ما أشبه الليلة بالبارحة
#الشيخ_كمال_الخطيب
لعله السؤال الذي يقفز على لسان كل واحد منا يبحث عن جواب به يفسّر الحالة التي عليها الأمة في هذه الأيام. إنه السؤال عن سبب #الصمت_القاتل والسبات العميق والخور المذهل و#الخذلان الذي تعيشه #الأمة_الإسلامية، يعيشه #الزعماء ويعيشه #العلماء وتعيشه #الشعوب عبر حالة الإنخراس واللامبالاة مما يجري ويقع على الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين من أبناء شعبنا في قطاع غزة.
الكل يتساءل هل ماتت الحمية العربية وتقطعت آخر الخيوط من رابطة الأخوة الإسلامية وشيعت إلى مثواها الأخير؟! وهل حُنّطت معاني الإنسانية في متاحف التاريخ؟!
مقالات ذات صلة انتخابات 2024 النيابية و الهوية الاردنية 2023/12/14وهل بلغت الخيانة بالزعماء إلى الحدّ الذي لم يتجاوز فيه موقفهم أكثر من بيان هزيل أو مؤتمر صحفي يتم فيه تسجيل موقف؟! ولماذا انخرس العلماء إلا من رحم الله فلم تصدع حناجرهم بالدفاع عن المقهورين والمظلومين، وما الذي يمكن أن يحدث أكثر مما حدث، وماذا يمكن أن يكون أعظم وأخطر من وقوع نكبة وتهجير للمرة الثانية على أبناء شعبنا في قطاع غزة في العام 2023 وهم الذين سبق وهُجّر أجدادهم وآباؤهم بل وعشرات الآلاف منهم ممن ما زالوا أحياء وهم الذين هُجّروا في العام 1948.
وخلال البحث عن جواب للسؤال الأول فإنها جملة تساؤلات تتوالى:
هل هي نهاية الأمة واندثارها وزوالها وإلى الأبد؟ أم أن هذه حالة عارضة وغيمة سوف تنقشع؟ وهل مرّ مثل هذا الحال في تاريخ الأمة؟ وكيف كان الخلاص والخروج من هذا الحال؟
وللإجابة عن هذا السؤال بل هذه التساؤلات، فلا بد من تقليب صفحات التاريخ وسنجد أكثر من مرة فيها عاشت الأمة ظرفًا كهذا الظرف حتى يصدق قول من قال: “ما أشبه الليلة بالبارحة” ولعل مرحلة هي الأكثر شبهًا بما عليه الأمة في هذا الزمان، هي المرحلة قبيل الحملات الصليبية على المشرق الإسلامي والتي كتب عنها الكتاب والمؤرخون حيث كان من أبرز ملامحها:
فساد الحياة الاجتماعية
لقد تردت الحالة الاجتماعية فيما بين المسلمين بعضهم ببعض من فرقة وخصومات وأنانية وصلت إلى الحد الذي وصفه ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ لما قال: “لقد انهار مفهوم الأمة الإسلامية، وحلّت محله مفاهيم العصبية الإقليمية والعشائرية والمذهبية، حتى أن العصبية كانت بين أبناء المدينة والبلدة الواحدة حيث عمّت حوادث الشجار والفتنة بين العائلات والأحياء في بغداد والبصرة، وفي سنة 470 حدثت فتنة قُتل فيها خلق كثير وأحرقت المنازل ورفع العامة السودان”. ويقول: “وفي العام 461 وقع في دمشق فتنة بين المشارقة والمغاربة حيث احترقت دار قرب المسجد الأموي الذي احترق بكليته”.
وفي غمرة الفساد الذي ضرب الحياة الاجتماعية، انصرف الناس عن القضايا الهامة إلى القضايا التافهة التي تدور حول الطعام والشراب واللهو والمساكن، وانتشر النفاق وسادت الانتهازية والأنانية حتى قال المؤرخ أبو شامة: “وكانوا كالجاهلية همّ أحدهم بطنه وفرجه لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا”.
وزيادة في مظاهر الفساد فكان اللهو وفساد الأخلاق وشاعت بين الناس مصارعة نقر الحمام، وشاع الزنا وشرب الخمر وانتشرت الملاهي والجواري والمغنيات، وانتشرت الشكاوى من الناس بعضهم ضد بعض.
وإذا قرّبنا الصورة لما يحصل في هذه المرحلة العصيبة التي تمرّ بها الأمة، فإنه يتبيّن لنا أن مشاريع الفتن والحروب الداخلية، وأن الشجارات والخصومات العائلية، وأن صراع العصابات وجرائم القتل بينها ليس صدفة، وأن الفساد الاجتماعي وانتشار الانتهازية والانشغال بالمأكل والمشرب والرحلات والسفر وكثرة وسائل اللهو والإباحية والعريّ والزنا وكثرة الطلاق، هي ليست إلا جزءًا من مشاريع هدم للمجتمع.
