هل ستتخلص الصين من متاعبها الاقتصادية في عام 2024؟
تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT
بعد الأزمة المالية العالمية في 2007-2009 أدرك الاقتصاديون بسرعة أن العالم لن يكون أبدا هو نفسه مرة أخرى. وعلى الرغم من أنه كان سيجتاز الكارثة وقتها إلا أنه سيتعافى إلى وضع "عادي (طبيعي) جديد" وليس الوضع القائم قبل الأزمة. لم يمض وقت طويل قبل أن يتبني هذا المصطلح القادة الصينيون أيضا. لقد استخدموه لوصف تحول الصين بعيدا عن النمو المتسارع والعمالة الرخيصة والفوائض التجارية الضخمة.
بعد حملة الصين المطولة ضد كوفيد- 19 وانفتاحها المخيب للآمال هذا العام يظهر الإقرار بهذا التحول مرة أخرى. وتبدو آفاق نمو الصين أضعف "هيكليا." وهذا أحد الأسباب التي دفعت وكالة موديز لكي تقول مؤخرا أنها قد يتوجب عليها خفض تصنيفها الائتماني للصين في الأجل المتوسط.
هدف النمو
أعلن اقتصاديون عديدون عن تشكل وضع عادي جديد في السوق العقارية المنفلتة في الصين. ويأمل بعض المعلقين في نشوء توازن جديد في علاقات بكين مع واشنطن عقب الاجتماع الأخير بين زعيمي البلدين. وفي سبتمبر تحدث تساي فانغ الباحث بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية عن وضعِ عادي جديدٍ "جديد" شكَّله تضافر عوامل تتمثل في تناقص أعداد السكان وشيخوخة المستهلكين وانتقائية المخدِّمين.
التكيف مع الوضع العادي الجديد مسألة ملحة بعض الشيء. وفي هذا الصدد سيجتمع قريبا قادة الصين في بكين لحضور مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي للحزب الشيوعي. ستساعد مداولاتهم في وضع هدف للنمو في عام 2024 سيعلن عنه في شهر مارس القادم. ويتوقع معظم المراقبين أن ينمو اقتصاد الصين بمعدل أقل من 5%، وتتوقع موديز معدلا في حدود 4%؛ لذلك على المسئولين تحديد مدى مقاومة هذا التباطؤ، إذا اعتقدوا أنه يمثل توازنا جديدا قد يقبلونه ويقلصون معدل النمو المستهدف تبعا لذلك. أما إذا اعتقدوا أن الصين لديها مجال للنمو بوتيرة أسرع قد يتمسكون بهدف 5% الذي وضعوه لعام 2023. سيكون تحقيق مثل هذا الهدف أكثر صعوبة في عام 2024 منه في هذا العام لأن الاقتصاد لن يستفيد من تعزيز آخر مماثل لذلك الذي اقترن بإعادة فتح الاقتصاد الصيني (بعد كوفيد-19). على أية حال يمكن أن يكون تحديد هدف طموح مفيدا أيضا بتأكيده التزام الحكومة بالنمو وطمأنة المستثمرين بتوافر المزيد من الدعم المالي الحكومي عند الحاجة.
أثر القطاع العقاري
من المستحيل التفكير في الكيفية التي سينمو بها الاقتصاد الصيني دون النظر أولا في الكيفية التي سيتوقف بها التراجع في القطاع العقاري.
على الرغم من اتفاق معظم الاقتصاديين بأن السوق العقارية هناك "لا يمكنها العودة إلى مجدها الماضي" بحسب تعبير ليو يوانتشون رئيس جامعة شنغهاي للتمويل والاقتصاد إلا أن هنالك قدر أقل من الاتفاق حول المدى الذي سيفتقر فيه مستقبلها لذلك "المجد". في الماضي كانت المبيعات تتعزز بالطلب على الشقق من مشترين بغرض المضاربة افترضوا أن أسعارها سترتفع. وفي المستقبل سيتوجب على السوق أن تخدم أولا طلبا أساسيا من مشترين يريدون اقتناء مسكنٍ إما جديد أو أفضل.
