كييف– يبدو أنه قدر لأوكرانيا أن تكون في فوّهة المدفع عند كل حرب وخطر، فهذا كان حالها سنوات الحرب العالمية الثانية، عندما كانت أراضيها ساحة رئيسية واسعة للقتال بين الجيش الأحمر وألمانيا النازية، الأمر الذي جعلها واحدة من أكثر الدول السوفياتية تأثرا بالحرب وتداعياتها آنذاك.

وتسوق أوكرانيا نفسها اليوم لنيل قبول وعضوية حلف شمال الأطلسي "الناتو" مرتكزة إلى أنها سد أمام "الخطر والأطماع الروسية" بعد عام ونصف العام من الحرب الدائرة على أراضيها.

وإذا كانت مطالب أوكرانيا سابقا تحمل طابع الترجي لنيل عضوية الحلف، فإنها اليوم تطرح نفسها بقوة وجرأة ملحوظتين، لدرجة تدفع رئيسها فولوديمير زيلينسكي إلى نعت القرارات التي لا تصب في إطار الدعوة الصريحة لعضوية بلاده بـ "الضعيفة والعبثية".

فبالنسبة لزيلينسكي، أوكرانيا اليوم جزء من الحلف "بحكم الأمر الواقع" وهذا وفق نهج دستوري معتمد، وبناء على عمليات تدريب وتسليح الجيش الأوكراني، التي تقف خلفها وتشارك فيها دول الناتو.

وكان قادة حلف الناتو قد اتفقوا في قمتهم بعاصمة ليتوانيا على أن مستقبل أوكرانيا يقع داخل الحلف، كما تعهدوا بالعمل بشكل وثيق "للتصدي للتهديدات والتحديات" التي تشكلها روسيا.

نقطة ضعف

وفي تفصيل هذا الموقف الأوكراني، تكاد تجمع الآراء على عوامل معينة، عززت موقف أوكرانيا، وغيرت موقف دول الحلف جذريا من قضية عضويتها.

ففي حديث مع الجزيرة نت، قال الخبير العسكري بالمعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية ميكولا بيليسكوف إن ثمة تفاهما أوكرانيا أطلسيا على أن الجناح الشرقي لدول حلف الناتو مهدد من قبل روسيا أكثر من أي وقت مضى، ونقطة الضعف تكشفت من خلال بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.

وتابع "هذا الأمر دفع دول الحلف إلى مسارعة ضم فنلندا والسويد، ودعم أوكرانيا بصورة غير مسبوقة وغير مشروطة، وأنا أعتقد أن ذلك سينتهي بها حتما إلى العضوية، بحكم الأمر الواقع فعلا".

وأضاف الخبير العسكري أنه قدر أوكرانيا ربما بحكم المساحة الكبيرة والموقع الجغرافي الهام أن تكون في الواجهة أمام التحديات "معتمدة على دعم الآخرين دون مشاركتهم المباشرة، ولكن أوكرانيا مضطرة لأداء هذا الدور بمفردها اليوم، وما من خيارات أخرى أمامها أصلا".

جيش كبير

ومن العوامل الرئيسية أيضا -التي ترتكز عليها كييف، ويعيها الناتو- حقيقة أن جيش أوكرانيا بات من أكبر الجيوش، وأكثرها خبرة وتسليحا.

وحول هذا تحدث إيفان ستوباك الخبير العسكري في "المعهد الأوكراني للمستقبل" والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري بالبرلمان الأوكراني أنه "قبل 2014، كان قوام جيشنا بجنوده وموظفيه الخدميين لا يتجاوز 115 ألفا، واليوم لدينا ما لا يقل عن 400 ألف شخص يرتدون الزي العسكري ويشاركون في مختلف أوجه الحرب".

وتابع ستوباك في حديثه مع الجزيرة نت "نحن بالنسبة للناتو جيش كبير يتمتع بخبرة حقيقية ويتدرب ويتطور باستمرار في دول الحلف وباستخدام أسلحته المتطورة، وبالتالي فإن نصر أوكرانيا هو نصر للحلف وجميع الشركاء".

ويرى أن عضوية أوكرانيا في الحلف، بغض النظر عن موعدها، ستسجل في التاريخ، على أنها عضوية بلد منتصر، يتمتع بجيش كبير، قادر على حماية دول الناتو ومصالحها بكفاءة.

استماتة روسية

لكن الأوكرانيين يتوقعون اليوم استماتة روسية للحيلولة دون عضوية بلادهم في الناتو، وأن يكون ذلك عنوانا جديدا لحرب الكرملين عليها.

