دبلوماسية الحرب.. هل يُعيد السودان رسم مسار علاقاته الخارجية؟
تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT
الخرطوم- تضبط عقارب ساعة الحرب توقيت واتجاهات علاقات السودان الخارجية في أعقاب القتال الذي اندلع منتصف أبريل/نيسان الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فالتحركات الإقليمية والدولية في الأزمة السودانية أبرزت دورا لقوى خارجية، جعل ميزان الحرب ميدانيا متأرجحا في كفتيه بين الطرفين المتحاربين.
وأدى واقع الحرب إلى خارطة جديدة في علاقات السودان الخارجية، فقد بدأت نُذر أزمة دبلوماسية مع كل من الإمارات وتشاد، حيث أمر السودان 15 دبلوماسيا إماراتيا بمغادرة أراضيه عقب طلب الحكومة الإماراتية من السفير السوداني والملحق العسكري ونائبه والملحق الثقافي مغادرة أراضيها.
كما استدعت تشاد السفير السوداني وطالبت باعتذار خلال مدة 72 ساعة عن تصريحات ألقاها مساعد القائد العام للجيش السوداني ياسر العطا، اتهم فيها الإمارات بتزويد الدعم السريع بالأسلحة عبر مطارات في تشاد وأفريقيا الوسطى وأوغندا.
العلاقات مع الجواريرى المحلل السياسي محمد عباس أنه وفقا لقيام فكرة العلاقات الدولية على المصالح المتبادلة، فإن للحرب أثرا مباشرا على دول الجوار والإقليم، حيث يعود التأثير لطبيعة علاقة هذه الدول بمراكز اتخاذ القرار داخل الدولة قبل الحرب.
وقال عباس للجزيرة نت، إن مصر تربطها علاقة تاريخية بالسودان ومؤسستها العسكرية، لذلك شهدت العلاقة تحسنا ملحوظا أثناء الحرب. أما دول مثل جنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا وكينيا بصفتها دول مؤثرة في الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا "الإيغاد" (IGAD)، فظلت تتعامل مع الأزمة بموضوعية كبيرة، وهو ما جعل مواقف طرفي الصراع منها متأرجحة، مشيرا إلى أن ذلك يعود إلى إدراك هذه الدول لطبيعة الصراع وتوازنات القوة فيه.
أما في حالة دولة تشاد، فيبدو الأمر أكثر تعقيدا، وفق محمد عباس، ويرى أن ذلك يعود لطبيعة الأطراف الإقليمية وتعاملها غير المباشر مع الأزمة في السودان.
وسبق التصعيد الدبلوماسي العلني للحكومة السودانية مؤخرا رفضها رئاسة كينيا للجنة الرباعية، واتهام رئيسها وليام روتو بدعم قائد الدعم السريع محمد حمدان "حميدتي"، وطلبت أن يرأس اللجنة رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، مع التهديد بالانسحاب من منظمة "إيغاد"، إذا لم يتم تغيير رئاسة كينيا.
وبعيدا عن الدول المجاورة للسودان، وجهت الخارجية السودانية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أصابع الاتهام لبريطانيا ودول غربية لم تسمّها، بتبني حملة سياسية وإعلامية، وطرح مشروع لجنة تقصي الحقائق في السودان لدى مجلس حقوق الإنسان، معلنة رفضها مشروع القرار وتوصيفَه ما يجري في السودان.
محاولات تعزيز العلاقاتبالمقابل، وفي إطار بوصلة توجهات الحكومة السودانية التي فرضتها تداعيات الحرب، أعلنت الخارجية السودانية في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ويأتي هذا الإعلان بعد قطيعة دامت 7 أعوام.
كما عزز السودان علاقاته مع تركيا؛ فعقب زيارة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في سبتمبر/أيلول الماضي، اتفق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تفعيل الاتفاقيات المشتركة، التي شملت -وفق مصادر- جوانب اقتصادية وعسكرية، وإعادة الإعمار بعد الحرب.
واكتسبت العلاقة الإستراتيجية مع مصر وجنوب السودان كدول معنية بتداعيات الأزمة السودانية بُعدا إضافيا، حيث ترى الحكومة السودانية أن جنوب السودان هو أفضل بلد مخول للقيام بوساطة بشأن النزاع في البلاد، بينما استضافت القاهرة أعمال قمة دول جوار السودان في 13 يوليو/تموز الماضي.
