قمة القاهرة تشدد على منع تفكك السودان.. وآلية وزارية لحل أزمته
تاريخ النشر: 13th, July 2023 GMT
شاهد المقال التالي من صحافة قطر عن قمة القاهرة تشدد على منع تفكك السودان وآلية وزارية لحل أزمته، أكدت قمة دول جوار السودان المنعقدة في العاصمة المصرية القاهرة، الخميس، أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها، ومنع تفككها أو .،بحسب ما نشر الخليج الجديد، تستمر تغطيتنا حيث نتابع معكم تفاصيل ومعلومات قمة القاهرة تشدد على منع تفكك السودان.
أكدت قمة دول جوار السودان المنعقدة في العاصمة المصرية القاهرة، الخميس، أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها، ومنع تفككها أو وانتشار عوامل الفوضى بها، بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة.
وشدد البيان الختامي للقمة، الذي تلاه الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر في السودان، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار، وحذر من "تداعيات بالغة الخطورة" لاستمرار الأزمة على أمن واستقرار دول الجوار والمنطقة ككل.
واتفقت القمة على تشكيل آليه وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، تعقد اجتماعها الأول في جمهورية تشاد، بهدف وضع خطة عمل تنفيذية تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ.
وتهدف الخطة إلى "وقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة، في تكاملية مع الآليات القائمة، بما فيها الإيجاد والاتحاد الأفريقي"، بحسب البيان.
كما كلفت القمة بتدشين آلية الاتصال الخاصة ببحث الإجراءات التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة السودانية على مستقبل استقرار السودان ووحدته وسلامة أراضيه، والحفاظ على مؤسساته الوطنية ومنعها من الانهيار، ووضع الضمانات التي تكفل الحد من الآثار السلبية للأزمة على دول الجوار، ودراسة آلية إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الشعب السوداني.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد حذر، في كلمته بالقمة، من خطورة الوضع في السودان، وتداعياته السلبية على دول العالم وخاصة دول الجوار السوداني.
وطالب السيسي بوقف القتال الدائر حفاظا على مؤسسات السودان، ومعالجة جذور الأزمة، والوصول لحل سياسي شامل يستجيب لآمال وتطلعات السودانيين، مشيدا بموقف دول الجوار التي استقبلت مئات الآلاف من النازحين ووفرت لهم سبل الإعاشة.
وكشف السيسي خطة مصر لحل الأزمة، وتتضمن وقف التصعيد، وبدء المفاوضات لحل مستدام، وإقامة ممرات آمنة لمرور المساعدات الإنسانية والإغاثية، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية بمشاركة القوى السودانية والمدنية لبدء عملية سياسية شاملة تلبي تطلعات الشعب السوداني، داعيا كذلك إلى تشكيل آلية اتصال منبثقة عن هذا المؤتمر لوضع خطة عملية تنفيذية لوضع حل شامل للأزمة والتنسيق مع كافة الأطراف في السودان.
وطالب السيسي كافة أطراف المجتمع الدولي بتنفيذ تعهداتها بدعم دول جوار السودان الأكثر تضررا من الأزمة، مشيرا إلى أن مصر استقبلت مئات الآلاف من السودانيين النازحين الذين انضموا إلى 5 ملايين من السودانيين يقيمون بالفعل على أرض مصر.
وأكد الرئيس المصري أن بلاده ستبذل ما في وسعها مع كافة الأطراف لوقف نزيف الدم في السودان، والمساعدة في تحقيق تطلعات الشعب السوداني بالعيش في وطنه بأمن وحرية وسلام وعدالة، وتسهيل مرور المساعدات إلى السودان عبر الأراضي المصرية بالتنسيق مع الوكالات العالمية والإغاثية.
يشار إلى أن لقاهرة أبدت تحفّظها على نشر أي قوات أجنبية في السودان، في وقت تسعى لتشكيل لجنة من دول الجوار من أجل إنجاح عملية تبادل الأسرى، تكون مسؤولة عن مراقبة الأوضاع وتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.
يذكر أن الحرب السودانية حصدت أكثر من ألفي ضحية، في حين نزح أكثر من مليونين ومئتي ألف سوداني، ولجأ أكثر من 500 ألف منهم إلى دول الجوار.
