ميدل إيست آي: الخطاب العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين يستفز الجنوب العالمي
تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT
منذ هجوم الإبادة الجماعية الذي بدأت دولة الاحتلال الإسرائيلي شنه على قطاع غزة والذي ترافقت معهه حملة وحشية للقتل والقمع في الصفغة الغربية، كثف القادة الإسرائيليين ومؤيديوهم خطابا عنصريا ولا إنسانيا ضد الفلسطينيين.
ويرى آدم مياشيرو، أستاذ الأدب في جامعة "ستوكتون" في نيوجيرسي والمتخصص في أدب العصور الوسطى ودراسات ما بعد الاستعمار، في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي"، وترجمه "الخليج الجديد"، أن ذلك الخطاب العنصري الإسرائيلي، الذي وصل إلى مستويات مخيفة، يكشف أن الاستعمار الإسرائيلي لفلسطين هو امتداد للمشروع الاستعماري الأوروبي ويوحد الجنوب العالمي تضامنًا مع فلسطين، مما يضع الإنسانية الفلسطينية في المقدمة.
اقرأ أيضاً
دعوة أوروبية للضغط على إسرائيل لضبط النفس في غزة
حيوانات وليسوا بشروفي إعلانه للحرب، أشار وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت إلى الفلسطينيين على أنهم "حيوانات بشرية".
وبالمثل، وصفهم رون بروسور، السفير الإسرائيلي في ألمانيا، بـ "الحيوانات المتعطشة للدماء"، وأشار السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة، دان جيلرمان، إلى الفلسطينيين بأنهم "حيوانات فظيعة وغير إنسانية".
أيضا، قال الحاخام الإسرائيلي مئير ماروز على شاشة التلفزيون الإسرائيلي: "لو كانوا [سكان غزة] بشرًا لأرسلنا إليهم مساعدات إنسانية... لكن الأمر يتعلق بالحيوانات".
وأشار مؤثرون إسرائيليون آخرون إلى الفلسطينيين على أنهم "قرود" على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن تم تصوير حيوانات حديقة الحيوان في غزة وهي تتجول بين أنقاض منطقة حضرية مدمرة في غزة.
كذلك، يتم تصوير الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل روتيني على أنهم حشرات أو قوارض، كما هو الحال عندما شارك ما يسمى بـ "محامي حقوق الإنسان" أرسين أوستروفسكي رسمًا كاريكاتوريًا على موقع X، تويتر سابقًا، لفلسطيني تم تصويره على أنه صرصور على وشك أن يُسحق بحذاء مكتوب عليه " جيش الدفاع الإسرائيلي".
ووضعت منصة التواصل الاجتماعي في وقت لاحق "مذكرة مجتمعية" أسفل المنشور حول الاستخدام التاريخي لصورة الصراصير لتصوير اليهود خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
اقرأ أيضاً
ريسبونسابل ستيتكرافت: صمت واشنطن على تجويع إسرائيل لغزة يعني دعمه
استراتيجية لتمكين المذبحةويقول الكاتب إن هذا التجريد العنصري الاستعماري للفلسطينيين من إنسانيتهم هو استراتيجية خطابية متعمدة لتمكين إسرائيل وحلفائها الغربيين من تنفيذ مذبحتها الجماعية للفلسطينيين في غزة.
في كتابه "معذبو الأرض"، يوضح المفكر المناهض للاستعمار فرانتز فانون هذه "المفردات الاستعمارية"، بما في ذلك كيف يحول المستعمر المستعمر إلى جوهر الشر من خلال تمثيل السكان الأصليين المستعمرين كحيوانات.
يقول فانون إن الذات المستعمرة "تختزل إلى حالة الحيوان".
ويكتب أن المستعمر "يجرد الذات الاستعمارية من إنسانيتها.... عندما يتحدث المستعمر عن المستعمَر فإنه يستخدم مصطلحات علم الحيوان... ويشير المستعمر باستمرار إلى الحيوانات".