تراجع العلاقات السودانيةيرى المدير السابق لمعهد أبحاث السلام منزول عسل، أن الحرب أثّرت بصورة سلبية واضحة على علاقات السودان الخارجية. وقال في حديثه للجزيرة نت إن "السودان يمضي في اتجاه فقدان علاقاته الخارجية بشكلٍ سريع مع الإمارات وتشاد، بجانب أزمته مع منظمة إيغاد عقب القمة الطارئة في التاسع من ديسمبر/كانون الأول، بينما احتفظ بعلاقات جيدة مع مصر والسعودية".
وأضاف عسل "يحق للسودان كدولة الاعتراض على تحركات أيّ دولة يرى أنها متورطة في تقديم إمداد للدعم السريع، لكن الطريق الأفضل هو تقديم شكوى لمجلس الأمن وفق الأدلة التي تثبت تورط دول بعينها".
من جهته قال الباحث والأكاديمي حسان الناصر إن "الحرب تؤثر بشكل كبير على علاقة أيّ دولة بالأخرى، من واقع التقاطعات والمصالح التي قامت على أساسها الحرب، ولم تخلُ كل حرب في تاريخ السودان من انقسامات خارجية".
وقال الناصر للجزيرة نت إن "الحرب قسمت الفاعلين الخارجيين لكن ليس بشكل مضبوط و متساوٍ، بمعنى أن هناك طرفا -وأعني الدعم السريع- يمتلك حليفا خارجيا يدعمه بالعلن ويوفر له الإمداد بصورة واضحة، ويسهل له الدعم اللوجستي، بينما يوجد طرف آخر جميع حلفائه لا يستطيعون حتى الظهور وإعلان موقفهم بشكل واضح، خاصة أن هناك هجوما مستمرا وضغوطا تُمارس عليه من أجل القبول بأيّ حل سياسي".
ويقول الباحث إن "الحكومة ممثلة بوزارة الخارجية ستسعى للبحث عن مخرج لهذا المأزق عبر تبني الدبلوماسية الشرسة، بحيث تكون أكثر صرامة من بداية الأزمة تجاه كافة الدول التي تتعاون مع التمرد والداعمة له، وهي بطبيعة الحال سياسة أمر واقع بات لا يمكن الهرب منها".
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى الناصر إن "اتجاهات وزارة الخارجية بعد الحرب يجب أن تكون قائمة على تجفيف النزاعات مع هذه الدول، عبر إقامة علاقات جيدة مع الأنظمة والمعارضة أيضا، ويجب أن تسعى الخارجية إلى إستراتيجيات جديدة وواضحة تقوم أولا على استعادة دور السودان، ومن ثم إقامة علاقات دبلوماسية مع الجميع وفق أهمية موقع السودان وقدرته أيضا، إلا أن هذه الإستراتيجية غائبة في التحركات الدبلوماسية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: علاقات السودان الدعم السریع للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
السودان ما بين استبدال القوى السياسية أو استبدال الأمة السودانية
▪️لا شك أن التشكل الأول للقوى السياسية السودانية في القرن العشرين كان بدوافع وروافع أجنبية وغير وطنية .. بدءاً من اليهودي الفرنسي عميل KGP الروسية هنري كوريل مؤسس الشيوعية في مصر (حمتو) والسودان (حستو) ، ومروراً بطائفتي الختمية (مصر) والأنصار (بريطانيا) وجمعية اللواء الأبيض (مصر) وليس انتهاءاً بمؤتمر الخريجين صنيعة الاستعمار البريطاني في الهند والسودان وما نتج عنه من أحزاب ، وعلى ذات الدرب سارت القوى السياسية الإسلامية في بلادنا والتي استلهمت فكرها وتنظيمها من مصر (الاخوان المسلمين) أو من السعودية (أنصار السنة والسلفيين) .. وإن أبرز مثالٍ على الفوضى السياسية في السودان هو أن عدد الأحزاب السودانية ظل دائماً مثاراً للجدل ووجهات النظر ، فقانون تنظيم الأحزاب السياسية صدر لأول مرة في السودان بعد ثورة أكتوبر عام ١٩٦٤م ، وما انفكت الحياة السياسية تعاني فوضى العمل السياسي لوجود غالبية التنظيمات السياسية تمارس العمل السياسي خارج إطار القانون ، ومن أبرزها القوى التي ظلت تتخذ من العمل العسكري وسيلةً لتحقيق أهدافها السياسية ، وقد تعددت في بلادنا مُسميات وأدوار وأطوار الكيانات السياسية في السودان ما بين أحزاب ، وتيارات ، وحركات ، وجبهات ، ومؤتمرات ، ولجان ، ومنظمات ، ومبادرات ، وروابط ، وقوى ، وتجمعات ، وجمعيات ، …الخ ، وبنظرةٍ عجلى على سبيل المثال لمكونات تحالف قحت المكون من ٦٤ اسماً بلا مُسمَّى ، والذين حكموا السودان سنتين … سيتضح حجم الفوضى العمل السياسي التي بدأت بالعمالة وكان لابد لها أن تنتهي بدمار البلاد.
