بدأ الرئيس الأرجنتيني الجديد خافيير ميلي في الوفاء بوعوده، وعلينا جميعا مراقبة الوضع في هذا البلد بعناية، حيث سيتعين على معظم دول العالم قريبا اتخاذ إجراءات مماثلة.
لقد تم تخفيض قيمة العملة الأرجنتينية مؤخرا من 365 إلى 800 بيزو لكل دولار أمريكي. في "السوق السوداء" يبلغ سعر العملة في الوقت نفسه 1070 بيزو لكل دولار.
كذلك يلغي الرئيس الجديد دعم الكهرباء وغاز التدفئة والمياه وعدد من السلع الأخرى، فيما توقف العمل في البنية التحتية الحكومية مثل الطرق والجسور وخطوط الأنابيب وغيرها.
ما سيحدث بعد ذلك أصبح واضحا بالفعل، فالآثار بعيدة المدى، مثل غرق 6 محطات مترو الأنفاق في العاصمة الأوكرانية وغيرها من الحوادث، ستحدث لاحقا مع تآكل البنية التحتية، وبدون خافيير ميلي.
لكن الكوارث قصيرة المدى لن تستغرق طويلا حتى تطفو على السطح.
أولا، لن يتمكن ميلي من تجنب المزيد من نمو التضخم، الذي أوصله شخصيا إلى السلطة.
وكان لدى الأرجنتين ميزان تجاري خارجي سلبي لمدة 8 أشهر، بلغ في أكتوبر حوالي 0.5 مليار دولار، ومن المفترض أن يحفز انخفاض العملة الوطنية الصادرات من الناحية النظرية، ومع ذلك، فإن زعزعة الاستقرار العام للاقتصاد ستؤدي إلى تقويض النشاط الاقتصادي، وعلى الأرجح لن يستطيع ذلك المحفز للتصدير الظهور أو التأثير.
إلا أن الشيء الرئيسي هو أن الأرجنتين لديها ميزان مدفوعات سلبي كبير، حيث تدفع الأرجنتين الكثير من ديونها للغرب، وهنا لا يمكن أن يكون لتخفيض قيمة العملة الوطنية تأثير إيجابي. بل على العكس من ذلك، فإن انخفاض العملة الوطنية سيزيد من حصة نفقات الميزانية على خدمة الديون، لأن الديون ستظل مقومة بالدولار، وهو ما يدعو إلى التساؤل حول إمكانية خفض عجز الموازنة وضخ النقود، والذي سيؤدي بالتالي إلى تسريع التضخم.
أي أننا نرى على خلفية انخفاض إنفاق الميزانية على الاحتياجات الاجتماعية، فإن انخفاض قيمة البيزو يزيد من إنفاق الميزانية على خدمة الدين الخارجي، بمعنى أنه قد لا يكون هناك تخفيض في الموازنة العامة، وقد يستمر العجز والحاجة إلى طباعة النقود.
إقرأ المزيد انهيار اقتصادي عالمي في 2024 أو انقلاب بالولايات المتحدة في 2025في الوقت نفسه، سيقوم ميلي بإجراء تجربة في الداروينية الاجتماعية على الأرجنتين، ما سيؤدي إلى انخفاض حاد في مستوى المعيشة لغالبية السكان، وسيؤدي تخفيض قيمة العملة إلى قفزة في أسعار الواردات، أي زيادة في التضخم، والتي ستضرب جميع الأرجنتينيين دون استثناء، وسيتم في الوقت نفسه إلغاء الدعم وسترتفع معدلات البطالة بشكل حاد، وسيحرم جزء كبير من السكان من سبل عيشهم أو سيقعون في براثن الفقر المدقع، إلى حد المجاعة. وإذا قرر ميلي وقف التضخم، أي التوقف عن طباعة النقود، فإن الضربة التي سيتلقاها المواطنون ستكون أقوى.
أظن أننا سنشهد مظاهرات احتجاجية خلال شهر أو شهرين، وفي غضون ثلاثة أو أربعة أشهر إما أن يغير ميلي مساره، أو ستكون هناك مجاعة وأعمال شغب في البلاد.
وبطبيعة الحال، هناك عدد من التدابير التي ستكون أمرا لا مفر منه بالفعل. على سبيل المثال، تخفيض قيمة البيزو، ولكن الشيء الرئيسي في هذا الإجراء ليس خفض إنفاق الميزانية، ولكن القضاء على التشوهات في آليات السوق وتحفيز الصادرات. وكان لا بد من تنفيذ تخفيض قيمة العملة مع الحفاظ على الإعانات المقدمة للفقراء. ومن المستحيل أيضا خفض الإنفاق على البنية التحتية، حيث لن تذهب أي استثمارات إلى دولة ذات بنية تحتية مدمرة، وهو ما ينطبق أيضا على أعمال الشغب بسبب الغذاء والاستقرار السياسي. فآمال الأرجنتين في الاستثمار الأجنبي ليس من المقدر لها أن تتحقق، لا سيما في ضوء أزمة فرط الإنتاج العالمية التي نمر بها حاليا.
