في مايو/أيار 1937، رسم الفنان التشكيلي الإسباني بابلو بيكاسو (1881- 1973) لوحة "غرنيكا" التي تعدّ أروع أعماله واستلهمها من قصف مدينة غرنيكا في إقليم الباسك بإسبانيا، الذي أوقع قرابة 2000 قتيل.

 

وبعد أكثر من 8 عقود تتضامن مدينة غرنيكا شمال إسبانيا مع فلسطينيي غزة بطريقتها الخاصة، إذ وقف مئات الناشطين معا في ساحة المدينة -التي أصبحت رمزا دوليا لفظائع الحرب بفضل لوحة بيكاسو– مشكّلين فسيفساء بشرية ترتدي ألوان العلم الفلسطيني الأحمر والأسود والأبيض والأخضر، يوم الجمعة 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري.

 

واستذكر المشاركون في المظاهرة المجزرة التي ارتكبها سلاح الجو الألماني (النازي) والإيطالي في 1937 خلال الحرب الأهلية الإسبانية التي سقط فيها أعداد كبيرة من الضحايا.

 

وعبّر المشاركون -وهم ائتلاف من النقابات والأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية- ضمن تجمع مبادرة "غرنيكا فلسطين" عن استهجانهم لارتكاب مذابح أخرى في فلسطين مماثلة لتلك التي ارتكبت في غرنيكا، مطالبين العالم أن يتصدى لآلة الحرب الإسرائيلية، وأن يوقف إطلاق النار.

 

وفي نوع من الاحتجاج، أطلقت صفارات الإنذار خلال الوقفة تنديدا بالعدوان الإسرائيلي والمجازر التي تُرتكب بحق المدنيين في غزة.

 

من جانبها وصفت الممثلة إيتزيار إيتونيو، بطلة مسلسل "لا كاسا دي بابل" (La Casa de Papel)، ما يحدث في غزة بحملة إبادة جماعية ترتكبها القوات الإسرائيلية.

 

وأضافت خلال كلمتها بالمظاهرة الاحتجاجية "من غرنيكا إلى فلسطين.. من غرنيكا إلى العالم، نريد أن نقول، إنه بعد الذي مررنا به، منذ القصف الأول الذي تعرضنا له وحتى اليوم، لا يمكن للتاريخ أو العالم أن يتحمل دمار شعب واحد، لا ينبغي للعالم والتاريخ أن يتحملا ما يحدث في فلسطين، ويجب على العالم والتاريخ ألا يقبلا غرنيكا جديدة".

 

وتابعت "من غرنيكا تلك البلدة التي تحتل مكانة ملعونة بين كل المجازر التي شهدها تاريخ الإنسانية، ندعو إلى وضع حد للمذبحة المستمرة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين، وندين بقوة وغضب أي تواطؤ في هذه الإبادة الجماعية".

 

تاريخ غرنيكا

 

وقُصفت غرنيكا من فيلق الكوندور النازي خلال الحرب الأهلية الإسبانية، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين العزل، بينما كانت ألمانيا تدعم القوات القومية للجنرال فرانسيسكو فرانكو.

 

وتصور لوحة بيكاسو الزيتية الكبيرة -التي رسمها بطلب من الحكومة الإسبانية الثانية وتحمل اسم المدينة- المعاناة الشديدة للسكان، وتبرز صورة أم تبكي وهي تحمل طفلها الذي فقد حياته.

 

وقال إيجور أوتكسوا، المتحدث باسم مؤسسة "غيرنيكا فلسطين" للجزيرة الإنجليزية "لقد شعرنا دائما بالتعاطف مع الفلسطينيين؛ لأننا عانينا في ظل الديكتاتورية، وخضنا صراعا طويلا مع الدولة الإسبانية وجماعات الاستقلال هنا".

 

وتتماشى هذه اللفتة الرمزية مع دعم إسباني تاريخي للحقوق الفلسطينية، لكنها تأتي هذه المرة في لحظة توتر أوروبي، حيث تتصدر مدريد الدول الغربية القليلة التي تنتقد إسرائيل بشكل متزايد.

 

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت حتى أمس الأربعاء، 18 ألفا و608 شهداء و50 ألفا و594 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، حسب مصادر فلسطينية وأممية.

