باحثون: حرب غزة تسببت بتراجع دعم أمريكا عربيا مقابل صعود إيران
تاريخ النشر: 15th, December 2023 GMT
نشرت مجموعة من الباحثين مقالا مشتركا في مجلة "فورين أفيرز" قالوا فيه إن الحرب بين إسرائيل وحماس غيرت مواقف العرب، حيث تظهر تراجعا في دعم الولايات المتحدة وحل الدولتين وصعودا لإيران والمقاومة المسلحة.
وتحدث الكثير من المحللين عن الثمن العالي في غزة والذي تردد صداه حول العالم العربي، مما أكد إلى بروز وقوة الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ودوره في تشكيل السياسة الإقليمية.
وبحسب المقال الذي ترجمته "عربي21"، فقد كان من الصعب تحديد مدى التأثير وقوته، إلا أن هذا قد تغير الآن. وفي الأسابيع التي سبقت الهجمات والأسابيع الثلاث التي أعقبتها، قام "الباروميتر العربي" وهي شركة أبحاث غير حزبية بدراسة ممثلة في تونس وبالتعاون مع شركاء محليين. وبالصدفة أجريت نصف المقابلات البالغ عددها 2.406 مقابلة في الأسابيع التي سبقت هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر أما النصف الثاني فبعدها بثلاثة أسابيع. ومن خلال المقارنة وبدقة غير عادية، كشفت النتائج كيف غيرت الهجمات والرد الإسرائيلي الذي تلاها المواقف والآراء بين العرب.
وكشفت الدراسة عن نتائج مدهشة، حيث حذر الرئيس جو بايدن "إسرائيل" قبل فترة بأنها تخسر الدعم على المسرح الدولي. لكن هذا جزء من كرة الجليد. فمنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فكل دولة شملتها الدراسة المسحية لديها مواقف إيجابية وعلاقات دافئة مع إسرائيل شهدت تراجعا في الأفضلية بين التونسيين. وكانت واشنطن الأكثر انخفاضا، وكذا حلفاءها في الشرق الأوسط والذين عقدوا روابط مع إسرائيل خلال السنوات الماضية شهدوا تراجعا في نسب الشعبية. أما الدول التي بقيت على الحياد، فقد شهدت تحولا بسيطا في شعبيتها. وزادت أرقام الشعبية لإيران التي عارضت بشدة إسرائيل. وفي الأسابيع الثلاث بعد الهجمات طابقت شعبية المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي شعبية ولي العهد السعوي، محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد، بل وتفوقت عليهما أحيانا، بحسب المقال.
وقال المقال إن تونس تظل واحدة من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منطقة تتسم بخلافات واسعة ودراسة مسحية لا يمكن أن تقدم للخبراء كل شيء، حول تفكير الشعوب في كل المنطقة وما يشعرون به. ولكن المواقف التونسية قريبة من الريادة كما يمكن للمرء أن يتخيل. ففي استطلاعات سابقة للباروميتر العربي كانت مواقف التونسيين مشابهة لتلك التي رصدت في معظم الدول العربية الأخرى. فالسكان منفتحون على الغرب وكذا الدول العالمية الأخرى مثل روسيا والصين. ومن الناحية الجغرافية فهي بعيدة عن الآثار المباشرة للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني ولكنها استضافت مرة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
وبهذه المثابة يمكن للمحللين والمسؤولين الافتراض وبثقة أن مواقف الشعوب في أماكن أخرى من المنطقة قد تحولت بنفس الطرق التي تحولت في الفترة القريبة في تونس. وكانت هذه التحولات دراماتيكية، فمن النادر ملاحظة هذا التحول وعلى قاعدة واسعة في مدار أسابيع. ولكنه لا يمثل ردة فعل لا إرادية أو انعكاسية من التونسيين. فلو غيروا مواقفهم لأنهم دعموا، ببساطة أفعال حماس، فلحدث تحول كبير في غضون يوم من الهجوم، وعندها فلربما استقرت أراء التونسيين.
