسيخ هيمنته على ريال مدريد وتحقيق الرباعية التاريخية
  • وزير الأوقاف يلتقي وزيرة الثقافة الكرواتية ويشيد بالعلاقات التاريخية
  • سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء
  • قبل الجنازة التاريخية.. هل يشارك البابا تواضروس في جنازة البابا فرنسيس؟
  • خالد بن محمد بن زايد يشيد بجهود صون المعالم التاريخية الإماراتية
  • خبراء يناقشون سؤال: الكتابة في عصر الذكاء الاصطناعي.. إلى أين؟
  • ما صحة تمرير مرشحين رسبوا في امتحانات الكتابة في البقاع؟