ما المتبقي من الطلب الأساسي؟
تحظى الصين الآن بمساحة سكنية تبلغ 42 مترا مربعا للفرد، وفقا لإحصاء عام 2020. وهذا مماثل لبلدان عديدة في أوروبا. (المساحة السكنية للفرد تساوي إجمالي المساحة السكنية المتاحة مقسوما على إجمالي عدد السكان– المترجم.)
ظاهريا هذا يوحي بأن السوق متشبعة لكن الأرقام الأوروبية تحسب عادة المساحة القابلة للاستخدام في العقار فقط كما أشارت روزاليا ياو المحللة بشركة الأبحاث جافيكال دراجونمكس. أما الرقم الصيني فيشير إلى كل شيء مبني بما في ذلك المساحات التي تشترك فيها عدة عائلات (في البناية أو المجمع السكني). حسب تقديرات ياو ربما تحقق الصين في نهاية المطاف مساحة سكنية لكل شخص تتراوح بين 45 إلى 50 مترا مربعا عند حساب المساحات المشتركة. لذلك قد يكون هنالك مجال لنمو مبيعات العقارات الصينية من مستوياتها المتدنية في عام 2023 حتى إذا لم تعد هذه المبيعات أبدا إلى أمجادها التي عاشتها في السنوات الماضية.
تعتقد ياو أن المبيعات بحاجة إلى الانخفاض بحوالي 25% عن مستوياتها في عام 2019. مع ذلك كان معدل هبوطها في الشهور الأخيرة قريبا من 40%. في إمكان المطورين العقاريين أيضا الاستفادة من الجهود الحكومية الجديدة لتجديد "القرى الحضرية." لقد ابتلعت المدن الصينية مع توسعها بلدات وقرى كانت تصنف في الماضي مناطقَ ريفية، فالمدن ذهبت إلى الناس وليس العكس.
هذا التحول الحضري "للقرى في أماكنها الأصلية" شمل حوالي 55% من 175 مليون ريفي تحولوا إلى سكان مدن خلال فترة عشر سنوات تمتد من 2011 إلى 2020، حسب وكالة التصنيف الائتماني الصينية "جولدن كرديت ريتنج انترناشونال." بناء على بعض التقديرات من الممكن أن يغطي مشروع " القرى الحضرية" ما يصل إلى 40 مليون شخص في 35 مدينة خلال السنوات القليلة القادمة.
التراجع العقاري في الصين كشف أيضا عن الحاجة إلى وضع "عادي جديد" في الترتيبات المالية للصين. لقد أضر التدهور في هذا القطاع بمبيعات الأراضي وقطع عن الحكومات المحلية مصدرا حيويا للإيرادات. زاد ذلك من صعوبة استدامة ديون شركاتها ووسائل التمويل التي ترعاها. لقد تحققت الآن فعليا الالتزامات المحتملة التي تعهدت بها الحكومات المحلية في هذا الصدد، حسب وكالة موديز. (بمعنى على الحكومات المحلية الوفاء بها- المترجم).
سترغب الحكومة المركزية في منع التخلف الصريح عن سداد السندات المتداولة التي تصدرها وسائل أو كيانات تمويل الحكومات المحلية. لكنها حريصة أيضا على تجنب اللجوء إلى إنقاذ أوسع نطاقا يشجع على الإقراض المتهور لمثل هذه الوسائل في المستقبل. وعلى الرغم من أن أية مساعدة تقدمها الحكومة المركزية على مضض ستضعف المالية العامة قد يكون رفض تقديمها مكلفا ماليا أيضا إذا قوض التخلف عن السداد الثقة في النظام المالي الذي تملكه الدولة.في الوقت الحاضر العلاقة بين الحكومة المركزية الصينية وحكوماتها المحلية ووسائل تمويل الحكومات المحلية تتطور باستمرار. وعلى كل حال يبدو أن القطاع العقاري سيكون مصيره الانحسار في الأجل المتوسط.
الثلاثة الجدد
السؤال هو: ما الذي سيحل محل هذا القطاع؟ بدأ المسئولون الحديث عن "الثلاثة الجدد" والمقصود بذلك صناعات ثلاث هي السيارات الإلكترونية وبطاريات الليثيوم آيون والطاقة المتجددة خصوصا طاقة الرياح والشمس.