وبدلا من ذلك فقد تحولت مواقفهم شيئا فشيئا وعلى قاعدة يومية وفي مدى ثلاثة أسابيع، وبشكل مهم على الفترة بكاملها. وعليه، فمواقف التونسيين لم تتحول بسبب هجمات حماس ولكن الأحداث التي أعقبتها، أي الضحايا المدنيين للعملية العسكرية الإسرائيلية في غزة. وبالتأكيد، زادت الحرب دعم التونسيين للقتال الفلسطيني. ومقارنة مع الدراسة التي أجريت قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، فهناك نسبة كبيرة من التونسيين اليوم يريدون من الفلسطينيين حل نزاعهم مع إسرائيل عبر القوة وليس التسوية السلمية، وفقا للمقال.
وأشار كاتبو المقال إلى أن استطلاعات الرأي تعتبر مهمة في الدول غير الديمقراطية، والتي يجب على قادتها القلق من التظاهرات، والتغيرات هذه في المواقف والتي ستشكل السياسات في العالم العربي وكذا العالم. وستجد الولايات المتحدة وحلفاؤها بالمنطقة صعوبة في توسيع اتفاقيات إبراهيم، أي الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل. وربما خسرت الولايات المتحدة تميزها بالمنافسة مع الصبن وروسيا الصاعدة. وربما وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام خسارة حلفاء قدامى مثل السعودية والإمارات والتي ستظهر مواقف أقل ودية من واشنطن وأكثر توجها نحو منافسيها الذين يحاولون منع تدهورهم الإقليمي. واستقبل البلدان منذ الهجمات، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أول زيارة له خارجية منذ غزوه أوكرانيا.
كما أن الدعم المتزايد للمقاومة المسلحة، وفقا للمقال، قد يترك تداعياته الخطيرة. ولم تؤد الحرب الإسرائيلية ضد حماس إلى حرب إقليمية، لكن كان عليها أن توقف هجمات من حزب الله. ومع ذلك فمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط هي عرضة بشكل مستمر لعدم الإستقرار. ولا أحد يعرف كيف سيفتح النزاع الحالي الباب أمام نزاع بالمستقبل.
وللحفاظ على استقرار الشرق الأوسط، فيجب على إسرائيل وحلفائها البحث عن طريقة لوقف الحرب والتوجه نحو الحل السلمي للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.
ويشير الباحثون إلى إنهم كانوا يديرون دراسة مسحية واسعة على عينة عشوائية للسكان في تونس عندما قامت حماس بهجومها في تشرين الأول/أكتوبر. وقرروا والحالة هذه استخدام المناسبة والحرب التي أعقبتها للتحقيق في الكيفية التي غيرت فيها المواقف. ولعدم وجود توقعات بتغيرات مهمة في الآراء بتونس قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر فقد نظروا لمعدل المواقف في الأسابيع الأولى من الدراسة الميدانية.
وفي الأيام التي أعقبت الهجمات، فقد اعتمد الباحثون على معدل المواقف في ثلاثة أيام وحساب البيانات بناء على هذا. فكل نقطة بالبيانات تمثل تقديرا في يوم من الدراسة المسحية ويومين قبلها. وكان آخر يوم في العمل الميداني هو 4 تشرين الثاني/نوفمبر وفي 27 تشرين الأول/أكتوبر كانت هناك مقابلات يومية كافية لتقديم بيانات وتحليل ذا معنى. وركز الباحثون على البيانات التي جمعت قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر وردود التونسيين على كل سؤال وهو ما اعطى فكرة عما حدث لمواقفهم وإن تغيرت، وتمت مقارنة هذه النتائج بمتوسط الدعم بناء على أحسن ما سجل في 27 تشرين الأول/أكتوبر.
وسجل الباحثون عددا من التحولات، وكان أكبرها النظرة للولايات المتحدة. ففي 1.146 مقابلة أجريت قبل هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، عبرت نسبة 40% من التونسيين عن نظرة إيجابية أو نوعا ما إيجابية من الولايات المتحدة. مقارنة مع 56% من الذين لم يعبروا عن مواقف محببة منها.
