لأول مرة منذ السابع من أكتوبر، بدا الرئيس الأمريكي جو بايدن، متذمراً من حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، في تحوّل يرى فيه البعض انعكاساً لفشل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتزايد السخط العربي والإسلامي والعالمي على دور واشنطن فيه.

ففي فعالية لجمع التبرعات بواشنطن، قال بايدن لأول مرة: "إن (إسرائيل) بدأت تفقد دعم المجتمع الدولي بقصفها العشوائي لقطاع غزة"، وهو القصف الذي أودى بحياة أكثر من 18 ألف شهيد، وعشرات آلاف الجرحى.

لكن، بين أقوال الإدارة الأمريكية وأفعالها، لا يزال البون شاسعاً، فالإدارة الأمريكية لم تُخفف وتيرة دعمها العسكري والمادي والسياسي والإعلامي لـ"إسرائيل"، على الرغم من تصاعد حالة التذمر داخل أروقتها.

خسارة الموقف الأخلاقي

ومنذ بداية الصراع، انحازت إدارة بايدن إلى "إسرائيل"، وسارع الرئيس بايدن إلى زيارة "تل أبيب" هو ووزيرا خارجيته ودفاعه، وأطلقت واشنطن جسراً جوياً لنقل الأسلحة إلى الأراضي المحتلة، حاملاً أكثر من 11 ألف طن من الذخائر والمعدات، فضلاً عن الدعم المالي الضخم، وتبني رواية الاحتلال المغلوطة.

لكن ومع استمرار الحرب، وجدت الإدارة الأمريكية نفسها أمام حقائق جديدة، ومخاوف أيضاً، وهذا ما أشار إليه الرئيس الأمريكي في تصريحاتٍ يوم 12 ديسمبر، حيث أكد أن هناك مخاوف حقيقية في مختلف أنحاء العالم من أن تفقد أمريكا مركزها الأخلاقي بسبب دعمها لـ"إسرائيل".

وخاطب بايدن حكومة الاحتلال قائلاً: "لا ترتكبوا الأخطاء ذاتها التي ارتكبناها في 11 سبتمبر؛ فلم يكن هناك مبرر لفعل أشياء كثيرة كاحتلال أفغانستان"، وهو تصريح رأت "نيويورك تايمز"، أنه "يمثل أكبر تغير في لغة الولايات المتحدة بشأن (إسرائيل) منذ هجوم 7 أكتوبر".

إقرار بالخلافات

ومع مرور الأيام، بدأت بوادر الخلاف بين واشنطن و"تل أبيب" تطفو على السطح، لتصل إلى حد إقرار الرئيس الأمريكي بها، خلال فعالية بمناسبة "الحانوكا" في البيت الأبيض يوم 11 ديسمبر، حيث قال: إن "إسرائيل في موقف صعب، ولدينا خلافات مع بعض القيادات الإسرائيلية".

وقال بايدن في فعالية انتخابية بواشنطن: "علينا أن نوحد الإسرائيليين بطريقة تقود إلى اختيارهم حل الدولتين"، مشيراً إلى أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، ورفاقه "لا يريدون أي شيء له علاقة بحل الدولتين"، وأنهم "يريدون فقط الانتقام من جميع الفلسطينيين".

حكومة الاحتلال هي الأخرى على لسان رئيسها، نتنياهو، اعترفت بوجود خلافات مع واشنطن، حيث قال في بيان: "نعم، هناك خلاف حول اليوم التالي لحماس"، في إشارة إلى وضع غزة بعد الحرب، معرباً عن أمله في أن يتم التوصل إلى اتفاق حول ذلك، وهو ما ترفضه واشنطن بشكل قاطع.

وسرعان ما خرج منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، لاستدراك تصريحات بايدن الأخيرة، مشيراً إلى أن الرئيس "كان صريحاً بشأن بعض القلق حول بعض الأمور في (إسرائيل) وأعداد الضحايا المدنيين"، لافتاً إلى أن تغيير حكومة نتنياهو يحدده الشعب الإسرائيلي.

وفي زحمة هذه التطورات، قالت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، إن هناك توترات غير مسبوقة بين البيت الأبيض ونتنياهو وسط شعور بايدن بالثمن السياسي لوقوفه إلى جانب "إسرائيل".

وأشارت إلى أن "قيادة واشنطن العالمية مهددة بتلقي ضربة قوية بسبب دعمها لإسرائيل"، لافتة إلى أن رحلة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى (إسرائيل) "مؤشر على أن (تل أبيب) لم تأخذ في الاعتبار تحذيرات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بشأن حماية المدنيين".

أقوال لا أفعال

وفي مقابل التصريحات اللافتة للرئيس بايدن تجاه "إسرائيل" وحكومتها، ثمة تأكيد مستمر من الإدارة الأمريكية، ومن بايدن نفسه، على "دعم دولة الاحتلال"، وأن هذا الأمر غير قابل للنقاش.

وفي ظل هذا التوجه، لا يبدو لتلك التصريحات قيمة، وهذا ما ذهب إليه الدبلوماسي الأمريكي السابق نبيل خوري، الذي أكد أنه لا يعدو "كونه مجرد كلام".

ورداً على سؤال "الخليج أونلاين" حول الأهمية التي تمثلها تصريحات بايدن الأخيرة، قال خوري: "على لسان هاملت: كلمات، كلمات، كلمات"، في إشارة منه إلى عدم جدوى تلك التصريحات.