يقول ستوباك "إذا كانت الحرب سببا لتوسعة الناتو وضم أوكرانيا، فإن موسكو اليوم ستصعد أكثر من أي وقت مضى، وأوجه التصعيد مفتوحة على كل الاحتمالات".

ورأى أن "خسارة الحرب، أو تراجع الكرملين، لن يغير من الأمر شيئا بعد اليوم، فهي في كل الحالات تعنى فشلا ذريعا له وانهيارا محتملا لنظام الحكم القائم في روسيا، ولهذا نتوقع أن يعمل قدر الإمكان على إطالة أمد الحرب، بكل ما أوتي من قوة ".

الواجبات المنزلية

وبالإضافة إلى كل ما سبق، يدرك الأوكرانيون أيضا أن النصر لن يكون بطاقة الدخول الوحيدة والكافية إلى منظومة الناتو، وأن عليهم القيام بالكثير من "الواجبات المنزلية" كما قال أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أوليكسي دانيلوف.

ويعود بيليسكوف ليوضح قائلا إن منظومة الحلف تعني تنفيذ إصلاحات كثيرة في مجالات السياسة والاقتصاد والحريات، وهذا يفتح أبواب حرب داخلية يجب أن تحسم أيضا، ضد "إرث الفساد المتجذر منذ نهاية الحقبة السوفياتية".

وتابع "هذه حرب صعبة أيضا ولابد منها، الإصلاح والتغيير لا يروق لبعض فئات الحكم القديم في الدولة، وعلى رأسها طبقة الأوليغارشية، وقد لا يروق للعامة، لأن الأوضاع الاقتصادية في أوكرانيا لا تقارن بنظيراتها في دول الحلف".

وختم بالقول "الناتو وباقي دول الغرب لم ولن يقدموا الأموال والأسلحة دون مقابل، بل لكي تُهزم روسيا المعتدية بنصر أوكرانيا ثم لتنهض الأخيرة بنفسها إلى مستويات تؤهلها فعلا للعضوية الأطلسية والأوروبية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دول الحلف

إقرأ أيضاً:

من الجمود إلى القصف.. كيف تعيد روسيا صياغة استراتيجيتها في أوكرانيا؟

بعد أسابيع من تعثر الهجوم البري الروسي في أوكرانيا، عادت موسكو لتكثيف قصفها الجوي والصاروخي، مستهدفة البنية التحتية والمدن الأوكرانية. هذا التحول يثير تساؤلات حول ما إذا كان تصعيداً تكتيكياً لتعويض الجمود العسكري، أم مؤشراً على تغيير في الاستراتيجية الروسية باتجاه حرب استنزاف طويلة الأمد.

وقال ستافروس أتلاماز أوغلو، الصحفي العسكري المتمرس المتخصص في العمليات الخاصة، والمحارب القديم بالجيش اليوناني والحاصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية المتقدمة من جامعة جونز هوبكنز، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، إنه خلال الأسبوع الماضي، شن الجيش الروسي أكبر هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد أوكرانيا في عام 2025. حيث أطلقت القوات الروسية وابلاً من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة الانتحارية، مستهدفة مواقع في أوكرانيا.

Even though the Russian forces lack the necessary sophistication to be considered a true near-peer adversary for the U.S. military and NATO, their “antiquated” attritional strategy gets the work done. https://t.co/EnWk05bl7W

— National Interest (@TheNatlInterest) March 14, 2025

وجاء هذا الهجوم غير المبرر في وقت تمتلك فيه روسيا اليد العليا في الحرب، سواء عسكرياً أو دبلوماسياً.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس الخميس، استعادة السيطرة على سودجا، أكبر مدينة في مقاطعة كورسك التي اجتاحتها القوات الأوكرانية، منذ الهجوم المفاجئ الذي شنته عبر الحدود في أغسطس (آب) 2024.

ويأتي هذا الإعلان في الوقت الذي تقترب فيه القوات الروسية، من طرد القوات الأوكرانية من آخر معاقلها في منطقة كورسك.

وزار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مقر القيادة العسكرية في المنطقة، أول أمس الأربعاء، حيث تحدث إلى القادة العسكريين. ووفقا لتقييم استخباراتي حديث لوزارة الدفاع البريطانية، فقد "أطلقت روسيا ما يصل إلى 35 صاروخ كروز جوي من طراز (إيه إس - 23 إيه كودياك)، بالإضافة إلى صواريخ كروز تطلق من سفن أسطول البحر الأسود، وصواريخ باليستية قصيرة المدى، وأكثر من 100 طائرة مسيرة هجومية انتحارية، مما يزيد من تعقيد جهود الدفاع الجوي الأوكراني ويعمل على إنهاكه".