وأن إشغال الناس بملاهي ومهرجانات الترفيه والغناء هي نسخة جديدة لما كان يومها، فإذا كانت تجري مسابقات مصارعة الحمام يشرف عليها الخليفة، فإنها اليوم مهرجانات الكلاب كما جرى في السعودية قبل أسبوعين.
الانقسامات السياسية
كانت الانقسامات السياسية في الأمة الإسلامية على أشدها فقد انقسمت دولة السلاجقة إلى خمس دول، وانقسمت إمارة الشام إلى دويلات دمشق وحلب والموصل وبعلبك وطرابلس، وكان بين كل إمارة ودويلة صراع وخلاف مع الإمارة الأخرى مع أن أمراء هذه وتلك كانوا إخوة أو بني عمومة، حتى أن البعض منهم استنجد بالصليبيين المحتلين وأقام معهم تحالفات ومعاهدات تم بموجبها تزويد الصليبيين بالغذاء والسلاح ثمنًا لمناصرة أحدهم على أخيه كما فعل أمراء دمشق وحلب.
ووقع ما هو أفدح من ذلك حين ظهر بعض الأمراء المسلمين الذين وبدلًا من مواجهة المحتلين الصليبيين، فإنهم قد وجهوا سهامهم وعصاباتهم لمقاتلة المسلمين، بل وصل بهم الأمر إلى حد قطع الطريق على الحجاج ونهبهم وسرقة أموالهم وفرض ضرائب عليهم إذا عبروا من أرض هم يسيطرون عليها.
لا بل إن الصليبيين قد وجدوا من بعض تلك الجماعات الفاسدة والعصابات المارقة من استخدموهم للقيام بعمليات الاغتيال وقتل العلماء والقادة المسلمين. إنهم العملاء في أبشع صورهم كما فعلوا في محاولتين لاغتيال صلاح الدين الأيوبي رحمه الله غيظًا وحنقًا عليه لدوره في كشف مخططاتهم وتوحيد الأمة لمواجهتهم وإفشال مشاريعهم.
وكثرت يومها الانقلابات السياسية يقوم بها زعيم وأمير ضد آخر، وتُسفك الدماء وتُنتهك أعراض واحتدم الصراع بين الفاطميين وبين الدولة العباسية حيث استغل الفاطميون حالة الضعف فراحوا يضربون ويثخنون جسد الخلافة العباسية، وخلال ذلك كانت سنابك خيول الصليبيين تحتل بلاد المسلمين، فاحتلوا مملكة السلاجقة في آسيا الصغرى، واحتلوا إمارتي حلب ودمشق ودفعها الجزية للصليبيين، ورفض أميرا دمشق وحلب التعاون مع بعضهما ضد الصليبيين بل إنهما تحالفا مع الصليبيين استقواء في أحدهما على الآخر، وسقطت القدس والمسجد الأقصى بيد الصليبيين في العام 1099 وذُبح في ساحاته 70 ألف مسلم وارتكبت المجازر في كل بلد وصلوا إليه.
بل إن كتب التاريخ تذكر أن وفدًا من أهل بيت المقدس ذهب إلى بغداد حيث الخليفة العباسي وأخذوا معهم جماجم ممن قُتلوا في ساحات الأقصى، وكذلك أخذوا معهم شعرًا من شعر نساء اغتصبن وقتلن، فلمّا وصلوا بغداد وجدوا الخليفة العباسي مشغولًا بتدريب حمامته “البلقاء” استعدادًا ليوم مسابقة نقر الحمام. فهل يختلف حال الأمة اليوم وحال القدس والأقصى وغزة بما هي فيه، بينما محمد بن سلمان لا يقف عند حد إقامة مهرجانات الرقص واللهو والغناء والخنا، وإنما هو الذي يقيم في بلاد الحرمين الشريفين مسابقة للكلاب من جميع أنحاء العالم.