 

وقبل أسبوعين تقريبا علّق رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز على مشاهد القصف قائلا، إنه "بالنظر إلى اللقطات التي نشاهدها والأعداد المتزايدة من الأطفال الذين يموتون، لديّ شكوك جدية في أن (إسرائيل) تمتثل للقرارات الإنسانية والقانون الدولي". وأضاف "ما نراه في غزة غير مقبول".

 

وأثارت كلمات سانشيز ردا سريعا من إسرائيل، التي وبّخت السفير الإسباني في القدس وسحبت دبلوماسييها من مدريد؛ فالزعيم الإسباني، الذي أدان حركة حماس -أيضا- بسبب هجومها، يعدّ المسؤول الأوروبي الأعلى منصبا الذي يدين إسرائيل، إلى جانب المسؤولين في أيرلندا وبلجيكا.

 

وشهدت إسبانيا مسيرات مؤيدة للشعب الفلسطيني في مدن بجميع أنحائها، ووصف جوسو دي ميغيل، أستاذ القانون الدستوري في جامعة كانتابريا، إسبانيا بأنها "دولة مؤيدة للفلسطينيين من الناحية الاجتماعية".

 

ويرأس سانشيز حكومة أقلية يسارية تضم حزبي سومار وبوديموس (أقصى اليسار)، اللذين يعبّران بصراحة عن دعمهما للفلسطينيين، وسبق أن قال، إن إسبانيا ستكون مستعدة للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.

 

وفسّر دي ميغيل للجزيرة أن موقف رئيس الوزراء ليس موقف الاتحاد الأوروبي ذاته، وقال "لهذا اتخذ (سانشيز) موقفا أحاديا".

 

وأضاف "تتكون الحكومة (الإئتلافية) الإسبانية من أحزاب متعاطفة مع القضية الفلسطينية وليس مع إسرائيل. وهناك عامل آخر كذلك هو أن اليسار في إسبانيا يتظاهر بشكل عام أكثر من اليمين".

 

التاريخ الإسباني مع العالم العربي

 

ويعتقد بعض المحللين أن تضامن إسبانيا مع القضية الفلسطينية قد يكون متجذرا في تاريخها؛ إذ لا يوجد في إسبانيا سوى جالية يهودية صغيرة يصل عددها إلى حوالي 50 ألف شخص، ويرجع ذلك جزئيا إلى الآثار التاريخية. وللمقارنة، يبلغ عدد الجالية في فرنسا، التي تعدّ موطنا لأكبر أقلية يهودية في أوروبا، حوالي 500 ألف شخص.

 

في 1492، بموجب "مرسوم الحمراء"، طرد الملوك الكاثوليك السكان اليهود. وفي 2015، أي بعد مرور أكثر من 500 عام، قدّمت إسبانيا لليهود اعتذارا عن طريق منح الجنسية لليهود السفارديم حول العالم.

 

خلال حكم الجنرال فرانكو، كانت إسبانيا الفاشية، التي عزلها الغرب، متحالفة مع الدول العربية. ولم تبدأ العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل إلا في 1986، أي بعد 11 عاما من وفاة الدكتاتور فرانكو.

 

وقال إغناسيو مولينا، خبير الشؤون الخارجية الإسبانية في جامعة مدريد المستقلة "على الرغم من وجود جدل حول ما إذا كان فرانكو معاديا للسامية أو لا، فإن إسبانيا خلال فترة الديكتاتورية لم تعترف أبدا بدولة إسرائيل، وأقامت اتصالات جيدة مع الدول العربية".

 

وتابع مولينا للجزيرة "خلال الفترة الانتقالية إلى الديمقراطية، بين 1976 و1982، لم تعترف حكومات الوسط بإسرائيل قط. ولم يحدث هذا إلا في 1986 مع الحكومة الاشتراكية كشرط لدخول إسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي".

 

وفي 2014، وافق البرلمان الإسباني على اقتراح رمزي لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

 

وعدّ مولينا أن "هناك تيارا في اليسار واليمين يتعاطف مع فلسطين، على الرغم من أولئك اليمينيين الذين يدعمون إسرائيل".

