القاهرة- أثار انخراط جماعة الحوثي اليمنية في الحرب الدائرة في قطاع غزة، من خلال استهداف أي سفينة تمر من مضيق باب المندب متوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، قلق المجتمع الدولي بشأن مستقبل حركة النفط والطاقة التجارة العالمية من جهة ومدى تأثر قناة السويس من جهة أخرى.

ومنذ 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أطلق الحوثيون أولى هجماتهم ضد إسرائيل بصواريخ كروز وطائرات مسيرة، ثم سيطروا على سفينة تجارية في البحر الأحمر، واحتجزوا 25 من أفرادها، كما هاجموا عددا من السفن تجارية.

ومنذ ذلك الحين حظي أمن الملاحة البحرية في مضيق باب المندب وخليج عدن باهتمام دولي وإقليمي متزايد، في حين قال مصدر في الحكومة اليمنية للجزيرة إنها تلقت دعوة أميركية للمشاركة في تحالف عسكري لحماية البحر الأحمر من عمليات الحوثيين، وإنها قررت المشاركة فيه.

ووسع الحوثيون نطاق عملياتهم العسكرية، من استهداف السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها لتشمل كل السفن المتجهة إليها، إذا لم يدخل الغذاء والدواء لقطاع غزة، مؤكدين أن أي سفينة متجهة لإسرائيل تصبح هدفا مشروعا، وفق تعبيرهم.

وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع -أمس الخميس- أن الجماعة نفذت عملية عسكرية بطائرة مسيرة ضد سفينة حاويات تدعى "ميرسك جبل طارق" كانت متجهة لإسرائيل، بعد رفض طاقمها الاستجابة للنداءات.

ولم يغلق باب المندب بشكل كلي من قبل، واستخدمته مصر في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 لحصار إسرائيل بحريا من الجنوب عندما أغلقت قوات البحرية المصرية المضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية لمدة نحو 3 أسابيع.

ومنذ اندلاع الصراع في اليمن وسيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، تركزت عملياتها العسكرية على استهداف سفن بعينها، ولم تلجأ إلى إغلاق المضيق سواء بشكل جزئي أو كلي.

 

تكامل ملاحي

باب المندب هو مضيق يصل البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، فاصلا بين جيبوتي في أفريقيا واليمن في آسيا، وتتحكم به كل من اليمن وجيبوتي وإريتريا.

وازدادت أهمية هذا المضيق باب المندب عالميا بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 وربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط.

ويحظى أمن وسلامة المرور بالمضيق -الذي يعبر من خلاله نحو خُمس الاستهلاك العالمي من النفط- باهتمام دولي، وحرصت دول مثل أميركا وروسيا والصين وتركيا وفرنسا وإسرائيل على وجود قواعد عسكرية لها في دول جيبوتي والصومال وإريتريا.

على الجانب الآخر، توجد قناة السويس، وهي ممر مائي اصطناعي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وتختصر المسار التجاري البحري بين كل من أوروبا وآسيا دون الحاجة إلى اتخاذ طريق أطول حول القارة الأفريقية.

وتمر نحو 10% من تجارة النفط، و8% من تجارة الغاز المسال عبر قناة السويس، بينها نحو ثلثي النفط الخام القادم من منطقة الخليج، وفقا لبيانات وكالة "بلومبيرغ" الأميركية.

كما يمر نحو 30% من حاويات الشحن في العالم يوميا عبر قناة السويس -البالغ طولها 193 كيلومترا- ونحو 12% من إجمالي التجارة العالمية من جميع السلع.

وتصل حصة البضائع القادمة من جنوب القناة -العابرة من  مضيق باب المندب- نحو 47% من حجم البضائع العابرة بقناة السويس، وفقا لإحصاءات هيئة قناة السويس.

فضلا عن ذلك، تمر نحو 98% من البضائع والسفن القادمة من جنوب قناة السويس في مصر من خلال مضيق باب المندب باليمن.

ما الخسائر المحتملة؟

حذرت تقارير صحفية وردت في وكالة "بلومبيرغ"، وصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية وغيرهما من أن التطورات الأمنية في مضيق باب المندب ستكون لها تأثيرات على حركة الملاحة العابرة للبحر الأحمر، وبالتالي قناة السويس المصرية، وقد يتسبب ذلك في حدوث ركود اقتصادي عالمي.