ومن أصدق من وصف حال الأمه يومها ما قاله الشاعر والأديب “وجيه بن النصر التنوخي” في وصف حال الأمة لما احتل الصليبيون المسجد الأقصى:
أحل الكفرة بالإسلام ضيمًا يطول به على الدين النحيب
فحق ضائع وحمى مباح وسيف قاطع ودم صبيب
وكم من مسلم أمسى سليبًا ومسلمة لها حرم سليب
وكم من مسجد جعلوه ديرًا على محرابه نصب الصليب
أمور لو تأملهن طفل لطفّل في مفارقته المشيب
أتسبى المسلمات بكل ثغر وعيش المسلمين إذا يطيب
أما لله والإسلام حق يدافع عنه شبان وشيب
فقل لذوي البصائر حيث كانوا أجيبوا الله ويحكم أجيبوا
صرخة عالم
كانت فترة عصيبة ومرحلة خطيرة قد مرّت على أمة الإسلام، ذاق فيها المسلمون الهوان والتمزق والضياع، سفكت الدماء وهتكت الأعراض ودمّرت المدن والأسواق وانتهكت المقدسات. وكان أخطر ما في تلك المرحلة صمت علماء السلاطين وانخراسهم بل تبريرهم أفعال الأمراء والسلاطين بالفتاوى، إلى أن كانت صحوة وثورة العلماء العاملين الصادقين تقدم صفوفها الشيخ عبد القادر الجيلاني وأصحابه وتلاميذه.
وجه الشيخ عبد القادر رسائله وخطبه إلى الأمراء والعلماء وإلى عامه الناس مشيرًا إلى مظاهر الفساد ومؤكدًا على أنه لا خلاص إلا بالعودة إلى تعاليم الدين في بناء الفرد والمجتمع وإعادة بناء مفهوم الأمة الإسلامية من جديد. وكان من أشهر أقواله: “أيها الناس دين محمد تتساقط حيطانه وتتهدم أركانه، هلموا يا أهل الأرض نبني ما تهدم ونقيم ما وقع، هذا يثنى ما يتم يا شمس يا قمر يا نجوم… “
وجّه كلامه ورسائله إلى العلماء الذين باعوا دينهم بدنيا الملوك والأمراء حتى أنه اعتبرهم تجارًا يتاجرون بالدين من أجل مصالحهم، فقال لهم: “يا سلّابين الدنيا بطريق الآخرة من أيدي أربابها، يا جهّالًا بالحق أنتم أحق بالتوبة من عوام الناس، أنتم أحق بالاعتراف بالذنوب من هؤلاء”. “لو كانت لكم ثمرة العلم وبركته لما سعيتم إلى أبواب السلاطين، العالم الحق لا رجلين له يذهب بهما إلى أبواب الخلق ولا يدين له يأخذ بهما أموال الناس”. “يا خونة العلم والعمل، يا أعداء الله ورسوله، هذا النفاق إلى متى؟”.
وكان يخاطب عامة الناس بقوله: “لقد صارت الملوك لكثير من الخلق آلهة، ويحكم أيها الناس أجعلتم المرزوق رازقًا والمملوك مالكًا والعاجز قويًا والميت حيًا، إذا عظّمت جبابرة الدنيا وفراعينها وملوكها وأغنياءها ونسيت الله عزّ وجل ولم تعظّمه فحكمك كحكم من عبد الصنم”. وكان يقول لهم: “ملائكتكم تعجب من وقاحتكم، وتعجب من كذبكم في أحوالكم، تعجب من كذبكم في توحيدكم، كلّ حديثكم في الغلاء والرخص وأخبار السلاطين والأغنياء، أكل فلان ولبس فلان وتزوج فلان واستغنى فلان. كل هذا هوس ومقت وعقوبة، اتركوا ذنوبكم وارجعوا إلى ربكم دون غيره اذكروه وانسوا ما سواه”.
أليست وقاحة من بعض المسلمين في زماننا يتظاهرون بخزيهم وتأثرهم مما يجري للأطفال والنساء والشيوخ في غزة من قتل وتشريد بينما يقيم أحدهم لابنه العرس فيه الولائم والغناء والأفراح والليالي الملاح، فأي نفاق هذا يا هؤلاء؟!
كان تلاميذ الشيخ عبد القادر يكتبون ما يقول على أوراق يعلقونها على أبواب المساجد ينتقدون فيها الحكام وأعوانهم حتى أنه اغتنم يومًا وجود الخليفة في المسجد فخاطبه من على المنبر قائلًا له: ًوليّت على المسلمين، أظلم الظالمين، ماذا ستقول غدًا لرب العالمين” مشيرًا بذلك إلى الأمراء الذين كانوا يختارهم الخليفة وبعضهم كان من شرار الناس.
وجاء الفرج
كانت مدرسة الشيخ عبد القادر الجيلاني وتلاميذه ونواة الصحوة والنهضة الدينية في ذلك الزمان والتي أعادت توجيه البوصلة الدينية والاجتماعية والسياسية للأمة، هذه الصحوة التي مهدت لظهور عماد الدين زنكي ونور الدين زنكي وهيأت لظهور صلاح الدين الأيوبي وتحرير القدس والأقصى بعد معركة حطين الخالدة، وإن كان ذلك حصل بعد رحيل ووفاة الشيخ الجيلاني رحمه الله، الذي ولد قبل احتلال القدس والأقصى بنحو عشرين سنة أي في العام1078. وتوفي قبل إعادة تحرير القدس والأقصى من الصليبيين بنحو عشرين سنة أي في العام 1166.
