أزمة جيل في السودان
تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT
أزمة جيل في السودان
عثمان ميرغني
تكمل حرب السودان شهرها الثامن، بينما ترسم شهادات الناس وتقارير المنظمات الدولية صورة قاتمة للأوضاع الإنسانية. بسبب الحرب بات السودان يصنف على أنه يشهد أكبر نزوح داخلي في العالم شمل أكثر من ستة ملايين شخص، إضافة إلى أكثر من مليون عبروا إلى دول الجوار. وأمس، حذر برنامج الغذاء العالمي من أن خطر نقص الغذاء يهدد نصف سكان البلاد، وأن الوضع سيزداد سوءاً إذا لم تنته الحرب سريعاً، وفي ظل غياب هدنة إنسانية.
كل التقارير مروعة، لكن أكثرها إثارة للفزع تلك المتعلقة بالأطفال، وبالكارثة الجيلية التي تهدد البلد، ومستقبله لفترة طويلة. الأطفال لا يتسببون في الحروب أو يبدأونها، ومع ذلك فهم أكبر ضحاياها، ويعيشون آثارها لفترة أطول. هذه هي القاعدة العامة في كل الحروب، والسودان ليس استثناء.
فإضافة إلى الأمن، والوضع الغذائي والصحي، أكثر ما يشغل الأسر السودانية اليوم هو كيفية تأمين التعليم لأبنائهم، بسبب تعطل الدراسة. وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) قد أشارت إلى أن نحو 19 مليوناً من أطفال السودان في مختلف المراحل الدراسية، أصبحوا خارج أسوار المدارس، ما يعني كارثة لجيل بأكمله ستكون لها تداعياتها الخطيرة، ما لم تنته الحرب سريعاً، أو على الأقل تجد السلطات طريقة لاستئناف التعليم. وحذرت ممثلة المنظمة في السودان من أن البلد على وشك أن يصبح موطناً لأسوأ أزمة تعليمية في العالم.
في ظل هذه التحذيرات، وانشغال الأسر بكيفية توفير التعليم لأبنائها، كان لافتاً حدوث ضجة واسعة عندما وجهت الحكومة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي باستئناف الدراسة في الجامعات والمدارس في الولايات الآمنة. فقد تصدت للقرار هيئات ومنظمات تعليمية، إضافة إلى عدد مقدر من الأسر التي تشردت ونزحت من مناطقها إلى ولايات أخرى. ولخصت الجهات المعترضة أسباب موقفها في جملة من النقاط أبرزها:
– عدد من المدارس أصبحت مراكز لإيواء النازحين الذين لا يمكن إخراجهم منها ما لم تتوفر مراكز إيواء بديلة.
– عدم صرف رواتب المعلمين منذ اندلاع الحرب، وحتى الذين تلقوا رواتب فإنها لم تكن منتظمة وتوقفت جل فترة الحرب.
– كثير من المعلمين نزحوا من مناطقهم مع أسرهم إلى ولايات أخرى، أو لجأوا خارج السودان.
– عدم توفر معينات التعليم مثل الكتب بما يكفي الطلاب خصوصاً في المناطق التي شهدت وصول أعداد كبيرة من النازحين.
– حتى بالنسبة للجامعات التي تريد مواصلة الدراسة عن بعد، فإنها تواجه مشكلة عدم استقرار وتوفر شبكة الإنترنت وانقطاعها أحياناً لفترات طويلة، إضافة إلى مشكلة انقطاع الكهرباء بشكل متكرر.
– كثير من الأسر تعيش أوضاعاً مالية سيئة بسبب الحرب، ولا تملك دفع الرسوم الدراسية، أو توفير احتياجات أبنائهم التي تمكنهم من العودة للمدارس.
– دعوة بعض التنظيمات التعليمية إلى تأجيل استئناف الدراسة إلى ما بعد توقف الحرب حتى يستطيع الطلاب العودة للدراسة في ظروف طبيعية، وفي وضع نفسي أفضل يجعلهم قادرين على التحصيل.
كل هذه النقاط مشروعة وتطرح عقبات حقيقية، لكن السؤال هو ماذا لو طال أمد الحرب؟ أبعد من ذلك فإنه حتى عندما تتوقف الحرب سوف تستغرق العودة للحياة الطبيعية فترة طويلة، علماً بأن هناك منشآت تعليمية طاولها دمار الحرب، وسوف تحتاج إلى إعادة تأهيل، بما يعني المزيد من التأخير في استئناف الدراسة.
تقديري أن ربط استئناف الدراسة بتوقف الحرب فيه مجازفة بضياع مستقبل هذا الجيل، لأنه لا أحد يعرف متى يتوقف القتال، ومتى تعود الحياة إلى طبيعتها. ما يزيد الصورة قتامة أن التعليم ظل يعاني من التعطيل وإغلاق الجامعات والمدارس لفترات متفاوتة منذ 2019، بل قبل ذلك. وتقول منظمة اليونيسيف إنه حتى قبل اندلاع هذه الحرب في أبريل (نيسان) الماضي، كان هناك ما يقارب سبعة ملايين طفل خارج المدارس في السودان، وبشكل خاص في مناطق الحرب مثل دارفور، أو في أحزمة الفقر المنتشرة في طول البلاد وعرضها. ودقت المنظمة ناقوس الخطر، مشيرة إلى أنه لا يمكن لأي بلد أن يتحمل عبء عدم معرفة ثلث أطفاله الذين هم في سن الدراسة، مبادئ القراءة والكتابة… فالتعليم ليس مجرد حق، بل هو أيضاً شريان الحياة، والمفتاح لمستقبل منتج ومثمر للطفل وللبلد.