وبعد الحرب، تغير هذا سريعا، وبنهاية الدراسة المسحية، قالت نسبة 10% فقط إن لديها مواقف إيجابية من الولايات المتحدة، إلى جانب 87% كان لديها انطباع سلبي عن أمريكا. وقبل الهجمات كانت نسبة التونسيين الراغبين بعلاقات اقتصادية قوية مع الولايات المتحدة هي 56% وبعدها انخفضت إلى 34%. وكان بايدن وبالتحديد محبوبا في تونس وبنسبة دعم 29% قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، وبعد الهجوم الإسرائيلي على غزة وإعلان بايدن عن دعمه غير المشروط لها انخفضت شعبيته إلى 6%.
وأوضح المقال أنه هذا الترابط لا يعني سببية، وفي هذه الحالة، من الصعب تفسير التغير المستمر للمواقف في تونس. فالحرب هي أكبر حدث أثناء الدراسة المسحية، وأكد المشاركون التونسيون أنهم كانوا يفكرون بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وهم يقيمون موقفهم من أمريكا. وعندما سئلوا عن أهم سياسة يريدون من أمريكا تحقيقها بالمنطقة، زادت نسبة حل القضية الفلسطينية إلى 59% وتراجعت التنمية الاقتصادية إلى 20%.
ولم تترجم المواقف السيئة من أمريكا لمكاسب روسية وصينية، وكلاهما التزمتا بالحياد من الحرب. فقبل الحرب كان لدى التونسيين مواقف إيجابية من الصين بنسبة 70% وبعدها زادت خمس نقاط فقط. وكذا روسيا التي تراجعت نسبة المواقف الإيجابية من 56% قبل الحرب إلى 53% بعد اندلاعها وحتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر. وزادت نسبة الراغبين بعلاقات اقتصادية مع روسيا من 72% إلى 75%. وهناك إشارات عن إمكانية استفادة الصين على حساب أمريكا، فعندما سئل التونسيون عن السياسات من القضية الفلسطينية وأيها أحسن الأمريكية أو الصينية فضل ثلث التونسيين الصين.
لم تكن أمريكا الوحيدة التي تأثرت بالحرب وفقا للمقال، بل وحلفاؤها بالمنطقة، فالسعودية مثلا تراجعت شعبيتها من 73% قبل الحرب إلى 56% بعدها. وكذا نسبية شعبية ولي العهد من 55% إلى 40%. والتغيرات مهمة نظرا للروابط بين الرئيس قيس سعيد وولي العهد السعودي. ولم يشمل الاستبيان أسئلة مباشرة عن الإمارات، لكن طرح على المشاركين سؤال حول سياسات محمد بن زايد الخارجية، حيث حصل على 49% دعم قبل الحرب لتنخفض النسبة إلى الثلث بعدها.
ولم تتغير المواقف من تركيا، قبل وبعد الحرب حيث ظلت النسب كما هي، 68% فيما تراجعت شعبية الرئيس رجب طيب أردوغان من 54% إلى 47% وزادت نسبة الراغبين بعلاقات اقتصادية مع أنقرة من 57% إلى 67%.
واستفادت إيران من الحرب، ومع أن الدراسة المسحية لم تشمل على أسئلة عن إيران إلا أنها تضمنت سؤالا حول سياسية خامنئي الخارجية، لترتفع شعبيته من 29% قبل الحرب إلى 41% بعدها. وبالنسبة لـ "إسرائيل"، فلم تكن أبدا محبوبة بين التونسيين، لكن دعم التطبيع الذي وصل إلى نسبة 12% قبل الحرب انخفض إلى 1% بعدها.
وتغيرت مواقف التونسيين من حل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، فقبل الحرب دعمت نسبة 66% حل الدولتين بناء على حدود 1967 و 18% حلا دبلوماسيا بديلا، مثل الدولة الواحدة ونسبة 6% اختارت طرقا "أخرى" مثل المقاومة المسلحة. وبنهاية الدراسة المسحية دعمت نسبة 50% من التونسيين حل الدولتين وتراجع الدعم لدولة واحدة سبع نقاط، أما الدعم للمقاومة المسلحة فقد ارتفع ثلاثين نقطة أي 36%.
