قال الفيلسوف والمفكر المغربي طه عبد الرحمن إن عملية "طوفان الأقصى" أظهرت أن المقاومة الفلسطينية انتصرت على عقل الاحتلال الإسرائيلي كما انتصرت على أخلاقه، وأن "هزيمة العدو السياسية مجرد تابع لهزيمته العقلية وهزيمته الأخلاقية"، وذلك على خلاف ما ترسخ في الأذهان من أن المقاومة توجب أولا وقبل كل شيء إيقاع الهزيمة السياسية بالعدو.

وأوضح -أستاذ المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق ومؤلف كتاب "روح الحداثة.. المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية"- في حوار سينشر كاملا غدا السبت، أنه "لما كان العقل والخُلُق هما الصفتان المحددتان لكلية الإنسان، كانت هزيمة العدو فيهما هزيمة لذاته بأسرها، ومثلُ هذه الهزيمة لذات العدو لا يمكن أن تُمحى من ذاكرته، فلا يستقيم له بعدها أمر، فيأخذ في دوام الانهزام، حتى الانقراض الكلي".

وفي المقابل، فإن "انتصار المقاومة الفلسطينية عقليا وأخلاقيا هو انتصار لكلية ذاتها، ومثلُ هذا الانتصار لا يمكن، هو الآخر، أن يمحى من ذاكرة الأمة، فلا يَعوجّ لها بعده طريق، فتأخذ في دوام الانتصار، حتى الانبعاث الكلي"، وفق تعبير صاحب كتاب "ثُـغور المُرابَطة. مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية" (2018).

وأشار -الأكاديمي الذي درس الفلسفة واللغة في جامعة محمد الخامس والسوربون- إلى أن الطوفان يفيد معنى "التجريف الذي لا يترك وراءه شيئا، وأن حديث الطائفة المنصورة الذي أُشربت به قلوب رجال المقاومة الفلسطينية كان له تأثير في تسمية المقاومة لعمليتها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بطوفان الأقصى"، موضحا أن المقاومة لم تحمل فقط أمانة تجريف الاحتلال ولا حتى مجرَّد الظلم، بل تجريف "الشر المطلق".

وأوضح أن "الناس كانوا يتصورون الشر المطلق مفهوما بعيدا، ولا يعتقدون تحققه، فإذا بهم اليوم يرونه رأي العين، واقعا حيا، فقد شاهدوا الصلاة في بيوت الله تُقصف، والبراءة في الطفولة تُزهق، والعافية من المستشفيات تُطرَد، واللجوء إلى المآوِي يُرهَب، وقس على ذلك ما شابَهه، رأوا بأمّ أعينهم احتضار كل قيم الخير التي خُلق الإنسان من أجلها، وليس الشر المطلق إلا مَشاهِد الموت الذي يأتي على كل القيم".

وأشار مؤلف "العمل الديني وتجديد العقل" (1989) إلى أن أبعاد "طوفان الأقصى" تتخطى الحدود الجغرافية والثقافية للأمة إلى العالم كله، لأن الفعل المقاوِم بات يتطلب في زمن ما بعد الطوفان الانتماء إلى العالم، و"أن يُنظر إلى الفعل المقاوم على أنه فعل عالمي صريح مُلزِم لكل فرد من أفراد البشرية، حيثما حصل من بقاع الأرض وكيفما كانت الشرور التي يتصدى لها، وأنه يتعين على المقاوم العربي خاصة أن يعي ويوقن بأنه يتصدى لشرور لا تقتصر آثارها على وطنه، وإنما تطال أقطار العالم كلها".

السياسة والأخلاق

وأوضح الفيلسوف المغربي أنه "لما كان المقاوم الطوفاني إنسانا عالميا بحق، فقد نزل منزلة المنقِذ للعالم من هذا السقوط الأخلاقي غير المسبوق الذي ينزل به، ذلك أن العالَم لا بد أن يجد في هذا المقاوم المعلّم الأمثل الذي يعينه على استرجاع الصلة المفقودة عنده بين الطرفين: السياسة والأخلاق".