وعلى هذا ، فإن التمثيل الحيواني والحيواني للفلسطينيين الأصليين من قبل المستعمرين الإسرائيليين يجعل السكان كتلة مكتظة بلا اسم تحتاج إلى الإبادة، كما يقول الكاتب.
اقرأ أيضاً
لماذا يصر الإعلام الغربي على نصب فخ إدانة حماس للفلسطينيين ومؤيديهم؟
استعادة قرون الخطابات الاستعمارية الأوروبيةويمضي مياشيرو بالقول إن إن نشر إسرائيل الحالي لهذه اللغة هو استمرار لقرون من الخطابات الاستعمارية الأوروبية العنصرية التي تم حشدها لخدمة الإبادة الجماعية للأمريكيين الأصليين والأفارقة وسكان جزر المحيط الهادئ، من بين آخرين كثيرين.
وفد أعطى "مبدأ الاكتشاف" الأوروبي، الذي رفضته الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في مارس/آذار 2023، للمستوطنين الأوروبيين ملكية جميع الأراضي "المكتشفة"، بما في ذلك استعباد السكان المحليين إلى الأبد.
وظل تجريد الشعوب الأصلية من سيادتها جزءًا من البرنامج الاستعماري على مستوى العالم طوال القرون الخمسة التالية.
ويرى الكاتب أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تفعل ذلك مع غزة عبر طريقتين، وهما: "جز العشب"، و "نظام التجويع الغذائي".
ويشير المسؤولون العسكريون والحكوميون الإسرائيليون إلى الهجمات الجماعية الدورية على قطاع غزة المحاصر على أنها "قص العشب" أو "قص العشب"، وهي استعارة بستنة تستخدم للإشارة إلى الفلسطينيين على أنهم "أعشاب ضارة"، أي عناصر غير مرغوب فيها في العشب، للحد من السكان من خلال القصف العشوائي.
اقرأ أيضاً
غزة بلا مقومات الحياة.. عالم مقزز حقا
التجويعلقد تم تسييج قطاع غزة المأهول بالكامل وتطويقه ووضعه تحت حصار عسكري خانق وحصار منذ عام 2006، وهو إجراء عقابي فُرض على 2.3 مليون ساكن.
وفرضت إسرائيل، التي تسيطر على مجمل البضائع التي تدخل غزة وتخرج منها، ما يعرف بـ "نظام التجويع" على مجموع السكان الفلسطينيين.
على سبيل المثال، قدم مسؤولو الصحة الإسرائيليون حسابات للحد الأدنى من السعرات الحرارية التي يحتاجها سكان غزة لتجنب سوء التغذية والمجاعة، في حين حظروا أطعمة مثل الكزبرة والشوكولاتة. كما أعاق الحصار إنتاج الغذاء في غزة، مع نقص البذور وحيوانات المزرعة مثل الدجاج.
ويقول الكاتب: تذكرنا مثل هذه التكتيكات العسكرية اللاإنسانية بتلك الحصارات التي حدثت في العصور الوسطى، حيث حُرمت البلدات المسورة من الغذاء والماء لتسريع انهيارها.
وقد تفاقمت هذه الظروف إلى أقصى الحدود منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول، مع التدمير المنهجي الذي قامت به إسرائيل للبنية الأساسية الغذائية المدنية، بما في ذلك المخابز وأنظمة تنقية المياه وتحلية المياه - مما أدى إلى انتقال النظام الغذائي الذي كان يقترب من المجاعة إلى مجاعة فعلية واسعة النطاق.
ويضيف الكاتب إنه بالمثل، تم تصوير الجنود الإسرائيليين وهم يهتفون "لا للمدنيين الأبرياء" ويشيرون إلى الفلسطينيين باسم "العماليق"، وهي الأمة التوراتية التي ألمح إليها بنيامين نتنياهو في دعوته للإبادة الجماعية للعنف ضد غزة.