فما طبيعة الخسائر المحتملة التي قد يتكبدها الاقتصاد العالمي في حال تطورت الأوضاع الأمنية في المضيق الحيوي والأكثر ازدحاما؟

توفر حادثة جنوح السفينة العملاقة "إيفر غيفن" البالغ طولها 400 متر وعرضها 59 مترا في قناة السويس في مارس/آذار 2021 وتعطل حركة الملاحة في قناة السويس في كلا الاتجاهين لمدة 6 أيام أرقاما مقاربة لحجم الخسائر المحتملة.

تسبب إغلاق القناة لمدة أسبوع في خسارة للتجارة العالمية بلغت نحو 10 مليارات دولار يوميا. بلغت خسائر هيئة قناة السويس 14 مليون دولار يوميا، وارتفع الرقم إلى 28 مليون دولار يوميا ونحو 200 مليون دولار أسبوعيا.

وقد تؤدي أحداث مشابهة إلى:

مضاعفة أسعار النقل والتأمين وتكاليف الإنتاج والوقود. ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميا، وبالتالي زيادة أسعار السلع عالميا. ماذا عن قناة السويس؟

وتعد قناة السويس أحد المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي، وسط توقعات أن يبلغ 10.3 مليارات دولار بنهاية عام 2023.

ولم تتأثر حركة مرور السفن عبر قناة السويس حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بالتطورات في مضيق باب المندب، حيث زاد عددها إلى 2264 سفينة من الاتجاهين، مقابل عبور 2171 سفينة خلال الشهر ذاته من العام الماضي، بنسبة زيادة 4.3%، كما نمت عائدات القناة بنسبة 20.3%، بحسب الهيئة العامة لقناة السويس.

وزادت الإيرادات الكلية لقناة السويس بنسبة 34.7% في العام المالي المنتهي في 30 يونيو/حزيران 2023 إلى 9.4 مليارات دولار، مقابل 7 مليارات دولار في العام المالي السابق،  كما زادت أعداد السفن المارة بالقناة بنسبة 17.6% لتبلغ 26 ألف سفينة، حسب بيانات هيئة قناة السويس.

ويقول مدير الكلية البحرية المصرية الأسبق، اللواء بحري محفوظ مرزوق، إن "كل الأحداث المتعلقة بالمنطقة تؤثر في قناة السويس، لكن لا يُتوقع أن تؤثر في حجم مرور السفن وإيرادات القناة التي تزيد بشكل مستمر، بسبب ارتفاع رسوم الشحن ورسوم المرور وزيادة حجم التجارة العالمية".

واستبعد مرزوق -في حديثه للجزيرة نت- أن تتطور الأوضاع الأمنية في باب المندب، لأن فلسفة الدول المعنية بأمن وسلامة المضيق تتلخص في حماية خطوط الملاحة وتأمينها، وليس مهاجمة مصادر التهديد، مؤكدا أن التوترات في السنوات الماضية لم تؤثر في قناة السويس بسبب محدوديتها كما وزمنا.

وأشار اللواء مرزوق إلى أنه رغم قدرة الدول المشاركة في تأمين المضيق عسكريا على توجيه ضربات عسكرية إلى مصدر التهديد، فإن هناك قيودا سياسية تحول دون الانخراط في مواجهات عسكرية تشعل المنطقة، وتؤدي إلى عواقب وخيمة.

وإلى جانب ما سبق هناك حاجة ماسة لقناة السويس حاليا أكثر من أي وقت مضى -بحسب اللواء مرزوق- تستوجب التعامل بهدوء وروية، لافتا إلى أن خطوط البضائع التي تخرج من الساحل الشرقي للولايات المتحدة نحو آسيا وبالعكس تمر حاليا من قناة السويس، بسبب القيود المناخية في قناة بنما وموجة الجفاف هناك.

تداعيات إقليمية ودولية

رهن خبير اقتصاديات الطاقة والنفط الدكتور نهاد إسماعيل تأثر قناة السويس بعمليات جماعة الحوثي  بارتفاع وتيرة التصعيد واضطرار السفن إلى تجنب مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس واللجوء إلى خيار الرحلات الطويلة والمكلفة حول أفريقيا.

واعتبر إسماعيل -في حديثه للجزيرة نت- أن خروج الأمر عن السيطرة جنوب البحر الأحمر سيكلف الاقتصاد المصري -الذي يعاني من شح الدولار -خسائر كبيرة، مشيرا إلى أن الاقتصاد الدولي سيعاني هو الآخر من ركود تجاري.