لكن مثل هذه الصناعات ديناميتها صغيرة نسبيا وتشكل 3.5% من الناتج المحلي للصين، حسب ماجي وَي المحللة ببنك جولدمان ساكس. بالمقارنة يشكل قطاع العقارات 23% تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي عند اعتبار ارتباطاته بموردي الشق الأعلى والطلب الاستهلاكي والجوانب المالية للحكومات المحلية. وحتى إذا توسعت الصناعات الثلاث الجديدة بنسبة 20% سنويا لا يمكن أن تضيف إلى النمو في السنوات القليلة القادمة ما يعوض النسبة التي يخصمها منه القطاع العقاري،أيضا الصناعات الثلاث الجديدة كمجموعة لا تتطلب عمالة كثيفة كالعقارات التي ترفد الصين بمزيج مفيد من وظائف الياقات الزرقاء (عمال البناء مثلا) والياقات البيضاء (وكلاء العقارات وموظفي البنوك).
ومن الممكن أن تزيد فترة التحول من مجموعة من معينة من الصناعات إلى مجموعة أخرى من صعوبة التنبؤ بالوظائف والمسارات الوظيفية. ويشعر تساي بالقلق من أن أوضاع عدم اليقين في سوق العمل يمكنها كبح إنفاق المستهلكين الصينيين الذين على أية حال سيصبحون أكثر محافظة مع تقدم السن.
في أثناء إغلاقات الجائحة المتقلبة انهارت ثقة المستهلكين وقفز معدل الادخار العائلي، ويعتقد معلقون عديدون أن تلك التجربة خلفت ندوبا دائمة، ولا يزال المستهلكون يقولون إنهم متشائمون في الاستطلاعات. مع ذلك يبدو أنهم أكثر استعدادا للإنفاق في المتاجر، وإنفاقهم يتزايد الآن بوتيرة أسرع من دخولهم، فمثلا تهافتوا على شراء هاتف هواوي الجديد "ميت 60" برقائقه الصينية المدهشة في سرعتها.
ثمة سؤال إذن وهو هل سيشهد الوضع العادي الجديد للصين معدل ادخار أعلى ومستديم؟ يخشى بعض الاقتصاديين من أن استمرار التراجع في أسعار المساكن سيقيد الاستهلاك من خلال تقليص ثروة المستهلكين، ومن جهة أخرى إذا كف الناس عن الشعور بأنهم مجبورون على الادخار لشراء شقق باهظة التكلفة قد ينفقون على شراء المزيد من المواد الاستهلاكية.
تحاجج هوي شان كبيرة خبراء اقتصاد الصين في بنك جولدمان ساكس أن مبيعات التجزئة باستثناء السيارات والمنقولات مثل الأثاث تتناسب عكسيا مع أسعار المنازل، فعندما تكون المنازل أرخص تتسارع قليلا مبيعات التجزئة، وتعتقد أن معدل الادخار سيستمر في الهبوط ولو أنه يحدث تدريجيا.
ما الذي تضيفه هذه التحولات للاقتصاد ككل؟ التوقعات تشير إلى أن معدل نمو الاقتصاد الصيني في العام القادم سيكون حوالي 4.5%. ربما يقبل واضعو السياسات في الصين هذا المعدل باعتباره "وضعا عاديا جديدا" للاقتصاد وذلك تماما كما قبلوا التباطؤ في عام 2012. لكن هل يلزمهم ذلك؟
حسب كتب الاقتصاد المرجعية، يدرك واضعو السياسات أن الاقتصاد يفرط في النمو عندما يتجاوز حدود سرعته، والعلامة التقليدية لذلك هي التضخم، بهذا المقياس يمكن للصين أن تنمو بأسرع من وتيرة نموها الحالية. هبطت أسعار المستهلك في الفترة من بداية هذا العام حتى شهر أكتوبر. ومن المتوقع أن يتراجع معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي هذا العام الأمر الذي يثير مخاوف انكماش الأسعار.