المصدر: صحافة العرب
كلمات دلالية: موعد عاجل الدولار الامريكي اليوم اسعار الذهب اسعار النفط مباريات اليوم جدول ترتيب حالة الطقس الشعب السودانی دول الجوار فی السودان
إقرأ أيضاً:
الموت بالوكالة: كيف صار الشعب السوداني رهينةً لسلطتين قاتلتين؟
في البدء، كان الحلم هشًّا، يتنازعه الواقع والممكن، بين دولة لا يحكمها العقل وجيوش يحكمها الرعب. لم يكن السودان يومًا استثناءً في سياق التراجيديا التاريخية التي صنعتها الجيوشُ العربية منذ أن تحولت من مؤسساتٍ وظيفية إلى كياناتٍ فوق الدولة، تمارس السلطة دون مساءلة، وتحكم دون أن تُحاكم.
لكن في هذا البلد، كان للعسكر وجوهٌ كثيرة، كلٌّ منها أكثر فتكًا من الآخر، حتى أصبح المواطن السوداني، ذاك الكائن المعذَّب، رهينَ طاحونةٍ تدور برؤوسٍ متشابكة، إحداها الجيش الذي خنق الدولة منذ 1956، والأخرى مليشيا خرجت من رحم التوحش وصارت قوة تنازع الطاغية ذاته على سلطانه، في مشهد عبثي تتداخل فيه الأدوار بين الجلاد والضحية، حتى بات الوطن كله رهينةً بين المطرقة والسندان.
بدأت السردية القاتلة منذ أن استيقظ السودان المستقل على حقيقة أنه لم يُخلق ليحكم نفسه، بل ليكون حقلَ تجاربٍ لأوهام الضباطِ الذين قرأوا نصفَ كتبِ القوميةِ العربية، وظنوا أن الشعب صفحةٌ بيضاءُ قابلةٌ لإعادة التشكيل وفق أوامرِ القيادةِ العامة.
الفريق عبود، أول الطغاة، جاء كظلالٍ ممتدة لجيوشِ ما بعد الاستعمار، حيث لم يكن الاستقلالُ سوى قناعٍ رثٍ لاستعمارٍ داخلي أكثر فجاجة. ثم تلاهُ نُميري، العائد من شطحاتِ البعثِ الماركسي إلى خرافاتِ الهوسِ الديني، في مسيرةٍ عكست هشاشةَ السرديات التي حاول العسكرُ تسويقها، والتي انتهت إلى أن الشعب ليس سوى متغيرٍ ثانوي في معادلة الحكم.
لكن اللعبةَ الأكثر فجاجةً كانت في 1989، حين اختُزلت الدولةُ في معادلةٍ وحيدة: الإسلاميون والجيشُ كيانٌ واحد، والحربُ على المواطنِ أصبحت معركةَ استئصالٍ مفتوحة.
هنا، بدأ الجيش في التحول إلى عصبةٍ متآمرة، حيث لم يعد مجردَ قوةٍ تحكم باسم الدولة، بل صار جهازًا أيديولوجيًا يعمل لتصفية أي مشروعٍ خارج ثنائية “الطاغية المخلص” و”العدو الوجودي”. كانت الإنقاذُ لحظةَ التحامِ القمعِ المقدسِ مع السلاحِ الدنيوي، حيث أصبح الوطنُ مجردَ ساحةٍ تُعادُ هندستها وفق أوهامِ البقاءِ الأبدي.
في تلك اللحظة، وُلدت المليشيات.
وجيف الخطى الأولى ظهرت في دارفور، حيث اختُزلت الدولةُ في معسكراتِ الموت، وتحولت الجيوشُ النظاميةُ إلى أشباحٍ تراقبُ المذابح من بعيد. ومن رماد الجنجويد، خرجت قوات الدعم السريع، كظلٍّ كثيفٍ لنظامٍ أفرط في صناعة الوحوش، حتى كادَ يُبتلع بها.
حميدتي، بائع الإبل الذي صعد من ثقافة الغزو البدائي، أصبح رجل الدولة بامتياز، في استعارةٍ فظةٍ لصعود العوامِ المسلحين في الإمبراطورياتِ الآفلة. هنا، لم يكن الصراعُ مجردَ لعبةِ سلطة، بل كان إعادةَ توزيعٍ للقوةِ خارج أطرها التقليدية، حيث أصبح الموتُ رأسمالًا قابلًا للمساومة، وصارت الحربُ استثمارًا مفتوحًا، بمدخلاتِ الذهبِ ومخرجاتِ الخراب.
