استبق عضو الكنيست عن حزب الليكود عميت هليفي وصول جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، بالقول: "أقترح على جيك سوليفان أن يساعدنا مع الدول التي تدعمها الولايات المتحدة"، وأن يطلب من هذه الدول استقبال 5000 أسرة، في حين أن وزير الاتصالات الإسرائيلي وعضو حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو قال: "لن تكون هناك دولة فلسطينية هنا.
التصريحات التي اشتبكت مع زيارة سوليفان هددت بإفشال مهمته بتصدر نتنياهو المشهد وإضافته شرطا جديدا؛ رفض فيه أي دور لسلطة رام الله في الضفة الغربية قبل قطاع غزة؛ فضلا عن رفضه وقف الحرب، في إشارة إلى مقاومته للضغوط الأمريكية المفترضة على حكومته لتحديد موعد زمني للحرب، أو لتقديم تنازلات في الضفة الغربية تغضب شركاءه وحلفاءه الأكثر موثوقية في الائتلاف (وزير المالية سموتريتش ووزير الأمن القومي بن غفير)، لينتهي بتصريح أخير تبع لقاءه مع سوليفان أعلن فيه أن الحرب لن تتوقف حتى يتم القضاء على حماس وتحقيق النصر، وهو ما أوحى بأن نتنياهو يدير حملة انتخابية مبكرة.
يتلخص كل ذلك الجدل وعمليات الاسترضاء والمناورات والنقاشات الداخلية بين إدارة بايدن وقادة الكيان الإسرائيلي بثلاث كلمات: "جدول زمني واقعي" يمكن لكل من إسرائيل والولايات المتحدة التوافق عليه للانتهاء من مرحلة القتال العنيف
وشملت التصريحات مستويات عدة وأجنحة مختلفة في الحكومة؛ كان أبرزها من بيني غانتس، الوزير في حكومة الطوارئ والعضو الأبرز في المعارضة الإسرائيلية، بطلبه من الإدارة الأمريكية الضغط على لبنان وحزب الله لوقف العمليات العسكرية قبل أن يطلق جيش الاحتلال عملية واسعة في لبنان. وقد سبقه قائد الجبهة الداخلية الجنرال رافي ميلو في حديث مع أعضاء كيبوتس ياد مردخاي في شمال فلسطين بالقول: هناك موعد للحرب في الشمال؛ ناقلا الضغوط إلى ساحة الولايات المتحدة التي أعلنت إرسال وزير الدفاع لويد أوستن إلى المنطقة للتعامل مع الملفات الأمنية الإقليمية؛ التي كان أبرزها دعوته لإنشاء تحالف بحري في البحر الأحمر لحماية المصالح الإسرائيلية المتضررة من حصار الحوثيين وحكومة صنعاء للتجارة الإسرائيلية؛ عبر استهداف السفن التجارية المتوجهة إلى موانئ الكيان والناقلة لبضائع موجهة إلى أسواقه.
يتلخص كل ذلك الجدل وعمليات الاسترضاء والمناورات والنقاشات الداخلية بين إدارة بايدن وقادة الكيان الإسرائيلي بثلاث كلمات: "جدول زمني واقعي" يمكن لكل من إسرائيل والولايات المتحدة التوافق عليه للانتهاء من مرحلة القتال العنيف بحسب ما نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن تقدير موقف داخلي؛ وهو جدول زمني يمتد إلى نهاية كانون الثاني/ يناير المقبل كبديل لموعد عيد الميلاد بنهاية كانون الأول/ ديسمبر الجاري، الذي اقترحته واشنطن لتخفيف كثافة العمليات العسكرية، وذلك بحجة استكمال انسحاب القوات من قلب غزة، وإعادة نشرها في الخطوط الدفاعية، بعضها داخل القطاع وبعضها خارجه؛ لتواصل بعدها تنفيذ عمليات محدودة لتدمير قدرات المقاومة العسكرية عبر عمليات وغارات لجيش الاحتلال تمتد على طول العام 2024 بحسب القناة 12.
وتشير التكهنات إلى مدى زمني يمتد بين 3 إلى 9 أشهر يمكن أن تتقلص إلى أسبوع، طبعا في حال انهيار حكومة نتنياهو أو بدء تحقيقات جدية حول عملية طوفان الأقصى ومسار الحرب ونتائجها.
