حنان أبوالضياء تكتب: عودة مهرجان الجونة مع فلسطين ونجوم السينما العالمية
تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT
تنظيم دينى سرى للنساء فى لبنان
تغيب مهرجان الجونة السينمائى عن الانعقاد العام الماضى، ليعود هذا العام وفى جعبته تكريم خاص للسينما الفلسطينية، إلى جانب أهم الأفلام المعروضة فى مهرجانات العالم. وعلى رأس تلك المهرجانات «كان»، برلين، فينيسيا، مهرجان تيلورايد، صندانس، ومهرجان كوبنهاجن الدولى للأفلام الوثائقية 2023، ومهرجان كليفلاند، ومهرجان موفيز ذات ماتر.
مهرجان الجونة السينمائى فى دورته السادسة، يقام فى الفترة من ١4 إلى 22 ديسمبر. يشارك بالمسابقة الأفلام الروائية الطويلة ١٤ فيلمًا، منها فيلم «تشريح سقوط» للمخرجة الفرنسية جوستين ترييه، الفائز بـ«السعفة الذهبية» فى مهرجان كانّ بدورته ال 76، فيلم «درب غريب» للمخرج البرازيلى جوتو بارنتيه الذى حصد 4 جوائز من مهرجان ترايبيكا السينمائى لعام 2023.
كما يشارك بالمسابقة الفيلم المصرى «آل شنب» فى عرضه العالمى الأول، فيلم التحريك «كلب سلوقى وفتاة»، و12 فيلماً بمسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، منها فيلمان فى عرضهما العالمى الأول وهما «زينات، والجزائر، والسعادة»، «من عبدول إلى ليلى».
وتضم قائمة الأفلام الوثائقية الطويلة ما يلى:
فيلم ماتيو ريتز، حيث يستكشف الفيلم النمط المدمر للبشر فى استخراج الموارد لأجل الربح، ويفضح المكائد المعقدة لمنظمة سرية مُخول لها السماح بعمليات استخراج ضخمة للمعادن التى تعتبر ضرورية لثورة البطاريات الكهربائية. هذا الغوص العميق والشامل والتعليمى فى المحيط يرويه جيسون موموا.
فى فيلم «ق» نرسم الخط الفاصل بين الحب والإخلاص؟ تصوير حميم ومثير للسعى وراء الحب والقبول بأى ثمن، يصور Q التأثير الخبيث للنظام الدينى الأمومى السرى فى لبنان على ثلاثة أجيال من النساء فى عائلة شهاب. حيث توثق المخرجة جود شهاب، التى تعمل لأول مرة، الروابط غير المعلنة وعواقب الولاء التى ربطت والدتها وجدتها ونفسها بالمنظمة الغامضة. صورة بارعة للأضرار التى لحقت بشخص ما على مدى عقود من الحب غير المتبادل، وفقدان الأمل، وسوء المعاملة، واليأس، هى قصة متعددة الأجيال عن البحث الأبدى عن المعنى، قصة حب من نوع آخر.
أما فيلم بوابة هوليوود فهو للمخرج إبراهيم نشأت ويدور فى اليوم التالى لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، تحرك مقاتلو «طالبان» لاحتلال المجمع العسكرى العملاق المسمى «بوابة هوليوود»، الذى كان يُعتقد أنه قاعدة سابقة للمخابرات الأمريكية فى كابول، ليجدوا أن ما تركه الأمريكيون أسلحة ومعدات شديدة التطور. على مدار عام، يكشف الفيلم الكيفية التى تحولت بها ميليشيا أصولية إلى مؤسسة عسكرية نافذة.
أما زينات، والجزائر، والسعادة للمخرج محمد الأطرش.. فيطرح سؤال: مَن يتذكر محمد زينات؟ بالنسبة لمحبى السينما، فهو الممثل الوحيد الذى جسد دور العربى فى الأفلام الفرنسية خلال فترة السبعينيات لصالح صنّاع أفلام مثل كلود ليلوش وإيف بواسيه. فى فيلمه «تحيا يا ديدو» يخترع عالماً جديداً فى السينما ويظهر الشعب الجزائرى كما لم يُر من قبل. فى هذا الفيلم الوثائقى يحكى محمد الأطرش قصة «تحيا يا ديدو» وصانعه.