هنالك مؤشر آخر على النمو المفرط أو تسارع النمو غير المستدام للاقتصاد، إنه الإقراض المفرط، بنك التسويات الدولية وهو نادي للبنوك المركزية يحسب الفجوة الائتمانية للبلد والتي تقارِن إجمالي الائتمان المقدم للشركات والعائلات العائلية باتجاهه، في الفترة من 2012 إلى 2018 وأيضا في منتصف عام 2020 تجاوزت فجوة الائتمان الصينية عتبة الأمان التي تساوي 10% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن الفجوة اختفت منذ ذلك التاريخ، ومشكلة الصين الآن ليست عرض الائتمان الزائد عن الحد للشركات والعائلات ولكن ضعف الطلب على القروض.
لذلك لا يشير أي من الاختبارين إلى أن اقتصاد الصين ينمو بأسرع مما يلزم، كما أن البطء المفرط في النمو له أخطاره أيضا، وإذا لم يفعل واضعو السياسات الصينيين المزيد لرفع الطلب قد يفشلوا في تبديد انكماش الأسعار الذي سيؤدي إلى تآكل ربحية الشركات وزيادة عبء الديون وترسيخ النظرة المتشائمة للمستهلكين.
بعد الأزمة المالية العالمية "شقت اقتصادات بعض البلدان طريقها عشوائيا بمستوى نمو أقل من المأمول" حسب عبارة كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولي وقتها. خضوع تلك البلدان لوضع عادي جديد (نمو بطيء) أسلمها إلى وضع متوسط جديد (نمو وسط). وقد تجد الصين أنها ترتكب نفس الخطأ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحکومات المحلیة القطاع العقاری الناتج المحلی اقتصاد الصین هذا العام فی عام فی هذا
إقرأ أيضاً:
أفلام القاهرة السينمائي 2024.. "غزة التي تطل على البحر" الوجه الآخر لفلسطين
ينافس فيلم غزة التي تطل على البحر للمخرج محمود نبيل في مسابقة آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الخامسة وأربعين والتي تنطلق يوم الأربعاء 13 نوفمبر وتستمر حتى يوم الجمعة 22 نوفمبر، حيث يشهد عرضه الأول بالعالم العربي.
شهد الفيلم عرضه العالمي الأول بمهرجان ساو باولو السينمائي الدولي، وتدور أحداثه في قلب قطاع غزة، حيث يتنقل أربعة رجال عبر مسارات متباينة سعيًا وراء تعريفاتهم الخاصة للوجود، وتتشابك مصائرهم وسط تعقيدات الحياة والحب والبقاء. وبينما تتكشف أحداث الفيلم، ينغمس المشاهدون في الحياة اليومية لهؤلاء الرجال، ومراقبة انغماسهم في روتين حياتهم جنبًا إلى جنب مع عائلاتهم في مدينتهم الحبيبة.
في حديثه عن الفيلم ورحلة صناعته قال المخرج "غزة التي تطل على البحر هو قصيدة لمرونة غزة وشعبها. رفض المشاركون في الورشة أن تُعرّف المحنة وجودهم، واختاروا بدلاً من ذلك التركيز على القصص التي تتحدث عن إنسانيتهم المشتركة.
في هذا الفيلم، نهدف إلى أن نكون صدى أصواتهم، وأن نُظهر القصص التي تتجاوز الصراع، ونكشف عن القوة التي تزدهر وسط التحديات. من خلال عدستنا، نهدف بكل تواضع إلى تسليط الضوء على الروابط العميقة وغير القابلة للكسر التي توحد الأرض وسكانها، مما يدل على أنه حتى في خضم الفوضى، تستمر الحياة والقصص".
الفيلم من إخراج محمود نبيل وتأليف وتصوير ورشة From Gaza to the World، الشخصيات الرئيسية بالفيلم هم فضل سرور، يوسف جاد الحق، عبدالعزيز صبيح، وحمدي الغرة. مونتاج الفيلم لياسين تبيسي وموسيقى شهد عواودة وباسيل رحولا، والصوت لرافد شمروخي.