وعليه فإن الجواب على السؤال الذي يقفز على لسان كل واحد منا في محاولة فهم المرحلة التي نمر بها وهل هي تمثّل المسمار الأخير في نعش الأمة، أم أنها عارض مرضي وستشفى منه الأمة بإذن الله تعالى، أم أنها جزء من ناموس الله في الأمم والحضارات، أنها تمر بفترات قوة وضعف، إقبال وإدبار، نصر وهزيمة.
وإذا كنا قلنا ما أشبه الليلة بالبارحة، فإنه الحديث عن مساء تلك الليلة الحزينة التي احتلت فيها القدس والمسجد الأقصى المبارك وتسلط علينا علوج الإفرنج الصليبيين. ولكنها الليلة التي طلع صبحها وقد هزمنا الصليبيين شرّ هزيمة وتطّهر الأقصى وكل أرض المسلمين من رجس احتلالهم.
نعم إننا في مرحلة يقظة وصحوة ونهضة برغم ما فيها من آلام ودماء ودموع وابتلاءات، وبرغم ما فيها من خيانة زعماء وتكالب أعداء وضلالة علماء، إلا أنها مرحلة وستنتهي، وغيمة وستنقشع، وكرب سينفرج، وستعيش الأمة بإذن الله في عزّ الإسلام وتحت راية التوحيد راية لا إله إلا الله محمد رسول الله وإن غدًا لناظره قريب.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الشيخ كمال الخطيب الأمة الإسلامية الزعماء العلماء الشعوب ما أشبه اللیلة بالبارحة الأمة الإسلامیة القدس والأقصى فی العام حتى أن
إقرأ أيضاً:
ائد الثورة يجدّد التأكيد على استمرار العمليات العسكرية في البحر الأحمر
سبأ :
جدّد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، التأكيد على أن العمليات العسكرية اليمنية مستمرة في استهداف السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني وبالعمليات إلى عمق فلسطين المحتلة.
وقال قائد الثورة في كلمة له عصر اليوم حول آخر تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان والمستجدات الإقليمية والدولية “قرارنا مستمر في التعامل مع عمليات التمويه الإسرائيلية في نقل الملكية للسفن المرتبطة به كما جاء في إعلان الجيش اليمني”.
وأكد أن نتائج الانتخابات الأمريكية لن تؤثر على الموقف اليمني المبدئي، ولا خيار للأعداء إلا وقف العدوان والحصار على غزة ووقف العدوان على لبنان .. مضيفًا “بعض الأنظمة العربية وأبواقها الإعلامية تحاول التهويل على شعوبنا من ترمب، ولدينا في اليمن تجربة مع ترمب وكذلك المنطقة بكلها، والنتيجة أنه لم يحسم الجبهات في اليمن ولم ينجح في فلسطين ولبنان وسوريا وإيران والعراق”.
وتابع “لا ترمب ولا بايدن ولا أي مجرم في هذا العالم، سيتمكن من أن يثنينا عن موقفنا الثابت المبدئي الديني في نصرة الشعب الفلسطيني، ومهما كان حجم أي تصعيد ضدنا وأي عدوان يستهدفنا فلن يثنينا نهائيا عن موقفنا المبدئي الديني في نصرة الشعب الفلسطيني”.
كما أكد قائد الثورة أن الخيار الأفضل للأمريكي ولغيره، يتمثل في وقف العدوان والحصار عن غزة ووقف العدوان على لبنان وإنهاء هذه الحروب، مضيفًا “ترمب قال إنه سينهي الحروب، وإذا كان صادقا فليوقف العدوان الذي تشترك فيه أمريكا على قطاع غزة ولبنان”.
وأشار السيد القائد إلى أن ما حققه ترمب من نجاحات، هو في حلب بعض الأنظمة العربية بمئات المليارات من الدولارات التي أنهكت اقتصادها.. لافتًا إلى أن ترمب نجح في حلب الأنظمة العربية الحلوبة التي تعطيه مقدرات شعوبها وثرواتها ليزودها بشيء من السلاح للفتن والاقتتال الداخلي بين أبناء الأمة.
وأوضح أن المزيد من العدوان والفتن لن تحقق لترمب ولا لأمريكا وإسرائيل وبريطانيا وكل أعداء أمتنا أهدافهم، ومن يتحرك في المعركة اليوم من الأمة هم أبناؤها الذين يؤمنون بالله ويتوكلون عليه ويعتمدون عليه ويثقون بنصره.