وفيلم «سبعة أشتية فى طهران»، حيث تعقد ريحانة الجبارى، ابنة التاسعة عشرة عامًا، اجتماع عمل مع عميل جديد، وعندما يحاول اغتصابها تطعنه دفاعًا عن نفسها. لاحقًا تُعتقل بتهمة ارتكاب جريمة قتل. باستخدام مقاطع الفيديو، والرسائل التى كتبتها ريحانة من السجن، وبمصاحبة التعليق الصوتى لزار أمير إبراهيمى، يُظهر الفيلم امرأة مذهلة رفضت التراجع عن شهادتها وأصبحت رمزًا للمقاومة.
وفى «عدم الانحياز: مشاهد من بكرات لابودوفيتش»، باستخدام مجموعة من الأرشيفات غير المرئية ومذكرات المصور الذى صورها، يكشف فيلم عدم الانحياز: مشاهد من بكرات لابودوفيتش عن كواليس حلم سياسى.
وفى «على قارب أَدامان» نجد أنفسنا فى دار رعاية لكبار السن تطل على نهر السين فى قلب العاصمة الفرنسية. تفتح الدار أبوابها أمام كبار السن الذين يعانون من أمراض عقلية، وتقدّم لهم الرعاية المطلوبة حتى لا يفقدوا العلاقة بالحاضر، كما تساعدهم فى رفع روحهم المعنوية.
وفى «جود شهاب» يلتقط التأثير الخفى لتنظيم دينى سرى للنساء فى لبنان على ثلاثة أجيال من سيدات عائلة شهاب، ويضع الفيلم تساؤلًا حول أين يمكننا أن نرسم الحد الفاصل بين الحب والتفانى؟ تصوير حميمى ومؤلم لرحلة للبحث عن الحب والتقبل بأى ثمن.
وفى «كرورا» ومن خلال عينى طفلها، تعود باتبرو بالزمن إلى نحو ثلاثة عقود، إلى تاريخ أجدادها الأصليين، فى قلب الغابات البرازيلية. يروى الفيلم قصّة شعب الكراهو، وأفراده من السكّان الأصليين للبرازيل. عانى هؤلاء من الاضطهاد المتواصل، إلا إنهم تابعوا مسيرتهم النضالية وابتكار أساليب مقاومة جديدة، عبر التمسّك بطقوس أجدادهم وحبّهم للطبيعة.
أما «ليلة مظلمة» للمخرج سيلفان جورج، فبالنسبة للعديد من المهاجرين الأفارقة الفارين من الحياة الصعبة، تعد مقاطعة مليلة الإسبانية فى المغرب مكانًا مثاليًا يحلمون بالانطلاق منه نحو مستقبل أفضل. وبإصرار يقترب من الهوس، يحاول الشباب بقيادة مالك مرارًا وتكرارًا السفر إلى أوروبا يومًا بعد يوم، وليلة بعد ليلة.
ويقترب فيلم «ماشطات» للبنانية سونيا بن سلامة من تونس، حيث تمتهن فاطمة وابنتاها نجاح ووفاء مهنة «الماشطات»، وهن العازفات فى حفلات الزفاف التقليدية. فى حياتهن الواقعية، تحاول نجاح أن تتزوج مرة أخرى بعد طلاقها، فى حين ترغب أختها وفاء فى الحصول على الطلاق من زوجها المُعنِف.
وفيلم «من عبدول إلى ليلى» فيقع بعد حادثة سير تسببت فى فقدانها ذاكرتها، تتواصل شابة فرنسية من أصول عراقية مع عائلتها حتى تعرف من هى. خلال جلسات لم شملها فى منزل الأسرة فى جنوب فرنسا، تواجه ليلى والدها عبدالله بماضيه وما يرتبط منه بحرب العراق، وتقرر أن تتعلم اللغة العربية، كى تتمكن من وضع كلمات قصائده فى أغنيات تؤلف هى موسيقاها.
فى القسم الرسمى خارج المسابقة والتى تضم 17 فيلماً تتنوع بين العمل الأول والثانى لصناعها.
