دمشق – (رويترز) – نجت نسمة ضاهر من سنوات الحرب التي شهدتها إحدى ضواحي دمشق والتي كانت تقع على الخطوط الأمامية للصراع في سوريا. لكن بعد فترة طويلة من توقف القتال في منطقتها وحتى مع خروج الدولة من العزلة الإقليمية، تشكو من أن الحياة تزداد صعوبة. وتقول نسمة وهي أرملة وأم لأربعة أطفال من بلدة دوما التي ظلت تحت سيطرة قوات المعارضة إلى أن استعادتها قوات الجيش العربي السوري في 2018 “أنا وولادي ناكل وجبة واحدة العصر ولتاني يوم، وأصعب”.

وتعيش الأسرة على مساعدات نقدية تعادل سبعة دولارات شهريا من منظمات غير حكومية. وتوضح “الجمعية الخيرية عم تعطيني 50 ألف (ليرة) وهاد الشهر عطوني 70 ألفا وهي غير كافية، والله ما بيعملوا شيء”. كما تقول نسمة (35 عاما) عن أصغر أبنائها الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عاما “عندي الصغير ترك المدرسة وبيروح بيشتغل بالكراتين… من يوم وفاة زوجي والأيام صعبة وهي تزداد صعوبة”. ما تواجهه نسمة مجرد لمحة بسيطة عن الفقر الذي تعاني منه سوريا بعد أكثر من 12 عاما منذ اندلاع الصراع الذي بدأ باحتجاجات على حكم الرئيس بشار الأسد في عام 2011. ومنذ ذلك الحين، قُتل ما لا يقل عن 350 ألفا ونزح الملايين عن ديارهم وصارت البنية التحتية العامة في حالة خراب. وعلى الرغم من أن الهدوء النسبي يسود الجبهات الرئيسية منذ سنوات تقريبا، إذ يسيطر الأسد على معظم البلاد، فإن الاحتياجات الإنسانية تشتد إليها الحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى. وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 15 مليونا بحاجة إلى المساعدات في عموم سوريا، وهو رقم قياسي. ويقول البنك الدولي إن الناتج المحلي الإجمالي تراجع بأكثر من النصف بين عامي 2010 و2020، وإن التدهور المستمر في قيمة العملة السورية يغذي التضخم. ووسط حالات الطوارئ الدولية الأخرى، تجد الأمم المتحدة صعوبة في تمويل المساعدات للسوريين. وفي يونيو حزيران، قالت إنها لم تجمع سوى 11 بالمئة من مبلغ 5.4 مليار دولار والذي طلبته لتمويل العمل الإنساني في سوريا هذا العام. وفاقم الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وجارتها تركيا في فبراير شباط هذه المعاناة. وبينما تبرعت دول عربية لجهود الإغاثة ورحبت بعودة الأسد إلى جامعة الدول العربية، لم يظهر أي مؤشر على الاستثمار العربي الذي كان يأمل فيه الكثيرون من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في سوريا ليساعد على إنعاش الاقتصاد. * “العقوبات عائق أساسي” تلقي الحكومة السورية باللوم على العقوبات الغربية. وقال مدين دياب مدير عام هيئة الاستثمار السورية “الكثير من الشركات الأجنبية والعربية زارت هيئة الاستثمار السورية… لديهم رغبة في الاستثمار وقدموا أفكار مشاريع مهمة للقيام بها، ولكن العقوبات الاقتصادية عائق أساسي أمامهم خوفا من أن تطالهم العقوبات المفروضة على سوريا”. وبموجب العقوبات الأمريكية التي جرى تشديدها في عام 2020، يمكن تجميد أصول أي شخص يتعامل مع سوريا، بغض النظر عن جنسيته. ويعد البنك الدولي العقوبات ضمن ضربات عدة عصفت بالاقتصاد، إلى جانب الصراع المسلح والجفاف وتداعيات الأزمة المالية في لبنان المجاور. وقال جهاد يازجي الخبير في الاقتصاد السوري إن السوريين أنفسهم الذين لا تشكل العقوبات مصدر إزعاج لهم لا يقدمون على الاستثمار بسبب مناخ الأعمال الصعب، مشيرا إلى الفساد ونقص القوى العاملة ومستلزمات الإنتاج. وأضاف “نجد في بعض الأحيان شركة أسسها مستثمرون من دول أجنبية بما في ذلك الخليج أو حتى أوروبا، لكنهم لا يحققون أي شيء أبدا تقريبا”. وتابع قائلا “يعود ذلك إلى حد كبير إلى العقوبات”. وتقول الولايات المتحدة إن العقوبات تهدف إلى الضغط على دمشق للتوصل إلى حل سياسي. وقال محيي الدين ملحان (44 عاما)، وهو مسؤول محلي في دوما “نحنا توقعنا انفراج عالي وخصوصا بعد دعوة السيد الرئيس لقمة جدة صار عنا بوادر عربية وأخوة تقدر تدخل شيء للبلد”. وأضاف أنه على العكس “زادت العائلات المحتاجة… من وين بده يجيب بده يبيع من أثاث البيت حتى يعيش”. أما عبيدة أبو محمد (33 عاما)، وهو أب لطفلين ويدير متجرا لقطع غيار السيارات في دوما منذ عام 2019، فيقول إن العمل صار أقل، لا سيما في الأشهر الستة الماضية. وأضاف “صارت القطع غالية، صار الزبون يصلح القطع ولا يبدلها”. وأوضح أنه لم يعد يكسب ما يكفي لدفع إيجار المحل أو إطعام أسرته. وقال “ما عنا وارد حتى نعمل كل الأكلات”.

