نخجل أن نفرح، بل نخجل أيضا أن نحزن!
تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT
نخجل أن نفرح، بل نخجل أيضا أن نحزن!
د. #حفظي_اشتية
للأحداث الدامية الدائرة الآن ــ رغم مآسيها الهائلة ــ ألف حسنة وحسنة، لعل أهمها أننا كنا في سُبات قهري قسري عن شعورنا الجمعي القومي الديني، كلٌّ منا قد انشغل بهمومه، وما أكثرها! وجاء #الطوفان ليزلزل فينا كل وجدان، فتلتقي أمواج الأطلسي بالخليج العربي، وباب المندب مع باب الهوا، ووجدنا أنفسنا نردّد دون وعي : بلاد العرب أوطاني.
أما #الفرح فهو يكاد يكون محصورا بكل إنجاز جديد للمقاومة، ومزيد من الصمود للشعب، وما سوى ذلك فهو عصيّ على كل ذي مروءة :
مقالات ذات صلة ما أشبه الليلة بالبارحة 2023/12/15لم نعدْ نفرح لنجاح أو ميلاد أو شفاء أو ربح أو بيع أو شراء…..قلوبنا لا تطاوعنا، شفاهنا تحجّرت لا تقوى حتى على الابتسام، فارقتنا النشوة، تثاقلت مشيتنا، ناءت كواهلنا، شاهت الحياة أمام نواظرنا، خفتت أصواتنا، ليس لدينا رغبة في الكلام أو الجدال أو الخصام، ولا أدنى شهوة لشراب أو طعام، لأن همّ إخواننا وأوطاننا يسكن جوانحنا، ويفترس أفكارنا، ولا يكاد يفارقنا في يقظة أو منام. وكلّ من يخرج عن هذا الوصف ينبغي له أن يعيد النظر في نفسه، ويتلمّس قلبه في جانبه، ويبحث عن السبب الذي جعله قادرا على الفرح في خضمّ كل هذه الآلام التي تعصف بأمتنا، وتبطش بإخوتنا، ولعله يتذكر سيل الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تصف المؤمنين وأُخوّتهم وتراحمهم وتناصرهم وتوحّدهم في هيئة جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعت الأعضاء كلها بالحمّى والسهر.
وأما #الحزن فقد غلبَ أن يكون لنا عادة وديدنا قبل الأحداث الأخيرة، فكيف الحال بعدها؟؟!!
لقد هانت أحزاننا العاديّة ــ وإن جلّت ــ بإزاء أحزان إخوتنا هناك، وأصبحنا ــ حقا ــ نخجل أن نحزن . فعلى ماذا نحزن ؟؟ نحزن على خسارة ؟ وأية خسارة تُقاس بخسائرنا هناك ؟ على عمارة ؟ على سيارة ؟ على مريض في مأمن يبحث عن علاج موفور ؟ على فقد وظيفة ؟على تدني رواتب ؟ على تواضع مآكل ومشارب ؟ على غياب ترف وكماليات ؟ على قلّة وقود للتدفئة ؟ على ضعف إمكانات لإقامة العزائم والمآدب ؟ على العجز عن شراء ملابس زاهية جديدة، أو سجّاد أثير ورياش وفراش وفير….؟؟؟
بعد كل ما رأيناه، هل نعدّ مثل هذه أحزانا؟ شتّان ما بين أحزان وأحزان!!
حتى على الموت، وهو الأمر الجلل، أصبحنا نخجل أن نحزن، فالميت فينا محكوم لقدر الله، يتلقى كل الرعاية اللازمة، والعلاجات المطلوبة، وتُجرى له العمليات في الغرف المجهزة،و على أيدي الأطباء المتناوبين المَهَرة، ويزدحم حوله أهله، فإن فارق الحياة وجد سيارة تحمله، وسيارات تسير بأمان في موكبه، وجمع غفير يصلي عليه، وجنازة حافلة تليق به، وقبر ينفرد له، وسرادق وعزاء وساطع الكهرباء، وقهوة تدور، وولائم وافرة، وماء وتمور…..إلخ.