ولا تنطبق عمليات القتل دون الجناة على سكان غزة فحسب، إذ يُقتل الفلسطينيون في الضفة الغربية، بما في ذلك الصحفيون مثل شيرين أبو عقلة، بشكل روتيني على يد القوات الإسرائيلية مع الإفلات التام من العقاب.
ويمضي ساخرا: لهذا السبب أيضًا يمكن لمصادر الإعلام الغربي أن تذكر مقتل الفلسطينيين دون مرتكبي الجرائم. "يُقتل" الإسرائيليون على يد ما يسميه بيرس مورجان "برابرة العصور الوسطى"، لكن الفلسطينيين "يموتون في ظروف غامضة" دون أن يُقتلوا.
ويرى أن الحملة العنصرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والتي شارت فيها وسائل إعلام أمريكية وغربية وشخصيات بمواقع التواصل، أدت إلى إلى جرائم قتل ومحاولات قتل للفلسطينيين في الولايات المتحدة، بما في ذلك مقتل وديع الفيوم البالغ من العمر ستة أعوام طعنًا في شيكاغو في 14 أكتوبر/تشرين الأول، وإطلاق النار على هشام عورتاني، وكنان عبدالحميد، وتحسين أحمد في بيرلينجتون، فيرمونت، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني.
وتلا ذلك أيضًا حملات قمع واسعة النطاق على الخطاب المؤيد لفلسطين من قبل الجامعات والحكومات والمؤسسات الإعلامية.
اقرأ أيضاً
عن عنصرية الغرب وإنكاره إنسانية شعب فلسطين
استعداء الجنوب العالميويرى الكاتب أن العنف الذي يمارس على الأجساد الفلسطينية يرافقه نفس الخطاب العنصري الذي صاحب أعمال العنف ضد السود والسكان الأصليين في جميع أنحاء الجنوب العالمي على أيدي المستعمرين والغزاة الأوروبيين.
وتابع: لا يمكن فهم العنصرية ضد الفلسطينيين (وبالتالي العرب والمسلمين) في الولايات المتحدة وأوروبا دون معالجة القهر المادي للفلسطينيين في غزة من خلال القوة العسكرية والسياسية من خلال مشروع الفصل العنصري الاستعماري الاستيطاني.
ويختم: إذا كان أسلوب العنصرية الإسرائيلي له قبول بين السياسيين والنخب الإعلامية الغربية، إلا أنه بالنسبة للآخرين، فقد كشف كيف أن الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي هو امتداد للمشروع الاستعماري الأوروبي ويوحد الجنوب العالمي تضامنًا مع فلسطين، مما يضع الإنسانية الفلسطينية في المقدمة.
المصدر | آدم مياشيرو / ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة الفلسطينيين الاحتلال الإسرائيلي عنصرية الجنوب العالمي إلى الفلسطینیین الفلسطینیین على ضد الفلسطینیین الجنوب العالمی بما فی ذلک اقرأ أیضا على أنهم من خلال فی غزة
إقرأ أيضاً:
انعكاسات أزمة تقييد القضاء في إسرائيل على الفلسطينيين
في سياق ليس بعيدا عن التصدعات الداخلية بالتوازي مع الحرب على غزة التي طالت دون أن تحقق أهدافها، تأتي محاولات حكومة بنيامين نتنياهو لإعادة طرح خطة تقييد القضاء الإسرائيلي لتكشف عن أبعاد جديدة من أزماتها الداخلية المتراكمة.
ويرى معارضو هذه الخطة، التي تهدف إلى الحد من سلطة القضاء وتعزيز هيمنة السلطة التنفيذية، أنها تمثل حلقة جديدة في سلسلة محاولات فرض السيطرة الكاملة على مفاصل الحكم.
حتى الآن، يرى خبراء أن نتنياهو، لم يتمكن من تمرير خطة تقييد القضاء بشكل كامل، إذ لا تزال على طاولة النقاش السياسي في إسرائيل، والتأجيلات المتكررة جاءت نتيجة الاحتجاجات الشعبية والضغوط السياسية الكبيرة، بالإضافة إلى التوترات الداخلية، خاصة في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 المباغت وما تلاه من تبعات أمنية وسياسية.