كل هذا سينتهي بالمجاعة والانخفاض الحاد في عدد السكان بسبب الهجرة الجماعية وانخفاض معدل المواليد وأعمال الشغب. وإذا كانت الأرجنتين محظوظة، فسوف تتحول إلى دكتاتورية يسارية بدعم اقتصادي من الصين من خلال اندلاع ثورة. وفي أسوأ الأحوال، ستتحول البلاد إلى الصومال، منطقة نزاعات بين عصابات، مع احتمال احتلال البرازيل لهذه المنطقة في وقت لاحق لاستعادة بعض النظام على الأقل.
في الواقع، فقد ضرب لنا ميلي بالأرجنتين مثالا على ما ستواجهه معظم دول العالم بعد انهيار هرم الديون العالمي، ولكن بعد ذلك ستتمكن الدول من رفض سداد ديونها وسيتعين عليها "فقط" موازنة التجارة الخارجية من خلال خفض قيمة عملاتها الوطنية. ستكون تلك صدمة، إلا أن ميلي قرر إعطاء الأرجنتين صدمة مزدوجة بالحفاظ على مدفوعات الديون للبنوك الغربية.
على أية حال، فإن الوضع الاقتصادي لمعظم دول العالم لا يختلف عن الأرجنتين إلا في درجة تدهور المشاكل. ثلثا دول العالم لديها ميزان حساب جاري سلبي (التجارة الخارجية + ميزان المدفوعات)، فيما تعاني أربعة أخماس دول العالم من عجز في ميزانياتها. ومع انهيار هرم الديون العالمية الذي بنته الولايات المتحدة الأمريكية، ستضطر كل هذه الدول إلى الخضوع لكل ما يفعله رئيس الأرجنتين الآن طوعا.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: ألكسندر نازاروف ألكسندر نازاروف التضخم الدولار الأمريكي خافيير ميلي ركود اقتصادي مؤشرات اقتصادية العملة الوطنیة دول العالم
إقرأ أيضاً:
الديون تقطع الكهرباء في بنغلاديش.. 1600 ميغاواط عجزًا بليلة واحدة
مقالات مشابهة طاقة الرياح البحرية في المملكة المتحدة.. هل تؤدي إلى نفوق الحيتان؟ (تقرير)
ساعة واحدة مضت
أول بئر غاز في العالم.. عمقها 8 أمتار وإنتاجها أضاء شوارع (صور)ساعتين مضت
حقل أورهود.. 1.3 مليار برميل احتياطيات ثاني أكبر مكمن نفطي في الجزائر3 ساعات مضت
إضافات الطاقة النظيفة في أميركا تبلغ مستوى قياسيًا رغم التحديات4 ساعات مضت
مشروع تورتو أحميم للغاز المسال يختار شركاء جددًا5 ساعات مضت
أعظم مايك استوديو MKE 600 والفرق مابيتع وبين الملك MKE 4166 ساعات مضت
تعرَّض قطاع الكهرباء في بنغلاديش لعجز كبير في الإمدادات القادمة من الهند بوساطة شركة أداني المملوكة لرجل الأعمال غوتام أداني (Adani).
وقلّصت الشركة الهندية الإمدادات المنقولة إلى جارتها الجنوبية بموجب اتفاقية مشتركة لشراء الكهرباء من محطة غودا العاملة بالفحم، وفق تحديثات القطاع لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
وتلبي المحطة عُشر الطلب على الكهرباء في بنغلاديش، وتزوّد البلاد حصرًا بالتيار بموجب اتفاق يرجع إلى عام 2017، ويستمر على مدار 25 عامًا.
ومنذ تولّيها السلطة في أغسطس/آب (2024)، تتعرض الحكومة المؤقتة، بقيادة الرئيس الفائز بجائزة نوبل محمد يونس، لسداد ديون بقيمة 846 مليون دولار أميركي لشركة تابعة لأداني الهندية، لكن من غير المحتمل إلغاء الاتفاق لضمان استمرار الإمدادات، بحسب مسؤولين.
إمدادات الكهرباء في بنغلاديشسجلت بنغلاديش عجزًا يزيد عن ألف و600 ميغاواط من الكهرباء التي تزودها شركة “أداني باور جهارخاند ليمتد” الهندية (APJL) ليلة الجمعة الماضية (1 نوفمبر/تشرين الثاني 2024).