«برج بلا ظلال» من الصين للمخرج جانج لو، ويتناول حكاية جيو وينتونج، ناقد طعام كهل، يتجول فى المطاعم المحلية فى مدينة بكين الحيوية برفقة زميلته المصورة أويانغ الأصغر منه سنًا. جيو مُطلق ولديه ابنة فى السادسة من عمرها، وعلاقته سيئة بوالده منذ عدة عقود. يبحث جيو عن منظور جديد فى الحياة بينما يعيد النظر فى فشله فى أدواره كأب وابن وحبيب. عرض فى مهرجان برلين السينمائى 2023، مهرجان بكين السينمائى 2023 وحصل على «جائزة أفضل مساهمة فنية، وجائزة أفضل ممثّل «سين بايكينج»، وجائزة أفضل ممثّل مساعد «تيان جوانج جوانج»، وأفضل سيناريو «جانج لو»، وأفضل تصوير سينمائى «بياو سونجرى».
وفيلم «بلاد ضائعة» للمخرج فلاديمير بيريزيتش.. ويدور فى صربيا 1996، خلال التظاهرات ضد سلوبودان ميلوسيفيتش، يمر ستيفان ابن الـ15 عاماً بالثورة الأعنف فى حياته، إذ سيتوجب عليه مواجهة والدته الحبيبة التى تشارك النظام الفاسد الذى يثور ضده هو وأصدقاؤه. عرض فى مهرجان كانّ السينمائى 2023 «أسبوع النقّاد - جائزة لوى روديرير».
فيلم بورتريه عائلى لللوسى كير حيث تبوء محاولة إحدى العائلات لالتقاط صورة جماعية بالفشل، فيتحول الأمر إلى حالة تشبه الحلم عندما تختفى الأم، فتبدأ ابنتها فى رحلة حثيثة للعثور عليها. عرض فى مهرجان لوكارنو السينمائى 2023.
فيلم «ستيبنه» لماريا فرودا. تدور الأحداث فى الطبيعة الشتوية الأوكرانية، حيث القرى الضائعة، والشعور المتصاعد بالعزلة المنتشر بين الناس فى عالم ما بعد الاتحاد السوفيتى. إنها قصة أناتولى، رجل عائد إلى بلدته ليعتنى بوالدته المحتضرة. عرض فى مهرجان لوكارنو السينمائى 2023 «المسابقة الدولية - جائزة أفضل مخرجة».
فيلم «سماء بلاستيكية» للمخرج تيبور بانوتشكى.. ينقلنا إلى 2123 نخن أمام شح الموارد، ما عاد الجنس البشرى يستطيع العيش إلا من خلال المقايضة: فى سن الـ50، يتحول كلّ مواطن تدريجاً إلى شجرة. عندما يكتشف ستيفان أن زوجته نورا قد وقّعت على التبرع بجسدها، ينطلق فى مهمة لإنقاذها.
فيلم شباب «ربيع» للمخرج وانج بينج. صُوِّرت أحداث الفيلم على مدار ست سنوات، ويدور عن العمل الشاق للخياطين والخياطات داخل مصانع الملابس فى الصين. رغم الوتيرة الهادئة للأحداث، تلتقط كاميرا المخرج وانغ بينغ ومضات من الأمل. عرض فى مهرجان كان السينمائى 2023.
وفيلم «شباك فارغة» لبهروز كرامى زاده عن أمير ونرجس شابان فى العشرينيات من عمرهما يعثران على الحب فى مدينتهما الواقعة على بحر قزوين، ولكن فى عالم الحاضر فى إيران يبدو الأمر أبعد من بناء حياة سويًا، ويُجبران على إبقاء علاقتهما سرًا. عرض فى مهرجان كارلوفى فارى السينمائى 2023، مهرجان ميونخ السينمائى.
فيلم «طوطم» للمخرج ليلا أفيليس عن سول، طفلة فى السابعة من عمرها، تقضى يومها فى منزل جدها وتساعد أفراد عائلتها فى الإعداد لحفلة عيد ميلاد مفاجئة لوالدها. خلال ساعات اليوم، تفرض الفوضى سيطرتها مدمرة روابط عائلة، وهو ما يساعد سول على استيعاب مفهوم التخلى. عرض فى مهرجان برلين السينمائى 2023.
فيلم «عدوانى» تشارلوت ريجان عن جورجى، صبية حالمة فى الثانية عشر من عمرها، تعيش سعيدة بمفردها فى شقتها فى لندن وتملؤها بالسحر، وفجأة، يعود إلى حياتها والدها الغائب ويقلبها رأسًا على عقب. عرض فى مهرجان صندانس السينمائى 2023 «جائزة لجنة التحكيم الكبرى»، مهرجان بكين السينمائى 2023، مهرجان سيدنى السينمائى 2023.