وتابع أنه لما ظهر أن الطوفان، من حيث كونه تجريفا للشر المطلق، هو السبيل الذي يوصّل إلى التحرر الأمثل، فقد لزم أن تكون "المقاومة الطوفانية" حركة تحرر للإنسان عامة أو حركة تحرير للعالم كله، حتى ولو بدت في الظاهر حركة تحرر لشعب مخصوص أو حركة تحرير لأرض مخصوصة، وفق تعبيره.

ولا يرجع هذا الالتفاف، كما شاع بين السياسيين، إلى تعاطي العالم للرواية الفلسطينية للأحداث، بقدر ما يرجع إلى كون هذه المقاومة أعادت بقوة الإنسان، حيثما كان، إلى فطرته الأولى، أي أعادته إلى القيم الأصيلة التي تنطوي عليها روحه، بدليل سرعة هذا الالتفاف حول قضيته وانخراط الفتيان فيه بكثرة، إذ الفتى يكون أقرب من سواه إلى الفطرة، فيسهل إحياؤها فيه، بحسب مؤلف كتاب "سؤال المنهج.. في أفق التأسيس لأُنموذج فكري جديد".

لكنه بيّن أن "النظام العربي، في جملته، أضحى مانعا للفعل المقاوم إلى حد أن هذا المنع أشبَه المنع الذي يقع من المحتل، حتى كأن هذا النظام "احتلال داخلي"، مشيرا إلى وجود أسباب عدة تجعل النظام العربي مانعا للفعل المقاوم، من ذلك: "الهوة السياسية بين الحاكم والمحكوم"، و"النخبة العسكرية المستولية على السلطة بالقوة والمشتركة في المصالح مع الجهات الاستعمارية"، و"النخبة المدنية التي استُلبت بقيم الثقافة الأجنبية والتي أُسندت إليها إدارة المؤسسات بتوجيه من هذه الجهات الاستعمارية"، وأخيرا، "مسلسل التطبيع" الذي أنهى البقية الباقية من الأمة، وفق تعبيره.

ودعا المفكر العربي من سماهم "مثقفي العهد الجديد الذي فتحه طوفان الأقصى إلى إعادة التفكير في مفهوم المقاومة، وأن يؤسسوه على أصول جديدة، وأن يُنشئوا من المفاهيم ما يعضّده، ويستخرجوا من حقائقه ما لم يكن يخطر على البال، ويبنوا من النظريات والأنساق الفكرية والسياسية ما يكون على قدره".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة

إقرأ أيضاً:

ئيس البرلمان العربي يؤكد مركزية القضية الفلسطينية

المناطق_واس

أكد رئيس البرلمان العربي محمد بن أحمد اليماحي، مركزية القضية الفلسطينية ودعم ومساندة البرلمان للشعب الفلسطيني ورفضه لأي مخططات أو دعوات لتهجير الفلسطينيين سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية أو القدس، وأي محاولات للضم أو لتصفية القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني.

 

أخبار قد تهمك إغلاق ميناء العريش البحري بسبب الأحوال الجوية 20 فبراير 2025 - 9:01 مساءً الدوري السعودي للمحترفين: مواجهة الفيحاء والخليج تنتهي بالتعادل السلبي 20 فبراير 2025 - 8:59 مساءً

جاء ذلك خلال لقاء اليماحي، اليوم، لوفدٍ من منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني.

 

وبحث اليماحي مع الوفد الفلسطيني سُبل نصرة القضية الفلسطينية حيث أطلع الوفد على تحركات البرلمان العربي، البرلمانية والدبلوماسية من أجل نصرة القضية الفلسطينية، ومنها تشكيل البرلمان فريق برلماني لإعداد شكوى للمحكمة الجنائية الدولية بكل الجرائم على مدى حرب الإبادة الجماعية التي شنها كيان الاحتلال.