ويستخدم الجيش الروسي مجموعة متنوعة من المنصات لدعم عمليات القصف بعيد المدى ضد أوكرانيا، بما في ذلك القاذفات الاستراتيجية والمقاتلات والغواصات.

وأضافت وزارة الدفاع البريطانية: "تواصل روسيا استهداف مجموعة من المواقع، بما في ذلك قطاع الطاقة الأوكراني، وخصوصاً البنية التحتية للغاز، في محاولة لاستغلال فصل الشتاء لإحباط معنويات السكان المدنيين وإضعاف الاقتصاد الأوكراني".

ويقول أتلاماز إنه "على مدار أكثر من 3 سنوات من القتال، جعلت روسيا من الضربات بعيدة المدى سلاحاً رئيسياً في حربها، حيث أطلقت آلاف الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز على المدن الأوكرانية والمرافق الحيوية وقطاع الطاقة".

وأشارت وزارة الدفاع البريطانية إلى أن "صاروخ كودياك لا يزال العنصر الأساسي في الهجمات الروسية واسعة النطاق، حيث سمحت سلسلة من الضربات الأقل كثافة هذا العام لروسيا، بأن تقوم ببطء بإعادة ملء مخزونها من الأسلحة الدقيقة المتطورة".

ومنذ فترة، كانت موسكو تحتفظ بالضربات بعيدة المدى ضد جارتها كإجراء انتقامي من نجاحات أوكرانيا، مثل إغراق السفن الحربية الروسية، وتدمير أهداف عسكرية مهمة، وتنفيذ عمليات تخريبية. ومع ذلك، قد يكون شن أكبر هجوم صاروخي ومسير منذ فترة طويلة في هذا التوقيت له تأثير عكسي بالنسبة لروسيا.

فالطرفان كانا قد التقيا مؤخراً في السعودية، لإجراء محادثات تهدف إلى إنهاء الصراع، ويبدو أن هذا الهجوم الأخير، الذي جاء دون أي استفزاز من أوكرانيا، قد يكلف موسكو أي مكاسب دبلوماسية حققتها مؤخراً، خاصة مع إدارة دونالد ترامب في الولايات المتحدة.

ويرى أتلاماز أن هذا لا يعني أن كييف عاجزة عن التصدي للهجمات الروسية الأخيرة. فقد استلم سلاح الجو الأوكراني مؤخراً الدفعة الأولى من مقاتلات "داسو ميراج" الفرنسية، والتي أثبتت فعاليتها بالفعل في ساحة المعركة.

وخلال الهجوم الروسي الأخير بالصواريخ والطائرات المسيرة الانتحارية، تمكنت مقاتلات "داسو ميراج 2000 - 5 إف" الأوكرانية من إسقاط عدة صواريخ كروز روسية من طراز "كي إتش - 101".

واللافت أيضاً هو سرعة تنفيذ عملية النقل. فقد أعلنت الحكومة الفرنسية عن تزويد أوكرانيا بعدة مقاتلات "داسو ميراج 2000" قبل نحو عام فقط. وخلال أقل من عام، خضع الطيارون والفنيون الأوكرانيون لتدريب على نوع جديد تماماً من الطائرات، وتسلموا المقاتلات، وبدأوا فوراً في إسقاط الأنظمة المعادية.

ويختم أتلاماز تقريره بالقول إنه "عادة ما تستغرق هذه العملية سنوات، لكن متطلبات الحرب واسعة النطاق، أظهرت أنه يمكن تحقيق الكفاءة عندما تكون هناك حاجة ماسة لذلك".

مقالات مشابهة

  • كير ستارمر: التخطيط العسكري لتحقيق السلام في أوكرانيا سيبدأ
  • ميلوني: لن يتم نشر قوات إيطالية في أوكرانيا ضمن أي عملية حفظ سلام
  • لأول مرة في المسجد الحرام يحدث هذا الأمر للنساء
  • من الجمود إلى القصف.. كيف تعيد روسيا صياغة استراتيجيتها في أوكرانيا؟
  • بعد بنما.. ترامب يلمح إلى استخدام القوة للسيطرة على جرينلاند
  • ترامب واثق من ضم غرينلاند ويدعو الناتو لمساعدته
  • ترامب يلمح إلى تنازلات إقليمية لأوكرانيا مع رفض عضويتها في الناتو
  • ترامب يلمح إلى تنازلات إقليمية لأوكرانيا.. ويؤكد: لا عضوية لها في الناتو
  • «الدفاع الروسية»: طائرات تابعة لحلف الناتو رافقت مقاتلات «سوخوي» فوق المياه المحاذية لبحر البلطيق
  • بوتين بالزي العسكري يشعل تفاعلا خلال زيارة مفاجئة إلى كورسك.. ماذا يحصل؟