فيلم «فى الماء» لهونج سانج سو من كوريا الجنوبية.. حيث يقرر ممثل شاب اعتزال التمثيل وصناعة فيلم قصير. يصل الطاقم الصغير المكون من الممثل نفسه والمصور والبطلة إلى جزيرة جيجو الصخرية التى تعصف بها الرياح، عرض فى مهرجان برلين السينمائى 2023.
فيلم «القصر» للمخرج الكبير رومان بولانسكى. فى جبال الألب السويسرية، يستضيف فندق بالاس الفخم احتفالًا فاخرًا بليلة رأس السنة لعام 2000. يستعد حشد من النوادل وعمال الفندق والطهاة وموظفى الاستقبال لخدمة ضيوفهم الأثرياء، ولكن فى الواقع، الفوضى تلوح فى الأفق. عرض فى مهرجان فينيسيا السينمائى 2023.
فيلم «كيفية ممارسة الحب» لمولى مانينع ووكر يدور فى إجازة صيفية يُفترض أن تكون الأفضل فى حياتهن، تذهب ثلاث مراهقات بريطانيات فى عطلة، يعبرن فيها إلى عالم الكبار عبر احتساء الكحول وارتياد النوادى الليلة وممارسة الجنس. فى فيلمها الأول النابض بالحياة الذى نال إشادة كبيرة فى المهرجانات، يلقى مولى مانينج ووكر نظرة ذكية دقيقة ومدمرة على تعقيدات الصداقة الأنثوية والجنس فى سن المراهقة. عرض فى مهرجان كان السينمائى 2023 «جائزة مسابقة نظرة ما».
فيلم «كيندى» للمخرج أنوراج كاشياب.. نظريًا، كيندى هو ضابط سابق متوفى منذ زمن بعيد، ولكن فى الحقيقة، يعمل كيندى فى الخفاء لصالح نظام فاسد. تسبب هذه الازدواجية حالة من الإزعاج له ويحاول التخلص منها. عرض فى مهرجان كان السينمائى 2023 «عروض منتصف الليل».
أما فى «لا شىء أخسره» لديلفين ديلوجيه. تعيش سيلفى برفقة ابنيها سفيان وجان جاك، ويشكّل الثلاثى عائلة مترابطة. ذات يوم، خلال غياب سيلفى عن البيت، يتعرض سفيان لإصابة، ممّا يدفع الخدمات الاجتماعية لانتزاع الطفل من حضانة أمّه وإيداعه فى دار رعاية.
فى قائمة الأفلام المرشحة لجائزة نجمة الجونة الخضراء، والتى تستهدف اختيار الأفلام المعنية بالبيئة أو تلك التى ترفع الوعى بقضايا البيئة أو علومها أو الحياة البرية، إضافة إلى الأفلام المعنية بالاستدامة البيئية وأهميتها فى جميع أقسام المهرجان. يحصل الفيلم الفائز على نجمة الجونة الخضراء وشهادة وجائزة نقدية قدرها 10 آلاف دولار أمريكى، وستقدم تلك الجائزة بشكل سنوى ضمن جوائز مهرجان الجونة السينمائى. وتضم القائمة أربعة أفلام هى: همسات النار والماء، ارتفاع عميق، كرورا وسماء بلاستيكية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مهرجان الجونة السينمائى العام و للسينما الفلسطينية مهرجان الجونة جائزة أفضل فیلم ا
إقرأ أيضاً:
مونيكا ويليم تكتب: الهدنة الروسية الأوكرانية: هل تُمهد لتسوية شاملة أم تعيد ترتيب الأوراق؟
أصبحت العلاقات الدولية تشهد تسارعًا ملحوظًا في التغيرات وتشابكًا متزايدًا في الملفات، مما أدى إلى تعقيد المشهد الجيوسياسي العالمي. فلم تعد النزاعات تقتصر على أطرافها المباشرين، بل باتت تمتد تأثيراتها إلى قوى إقليمية ودولية، تتداخل مصالحها وتتفاوت مواقفها بين الدعم والممانعة، هذا التشابك جعل من الصعب تحقيق حسم سريع في الصراعات، إذ أصبحت الدول أكثر اعتمادًا على بعضها البعض، مما يفرض على الجميع حسابات دقيقة قبل اتخاذ أي موقف حاسم.