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

مسؤول أممي يدعو لبدء عملية التعافي الاقتصادي في سوريا دون انتظار رغم العقوبات

شدد الأمين العام المساعد في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبد الله الدردري على ضرورة إطلاق عملية التعافي الاقتصادي في سوريا من دون انتظار رفع العقوبات عنها، داعيا إلى "نتائج سريعة" تنعكس على حياة السوريين اليومية.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الدردري قوله على هامش زيارته دمشق إن العقوبات هي من أبرز التحديات التي تواجهها السلطات الجديدة في عملية البناء وإعادة الإعمار عقب الإطاحة بنظام الأسد.

وقال الدردري إن رفع العقوبات هو "أمر يجب أن نعمل عليه، وفي الوقت نفسه يجب أن نبدأ عملية التعافي الاقتصادي حتى في ظل العقوبات".

وأضاف "انتظار رفع العقوبات لن يجدي، يجب أن نعمل بالتوازي"، متابعا "عندما تتاح الخطة الواضحة والأولويات الواضحة وعندما يتم رفع العقوبات التمويل سيتدفق على سوريا".

وتكرر السلطات السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع الدعوة إلى رفع العقوبات التي فُرضت في عهد نظام بشار الأسد، لإنعاش الاقتصاد المنهك جراء النزاع.

وخففت بعض الأطراف -بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي– بعض هذه العقوبات، لكنها رهنت القيام بخطوات أكبر باختبار أداء السلطات الجديدة في مجالات عدة، مثل مكافحة "الإرهاب" وحماية حقوق الإنسان والأقليات.

إعلان

وحذر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة في فبراير/شباط الماضي من أنه في ظل معدلات النمو الاقتصادية الحالية لن تتمكن سوريا من استعادة مستوى الناتج المحلي الإجمالي لفترة ما قبل ثورة 2011 قبل حلول العام 2080.

وقدرت المنظمة الدولية مجمل خسائر الناتج المحلي بنحو 800 مليار دولار خلال نحو 14 عاما من انطلاق الثورة.

معدل الفقر

وأبرز التقرير أن 9 من كل 10 سوريين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وأن واحدا من كل 4 عاطل عن العمل، في حين انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من نصف مستواه في عام 2011.

كما أظهر التقرير تراجع مؤشر التنمية البشرية -الذي يشمل الصحة والتعليم ومستوى المعيشة- إلى ما دون مستواه في 1990، وهو ما يعادل أكثر من 30 عاما من التقدم التنموي المهدر بسبب الحرب.