 

وأظهر استطلاع نشرته "وكالة إليكتومانيا لاستطلاعات الرأي" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن 53.3% من الإسبان يعتقدون أن بلادهم يجب أن تؤدي دورا أكثر نشاطا في محاولة الوصول لحل في قضية الحرب الإسرائيلية على غزة، بينما قال 27.8%، إن مدريد يجب أن تبقى خارج الصراع. ولم يكن حوالي 17% متأكدين.

 

وحسب الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة (DYM)، فإن حوالي 21% يؤيدون إسرائيل، بينما يؤيد 24.3% فلسطين. لكن 43% ليس لديهم وجهة نظر تجاه إسرائيل و47.6% ليس لديهم رأي أيضا تجاه فلسطين، ويفسر المراقبون ذلك بالانحيازات "الأيديولجية" والحزبية التي تؤثر في المواقف السياسية تجاه فلسطين.

 

وقال خوسيه بابلو فيرانديز، من شركة استطلاعات الرأي إبسوس إسبانيا للجزيرة، إن دعم فلسطين يكون غالبا من طرف ناخبي التيارات اليسارية، بينما ناخبو اليمين على العكس.

 

وقالت إيتكساسو دومينغيز دي أولازابال، مسؤولة المناصرة في الاتحاد الأوروبي في "حملة" (المركز العربي لتطوير وسائل الإعلام الاجتماعية) وهو مركز أبحاث مقره مدريد "بعض الناس في إقليم الباسك، الذي أنتمي إليه، يتعاطفون مع الفلسطينيين".

 

وتابعت "بالنسبة لهم، إسبانيا هي إسرائيل، وشعب الباسك أو الكتالونيون مثل الفلسطينيين. ولكن مرة أخرى بالنسبة إلى (الزعيم الكتالوني السابق) كارليس بودجمون، فإن تجربة كتالونيا تشبه تجربة إسرائيل في تأسيس دولة جديدة في 1948" ولهذا فإن الموقف تجاه إسرائيل "سلاح ذو حدين".

 

وختمت "من ناحية، تدين إسبانيا تصرفات إسرائيل ولكن كلا البلدين يحتفظان بروابط تجارية.. إسرائيل وإسبانيا تشتريان وتبيعان الأسلحة من بعضهما بعضا".


المصدر: الموقع بوست

إقرأ أيضاً:

الاتحاد العراقي يطالب بنقل مباراة فلسطين والعراق من الأردن

#سواليف

طالب #الاتحاد_العراقي لكرة القدم، ، الاتحادين الآسيوي والدولي بنقل #مباراة #فلسطين و #العراق ضمن الجولة الثامنة للتصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم من الأردن.

وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، قد قرر الخميس، إقامة مباراة فلسطين والعراق في #الأردن، على ستاد عمّان الدولي، ضمن الجولة الثامنة للتصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم.

وأبلغ الفيفا الاتحادين الفلسطيني والعراقي بموعد المباراة يوم 25 من آذار/مارس المقبل، والتي ستقام في تمام الساعة 9:15 مساءا على ستاد عمّان الدولي.

مقالات ذات صلة الحسين يواصل انتصاراته.. ومعان يهزم شباب العقبة 2025/02/28

ووفقا لبيان صادر عن الاتحاد العراقي لكرة القدم، ينتظر الاتحاد العراقي ردا من الاتحاد الدولي على مخاطبة نقل المباراة من الأردن.

وقال الاتحاد العراقي، إنّ المنتخب العراقي جاهز لخوض مباراته ضد نظيره الفلسطيني لتحقيق التأهل إلى كأس العالم.

وبين أنه تواصل مع الاتحادين الدوليّ المتمثل بـ FIFA والقاري المتمثل بـ AFC، حيث وصلت مخاطبة في 20 شباط من الاتحادِ الدوليّ اشترط فيها على الاتحاد الفلسطيني إقامة المباراة في ملعبِ فيصل الحسيني بمدينةِ رام الله الفلسطينية، بعد استحصالِ موافقةِ الجانب العراقي، والتأكيد على المعايير المحددة التي تشمل الأمور اللوجستية والفنية والإدارية والأمنية”.