وتُعد الحرب الروسية الأوكرانية في هذا الإطار، مثالًا واضحًا على هذا الواقع الجديد، حيث لم تبقَي المواجهة محصورة بين طرفي الصراع، بل امتدت تداعياتها لتشمل قوى كبرى وفاعليين إقليمين، مما جعل موازين القوى أكثر تعقيدًا. وعليه، برزت جهود دبلوماسية، كالمباحثات التي استضافتها المملكة العربية السعودية، والتي تعكس رغبة بعض الأطراف في إيجاد حلول وسطية تُجنّب العالم مزيدًا من التصعيد، وذلك بالتزامن مع دراسة ترامب التراجع عن قراره بتجميد المساعدات العسكرية والتبادل الاستخباراتي مع أوكرانيا بشكل رسمي.
أثار هذا قرار العديد من التساؤلات حول دلالاته وتأثيراته المحتملة على مسار الحرب، لاسيما أن هذا التصعيد سوف يُعيد ترتيب ساحة المعركة مع روسيا، إما عن طريق وقف القتال، أو تغيير موازين القوى لصالح روسيا بمنحها ميزة حاسمة.
ارتكزت دلالة قرار الرئيس الأميركي كونه سيؤثر على تدفق الأسلحة والذخيرة بما في ذلك الصواريخ الباليستية أرض- أرض، والمدفعية الصاروخية بعيدة المدى، التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، إذ سيؤدي إلى وقف عمليات تسليم المعدات من مخزونات وزارة الدفاع (البنتاجون)، بالإضافة إلى المساعدات عبر مبادرة "المساعدة الأمنية لأوكرانيا"، التي توفر الأموال التي يمكن لكييف استخدامها لشراء معدات عسكرية جديدة من شركات الدفاع الأميركية بشكل مباشر.
وعلي الصعيد التكتيكي، تزامن هذا القرار مع استعادة روسيا ثلاث قري في كورسك من القوات الأوكرانية، على الرغم من تمسك أوكرانيا بالاحتفاظ بكورسك للمقايضة ضمن مفاوضات إنهاء الحرب، كما تستمر روسيا في غارات وهاجمتها، واستهدفت البنية الطاقة وذلك بالتزامن مع المساعي الأوكرانية لتحسين وضعها التفاوضي والاستقواء بأوروبا.
وبالنظر إلي أن المشهد الحالي يثير عدة تساؤلات، فلابد من قراءة دقيقة ومفصلة لكافة موازين القوي داخل الصراع الروسي الأوكراني والتي تتضمن أطراف مثل أوروبا والولايات المتحدة التي بدأ يحدث تغيير في شكل دعمها وموقفها السياسي، كما يمثل هذا الانسحاب اختبار حقيقي الي حلف الناتو في أول حرب يخوضها أكبر حلف عسكري.
ودفع هذا التصعيد الجانب الأوكراني لقبول الهدنة ووقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً وتوقيع صفقة المعادن الإطارية والتي سوف يتبعها عدد من الاتفاقيات الذي يمتد تأثيرها إلي نمو الناتج المحلي الإجمالي في أوكرانيا، والتي تنص على مناحي مختلفة بينها في نظري الحيز الأمني بارتباط المصالح الاقتصادية الأوكرانية بالمصالح الأمريكية.
وعلي الرغم من أن الموقف الأوكراني هش، بل ويفتقر إلى أي أوراق تفاوضية للمساومة، كما يفتقد إلى قوة ميدانية تمكّنه من فرض شروطه، وأثبات استعداده للسلام في مقابل حصوله على بعض الامتيازات، تتمثل في 3 مطالب وسيناريوهات الأول متعلق بانضمام أوكرانيا لحلف الناتو والتي تعتبر أعلي ضمانة أمنية لأوكرانيا تضمن معها عدم حدوث أي اعتداء مستقبلي من قبل روسيا تفعيلاً بالبند الخامس، وفي هذا الإطار يتعين استذكار بان أوكرانيا في عام 1994 تخلت عن ترسانتها النووية مقابل ضمانات أمريكية وروسية وبريطانية.
في حين أن السيناريو الثاني يختص بضمانات تكتيكية من قبل الولايات المتحدة لتعزيز موقف أوكرانيا التفاوضي، إما السيناريو الثالث فهو تعزيز قدرات الجيش الأوكراني لتدعيم قوته ولصد أي هجمات مستقبلية، ومما لا شك فيه أن تنفيذ أي من هذه سيناريوهات سوف ينشب صدام بين الولايات المتحدة وروسيا.