▪️كان قانون الأحزاب السوداني الصادر عام ٢٠٠٧م والمعدل عام ٢٠٢٠م هو آخر ما صدر لتنظيم النشاط السياسي في البلاد ، وبمراجعة مسيرة الحياة السياسية في السودان وما آلت إليه ، وبالنظر إلى أن البلاد اليوم حرفياً قد عادت إلى ما قبل غزو محمد علي باشا للسودان .. فإنه لا مناص من التفكير في إعادة تأسيس الحياة السياسية في السودان بعد الحرب على أسس وطنيةٍ بحتة من حيث الفكر والتنظيم والممارسة ، وأن تستند في كل ذلك على دستورٍ سودانيٍّ مُتراضىً عليه شرعياً وشعبياً ، وأن ترتكز على قانونٍ يجنبها فوضى التكاثر الأميبي الذي سمح بفسيفسائيةٍ سياسيةٍ مؤذيةٍ عصفت بالبلاد وأهلها ، ويجب إلى جانب القانون أن تُضبط بالوعي العام الذي يُبعد شبح المزالق العرقية والقبلية والمناطقية والعائلية في العمل السياسي.
▪️إن التجربة الإنسانية في عمومها لم تخرج في نشاطها السياسي عن ميولٍ ثلاثة تترجمها في حزبٍ يتخذ أقصى اليسار وآخر في أقصى اليمين وبينهما بضعة أحزابٍ قليلةٍ تمثل الوسط ، وذلك وفق الإطار الدستوري الذي يمثل أعلى معايير القيم الوطنية للشعب ، ويلعب قانون الأحزاب دوراً رئيسياً في ضبط النشاط السياسي على هذه الأسس لتكون هذه القوى السياسية خادمةً لإرادة الشعب ، لا أن تتحول إلى أدوات ابتزازٍ للشعب تحقيقاً لطموحاتٍ انتهازية ، أو مدخلاً لنفوذ قوىً أجنبية ، فالهدف من تشريع قانون للأحزاب السياسية يجب أن يضمن:
١. تنظيم الحياة السياسية.
٢. ضمان التعددية السياسية.
٣. منع التجاوزات.
٤. تعزيز الشفافية والمساءلة.
٥. حماية الحقوق والحريات.
٦. تحقيق الاستقرار السياسي.
٧. تأمين الأحزاب من الاختراق الأجنبي.
٨. منع توظيف الأحزاب لخدمة الأهداف الخاصة باستخدام النفوذ المالي أو العرقي أو غيرها.
٩. ضمان جدية الأحزاب السياسية
١٠. ضمان توافق الأحزاب مع الدستور
١١. منع ظهور أحزاب عنصرية أو جهوية أو مناطقية.
١٢. منع ظهور أحزاب متطرفة دينياً أو علمانياً.
١٣. منع الفسيفساء الحزبية
١٤. ضمان وطنية الأحزاب
▪️يبلغ إجمالي عدد السكان حوالي ٥٠.٧ مليون نسمة وفقا لتقديرات السكان في السودان للعام ٢٠٢٤م ، ونسبة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن ١٨ عاماً تُمثِّل حوالي ٥٣% من إجمالي السكان ، وبناءً على هذه النسبة فيمكن تقدير أن عدد الناخبين في السودان يقارب ٢٧ مليون نسمة ، وعليه فإن شروط تسجيل الأحزاب السياسية الاتحادية في السودان يجب أن تراعي هذه الأرقام من حيث:-
١. اشتراط أن تتضمن عضوية الحزب ٢% على الأقل من الناخبين بما يعادل ٥٣٨.٠٠٠ عضواً.