ولا تنعكس أبعاد خطة التعديلات على الداخل الإسرائيلي وحسب، بل تمتد لتؤثر على السياسات القمعية تجاه الفلسطينيين. ووسط هذا المشهد المتأزم، تبرز تساؤلات حول مدى تأثير هذه الخطة على الاستقرار الداخلي ومستقبل نظام الحكم في كيان يواجه تشكيكا متزايدا في شرعيته الأخلاقية والسياسية داخليا وخارجيا.
يقول الائتلاف الحاكم في إسرائيل إن التعديلات القضائية تهدف إلى إعادة التوازن بين السلطات (الأوروبية) تحول النظام القضائيفي يناير/كانون الثاني 2023 أعلن وزير العدل ياريف ليفين عن خطة تقييد القضاء، وقدم ليفين -وهو عضو في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو- الخطة كجزء من "إصلاحات قضائية" تهدف، حسب زعمه، إلى إعادة التوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
إعلانوبرر الوزير إعلانه عن الخطة بأنها ستضع حدا لما وصفه بالتجاوزات التي تقوم بها المحكمة العليا وتدخلها في الشؤون التشريعية والتنفيذية، ولتعزيز سيادة الكنيست (البرلمان) باعتباره الممثل المنتخب من الشعب، ومعالجة ما يعتبره هيمنة قضائية على القرارات السياسية في إسرائيل.
في المقابل، يرى المعارضون أن هذه الخطة تأتي لتحقيق مصالح سياسية وشخصية، خاصة مع التحديات القانونية التي يواجهها نتنياهو في قضايا فساد، ما يجعل الخطة وسيلة لتعزيز نفوذ الحكومة وتقليص أي رقابة قانونية قد تعيقها.
وفي 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا يلزم وزير القضاء، ياريف ليفين، بعقد جلسة للجنة تعيين القضاة لاختيار رئيس جديد للمحكمة العليا قبل 16 يناير/كانون الثاني 2025، وذلك بعد امتناع ليفين عن دعوة اللجنة منذ تقاعد القاضية إستر حيوت في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ردًا على هذا القرار، أعلن ليفين في 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري عن نيته إعادة طرح قانون تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة في الكنيست، بهدف تعديل آلية تعيين القضاة وتوسيع تمثيل السياسيين في اللجنة. يهدف هذا التعديل إلى تقليص دور نقابة المحامين في التعيينات القضائية، مما يتيح للائتلاف الحكومي مزيدًا من السيطرة على تعيين القضاة.
الكاتب والمستشار القانوني، سائد كراجه، يرى أن النظام القضائي لم يعمل كجهة رقابة نزيهة، ولكن تقييده سيزيد من عدم الثقة في القضاء، وسيثير شكوكا حول الوجه "الديمقراطي" الإسرائيلي، على الصعيد الداخلي والدولي، بحسب وصفه.
وعن خطوات تطبيق التعديلات، يقول كراجه في حديثه للجزيرة نت، إنها ستبدأ بتعديل القوانين وتشريع نصوص جديدة، تحد من صلاحيات المحكمة العليا وتمنعها من إلغاء قرارات الحكومة أو الكنيست، وتسمح للحكومة بتعيين القضاة بشكل مباشر بدلًا من الاعتماد على لجنة مستقلة.
إعلانوهذا بدوره -بحسب كراجة- سيجعل التعيينات القضائية مسيّسة، وسيضع قيودا على قدرة القضاء على مراجعة قرارات الكنيست المتعلقة بالقوانين والسياسات الحكومية التي يصدرها نتنياهو، وهذا سيغير الهيكل الإداري للمستشارين في الحكومة.