أما من جهة ترامب فهو سعي إلى إرغام زيلينسكي على تغيير موقفه حيال محادثات السلام؛ بما في ذلك الاستعداد لتقديم تنازلات على غرار التخلي عن أراضي لصالح روسيا وأيضا التحرك نحو أجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومن المرجح أن يصر الرئيس الأمريكي عن تنحي زيلينسكي عن منصبه وذلك بعد أن شهدت العلاقات بين الطرفين منعطفًا دراماتيكيًا علي خلفية اللقاء المحتدم بينهما. في ضوء أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى بشكل رئيس إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا بهدف تحييد روسيا عن أي تعاون محتمل مع الصين. فهو لا يرغب في أن تكون روسيا قوية بما يكفي لمنافسته، ولا ضعيفة إلى الحد الذي يدفعها لتعميق علاقاتها مع الصين.
فضلا عن أن الولايات المتحدة تعاني من أزمات داخلية متفاقمة تتمثل في أسعار النفط وأيضا حجم الديون الأمريكية تبلغ نحو 36 تريليون دولار.
وفي المقابل بدأت القارة الأوربية تدرس سبل تعويض أوكرانيا عن المساعدات الأمريكية، كما أعلنت فرنسا أنها سوف تستخدم فوائد الأصول روسيا المجمدة لتمويل 95 مليون يورو المساعدات العسكرية المقدمة إلي أوكرانيا.
ومع استقراء خريطة الاحتياجات الأوروبية في حال تم بانسحاب الولايات المتحدة من حلف الناتو الأول حول النظام الدفاعي في أوروبا، فوفقا لسيناريوهات عدة طرحتها فايننشال تايمز نوفمبر 2024 بالتوقع الخاص بانسحاب الولايات المتحدة من حلف الناتو .
فأوروبا سوف تنفق ما يعادل 4% من الناتج القومي لزيادة الإنفاق الدفاعي والموازنة العسكرية، كما أن انسحاب الولايات المتحدة من قواعدها داخل الدول الأوروبية يعني احتياج أوروبا لنحو 300 ألف جندي، و1400 دبابة و2000 عربة قتالية و700 مدفع وبالتالي سوف تحتاج أوروبا ما يقرب من 250 مليار يورو لتعزيز الاستثمار الدفاعي، وفي الوقت نفسه وفقا لتقديرات عدة، فهناك تأويلات حول عدم جاهزية أوروبا لهذا الانسحاب الكلي والمفاجئ.
أما ما يتعلق بسيناريوهات الموقف الروسي، فهناك عدة تساؤلات باتت تطفو علي السطح وذلك علي غرار، هل ستوافق روسيا علي الهدنة ووقف اطلاق النار لمدة 30 يوماً وما هي التحفظات المتوقعة؟
فعلياً، تعتبر روسيا هذه الهدنة هي محاولة لكسب الوقت من ناحية أوكرانيا لاستعادة قواها واستعادة ثقة الولايات المتحدة بعد أن جمدت الولايات المتحدة التعاون الاستخباراتي والدعم الأمريكي، ووفقا للتصريحات الروسية فأن أي اتفاق بين الولايات المتحدة وأوكرانيا لابد من يأخذ في الاعتبار التقدم العسكري الروسي وإبعاد الناتو عن الحدود الروسية، وفي نظري ثمّة أسبابٌ عديدةٌ تدفع روسيا إلى إنهاء الحرب، يأتي في مقدّمتها رغبتها في إنهائها من موقع قوّة، لا سيّما في ظلّ تحقيقها مكاسب عسكرية ملموسة على الأرض وأيضاً مواقفة الجانب الروسي علاوة علي ذلك تسعى روسيا إلى تجنّب المزيد من الخسائر الاقتصادية، التي قد تتفاقم مع استمرار النزاع، مما يجعل التوصّل إلى تسوية تعزّز مكاسبها الاستراتيجية. وأخيرا نتيجة تنامي السمة التفاوضية والملفات التوافقية بين الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي والتي تنطلق من نسق عقائدي مفاداه ضرورة أنهاء التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا الذي نشب خلال الثلاث السنوات الماضية.
ختاما، التوصل إلى تسويات حاسمة يظل رهينًا بإرادة القوى الفاعلة ومدى استعدادها لتقديم تنازلات حقيقية تُنهي حالة الجمود والصراع المستمر.