ولفت إلى أن الأمة التي تواجه هي التي تثقفت بثقافة القرآن الكريم فلا تخشى إلا الله ولا ترهب سواه ولا تكترث ولا تنحني أمام أي طاغية في هذا العالم.. وقال “واجهنا بالاعتماد على الله العدوان الأمريكي وشركاءه في فترة رئاسة ترمب السابقة لأمريكا ونحن في وضع أضعف مما نحن فيه اليوم”.
وأضاف “بالاعتماد على الله والرهان عليه لن نُعجب لا بكثرة ولا بنوع من الإمكانيات أصبح بأيدينا، وكل فاعلية ذلك مع التأييد والرعاية الإلهية، ونحن حاضرون في المعركة مع الأمريكي ومستمرون في مساندة الشعب الفلسطيني، في هذا الموقف بكل ثبات سعيا لمرضاة الله وثقة به”.
واستطرد قائلًا “نحن مواصلون بالتصعيد بكل ما نمتلك ونسعى كما قلت مرارا وتكرارا لما هو أعظم لما هو أكبر لما هو أقوى، وشعبنا يواصل حركته ونشاطه ومسيراته ومظاهراته لأن هذا جزء من الموقف وجزء من الجهاد”.
ودعا السيد القائد أبناء الشعب اليمني إلى الخروج المليوني يوم الغد في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات خروجًا مشرفًا متحديًا لكل طواغيت العالم، وللتأكيد على الوفاء والثبات والاستمرار في الموقف المساند لفلسطين ولبنان.
وقال “شعبنا سيخرج غدا الجمعة حضورا مليونيا ليعبر عن وفائه وثباته وشجاعته وصموده، ويمن الإيمان والحكمة وشعب القيم والوفاء لا يخشى إلا الله وسيتحدى كل الطغاة، خروجكم المليوني يوم الغد يقول لمجاهدي فلسطين ولبنان أننا لن نتركهم لوحدهم أبدا، ونقول لهم من جديد: لستم وحدكم ومعكم حتى النصر”.
وأضاف “الحضور يوم الغد له أهمية كبيرة جدا ليسمع الأمريكي وكل طواغيت العالم وليؤكد شعبنا أنه لا يبالي بأي طاغية في هذا العالم، كما أن خروج شعبنا يوم الغد يؤكد أنه لن يتراجع عن موقفه أبدًا في نصرة الشعب الفلسطيني ومساندته مهما كانت التحديات”.
واستهل السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، كلمته بالحديث عمّا ارتكبه العدو الإسرائيلي هذا الأسبوع من جرائم بما يزيد عن 30 مجزرة استشهد فيها وجرح أكثر من 1300 فلسطيني، وقال “تشير التقديرات إلى استشهاد أكثر من ألفي فلسطيني وجرح أكثر من أربعة آلاف خلال التصعيد العدواني شمال قطاع غزة”.
وأوضح أن العدو الإسرائيلي يمنع دخول أي مواد غذائية أو طبية ويفرض تحت القصف والمذابح والتجويع تهجيرا قسريا على سكان شمالي قطاع غزة.. مؤكدًا أن العدو الإسرائيلي الفاشل في المواجهة العسكرية والعاجز عن تحقيق أهدافه المعلنة انتهج المسلك الإجرامي للاستهداف الشامل للمدنيين.
وأضاف “إخوتنا المجاهدون في قطاع غزة صامدون ومتماسكون وثابتون وينكلون بالعدو ويلحقون به الخسائر الكبيرة، وفي هذا الأسبوع هناك ما يقارب 16 عملية لكتائب القسام فيها الكمائن المنكلة بالعدو والاشتباك المباشر مع جنوده وإلحاق الخسائر بهم”.
ولفت قائد الثورة إلى أن القصف الصاروخي لسرايا القدس على مغتصبة “سديروت” مع عمليات بقية الفصائل تعكس عجز العدو عن القضاء على فصائل المقاومة.. وتابع” كما أكدنا مرارًا أن ارتكاب الجرائم الكبيرة جدًا لا يمثل إنجازًا عسكريًا مهما بلغ عدد ضحايا الشهداء من الأطفال والنساء”.
وأكد أن العدو ما يزال في حالة الفشل الواضح والمؤكد مع طول الوقت وحجم الإجرام المتراكم، ومع الأسف لا جديد في الموقف العربي والإسلامي أمام الجرائم الرهيبة والتصعيد الذي يقوم به حاليًا شمال قطاع غزة.