الحزن الحقيقي المستحقّ هناك : شعب كامل يتعرض لهجمة همجية ليس لها مثيل في قديم التاريخ أو حديثه، عدو مريض دينيّا، يرى في قتل “الأغيار” تقرُّبا إلى الله، والتزاما حرفيا بتعاليمه ووصاياه، وهو مسكون بهلوسات تلمودية تسوّغ له كل خطاياه، قد امتلك كل أسباب القوة المادية غير الإنسانية، واحتشدت معه كل قوى الشر الطاغية غير الأخلاقية من شاكلته، واستفردوا بأناس عزّل من كل عناصر القوة، إلا قوة الإيمان بالله والحق، تعاقبت عليهم سنين وراء سنين وهم محاصرون في شريط طوليّ مخنوق، مغلق بعدة بوابات، البحر أمامهم والصحراء وراءهم، والعدو عن يمينهم وشِمالهم، وجَنوبهم وشَمالهم، قد أغلق في وجوههم منافذ البر والبحر، وملك فوقهم الفضاء، وقعد لهم كل مرصد يحسب أكلتهم وشربتهم، ويُحصي عليهم أنفاسهم. ثم وجد الذريعة أخيرا فأطبق الخناق، وأغلق طريق الحياة أمام كل نسيس أو رسيس، وألقى حمم الموت دون رحمة، فانهالت النكبات، وتفجّرت بحار الأحزان، وجرفتنا أمواجها العاتية : مدنٌ تتهاوى وتصبح أثرا بعد عين، وعداد الشهداء والجرحى لا يتوقف دقيقة، شعبٌ جائع بأسره يُقتلع غصبا من دياره، ويُقذف به ليهيم دون هدى ودون مأوى، بملابس صيفية، يتكدسون تحت قطع بلاستيكية واهية، تلعب بها الأرياح، وتعوم بمياه الأمطار، وتسمّى “أماكن آمنة”!! وتتوالى المشاهد :
ــ هذه أمّ تترك أطفالها لتجلب لهم ماء على نهج “هاجَر”، وتعود سريعا يسبقها قلبها الهلِع الخفّاق لتجد البيت مهدوما فوق رؤوسهم، فتصرخ بصوت مفجوع يفتّت الأكباد : يا ألله يا ألله، ارمِ الصبر على قلبي يا ألله.
ــ هذه فتاة صغيرة فقدت كل عائلتها إلا أخا رضيعا تحمله بين ذراعيها المنهكتين، وتصرخ من أعماق أعماق روحها المعذّبة بصوت يقطّع نياط القلب، ويعبر الفضاء نحو السماء : آآآآآه، والرضيع بين يديها يكبُر دهرا في لحظة زمن، ويدرك هول العذاب فيستجلب البكاء ثم يجمد فجأة ويتجلّد وكأنه يصيح بالكون : ليس هذا وقت البكاء!!
ــ هذه أمّ أمام المستشفى كالحبشي الذبيح تدور حول نفسها، قد ذُهلت عن كل ما حولها، تسائل الواقفين : أين أولادي؟ أين الأولاد لقد ماتوا جائعين، والله ما أكلوا، وابنتها الصغيرة تدرج خلفها تُمسك بتلابيبها ترجوها أن تسكت لأن الطفلة لم تحتمل هذا الحزن العظيم لأمّها المكلومة.
ــ هذا طفل يجلس بجوار جثمان أبيه المسجّى، تنهمر دموعه مدرارا، يعزّي نفسه الملتاعة لفقد المعيل والسند، وهو يخاطبه بحكمة الشيوخ : هنيئا لك يا بابا، فقد نلت الشهادة.
ــ هذه طفلة فقدت كل أهلها، تعاتب ربّها : لمَ لمْ يأخذها معهم، وتركها وحيدة تواجه قدرها؟؟!!
ــ هذا طفل بُترت قدمه، يتحسسها، ويجيب المذيع بابتسامة مريرة بأنه حزين، لأنه كان يعشق لعب كرة القدم، وحُرم من تحقيق هذا الحلم.
ــ هذا طفل بُترت يده من الكتف، تنبجس ينابيع الحزن من عينيه، ويتلوّى الألم في صرخته وهو ينادي بيأس قاتل : أريد يدي، أريد أن تعود لي وألمسها.
ــ هذه طفلة فقدت والدها، يسألها المذيع : لمَ أنت حزينة؟ فتظهر أشلاء قلبها الممزّق في نظرة عينيها، والدموع تترقرق في مقلتيها، وابتسامة ذبيحة تبكي على شفتيها، وهي تقول : أبي ليس معنا.
ــ هذه طفلة تبيع الشاي، يناديها ليشتري منها جبرا لخاطرها، فيسألها : لماذا تبيعين؟ فتنفجر كل آبار الحزن الدفين من عينيها، وتترك بِحركة الأسى في يديها إجابة بليغة صامتة صاعقة تصفع الدنيا بأسرها.
ــ هذه عائلة تبيت الليل في العراء تحت وابل المطر وقارس البرد، أطفال صغار تحتضنهم أمهم وهم يرتجفون كزغب القطا من رؤوسهم إلى أخامص أقدامهم، وطفلة صغيرة ترتعد فرائصها تطلب من المذيع بخجل غلبها “خيمة”!!!! يا لَعجزنا ووجع ضمائرنا!! أصبحت غايات أمنيات أطفالنا “خيمة”!!