ورأى الدردري أن "الخسارة الكبرى في الاقتصاد السوري هي خسارة الفرق ما بين ما كان يجب عليه أن يكون الاقتصاد السوري سنة 2025 وأين هو الآن".

وتابع "كان من المفترض أن يصل الاقتصاد السوري إلى ناتج محلي إجمالي بنحو 125 مليار دولار في عام 2025 مقارنة بـ62 مليارا عام 2010، نحن اليوم لا نتجاوز 30 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي".

نتائج سريعة

واعتبر الدردري أن أولى مراحل التعافي هي "الإنجازات السريعة التي يشعر بها المواطن، مثل بناء مستوصف أو افتتاح محل حلاقة أو مركز رياضي".

ونبّه إلى ضرورة أن يعمل المجتمع المدني على توسيع نشاطه لتقديم الخدمات للمساهمة مع السلطات، وتحسين خدمات الحكومة بشكل سريع" لكي يشعر "المواطن بأن الشوارع أنظف، وحركة السيارات والمرور أفضل"، خصوصا في هذه الظروف الصعبة، وفق تعبيره.

وأسفر النزاع في سوريا عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص ونزوح الملايين.

وأكدت الأمم المتحدة مطلع مارس/آذار الماضي أن أكثر من 900 ألف نازح داخل سوريا عادوا إلى ديارهم منذ الإطاحة بالأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

إعلان

ورأى الدردري أن "التدمير المادي" الذي تعرضت له سوريا كان ضخما جدا، والجزء الأكبر كان "في قطاع السكن، 375 ألف منزل دمرت بالكامل وأكثر من 1.5 مليون منزل تضررت جزئيا".

إعادة الإعمار

وقدّر الدردري تكلفة إعادة بناء هذه المنازل بعشرات مليارات الدولارات، لافتا إلى أنه في ظل تراجع التمويل الدولي للتنمية منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض "لا بد من اجتراح أدوات تمويلية جديدة وفعالة من أجل أن يتمكن السوريون من العودة إلى منازلهم وبنائها".

ومن المقرر أن يشارك وفد سوري يضم وزيري الخارجية والمالية وحاكم المصرف المركزي الأسبوع المقبل في اجتماعات الربيع لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن.

وأكد مصدر مواكب للاجتماعات أن البحث سيشمل كيفية مواكبة عملية إعادة الإعمار والنهوض بالاقتصاد السوري، وهي عملية يتطلب تحقيقها "مسارا طويلا".

وبحث الدردري في دمشق مع مسؤولين سوريين التعاون بين الحكومة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وردا على سؤال عن تبدل عمل البرنامج في سوريا بعد الإطاحة بالأسد، قال المسؤول الأممي إنه خلال الحرب كانت الأولوية لعمل المنظمات الإنسانية "أما الآن فنحن في المقعد الأمامي إلى جانب السائق وخلفه، والسائق هو الحكومة".

وأكد الدردري -وهو المدير المساعد ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية- أن برنامج الأمم المتحدة وضع "مخططا للطاقة ومستقبل الطاقة في سوريا"، وقدّم نحو 30 مليون دولار لتطوير دير علي الواقعة جنوب دمشق، وهي إحدى أهم محطات إنتاج الطاقة الكهربائية في سوريا.

مقالات مشابهة

  • بعد الموافقة عليها.. ما شروط استمرار صرف الدعم النقدي "تكافل"؟
  • استقرار سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار اليوم الاثنين
  • الخليفي: قطر ستناقش مع واشنطن تخفيف وإزالة العقوبات المفروضة على سوريا
  • متى تُرفع العقوبات الغربية عن سوريا؟
  • سوريا بعد الحرب.. 2 مليون منزل مدمّر واقتصاد على حافة الانهيار
  • مسؤول أممي يدعو لبدء عملية التعافي الاقتصادي في سوريا دون انتظار رغم العقوبات
  • سوريا.. الشروط الأمريكية لتخفيف العقوبات
  • الشيباني يدعو إلى رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا
  • الأمم المتحدة: تعافي سوريا يجب أن يبدأ دون انتظار رفع العقوبات
  • الشبكة السورية تطرح خريطة طريق مفصلة للعدالة الانتقالية في سوريا