واللافت أن الخطة لم يقتصر تأثيرها على المجال القضائي فحسب، بل ألقت بظلالها أيضًا على الأوساط العسكرية، إذ هددت مجموعات من ضباط وقادة قوات الاحتياط بالإعلان عن نيتهم الامتناع عن الخدمة إن تم تنفيذ الخطة.
العسكريون عبروا عن استيائهم من تقليص صلاحيات المحكمة العليا، مؤكدين أن هذا التغيير قد يؤثر سلبًا على دور القضاء في مراقبة تصرفات الجيش وضمان احترام حقوق الإنسان، لا سيما في العمليات العسكرية التي تتم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويرى الخبراء الذين تحدثت إليهم الجزيرة نت، أن هذه الاحتجاجات تحمل دلالة سياسية أيضًا، حيث يظهر الانقسام الواضح بين السلطة السياسية في إسرائيل والجيش، الذي عادة ما يسعى للبقاء بعيدًا عن السياسة، إلا أن هذه الخطة ستعزز من التدخلات السياسية في الشؤون العسكرية، وتؤثر على استقلالية الجيش في اتخاذ قراراته الأمنية.
يخضع نتنياهو لمحاكمة بتهم تتعلق بتلقي رشاوى واحتيال وسوء استخدام السلطة (رويترز) دوافع شخصيةيواجه نتنياهو منذ سنوات عدة قضايا فساد، تشمل اتهامات بتلقي رشاوى، والاحتيال، وسوء استخدام السلطة. ويعتبر خبراء أن خطة تقييد القضاء قد تكون لها علاقة مباشرة بمحاولاته لتخفيف الضغط القانوني الذي يواجهه.
يتفق كراجة مع هذا الطرح، ويقول إن هذه الخطة ستقلل من قدرة النظام القضائي على محاسبته أو التأثير على مستقبله السياسي المعرض للخطر، مقابل تقوية تحالف اليمين وضمان دعم الأحزاب الدينية واليمينية المتشددة عبر تغيير القوانين بما يتماشى مع أجندتهم، حيث يعمل ذلك على إبراز الاستقرار في حكومته.
إعلانفي حين يرى الأستاذ في العلوم السياسية، بدر الماضي، أن مساعي نتنياهو لتحويل القضاء لأمر ثانوي هي محاولة لتجاوز ما يتهم به من قضايا فساد، وتحسين صورته في الداخل الإسرائيلي من خلال إطالة أمد المحاكمات التي يعلم أنه قد يخسرها، ويريد أن يوصل رسالة للإسرائيليين أن لديه مهمة أكبر من أن يتم تحييده من قبل المؤسسة القضائية.
ويضيف "من هذه النقطة، يلعب نتنياهو على وتر تحييد المحكمة العليا والمؤسسة القضائية لتجنب أي إدانات تبعده عن الحياة السياسية وتؤول به الأمور لشخص فاسد وسارق".
إقالة المستشارة القضائيةولا يمكن الحديث عن خطة تقييد القضاء بمعزل عن مشروع إقالة المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، غالي بهاراف ميارا، وهو جزء من الجدل الدائر حول علاقة القضاء مع السلطة التنفيذية في إسرائيل، إذ تتعلق القصة بالخلافات العميقة بين الحكومة الحالية، بقيادة بنيامين نتنياهو، وبين المستشارة القضائية التي تُعتبر من المدافعين عن استقلال القضاء وسيادة القانون.
ويعتبر منصب المستشارة القضائية، الذي تتولاه غالي بهاراف ميارا، أعلى سلطة قانونية تقدم المشورة للحكومة، وتُمثل الدولة قانونيًا في المحاكم. واتخذت بهاراف ميارا مواقف معارضة لبعض سياسات الحكومة، خاصة الإصلاحات القضائية.
انتقدت ميارا في مناسبات عدة محاولات الحكومة للتدخل في القضاء، وحذرت من أن الإصلاحات القضائية قد تُضعف الديمقراطية في إسرائيل، ولعبت دورًا مهمًا في قضايا الفساد التي يواجهها نتنياهو، حيث أصدرت قرارات تتعلق بإجراءات قانونية ضده.