وقد لا تؤثر هذه النسبة على الحرب، نظرا لبعد تونس عن منطقة النزاع، لكن النسبة ستكون خطيرة في الدول القريبة منه مثل لبنان والأردن وسجلت فيها تحولات بالمواقف. فلا يمكن للجيل الذي شاهد القصف وجثث القتلى والعائلات المكلومة وصور الرعب على التلفاز ومنصات التواصل أن ينساها. والحقيقة البسيطة من الاستطلاع هي أن فلسطين تظل حيوية للعالم العربي ولا يمكن لإسرائيل هزيمتها بالقنابل. ولم تفقد القضية أهميتها بين الأجيال الجديدة ولا يوجد موضوع في العالم العربي يشعر فيه الناس بالرابطة الفردية والعاطفية مثل فلسطين. وهذا واضح من التغير السريع في مواقف التونسيين وعلى مدى أسابيع. والنتائج مهمة وسط التحديات المحلية والأزمة الاقتصادية التي تواجه تونس، ومع ذلك يريد السكان علاقات اقتصادية أقل مع الولايات المتحدة.
كُتاب المقال:
شارك في كتابة المقال كل من مايكل روبينز، مدير وباحث رئيسي مشارك في الباروميتر العربي، وماري كلير روتش مديرة التكنولوجيا والإبداع في الباروميتر العربي، وأماني إي جمال، المؤسسة المشاركة والباحثة الرئيسية المشاركة في الباروميتر، وعميدة مدرسة الشؤون العامة والدولية واستاذة كرسي إداورد سعيد بجامعة برنستون وسلمى الشامي، مديرة البحث في الباروميتر العربي ومارك تيسلر المؤسس المشارك والباحث الرئيسي المشارك في الباروميتر العربي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة ميتشغان.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة الفلسطيني تونس امريكا فلسطين تونس غزة الاحتلال الإسرائيلي صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تشرین الأول أکتوبر الولایات المتحدة من التونسیین فی الأسابیع مع إسرائیل إیجابیة من قبل الحرب فی تونس
إقرأ أيضاً:
هل نُزع فتيل الحرب بين إيران والاحتلال الإسرائيلي بعد الهجمات الأخيرة؟
لا تزال التوترات مترفعة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي على خلفية التصعيد العسكري المتبادل بين الجانبين خلال الشهر الماضي، لكن الأمر لم تصل الأمور إلى مواجهة شاملة، إذ تتجنب الدولتان الانخراط في حرب تقليدية خشية التداعيات الإقليمية والدولية الخطيرة.
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أشارت فيه إلى أن ما يقرب من شهر قد مر منذ أرسلت إسرائيل أكثر من 100 طائرة مقاتلة ومسيّرة لضرب القواعد العسكرية الإيرانية، وما زال العالم ينتظر ليرى كيف سترد إيران.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه توقف محمل بالأحداث في الصراع الخطير هذا العام بين القوتين في الشرق الأوسط.
وأشارت إلى أن الهجوم المضاد الإسرائيلي جاء بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من إطلاق إيران لأكثر من 180 صاروخا باليستيا - تم إسقاط معظمها - في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر للانتقام لمقتل اثنين من كبار قادة حزب الله وحماس.
وجاءت أول موجة من الضربات في نيسان/ أبريل، عندما قررت إيران الانتقام من هجوم على أحد مجمعاتها الدبلوماسية بقصف إسرائيل مباشرة بما لا يقل عن 300 صاروخ ومسيّرة. وحتى ذلك الحين، انتظرت إسرائيل أياما، وليس ساعات، للرد.
قبل فترة ليست طويلة، ربما توقع المحللون أن أي ضربة مباشرة من جانب إيران على إسرائيل، أو من جانب إسرائيل على إيران، من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع حريق فوري. لكن الأمر لم يحدث بهذه الطريقة.
ويرجع هذا جزئيا إلى الدبلوماسية المحمومة وراء الكواليس من قبل الحلفاء بما في ذلك الولايات المتحدة والسعودية وقطر والإمارات. لكن الضربات المحدودة المدروسة تعكس أيضا حقيقة مفادها أن البديل - حرب "الصدمة والرعب" بين إسرائيل وإيران - يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة ليس فقط على المنطقة ولكن أيضا على جزء كبير من العالم، وفقا للتقرير.
ونقلت الصحيفة عن جوليان بارنز ديسي، مدير الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قوله "يبدو أن طبيعة الهجمات تتحدث عن اعتراف مشترك بالخطر الحاد المتمثل في اندلاع حرب إقليمية أعمق لا يزال الجانبان يرغبان في تجنبها على الأرجح".