وأفاد بأن الحالة العربية والإسلامية تجاه ما يجري في غزة خطيرة وتعتبر من الدلائل على مدى الإفلاس الإنساني والأخلاقي والإيماني.. مضيفًا “كثير من أبناء شعوب أمتنا رضوا لأنفسهم بأن يكونوا متفرجين وألا يكون لهم أي موقف بأي مستوى وهذا محزن جدًا”.
وأردف قائلًا “حتى على المستوى السياسي الدبلوماسي العربي والإسلامي ليس هناك موقف بما تعنيه الكلمة، وما تزال بعض الأنظمة الرسمية تصنف المجاهدين في فلسطين كإرهابيين بدون أي ذنب إلا جهادهم ودفاعهم عن شعبهم ومقدساتهم”.
وبين السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي أن المجاهدين في فلسطين لم يفعلوا شيئًا بالأنظمة التي تصنفهم كإرهابيين وما يزالون حريصين على علاقات إيجابية مع كل أبناء الأمة.. مؤكدًا أن جرائم العدو الإسرائيلي في غزة لم تدفع بعض الأنظمة العربية إلى مستوى تصنيف العدو بالإرهاب فقط، حيث يساند بعض الإعلام العربي، العدو الإسرائيلي ويخدمه بشكل مفضوح وواضح وبشكل مخزٍ لا مثيل له حتى في المراحل الماضية.
وأشار إلى “أن الحالة التي عليها الموقف العربي ومن حوله الموقف الإسلامي مع وجود استثناءات يذكرنا ببداية المأساة التي عانى منها الشعب الفلسطيني”.. متسائلًا “كما باع البريطاني الوهم والسراب والوعود للعرب؟، ويقوم الأمريكي بنفس الدور وكلاهما تنكر لهم بشكل عجيب وجفاء كبير”.
ومضى بالقول “القادة البريطانيون كانوا يقولون لمن وقف وتعاون معهم من العرب أنتم أغبياء ومشكلتكم كيف صدقتم وعودنا.. مشيرًا إلى أن الحركة الصهيونية اتجهت فعليًا ضمن مشروع آمنت به قوى الغرب في بريطانيا وأمريكا وأوروبا واتجهت لدعمه.
وذكر بأن المشروع الصهيوني يستهدف الأمة الإسلامية والعربية في أرضها وعرضها ودينها ودنياها وكل شيء.. موضحًا أن اليهود لا يمتلكون من اللحظة الأولى القدرة على تأمين الزخم البشري اللازم لانتشارهم في أنحاء واسعة من العالم العربي، وكانت البداية في فلسطين.
وأكد السيد القائد أن التوافد الصهيوني اليهودي أتى من مختلف أنحاء العالم إلى فلسطين برعاية بريطانية، ورغم ما تعرض له اليهود في البلدان الغربية وقبل أن يخترقوا المعتقدات التي رسخت المشروع الصهيوني في أوروبا اتجهوا بكل حقد وعداء ضد المسلمين.
وقال “من اتجهوا ضمن المشروع الصهيوني تحركوا في استهداف أمتنا كمعتقد ديني في إقامة ما يسمونه “إسرائيل الكبرى” ومن ثم السيطرة على المنطقة بكلها”.. موضحًا أن بريطانيا أقدمت على خطة احتلال فلسطين دون أن يكون هناك أي استفزاز أو تحرك معاد لها في معظم البلدان العربية إلا القليل النادر في مناطق لم يصلوا إليها.
ولفت إلى أن بعض الأنظمة العربية آنذاك ساهمت في العمل مع البريطاني على إيقاف الحركة الثورية الجهادية للشعب الفلسطيني في مراحل مهمة.. مشيرًا إلى أن المسلك الإجرامي للعدو الإسرائيلي كان منذ اليوم الأول، وآنذاك لم يكن لإيران أي علاقة بما يحدث بالمنطقة العربية.
وأضاف “من وفاء الثورة الإسلامية في إيران أنها تبنّت نصرة الشعب الفلسطيني كواجب إسلامي”.. مشيرًا إلى أن العوامل الأساسية التي مكنت من تحقيق وعد بلفور ومن نجاح البريطاني، هو الدفع الأمريكي منذ مرحلة مبكرة كما أكدت المصادر التاريخية.
وأوضح قائد الثورة أن وضعية الأمة ورعاية الغرب الكافر البريطاني مع الأمريكي هما من العوامل التي مكنت الأعداء من السيطرة على الأمة.. معتبرًا تشتيت شمل اليهود على مدى آلاف السنوات كان رحمة إلهية لما يشكلونه من خطورة كبيرة على المجتمع البشري.