وعلى خلاف موقف الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، طالبت ميارا أكثر من مرة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاق 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو ما أثار غضب نتنياهو وحزبه الذين يطالبون بتشكيل لجنة "سياسية" محدودة الصلاحيات.
يعزو الكاتب والخبير القانوني، سائد كراجة، هذا الهجوم على المستشارة بهاراف ميارا إلى سعي التحالف الحكومي لتحييد المعارضة القانونية، معتبرا أن الهجوم على المستشارة القانونية للحكومة يثبت أنها تشكل عقبة في طريقهم للتعديل المنشود في السلطة، حيث رفضت المستشارة عدة مرات في السابق تمثيل الحكومة أمام المحكمة العليا في التماسات قدمت حول قضايا عديدة، بل دعمت أحيانا مواقف مقدمي الالتماسات.
إعلانويقول كراجة إن الادعاء ضد المستشارة بأنها تسعى لإسقاط "حكومة اليمين" بشكل مدروس، يعمل في الواقع كوسيلة لتعبئة أنصار التحالف ضد المؤسسات القانونية، مرجحا أن تستمر محاولات التحالف الحكومي لإقالتها في المستقبل القريب، خصوصا على ضوء التقدم في جلسات محاكمة نتنياهو بتهم الفساد وشهادته القادمة، مع خشية رئيس الحكومة وطاقمه من أن تُقدِم المستشارة القانونية على محاولة الإعلان عن تعذر قيام نتنياهو بمهامه رئيسًا للوزراء في ضوء محاكمته.
القضية الفلسطينيةويتفق الخبراء أن الخطة التي تروج لها الحكومة الإسرائيلية تحمل في طياتها تداعيات خطيرة على مستقبل الفلسطينيين في الداخل، فمن خلال تقليص الرقابة القضائية، ستتمتع الحكومة الإسرائيلية بحرية أكبر لتمرير سياسات استيطانية توسعية في الضفة الغربية والقدس، مما يهدد بتكريس الاحتلال وتعميق المعاناة الفلسطينية.
ويرى المحلل السياسي المختص في الشأن الفلسطيني أحمد فهيم أن اسرائيل لم تعد معنية أن تبدو دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتَفصِل بين السلطات، وخاصة أنها مقبلة على مشروع استيطاني توسعي ضخم قد يقضم المزيد من التراب الوطني الفلسطيني وتحديدا في الضفة الغربية المحتلة.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن التقييد قد يطلق يد الاحتلال الإسرائيلي دون حسيب أو رقيب في تعديل تشريعات بموجبها يطبق حكم الإعدام تجاه الفدائيين والمناضلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ويرى الأستاذ في العلوم السياسية، بدر الماضي، أن هذه التعديلات سيتم استخدامها ضد الفلسطينيين، لممارسة المزيد من الانتهاكات وخاصة أن المحكمة العليا كانت تمثل أحد المسارات القانونية التي يلجأ إليها الفلسطينيون للاعتراض على مصادرة أراضيهم أو هدم منازلهم، وكانت تحقق لهم الحد الأدنى من الإنصاف. ومع تقييد دور القضاء، ستصبح هذه المسارات أقل فعالية، مما يُعمق شعور الفلسطينيين بالظلم ويزيد من معاناتهم اليومية.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع تصعيد السياسات القمعية من خلال تبني إجراءات أقسى ضد الفلسطينيين دون خوف من مراجعة، وهذا يشمل قوانين تقييد الحركة، وفرض عقوبات جماعية، وتوسيع استخدام القوة العسكرية في الأراضي المحتلة، على حد تعبير الماضي.
وفي ظل استمرار الاحتلال وممارساته القمعية بحق الشعب الفلسطيني، فإن الأزمات الداخلية الإسرائيلية قد تضيف من حيث النتيجة بعدا مأساويا جديدا إلى واقعهم المرّ.
إعلان