كثير من الأسر السودانية مهمومة اليوم بمستقبل أبنائها، وتفكر رغم ظروفها المعيشية الصعبة في كيفية استئناف التعليم لأبنائها. فالانقطاع عن الدراسة لفترة طويلة سيؤدي إلى تعرض الطلاب لمشاكل الفراغ، ومخاطر ضياع ما تعلموه نتيجة النسيان وافتقاد الفائدة التراكمية للتعليم التي يحصلون عليها عندما يوجدون في مدارسهم ووسط أقرانهم وأصدقائهم ومعلميهم. بعض الناس يفكرون في طرق أبواب الهجرة أو اللجوء لكي يتمكنوا من توفير الأمن والتعليم لأبنائهم، وبعض آخر يحاول الاقتطاع من معيشته ومما تبقى من مدخراته لكي يرسل أبناءه للدراسة في الخارج. لكن هذه كلها حلول صعبة ولا تتوفر للأغلبية من السودانيين المطحونين بهذه الحرب، بل قبلها. فما العمل؟
السودان ليس البلد الوحيد الذي يعاني مأساة الحرب، وهناك دول أخرى وجدت طريقاً لمواصلة تعليم أبنائها وتذليل الصعاب والعقبات. تقديري أن قرار الحكومة باستئناف التعليم كان صائباً، وبدلاً من معارضته ورفضه بالمطلق، كان الأفضل والأجدى أن تتكاتف مختلف الجهات المعنية للبحث في كيفية تذليل العقبات، وتقديم التضحيات من أجل إنقاذ جيل من الضياع. توفير ملاجئ أخرى غير المدارس للنازحين، ممكن، وكذلك إلغاء الرسوم الدراسية في هذه الفترة، وتوفير الرواتب للمعلمين. لا أشك أنه لهذا الهدف ستجد الجهات المعنية السند من المنظمات الدولية ومن غيرها، المهم أن تتوفر الإرادة عند السودانيين أولاً.
الوسومأزمة الحرب جيل عثمان ميرغنيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أزمة الحرب جيل عثمان ميرغني
إقرأ أيضاً:
اجتماع وزاري عربي بالقاهرة يناقش الحرب على غزة وملفات أخرى
بدأ وزراء الخارجية العرب، اليوم الأربعاء، اجتماعا في القاهرة قبل أسابيع من القمة العربية المقرر عقدها في العاصمة العراقية بغداد، وشهد الاجتماع أول مشاركة لوزير خارجية سوري بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وشهدت الجلسة الافتتاحية لاجتماع الدورة العادية 163 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري كلمات للأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط وللرئيسين السابق والحالي، وزيري خارجية اليمن والأردن شائع الزنداني وأيمن الصفدي.
ودعا أبو الغيط إلى وقف فوري لحرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
وندد الأمين العام للجامعة العربية باستمرار القتل والحصار والتجويع في غزة، وقال إن ما يجري تطهير عرقي معلن، منتقدا ما وصفه بالصمت المخزي للمجتمع الدولي على ما يحدث.
وقال أبو الغيط إن القمة العربية الطارئة بشأن فلسطين التي عُقدت بالقاهرة في 4 مارس/آذار الماضي قدمت ما سماه طرحا بديلا واقعيا وقابلا للتطبيق يشمل التعافي المبكر وإعادة الإعمار وإدارة غزة.
وندد أبو الغيط باعتداءات إسرائيل المتكررة على سوريا، كما ندد بخروقاتها المتواصلة في لبنان.
من جانبه، طالب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بالوقف الفوري للعدوان على غزة، وشدد على دعم جهود مصر وقطر مع الولايات المتحدة لتحقيق ذلك.
إعلانورحّب الصفدي بـالحضور الأول لوزير خارجية سوريا، أسعد الشيباني، لدورة عادية، وشدد على دعم بلاده لجهود بناء سوريا.
وعقب الجلسة الافتتاحية، بدأ وزراء الخارجية العرب جلسة أخرى مغلقة لمناقشة البنود المطروحة على جدول الأعمال.
ويتوقع أن يشهد الاجتماع نقاشا حول ترتيبات القمة العربية المقرر عقدها ببغداد في 17 مايو/أيار المقبل.
وينتظر أن يناقش أيضا القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وسبل وقف الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
كما يناقش المجتمعون الأوضاع في كل من ليبيا واليمن والسودان وسوريا والصومال ولبنان، ومستجدات ملف سد النهضة الإثيوبي وتأثيراته على الأمن المائي لدولتي المصب مصر والسودان.