 

وسلم الوفد الفلسطيني رئيس البرلمان العربي، تقريرين، عن ملخص حالة حقوق الإنسان في فلسطين تحت الاحتلال، وتقريرًا عن انتهاكات الاحتلال في مدينة القدس.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط 20 فبراير 2025 - 9:02 مساءً شاركها فيسبوك ‫X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد20 فبراير 2025 - 8:58 مساءًأمير منطقة الباحة يوجه بنقل خبرات الحرفيين وتدريب الشباب على المهارات اليدوية ودعم المنتجات المحلية أبرز المواد20 فبراير 2025 - 8:57 مساءًمعرض “تأقلُم” في المتحف السعودي للفن المعاصر في جاكس.. نافذة للتفكّر في الحياة من خلال فنّ السيراميك أبرز المواد20 فبراير 2025 - 8:54 مساءً“الألكسو” تستضيف باحثًا في علوم الفضاء ضمن “سلسلة أحاديث “ أبرز المواد20 فبراير 2025 - 8:54 مساءًالمنتدى السعودي للإعلام يستعرض قصة نجاح التطبيق الوطني الشامل “توكلنا” أبرز المواد20 فبراير 2025 - 8:52 مساءًالفتح يكسب العروبة بهدف نظيف في جولة يوم التأسيس من دوري المحترفين السعودي20 فبراير 2025 - 8:58 مساءًأمير منطقة الباحة يوجه بنقل خبرات الحرفيين وتدريب الشباب على المهارات اليدوية ودعم المنتجات المحلية20 فبراير 2025 - 8:57 مساءًمعرض “تأقلُم” في المتحف السعودي للفن المعاصر في جاكس.. نافذة للتفكّر في الحياة من خلال فنّ السيراميك20 فبراير 2025 - 8:54 مساءً“الألكسو” تستضيف باحثًا في علوم الفضاء ضمن “سلسلة أحاديث “20 فبراير 2025 - 8:54 مساءًالمنتدى السعودي للإعلام يستعرض قصة نجاح التطبيق الوطني الشامل “توكلنا”20 فبراير 2025 - 8:52 مساءًالفتح يكسب العروبة بهدف نظيف في جولة يوم التأسيس من دوري المحترفين السعودي إغلاق ميناء العريش البحري بسبب الأحوال الجوية إغلاق ميناء العريش البحري بسبب الأحوال الجوية تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً اليوم.. “حساب المواطن” يبدأ في صرف مستحقات المستفيدين من الدعم لدفعة يناير الجاري 10 يناير 2023 - 8:12 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2025   |   تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوك‫X‫YouTubeانستقرامواتساب فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق البحث عن: فيسبوك‫X‫YouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • «حماة الوطن»: دعم مصر للقضية الفلسطينية نموذج للالتزام العربي بالقيم الإنسانية
  • الاحتلال يستدعي أمين سر حركة "فتح" في القدس للتحقيق
  • متحدث حركة فتح: الرؤية الفلسطينية ليست بعيدة عن الخطة المصرية والعربية.. فيديو
  • ئيس البرلمان العربي يؤكد مركزية القضية الفلسطينية
  • المقاومة الفلسطينية تسلم جثامين 4 أسرى إسرائيليين إلى الصليب الأحمر
  • رتيبة النتشة: المقاومة الفلسطينية تفرض معادلتها.. ولا استعادة للأسرى إلا عبر الصفقات
  • رئيس البرلمان العربي يؤكد رفضه مخططات التهجير ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية
  • المقاومة الفلسطينية تسلم جثامين 4 أسرى “إسرائيليين” في خان يونس
  • وسط الدلالات والرموز..هكذا سلمت المقاومة الفلسطينية جثث4 إسرائيليين
  • السبت المقبل.. تفاصيل أكبر مرحلة في صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية و”اسرائيل”