وتابع “حالة ذلة اليهود كبّلتهم عن أن يتمكنوا من النفوذ والسيطرة، والحالة الاستثنائية تتعلق بتفريط الأمة الإسلامية والعرب في المقدمة، وتفريط الأمة في القيام بواجب المسؤولية المقدّس هبطت أخلاقيًا وفكريًا وثقافيًا واستمر هبوطها إلى أن وصلت في الحضيض”.
وأفاد السيد القائد بأن قوى كثيرة من أبناء الأمة أصبحت تمد يدها للبريطاني وفي مراحل مختلفة من التاريخ استندت إليهم في تحقيق نفوذ ومصالح وحسم الصراعات الداخلية.
وأردف قائلًا “عندما وصل حال الأمة إلى الحضيض جعلها في مقام المؤاخذة الإلهية ففقدت عزتها وقوتها ودورها بين الأمم”.. مؤكدًا أن الأمة الإسلامية أصبحت ساحة مفتوحة للطامعين من مختلف القوى الكافرة في بلدانها وثرواتها وموقعها الجغرافي ومنافذها البحرية المهمة.
وشدد على ضرورة أن تسعى الأمة بجد لتصحيح وضعيتها للخروج من دائرة المؤاخذة الإلهية والاتجاه إلى النهوض بالمسؤولية بإنابة صادقة إلى الله، وإذا اتجهت للنهوض بمسؤوليتها وأنابت إلى الله فحبل المؤاخذة والتسليط سينتهي عن هذه الأمة.
ومضى بالقول “عندما تقف الأمة على قدميها وتنهض بمسؤوليتها معتمدة على الله وتطهر ساحتها من الظلم والفساد فسيعطيها الله العون والتأييد في دورها العالمي”.. مبينًا أن الكثير من القوى الغربية سترى نفسها في موقف العاجز الفاشل الخاسر المستسلم إذا نهضت الأمة بمسؤوليتها وصححت من واقعها.
وأكد قائد الثورة أن حالة التخاذل والإعراض والتجاهل والتعامي عن كل الأحداث يمكن للأمة أن تتكبد معها الكثير من الخسائر.. مضيفًا “الاتجاه الواعي الذي يستجيب لله تعالى في إطار المسؤولية المقدّسة لهذه الأمة يحظى بتأييد الله”.
وأرجع الأعباء والصعوبات التي تواجه أحرار الأمة في هذه المرحلة لتحركهم من نقطة الصفر ولكن مع رعاية إلهية.. مؤكدًا أن اليهود لا يمتلكون المقومات الذاتية لأن يفرضوا لهم كيانا متماسكا قويا صامدا، ولذلك أتى بهم البريطاني وأتى من بعدهم الأمريكي.
وعدّ اعتراف الأمم المتحدة بالعدو الصهيوني كعضو كأي دولة أخرى من الشواهد الواضحة على أنها لا تقوم على أساس من العدل، ولأن العدو الإسرائيلي قائم على الاغتصاب والظلم والجرائم الفظيعة وقتل الأطفال والنساء، والتهجير القسري للملايين.
وبين السيد القائد أن كل المؤسسات الدولية التي تأسست من بعد القضية الفلسطينية وحتى اليوم لم تفعل شيئا لفلسطين بل خدمت العدو الإسرائيلي.. مشيرًا إلى أن العالم الغربي الذي ينظر إليه الكثير من أبناء الأمة على أنه عالم الحرية والحضارة والحقوق هو من أسند الظلم والباطل الإسرائيلي ضد الأمة.
ولفت إلى أن أمريكا تولّت الدعم والشراكة مع العدو الإسرائيلي إلى جانب بريطاني.. وقال “هناك عقيدة دينية وأطماع استعمارية وأحقاد في المشروع على أمتنا، ويعتبرون الفرصة مهيئة لهم ووضعية الأمة زادت من طمعهم”.
وذكر أن الرؤساء الأمريكيين يتعاقبون في خدمة العدو الإسرائيلي والمشروع الصهيوني، وبايدن كان يعلن للعرب أنه يؤمن بالمشروع الصهيوني الذي يستهدف أرضهم وعرضهم وبلادهم وأوطانهم وثرواتهم ومقدساتهم، بينما حرص ترمب على أن يقدم للعدو الإسرائيلي إنجازات معينة وتباهى بأنه فعل ما لم يفعله الرؤساء الأمريكيون من قبله.
وأضاف “ترمب قال إنه مستعد لإعطاء إسرائيل المزيد من الأراضي العربية وهو يقصد ما يقول، وهذه هي حقيقة الأمريكيين، فيما الزعماء العرب ممن يتسابقون للولاء والطاعة له، لا يحظون بأي قيمة عنده مهما فعلوا ومهما قدموا”.