وأشار إلى أن هذا لا يعني عدم وجود مخاطر على النهج الحالي. وقال: "إنه مسار محفوف بالمخاطر وغير مستدام على الأرجح وقد يخرج عن السيطرة بسرعة. وهناك أيضا احتمال أن تكون إسرائيل أكثر تعمدا في التدرج على سلم التصعيد بنية القيام بشيء أوسع وأكثر حسما في نهاية المطاف".
في رسالة فيديو الأسبوع الماضي، بدا رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكأنه يحذر من أنه قد يزيد من حدة الصراع إذا ما ضربت طهران مرة أخرى. وقال نتنياهو: "كل يوم تزداد إسرائيل قوة. ولم ير العالم سوى جزء ضئيل من قوتنا".
وذكرت الصحيفة أن الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل لا تشبه كثيرا الحرب المعروفة باسم الصدمة والرعب ــ استخدام القوة النارية الساحقة والتكنولوجيا المتفوقة والسرعة لتدمير القدرات المادية للعدو وإرادته للمقاومة ــ والتي تم تقديمها لأول مرة كمفهوم في عام 1996 من قبل خبيرين عسكريين أميركيين.
ربما كان أبرز مظاهرها هو وابل الغارات الجوية التي بدأت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، والتي أعقبتها قوات برية أرسلت صدام حسين إلى الاختباء. ولكن تكتيكاتها الأساسية استُخدمت في وقت سابق، في حرب الخليج عام 1991، وكذلك في الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001.
سيكون من الصعب تنفيذ حرب الصدمة والرعب في هذا الصراع الحالي في الشرق الأوسط، حيث من المرجح أن يتطلب إطلاق القوات البرية المزيد من الأصول البرية والجوية والبحرية أكثر مما قد ترغب إسرائيل أو إيران في نشره عبر مئات الأميال التي تفصل بينهما، حسب التقرير.
ولفتت الصحيفة إلى أن هناك أيضا نقاش مستمر في الدوائر العسكرية حول ما إذا كان هجوم الصدمة والرعب لا يزال قابلا للتطبيق. زعم رئيس هيئة الأركان المشتركة المتقاعد، الجنرال مارك ميلي، وإريك شميت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، في تحليل في آب/ أغسطس لمجلة "فورين أفيرز"، أن الأسلحة المستقلة والذكاء الاصطناعي يحولان الحرب. وكتبا: "لقد انتهى عصر حملات الصدمة والرعب - حيث يمكن لواشنطن أن تدمر خصومها بقوة نيران ساحقة".
ورد محللان في مركز الدراسات الاستراتيجية للبحرية الملكية البريطانية، الشهر الماضي، بأن حرب الصدمة والرعب تتطور، ولم تنته، وأشارا إلى الهجمات التي شنتها إسرائيل باستخدام أجهزة النداء واللاسلكي ضد حزب الله في لبنان. فقد قُتل العشرات وجُرح الآلاف، لكن الخوف الذي أحدثته الهجمات كان بمثابة ضربة نفسية للجماعة المسلحة. وبعد أسبوعين، قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية حسن نصر الله، زعيم حزب الله منذ فترة طويلة.
وكتبا: "بعيدا عن كونها شيئا من الماضي، يجب أن تكون الصدمة والرعب جزءا لا يتجزأ من نهجنا للحرب متعددة المجالات".
لعقود من الزمان، كانت إيران وإسرائيل منخرطتين في حرب خفية، حيث نفذت إسرائيل هجمات سرية واعتمدت إيران على الميليشيات بالوكالة في العراق ولبنان وسوريا واليمن كقوات خط المواجهة.
وفقا للتقرير، فقد تغير كل ذلك في الأول من نيسان/ أبريل. في حين تم اعتراض جميع الصواريخ والمسيّرات التي وجهتها إيران إلى إسرائيل تقريبا، كانت الضربات الجوية هي المرة الأولى التي هاجمت فيها طهران إسرائيل مباشرة من الأراضي الإيرانية.