ورأى إسماعيل أن موقف جماعة الحوثي -حسب التصريحات الصادرة عن قادتهم- لا يستهدف قناة السويس، بل هدفه السفن المتوجهة للموانئ الإسرائيلية، وقال "لذا لا نتوقع تصعيدا حتى لا ينفرط عقد الصراع المكتوم والحرب بالوكالة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: مضیق باب المندب فی قناة السویس ملیارات دولار البحر الأحمر جماعة الحوثی

إقرأ أيضاً:

رئيس "قناة السويس": ينبغي مراعاة المؤشرات الإيجابية بمنطقة البحر الأحمر خلال وضع الخطط الملاحية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

بحث الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس، سبل تعزيز التعاون المشترك مع مجموعة ميرسك، خلال اجتماعه مع ڤينسنت كليرك المدير التنفيذي لمجموعة A.P.Moller-Maersk، ورباب بولس الرئيس التنفيذي للعمليات، عضو المجلس التنفيذي لمجموعة A.P.Moller-Maersk، أحمد حسن نائب رئيس العمليات لمجموعة A.P.Moller-Maersk، هانى النادى ممثل مجموعة شركات A.P.Moller-Maersk بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك عبر تقنية الفيديوكونفرانس. 

 شهد الاجتماع مناقشة مستجدات الأوضاع الراهنة في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، وبحث مدى تأثيرها على خطط إبحار المجموعة خلال المرحلة المقبلة.

 في مستهل اللقاء، أكد الفريق ربيع على عمق العلاقات الاستراتيجية الممتدة مع مجموعة MAERSK التي تعد شريكا رئيسيا لتحقيق الأهداف المشتركة نحو المساهمة في خدمة حركة التجارة العالمية، وتعزيز سلاسل الإمداد العالمية، معربا عن تطلعه في أن تثمر الفترة المقبلة عن مزيد من التعاون الثنائي البناء على كافة الأصعدة. 

 وأوضح الفريق ربيع أن الأوضاع الراهنة في منطقة البحر الأحمر تشهد العديد من المؤشرات الإيجابية التي ينبغي أخذها في الاعتبار خلال وضع الخطط والجداول الملاحية خلال الفترة المقبلة. 

 من جانبه، عبر ڤينسنت كليرك المدير التنفيذي لمجموعة A.P.Moller-Maersk عن تقديره للجهود المبذولة من قبل الدولة المصرية والأطراف المعنية للعمل على عودة الاستقرار لمنطقة البحر الأحمر مرة أخرى. 

 وأكد المدير التنفيذي لمجموعة A.P.Moller-Maersk حرص المجموعة على متابعة تطورات الأوضاع في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، مبديا انطباعات إيجابية تجاه المستجدات الراهنة مع بدء عودة الاستقرار إلى المنطقة، معربا عن أمله في أن تشهد الأسابيع القادمة مزيدا من التهدئة بما سينعكس بشكل إيجابي على المنطقة وحرية الملاحة. 

 من جهتها، أكدت رباب بولس الرئيس التنفيذي للعمليات، عضو المجلس التنفيذي لمجموعة A.P.Moller-Maersk أن المجموعة تتابع عن كثب كل ما يتعلق بتطورات الأوضاع في منطقة البحر الأحمر التي تشهد تقدما إيجابيا، معربة عن أملها في تحقيق استقرار دائم.

مقالات مشابهة

  • مصر وجيبوتي تتفقان على أهمية ضمان استعادة الأمن في مضيق باب المندب وحركة الملاحة الطبيعية بالبحر الأحمر
  • رئيس قناة السويس: لا معوقات أمام استئناف الملاحة في البحر الأحمر
  • قناة السويس: مؤشرات على عودة الاستقرار للبحر الأحمر
  • رئيس "قناة السويس": ينبغي مراعاة المؤشرات الإيجابية بمنطقة البحر الأحمر خلال وضع الخطط الملاحية
  • هيئة قناة السويس: الاستقرار يعود إلى البحر الأحمر
  • الفريق أسامة ربيع: أزمة عزوف السفن عن المرور في قناة السويس «أمنية بالأساس»
  • ربيع: أتوقع العودة التدريجية للعمل في قناة السويس بالربع الأول من 2025
  • رئيس قناة السويس: مؤشرات إيجابية على بدء عودة الاستقرار إلى البحر الأحمر
  • مركز معلومات بحري: حريق سفينة ترفع علم هونج كونج بالبحر الأحمر لا علاقة له بنشاط الحوثيين
  • رئيس قناة السويس: مؤشرات البحر الأحمر إيجابية وجاهزون لاستقبال السفن