٢. أن تكون عضوية الحزب موزعة على عشرة ولايات على الأقل عند التسجيل ، بما تشمل كل أقاليم السودان شرقاً وغرباً ووسطاً وشمالاً وجنوباً .. من جملة ١٨ ولاية.
٣. أن لا يقل عدد الأعضاء في كل ولاية عن ٤٠.٠٠٠ عضواً.
وبذلك لا يتم تسجيل إلا الأحزاب ذات الثِّقل والانتشار الحقيقي ، والتي هي فعلاً تمثل شرائح الشعب على المستوى القومي ، ولا يمنع ذلك من إمكانية أن يسمح الدستور بإنشاء أحزابٍ سياسيةٍ على المستوى الولائي بما يتوافق ولائياً مع ما ورد بعاليه ، فيكون لها حق ممارسة نشاطها السياسي ولائياً دون المستوى الاتحادي.
▪️إن قانون الأحزاب السياسية ضرورةٌ قصوى لضمان أن يجري النشاط السياسي بشكلٍ مُنظَّمٍ وطنيٍّ وقانوني ، ويجب الانتباه لعدم الخلط ما بين حرية ممارسة العمل السياسي بشكلٍ قانوني ، وما بين حرية الرأي والتعبير التي تمكّن الأفراد من المشاركة في هذا النشاط عبر التعبير عن آرائهم والمساهمة في صنع القرار بشكلٍ قانونيٍّ كذلك ، والقانون هو الذي يفصل ما بين سوء الفهم في التفريق ما بين حرية الفرد التي تنتهي عندما تبدء حرية الآخر ، وما بين الفوضى التي هي عربدةٌ لا تُفضي إلى خيرٍ مُطلقاً.
▪️لضمان نزاهة ووطنية الأحزاب ، ولتجنب عمليات استحواذ النفوذ من قبل الأشخاص والعائلات وغيرها .. يجب أن يتضمن قانون الأحزاب :-
١. ضمان تمويل الأحزاب وطنياً.
٢. تقديم تقارير مالية دورية عن التبرعات والنفقات.
٣. تقديم دستور وهيكل اداري وتنظيمي مُنتَخب للحزب بعد اجازتهما ديمقراطياً بحضور مسجل الأحزاب.
٤. تحديد مسئول مالي مؤهل للحزب.
٥. يجب ان يكون للحزب برنامج سياسي واضح يتوافق مع الدستور.
٦. أن تكون رئاسة الحزب لدورتين انتخابيتين متتاليتين فقط كحد أقصى.
٧. أن يُسمح للاحزاب بتأسيس الشركات في مجالات يُحدِّدها القانون كالاعلام والطباعة والخدمات والاستثمارات البنكية ، ويجب أن تكون خاضعة لقواعد الشفافية والرقابة القانونية ، وأن يكون نشاطها داخل السودان فقط ، ويُمنع انخراطها في أي ارتباطات خارج السودان.
٨. أن يتم تحديد سقف أعلى للتبرعات.
⚫إن الولاء الأعمى لكيانٍ سياسي أو انتماءٍ حِزبيٍّ أو فِكريٍّ يمنع الحاجة لدى الإنسان للتفكير ، وهذا لا يعني انعدام الوعي فقط ، بل إنه يقضي تماماً على إنسانية الإنسان نفسه ، والإنسان السَّويُّ لا ينبغي له المساومة في الانحياز لانتماءٍ ما يتناقض مع ضميره الإنساني والوطني ، ولقد كثر القول بأن الشعوب التي تسمح للفاسدين والانتهازيين والمُستبدِّين بأن يكونوا نُخباً تتسيَّد المشهد السياسي لا يمكن اعتبارهم ضحايا بحال ، بل هي شعوبٌ شريكةٌ في الجريمة دون شكٍّ حين سمحت باستخفافها فأطاعت فاستحقت أن تكون شعوباً فاسقة ، *وخير ما نقوله للقوى السياسية اليوم سواءً شاؤوا أم أبوا .. هو أن يجتهدوا في إحسان خاتمتهم ، فإن بعض الخير الذي سيعقب مكاره القتال إن شاءالله .. هو دفن صفحة القوى السياسية السودانية قاطبةً ، واستشراف فجرٍ جديدٍ بأجيالٍ جديدةٍ وأحزابٍ جديدة ووعيٍ جديد.*
اللواء (م) مازن محمد اسماعيل
إنضم لقناة النيلين على واتساب