وأضاف، “رغم الحرص الشديد على إقامةِ المباراة في فلسطين، للوقوف مع الرياضةِ الفلسطينية في هذا الوقت، إلا أن رفض اللعب في فلسطين لأسباب ومخاوف أكدها الاتحادان الدولي والآسيوي في مخاطبة مرسلةِ في 20 من الشهر الحالي”.

وتضمنت المخاطبة، عدم توفر تقنية VAR في المباراة على ملعب فيصل الحسيني بعد تأكيدِ الشركة المتعاقدة مع الاتحادِ الآسيوي باستحالة توفيرِ تقنية VAR في الملعب، حيث أشار إليها الاتحاد الدولي في رسالته والتي أصبحت التقنية مهمة وتحقق العدالة وغيابها سيخلق خللًا واضحًا، ويقوض نزاهة المنافسة”.

كما رفض الاتحاد العراقي تغيير موعد المباراة خارج النافذة الدولية، كما أشار كتاب الاتحاد الدولي إلى يوم 23 نيسان 2025، وذلك لارتباطِ لاعبي المنتخب العراقي بالدورياتِ التي يحترفون فيها”، مشيرًا إلى تسلم الاتحاد مخاطبة من الاتحاد الفلسطيني الأربعاء عبر الإيميل مرسلة كذلك إلى الاتحادين الدولي والآسيوي يطلب فيها إقامةَ المباراة على ستادعمان الدولي.

وأوضح أن الاتحادِ الدولي أبلغنا بإقامة المباراة على ستاد عمّان الدولي، وفي ضوء ذلك أرسل الاتحاد العراقي للاتحاد الدولي بضرورة نقلِ المباراة من الأردن؛ معتبرا أن القرار يثيرُ تساؤلات جدية حول نزاهة وعدالة المسابقة، وذلك نظرًا إلى الطبيعة التنافسية الشديدة في المجموعة B، وإن العراق والأردن وفلسطين منافسون مباشرون في المجموعة، خاصةً أن الترتيبَ الحالي شديدُ التقارب بين العراق والأردن.

وقال الاتحاد العراقي أنه أبلغ الاتحادَ الدولي أن “إقامة المباراة في عمّان داخل دولة عضو في المجموعة ومنافس مباشر على بطاقة التأهل إلى كأس العالم يخلق بيئة غير متكافئة، كما يهدد روح اللعب النظيف”.

وأشار إلى تقديم طلب بنقل مباراة العراق وفلسطين إلى ملعب محايد من أجل الحفاظ على نزاهة التصفيات وليتحقق مبدأ التكافؤ في الفرص بين المنتخبات المتواجدة في المجموعة.

قال الأمين العام للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، فراس أبو هلال، الخميس، إنّ اختيار ستاد عمّان الدولي ضد منتخب العراق ضمن الجولة الثامنة للتصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم؛ لمصلحة المنتخب الفلسطيني حيث يسبقها مباراة مع المنتخب الأردني في عمّان.

مقالات مشابهة

  • علق شعار فلسطين.. ممثل عالمى يشعل حفل الأوسكار
  • تبون يعتذر عن المشاركة في قمة القاهرة حول غزة “بسبب إشراك دول وإقصاء أخرى في نصرة فلسطين”
  • صفورية التي كانت تسكن تلال الجليل مثل العصفور.. جزء من هوية فلسطين
  • طاقم تحكيم سعودي يقود مباراة العراق وفلسطين في تصفيات كأس العالم 2026
  • بالأزياء والإكسسوارات.. دعم فلسطين حاضر بقوة في حفل الأوسكار
  • رسالة تضامن.. جاي بيرس يرتدي دبوس "فلسطين حرة" في الأوسكار
  • رئيس مدينة بورفؤاد: لن يقبل بأي تقصير تجاه صحة المواطنين وسلامتهم
  • روبيو: ترامب الوحيد في العالم الذي يستطيع جلب بوتين إلى طاولة المفاوضات
  • رئيس دفاع النواب: فلسطين قضية مصر الأولى التي خاضت من أجلها حروب كثيرة
  • الاتحاد العراقي يطالب بنقل مباراة فلسطين والعراق من الأردن