ما نقلته القناة تم تداوله على مدار أسبوع كامل، إلا أنه بعد ساعات قليلة من لقاءات سوليفان بنتنياهو وغانتس خرج الناطق باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي في تصريحات لقناة الجزيرة قال فيها: "لا نعد وقفا لإطلاق النار بل مزيدا من الهدن الإنسانية؛ والانتقال من المعارك الأكثر كثافة إلى العمليات الأقل كثافة؛ معلنا بذلك وبشكل غير مباشر ما تم التوافق عليه مرحليا بين مستشار الأمن القومي الذي لم يعقد مؤتمر صحفيا وقادة الكيان الإسرائيلي؛ الذين لم يعلقوا على المقترح بل أكدوه بضرورة منحهم أسبوعين إضافيين، وهي صيغة توافقية تجنب بايدن ونتنياهو الصدام المباشر وتوفر هامش من المناورة لكليهما داخليا في أمريكا وفي الساحة الإسرائيلية.
رغم المناورات السياسية التي تجريها إدارة بايدن للتخفف من أعباء الحرب ومخاطرها التي تتعاظم بفعل الاستنزاف الاقتصادي والعسكري والسياسي والدبلوماسي لطاقة كل من إسرائيل وأمريكا وعزلهما دوليا؛ فإن الهبوط سيكون مؤلما مهما حاول الطرفان التخفيف من وطأته، فالمقاومة ستبقى الرقم الصعب القادر على إرباك الجدول الزمني الأمريكي الإسرائيلي
قادة الكيان وإدارة بايدن أقرب إلى تحديد "جدول زمني توافقي" للنزول عن الشجرة ويمتد إلى شهرين في حده الأدنى؛ يبدأ بتخفيف الهجمات على قطاع غزة وينتهي بوقفها. وهي عملية تتخللها هدن إنسانية تخفف من حدة الضغوط السياسية الداخلية والخارجية على إدارة بايدن، وفي الآن ذاته تفتح الباب لهبوط أمن لقادة الكيان والمجتمع الصهيوني عن شجرة الحرب، وبما يقود إلى تجنب الإدارة الأمريكية وقادة الكيان وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو الدخول في مواجهة مؤذية للطرفين؛ تحرمهما من صورة نجاح سياسي أو عسكري يدعون فيه تحييد عناصر الخطر والحد من تأثيره على الكيان الإسرائيلي؛ وهي صيغة لا يمكن أن تتحقق دون حركة حماس، ففي لمسة سحرية خفية أشار كيربي إلى عقد "هدن إنسانية متعددة" يتم التفاهم عليها مع حركة حماس والمقاومة الفلسطينية عبر الوسطاء وعلى رأسهم قطر على الأرجح.
ختاما.. رغم المناورات السياسية التي تجريها إدارة بايدن للتخفف من أعباء الحرب ومخاطرها التي تتعاظم بفعل الاستنزاف الاقتصادي والعسكري والسياسي والدبلوماسي لطاقة كل من إسرائيل وأمريكا وعزلهما دوليا؛ فإن الهبوط سيكون مؤلما مهما حاول الطرفان التخفيف من وطأته، فالمقاومة ستبقى الرقم الصعب القادر على إرباك الجدول الزمني الأمريكي الإسرائيلي، الأمر الذي تأمل أمريكا بمعالجته عبر إطلاق مسار الهدن الإنسانية والأسرى لإشراك حركة حماس في عملية الانسحاب والتقهقر الإسرائيلي المتدرج؛ فحركة حماس أمر واقع لا بد من التواصل معها عبر الهدن ليصبح الجدول الزمني أكثر واقعية.
twitter.com/hma36
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي نتنياهو غزة حماس إسرائيل امريكا حماس غزة نتنياهو مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان الإسرائیلی کل من إسرائیل الأمن القومی إدارة بایدن جدول زمنی
إقرأ أيضاً:
نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"
في تطور سياسي وقانوني لافت داخل إسرائيل، دعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى دراسة إمكانية إبرام صفقة "إقرار بالذنب" مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تهمًا بالفساد قد تضع مستقبله السياسي والشخصي في مهب الريح. هذه المبادرة تعيد إلى الواجهة تساؤلات كبيرة حول مصير نتنياهو وحجم التحديات السياسية والقانونية التي تواجهها إسرائيل في ظل أوضاع داخلية وإقليمية متأزمة.