حين انفجرت الحرب في 15 أبريل 2023، لم تكن سوى لحظةٍ حتمية في سياقٍ بدأ منذ أن تخلّى الجيشُ عن كونهِ مؤسسةً وطنية، وأصبح مجردَ أداةٍ لصناعةِ الطغاة. لكنها كانت أيضًا إعلانًا لانهيارِ النموذجِ نفسه، حيث لم يعد بالإمكان إخفاءُ هشاشةِ الدولةِ خلفَ أستارِ البيروقراطيةِ العسكرية. الجيشُ الذي كان يُراد له أن يكون درعَ الدولة، أصبح شبحًا يتآكل من داخله، والدعمُ السريع، الذي أُنشئ كأداةِ قمع، أصبح دولةً صغيرة داخل الدولة، حتى خرجت الأمور عن نطاق السيطرة.
لا شيء يعبر عن هذه اللحظة أكثر من أصواتِ الخرطومِ المنكوبة، حيث تحوّلت المدينة إلى أطلالٍ تتردد فيها أصداءُ الأسئلة التي لم تجد إجابة: من يحكمُ السودان؟ هل هو الجيشُ الذي صار ظلًّا لنفسه؟ أم المليشياتُ التي خرجت من رحمِ الفوضى وأصبحت القوةَ الوحيدةَ القادرةَ على فرضِ معادلاتها؟ أم أن البلادَ محكومةٌ بمنطقِ الحربِ الدائمة، حيث الدولةُ مجردُ مرحلةٍ عابرة بين معركتين؟
إذا كان ماركس قد تحدث عن “الدولة كأداةٍ للقمع الطبقي”، فإن السودان يقدم نموذجًا أكثر تعقيدًا، حيث الدولةُ لم تعد موجودةً أصلًا، والقمعُ أصبح مُوزّعًا بين عدةِ أقطابٍ، كلٌّ منها يحاولُ أن يؤسسَ روايتهُ الخاصة.
الأمر ليس صراعًا بين سلطةٍ وشعب، بل بين عدةِ سلطاتٍ، كلٌّ منها ترى في الشعب مادةً خامًا لإعادةِ التشكيل.
هذا ما يُفسرُ لماذا تحولت المليشياتُ إلى كياناتٍ اقتصاديةٍ ضخمة، ولماذا أصبح الجيشُ نفسه طرفًا في تجارةِ الحرب، حيث لا أحد يرغبُ في إنهاءِ النزاع، لأن النزاع ذاتهُ أصبح مصدرَ الشرعيةِ الوحيد.
لكن المأساةَ الحقيقية ليست في القتلةِ فحسب، بل في الذين ما زالوا يبحثون عن تبريرٍ أخلاقي لهذه الفوضى. هنا، تأتي السردياتُ التي تحاولُ اختزالَ الأمرِ في “حربٍ بين معسكرين”، وكأن هناك حقًا معسكرًا يمثلُ الشعب. الحقيقةُ أن الشعبَ السوداني، الذي ظلَّ لعقودٍ محاصرًا بين الطغاةِ والجلادين، لم يعد طرفًا في المعادلة. لقد صار مادةً للفرجةِ في مسرحيةٍ دمويةٍ تُعيد إنتاج نفسها بوجوهٍ مختلفة، لكنها تحتفظُ بالحبكةِ ذاتها: الوهمُ، القمع، ثم السقوط.
عبد الخالق محجوب، الذي قُتل لأنه رفض أن يرى في الجيشِ حليفًا، كان يُدركُ أن العسكرَ لا يصنعون الثورات، بل يُجهضونها. غرامشي، الذي تحدث عن “الهيمنة” كأداةٍ لصياغةِ الوعي، كان ليجدَ في السودانِ نموذجًا فريدًا لهيمنةٍ لم تُصنع عبر الأفكار، بل عبر الرصاص. وبين هذا وذاك، يظل المواطنُ السوداني، الذي اعتاد أن يكون مشروعَ شهيد، في انتظارِ أن يسألهُ أحدهم: متى تُريدُ أن تكونَ مواطنًا كاملَ الحقوق؟
لكن لا أحد يسألُ هذا السؤال، لأن في السودان، كما في كل الدول التي سقطت في قبضةِ العسكر، السؤالُ الوحيدُ الذي يُسمعُ دائمًا هو: لمن السلطة؟ وما دامت الإجابةُ تأتي بالسلاح، فإن المواطنَ لن يكونَ سوى صدىً للأقدامِ التي تجوبُ الخرطوم، بحثًا عن غنيمةٍ جديدة.
zoolsaay@yahoo.com