كما كشفت بيانات شركة “باور غريد بنغلاديش” (Power Grid Bangladesh) أن محطة الكهرباء التابعة لأداني بقدرة 1496 ميغاواط خفضت الإمدادات إلى 700 ميغاواط، بحسب ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة، نقلًا عن صحيفة “ذا إيكونوميك تايمز” (The economic times).
وكان مجلس تنمية الطاقة البنغلاديشي قد أبرم اتفاقية شراء الكهرباء طويلة الأجل مع شركة أداني باور جهارخاند التابعة والمملوكة بالكامل لشركة “أداني باور” في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، لشراء 1496 ميغاواط من من محطة الكهرباء الحرارية في غودا.
محطة غودا لتوليد الكهرباء- الصورة من موقع شركة أداني باوروتتألف المحطة من وحدتين تعملان بأحدث التقنيات العالمية، وهي “التكنولوجيا فوق الحرجة” للتحكم في الانبعاثات واستهلاك الفحم والماء.
وحاليًا، لا تنتج المحطة سوى من وحدة، بقدرة 700 ميغاواط.
ديون بنغلاديشأنذرت شركة أداني الهندية بوقف إمدادات الكهرباء في بنغلاديش إذا لم تسدّد الديون المستحقة بحلول 7 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري (2024).
وكانت شركة أداني قد وجهت خطابًا إلى وزير الكهرباء في بنغلاديش محمد حبيب الرحمن بتاريخ 27 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، تطلب منها سداد الديون في موعد أقصاه 30 من الشهر نفسه.
ووفق ما جاء في الخطاب، حذّرت أداني بنغلاديش من أنها ستضطر إلى قطع إمدادات الكهرباء في اليوم التالي 31 أكتوبر/تشرين الأول بموجب بنود اتفاقية شراء الكهرباء المشتركة.
ولم يقدّم مجلس تنمية الطاقة خطاب اعتماد مستندي (LC) بمبلغ 170.03 مليون دولار، أو يدفع الديون المستحقة بقيمة 846 مليون دولار.
يُشار هنا إلى أن الاعتماد المستندي هو خطاب يُصدره البنك بناءً على طلب المتقدم من أجل دفع مبلغ معين لصالح طرف ثالث مقابل بعض المستندات التي تتطابق مع الشروط المتفق عليها.
رئيس شركة أداني الملياردير غوتام أداني- الصورة من مجلة فوربسعلى الناحية الأخرى، قال مسؤول بالمجلس البنغلاديشي، إنهم دفعوا جزءًا من ديون سابقة، لكن شركة أداني رفعت المبلغ منذ شهر يوليو/تموز من 18 مليون دولار أسبوعيًا إلى 22 مليون دولار.
كما أوضح أن شحّ الدولار حالَ دون فتح اعتماد مستندي للسداد في بنك كريشي الوسيط بالاعتمادات المستندية.
وعلاوة على ذلك، رفعت أداني الأسعار رغم توقيع الطرفين على اتفاق تكميلي يُلزم “أداني” بسعر فحم أقل من المحطات الأخرى.
لكن بعد مرور عام، عادت الشركة الهندية لحساب السعر بموجب متوسط مؤشر الفحم الإندونيسي ومؤشر نيوكاسل الأسترالي.
مصير الاتفاقيةدفعت المخاوف بشأن أسعار الكهرباء التي تدفعها بنغلاديش لأداني الهندية الحكومة الجديدة إلى تشكيل لجنة لتقييم اتفاقية شراء الكهرباء التي تمتد على مدار 25 عامًا.
وتوقّع مسؤولان مطّلعان على القضية المثيرة للجدل، ألّا تلجأ بنغلاديش إلى إلغاء الاتفاق خشية توقُّف الإمدادات والدخول في نزاع قانوني دولي، بحسب وكالة رويترز.
وربما سيكون البديل عن إلغاء الاتفاقية، هو الدخول في اتفاق آخر، ولكن لخفض الرسوم.
وتبيع أداني باور الكهرباء بتكلفة 12 تاكا للوحدة، وهو ما يزيد بنسبة 27% عن سعر شركات القطاع الخاص لإنتاج الكهرباء في الهند و63% عن المحطات المملوكة للدولة.
من جهتها، نفت أداني وجود مؤشرات على أن بنغلاديش تراجع الاتفاقية، وأكدت مواصلة الإمدادات رغم الديون التي تجعل من تشغيل محطة غودا غير مستدام، لكن المحادثات مستمرة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.Source link ذات صلة