وذكرت الصحيفة أن ذلكا وضع المسؤولين في جميع أنحاء العالم في حالة تأهب لحرب إقليمية أوسع. بعد ساعات من الضربات، قال الجنرال حسين سلامي، القائد العام لحرس الثورة الإسلامية الإيراني، إن إيران قررت إنشاء "معادلة جديدة" في صراعها المستمر منذ سنوات مع إسرائيل.
ولكن حتى الآن، تم تنفيذ الصراع فقط بضربات صاروخية دقيقة للغاية، استهدفت بشكل أساسي القواعد العسكرية في بلد الطرف الآخر.
وقال فرزان ثابت، المحلل السياسي المتخصص في شؤون إيران والشرق الأوسط في معهد جنيف للدراسات العليا في سويسرا، إن وابل الهجمات الصاروخية المحدود بدا وكأنه يشير إلى نوع جديد من الحرب.
وقال ثابت: "إن الضربات الدقيقة ليست جديدة، ولكن استخدامها على هذا النطاق كقطعة مركزية [في الصراع] أمر جديد".
ومع ذلك، قال: "ربما لم نر أسوأ ما في الأمر"، مشيرا إلى أن طهران أشارت مؤخرا إلى استعدادها لضرب مصادر الطاقة الرئيسية في إسرائيل - بما في ذلك حقول الغاز ومحطات الطاقة ومحطات استيراد النفط - إذا تم ضرب البنية التحتية المدنية الإيرانية. وقال ثابت: "سيكون هذا عنصرا جديدا".
وقال هو ومحللون آخرون إن الضربات الجوية حتى الآن، جنبا إلى جنب مع التحذيرات العامة التي سبقتها، كانت جزءا من حملة ردع من قبل الدولتين لمحاولة منع الصراع من الخروج عن السيطرة، حسب التقرير.
ونقلت الصحيفة أساف أوريون، العميد الإسرائيلي المتقاعد واستراتيجي الدفاع في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قوله إن "الأمر أشبه بـ 'أنا أصفع، وبالتالي تحصل على صفعة، حتى تفهم، وبالتالي يمكنك الآن أن تقرر ما إذا كنت تريد التراجع أو التصعيد'". وأضاف: "الحقيقة هي أن كلا الطرفين يأخذان وقتهما في الحساب والتعاون وتشكيل عملياتهما".
وفي حين لم تستخدم إسرائيل الصدمة والرعب التقليديين ضد إيران، إلا أنها كانت أقل تحفظا في هجماتها على وكلاء إيران، حزب الله وحماس، كما أظهرت هجمات أجهزة النداء.
لكن إيران نجت من حجم الموت والكوارث الإنسانية التي فرضتها إسرائيل على وكلائها. حتى أنها سعت إلى تصوير هجماتها الصاروخية ضد إسرائيل على أنها نجاح باهر.
وقال ثابت إن طهران بدت مهتمة بإظهار عدد الضربات "المذهلة" التي شنتها ضد إسرائيل لجمهورها بقدر ما تهتم بعدد الضربات التي أصابت أهدافها.
وأضاف "تحاول إيران أن تكون لها الكلمة الأخيرة، بشكل ما. إنها تريد أن تظهر الرد، وتظهر لجمهورها المحلي والإقليمي أنها فعلت شيئا، لكنها لا تريد تصعيد الصراع".
لكنه أضاف: "لست متأكدا من أن هذا سينجح".
أشارت الصحيفة إلى أن الهجمات الإسرائيلية المنهكة على حزب الله وحماس، والتي اعتمدت عليها إيران منذ فترة طويلة لما تسميه الدفاع الأمامي، تشكل ضربة لطهران. ولكن إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب، الحليف القوي لنتنياهو، يغير المعادلة مرة أخرى.
فقد التقى أحد مستشاري ترامب المقربين، الملياردير إيلون ماسك، الأسبوع الماضي بسفير إيران لدى الأمم المتحدة في ما وصف بأنه محاولة افتتاحية لنزع فتيل التوترات بين طهران والرئيس الأمريكي القادم.
ولكن من المتوقع على نطاق واسع أن يجعل ترامب السياسة الخارجية الأمريكية أكثر ملاءمة لإسرائيل، وأن يحشد حكومته بالصقور تجاه إيران. وقد يؤدي هذا إلى نقل الحرب بين إيران وإسرائيل إلى أرض جديدة، وفقا للتقرير.