وتتلفت أرواحنا المتعَبة هنا وهناك، فتتكاثر في مخيلاتنا العذابات والمِحن، ويتعالى في صدورنا منسوب الحقد والكراهية والإحَن….هذا وذاك، وهذه وتلك، وهؤلاء وأولئك…. سيل عرِم من أحزان لا تنقطع، وأوجاع تذيب القلب. رحماك يا ربّ!! أنت الرحمن، أنت الرحيم، ارحم هذا الشعب المظلوم المنكوب الصابر، فقد طالت معاناته، وقلّ نصيره، وارحمنا جميعا معه، فقد صرعتنا المواجع، وأضنانا التعب، وأعمانا الغضب.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الطوفان الألم الفرح الحزن ــ هذه
إقرأ أيضاً:
مدرب فرقة "وطن الفنون الفلسطينية" في حوار لـ "الفجر الفني": واجهنا صعوبات في الحصول على أزياء الحفل.. وحملنا مشاعر مختلطة من الحزن والألم
الفن رسالة قوية وتغلبنا على مشاعر القلقواجهنا صعوبة في الحصول على الأزياء التراثية وصممنا نظهر بأفضل صورةقلقنا من فهم الجمهور لنا بشكل خاطيء قبل الحفل
افتتحت الفرقة الفلسطينية "وطن الفنون " فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي حيث قدمت مجموعة من الرقصات والفلكلور الفلسطيني في بداية الحفل وحصلت على العديد من الإشادات الجماهيرية وتفاعل الحضور مع الدبكة بشكل كبير وأغنية " فلسطيني" للفنان محمد عساف، ووجه الفنان حسين فهمي الشكر لهم بعد انتهاء الفقرة معلنًا أن جميع أعضائها من فلسطين.
كان لـ “الفجر الفني” لقاء خاص مع مدرب الفرقة مهند سكيك ليكشف تفاصيل تحضيراتهم لهذا الحفل والتحديات التي واجهتهم للمشاركة في المهرجان.
يقول مهند سكيك مدرب الفرقة الفلسطينية أن الفنان حسين فهمي أتفق مع إدارة الفرقة أن تكون فرقتنا "فرقة وطن للفنون " عبارة عن مفاجأة للحضور.
وعن تحضيرات الفرقة قال سكيك:"احنا كفرقة دبكة فلسطينية، الدبكة جزء من هويتنا ومن حبنا لتراثنا، التحضيرات كانت مكثفة، اشتغلنا بقلب واحد وكلنا حماس عشان نطلع بأحسن صورة ونمثل فلسطين بأداء يليق بتراثها تحضيراتنا كانت مش مجرد دبكة وتدريب، كانت كأنها وسيلة نعبر فيها عن اللي بداخلنا، خاصة مع اللي بصير في غزة، كل حركة وكل خطوة على المسرح كانت بتمثل صوتنا وصوت أهلنا اللي يعانوا هناك تعبنا كتير، بس كان إلنا دافع قوي نطلع بأحسن صورة، كلنا كنا بنتدرب بجدية وبروح الفريق، لأنه منعرف إنه هي فرصة لنوصل صوتنا ونبيّن للعالم جمال تراثنا وهويتنا".
وعن ردود أفعال الجمهور على الفقرة:" كانت مشاعرنا ممزوجة بالفخر والتأثر عندما علمنا أن المهرجان متضامن مع فلسطين، هذا التضامن يعني الكثير لنا، ويجعل المشاهد يرى كيف يستطيع الفن توصيل رسائل قوية ويقف بجانب قضايا عادلة، وهذا ما أعطانا حافز للإبداع على المسرح".
وكشف مهند سكيك عن التحديات والأزمات التي واجهتهم قائلًا:" أهم الصعوبات كانت الظروف المادية،
واجهنا صعوبة بالحصول على الأزياء التراثية، ولكن كنا مصممين أن نظهر بأفضل صورة، وبالإضافة لذلك كان هناك ضغط نفسي كبير على الفرقة، نظرًا لشعورنا بمسؤولية ضخمة لتمثيل فلسطين بصورة تليق بها، خاصة في ظل الأحداث فى غزة، كل شخص من الفرقة كان يشعر إنه يمثل صوت أهل وشعب فلسطين".
أضاف قائلًا:" كان لدينا تحدي عاطفي ليس سهلًا، عندما كنا ندبك، كنا نحمل مشاعر مختلطة من الألم والحزن على ما يحدث هناك، ولكن قررنا تحويل هذة المشاعر لطاقة إيجابية ونقوم بتوصيل رسالتنا بشكل قوي على المسرح".
وتابع قائلًا:" كان هناك خوف كبير من كيفية تقبل الجمهور لمشاركتنا في المهرجان في ظل الحرب، كان لدينا حالة قلق من أن يفهمنا الجمهور بشكل خاطيء، ويعتبرها وقت غير مناسب (للدبكة) وينقلب الأمر ضدنا".
واختتم حديثه قائلًا:" عندما صعدنا على المسرح وانتهينا من الدبكة، كل التعب والمخاوف زالت، وعندما رأي أهلنا وأصحابنا في غزة هذا العرض، كان لديهم شعور بالفخر الشديد وشعرنا أن رسالتنا وصلت بنجاح، شعرنا أننا نجحنا في توصيل صوتنا وتراثنا، المشاركة لم تكن مجرد دبكة، كانت موقف وكلمة بإسم كل شخص يعيش هناك، وكانت أكبر دليل على أن الفن رسالة قوية".