خلفية القضية: نتنياهو في قفص الاتهام
يُحاكم نتنياهو منذ سنوات بتهم تتعلق بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في عدة ملفات فساد معروفة في الأوساط الإسرائيلية. رغم محاولات مستمرة للطعن في الاتهامات واللجوء إلى الاستراتيجيات السياسية للبقاء في الحكم، إلا أن الضغوط القضائية تزايدت مع الوقت.
وظهرت فكرة صفقة الإقرار بالذنب عدة مرات في السنوات الأخيرة، لكنها كانت تصطدم برفض نتنياهو التام لأي تسوية تعني انسحابه من المشهد السياسي، الذي يعتبره خط دفاعه الأساسي. القبول بهذه الصفقة يعني الإقرار بوصمة عار قانونية تمنعه من تولي أي منصب رسمي مستقبلًا، وهي خطوة لم يكن مستعدًا لها حتى الآن.
تفاصيل صفقة الإقرار بالذنبوفقًا لما نشرته صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، تتضمن الصفقة خروج نتنياهو من الحياة السياسية مقابل عدم دخوله السجن. الصفقة تعتمد على إقرار نتنياهو جزئيًا أو كليًا ببعض المخالفات، بعد تعديل لائحة الاتهام لتقليل خطورة الجرائم المزعومة.
مقابل ذلك، ستسقط النيابة العامة بعض التهم أو تقبل بعقوبة مخففة، ما يجنبه المحاكمة الطويلة واحتمال السجن الفعلي. هذه الاستراتيجية القانونية، المعروفة عالميًا باسم "صفقة الإقرار بالذنب"، تتيح إنهاء القضايا الجنائية بسرعة لكنها غالبًا ما تكون محفوفة بالجدل السياسي والأخلاقي.
السياق الدولي: مذكرات اعتقال إضافية تلاحق نتنياهولا تقتصر التحديات القانونية لنتنياهو على المحاكم الإسرائيلية فقط. ففي نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
وجاء في بيان المحكمة أن هناك أسبابًا منطقية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات استهدفت السكان المدنيين واستخدما التجويع كسلاح حرب. كما أشارت المحكمة إلى أن الجرائم شملت القتل والاضطهاد وأفعالًا غير إنسانية أخرى.
الكشف هذه الأوامر ضاعف من الضغوط على نتنياهو داخليًا وخارجيًا، وساهم في تعقيد حساباته السياسية والقانونية.
احتمالات المستقبل: إلى أين يتجه المشهد الإسرائيلي؟دخول الرئيس هرتسوغ على خط الأزمة يعكس قلق المؤسسة السياسية من تداعيات استمرار محاكمة نتنياهو على استقرار الدولة. فالخيار بين محاكمة رئيس وزراء حالي أو سابق وسجنه، أو التوصل إلى تسوية سياسية قانونية تخرجه بهدوء من المشهد، يحمل في طياته آثارًا سياسية واجتماعية عميقة.
ورغم أن إبرام صفقة الإقرار بالذنب قد يبدو مخرجًا مناسبًا للعديد من الأطراف، إلا أن قبول نتنياهو بها لا يزال بعيد المنال. فنتنياهو، الذي يَعتبر نفسه ضحية ملاحقات سياسية، قد يفضِّل المضي قدمًا في المعركة القضائية حتى النهاية، آملًا في البراءة أو في انقلاب سياسي لصالحه.
أما إسرائيل، فهي تجد نفسها أمام مفترق طرق: هل تواصل السير في طريق المواجهة القانونية بكل تبعاته، أم تلجأ إلى تسوية مكلفة سياسيًا لكنها تتيح طي صفحة من أكثر الفصول إثارة للانقسام في تاريخها الحديث؟
تطرح مبادرة الرئيس هرتسوغ سؤالًا وجوديًا على إسرائيل: ما هو ثمن العدالة وما هو ثمن الاستقرار السياسي؟ بغض النظر عن النتيجة، فإن مصير بنيامين نتنياهو سيكون علامة فارقة في مسار السياسة الإسرائيلية للسنوات المقبلة.