وأشار السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي إلى أن ترمب يرى في الدول العربية الغنية بقرة حلوب، ويرى في الفقراء أمة بائسة تعيسة ليس لها في حساباته إلا الموت والدمار، وعمل تحت عنوان “التطبيع” على تطويع بعض العرب ليكونوا خدامًا للعدو الإسرائيلي والمصالح الأمريكية، وجيّر بعض الأنظمة العربية بإمكانات شعوبها وبلدانها لخدمة الصهاينة.
وتابع “ترمب فشل في مشروع صفقة القرن رغم كل عنجهيته واستكباره واستهتاره وطغيانه، وسيفشل في هذه المرة أيضًا، مهما آثار من الفتن ومهما ألحق بأمتنا من النكبات نتيجة لعملائه والمتواطئين معه”.
وأكد قائد الثورة أن القضية الفلسطينية محمّية بالوعد الإلهي بزوال الكيان المؤقت، ومحمية بأولياء الله وعباده المجاهدين المخلصين المضحين في سبيل الله.
وقال “أمام أمتنا نموذج راقٍ وعظيم في الصمود والتماسك والاستبسال والروح الجهادية العظيمة وهم المجاهدون في قطاع غزة ولبنان”.. مشيرًا إلى أن جبهة حزب الله جاءت في مرحلة كان العدو الإسرائيلي يعول فيها على أنه أحكم السيطرة على لبنان عسكريًا وسياسيًا.
واعتبر حزب الله سندًا للشعب الفلسطيني، وتضحياته وجهاده أسهمت في خدمة الشعب الفلسطيني وفي عزّة لبنان وحريته وحمايته واستقلاله..مبينًا أنه ومنذ عملية “طوفان الأقصى” وقف حزب الله بِجِدّ وفاعلية ومصداقية وثبات عظيم وتأثير على العدو في جبهة جنوب لبنان.
وأضاف “العدو تصور أنه قد تمكن من إلحاق الهزيمة بحزب الله لكنه تفاجأ في العملية البرية وتعرّض لهزائم ميدانية وخسائر كبيرة.. وقال” في أربعينية شهيد الإسلام والإنسانية السيد حسن نصر الله فقد خسرت كل الأمة الإسلامية باستشهاده، وهو من القادة التاريخيين النادرين”.
وأكد قائد الثورة أن السيد نصر الله أبقى للأمة مدرسة متكاملة يتخرج منها الأبطال والشجعان والمجاهدون في وجه العدو بكل بسالة وثبات وبصيرة وإيمان.. مضيفًا “حزب الله نفذ في أربعينية السيد نصر الله عملية قوية جدًا باتجاه يافا المحتلة والمغتصبات والمصانع الصهيونية، وهذا دليل الفاعلية والحضور”.
وتابع “العدو كان يتوقع أنه حسم المعركة مع حزب الله، وتفاجأ بحضور الحزب وتماسكه التام وعملياته الفاعلة والمؤثرة في إطار القيادة والسيطرة”..واصفًا كلمة الشيخ نعيم قاسم بالأمس بالقوية والمؤكدة على الثبات في الموقف والاستمرار في النهج.
وعرّج السيد القائد على عمليات المقاومة الإسلامية في العراق المستمّرة والفاعلة والمؤثرة رغم الضغوط السياسية والإعلامية الكبيرة لمحاولة إيقافها.. مبينًا أن الواقع بالنسبة للعدو الإسرائيلي صعب فعلا بالرغم من جرائمه الفظيعة جدا التي لا تمثل نصرا وإنجازا عسكريا.
وقال “واقع العدو الإسرائيلي مأزوم، وإقالة المجرم نتنياهو لشريكه في الإجرام والعدوان غالانت أتى في سياق أزمته ومشاكله الداخلية، وأزمة التجنيد في جيش العدو الإسرائيلي تأتي بعد تكبّده المئات من القتلى والآلاف من الجرحى وهو يحتاج إلى تعويض خسائره”.
وأضاف “رغم أن العدو الإسرائيلي حرّك قوته الاحتياطية إلى الحد الأقصى لكنه لا يزال بحاجة إلى المزيد من التجنيد، ويعيش كيان العدو أزمة داخلية ونتنياهو يتعهد بإعادة الأمن للصهاينة لأنهم في حالة خوف شامل، وفي حالة صعبة خاصة في الوضع الاقتصادي بالرغم من الدعم الأمريكي الذي يغطي 75 بالمائة من تكاليف العدوان والإجرام”.
وأفاد قائد الثورة بأن الوضع الاقتصادي للعدو منهك جدا ومأزوم، وتكلفة خسائره تقدر بـ 160 مليار دولار حتى اليوم.