وأشار إلى أنه لا يمكن الحديث عن تغيُّر في السياسة الأمريكية تجاه "إسرائيل" إلا حينما تتوقف شحنات الأسلحة، قائلاً: "عندما يتوقف شحن الأسلحة إلى (إسرائيل) تكون السياسة قد تغيرت".

ويؤيده في ذلك، المحلل السياسي الأردني منذر الحوارات، الذي أشار إلى أن "الإدارة الأمريكية لا تزال حتى الآن تدعم (إسرائيل) بالكامل، من خلال "الفيتو"، ووقوفها ضد قرار الشرعية الدولية، المتعلق بطلب وقف الحرب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى أنها لا تزال تمد (إسرائيل) بالأسلحة".

العتب الودود

ويرى "الحوارات" في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن حديث الرئيس الأمريكي الأخير لا يشكل تحولاً جوهرياً، بقدر ما هو نوع من العتب الودود لـ"إسرائيل"، مشيراً إلى أن موقف بايدن من نتنياهو "لم يكن إيجابياً، كما أن الكيمياء بينهما ليست على أحسن ما يرام في كل الأوقات".

إلا أنه أشار إلى أن "التحول الأمريكي يمكن أن يأتي لاحقاً، بسبب الفضائح الأخلاقية للسياسة الأمريكية في (إسرائيل)، والمتمثلة في دعم الاحتلال بشكل غير محدود".

وأضاف: "ما أظهرته الصور والتقارير يشير إلى إبادة جماعية ترتكبها (إسرائيل) في قطاع غزة، وهذا قد يشين وجه الولايات المتحدة، ويجعلها معزولة دولياً، وهذا ما حصل حقيقة في قرار مجلس الأمن، حيث وقفت 13 دولة موقفاً مناهضاً للموقف الأمريكي، حتى بريطانيا، لم تشارك في معارضة القرار، بل امتنعت عن التصويت".

واستطرد "الحوارات" قائلاً: "معنى هذا أن الولايات المتحدة أصبحت وحدها في مجلس الأمن، وهذا يسيء إلى الدور والموقف الأمريكي، كما أنه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، صوتت 155 دولة لصالح قرار وقف إطلاق النار، في مقابل الولايات المتحدة وبعض الأصوات التابعة لها".

مأزق أمريكا

ويبدو أن ثمن الانحياز الأمريكي المطلق إلى "إسرائيل"، "سيكون له ثمن باهظ"، وفق المحلل السياسي "الحوارات"، الذي قال: إن "الولايات المتحدة رويداً رويداً، تبدو في موقف معزول دولياً، وهذا يتنافى مع الرؤية الأمريكية التي تقول إنها قائدة في المجتمع الدولي، وإن لها دور الريادة، ودور تحديد إطارات الحاضر والمستقبل".

وأضاف: "ما يحدث الآن يشير إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة من الناحية الأخلاقية أولاً، ومن الناحية السياسية ثانياً، وكذلك من ناحية رغبة دول المنطقة في التعامل مع الولايات المتحدة كصديق"، لافتاً إلى أن "مأزق الولايات المتحدة يتمثل في "أنها وقفت مع (إسرائيل) في سلوكها الشائن، وهذا انعكس عليها".

وتتمثل المعضلة الحالية في أن الولايات المتحدة ملتزمة استراتيجياً بأمن "إسرائيل"، وهذا يورطها يومياً في أفعال دولة الاحتلال وفقاً للمحلل السياسي "الحوارات"، ويزيد من غضب دول المنطقة والعالم تجاه هذا التناقض الحاد في موقف الولايات المتحدة.

دلالات وتداعيات

من جانبه يرى الكاتب والمحلل السياسي، قحطان الشرقي، أن الموقف الأمريكي من حرب غزة لم يتغير، لكن الرئيس بايدن حاول أن يظهر السياسة العامة للتوجه الأمريكي، بأنها لم تتخلَّ عن سياستها العامة بفض النزاعات وإدانة قصف المدنيين.

ويضيف الشرقي لـ"الخليج أونلاين"، أن تصريحات الإدارة الأمريكية تشير إلى عدم استهداف المدنيين، لكن الحقيقة أنها تعلم أن القصف على غزة في معظمه يستهدف المدنيين، ومع ذلك لا يزال الموقف الأمريكي داعماً لـ"إسرائيل" في حربها على القطاع.

وحول نصيحة بايدن بعدم تكرار خطأ بلاده، يبيّن الشرقي أنه بمثابة إشارة لـ"إسرائيل" لكيلا تتورط في حرب طويلة، قد تسفر عن خسائر كبيرة، سواء لـ"تل أبيب" أو لواشنطن، مشيراً إلى أن هذه النصيحة لا تأتي لإيقاف الحرب، إنما تأتي لعدم إطالة أمدها.

ويؤكد أن موقف الولايات المتحدة ودعمها "إسرائيل" سياسياً وعسكرياً في حربها على غزة، أثبتا أن الإدارة الأمريكية تمارس سياسة المعايير المزدوجة في المنطقة، لا سيما في التعاطي مع حرب أوكرانيا مقارنة بموقفها من حرب غزة.

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي أن خسارة هذه الحرب سيكون لها انعكاسات كبيرة وخطيرة على "إسرائيل"، وأيضاً تداعياتها ستطال الإدارة الأمريكية التي تحضّر للانتخابات المقبلة.

تقديم مصلحة "إسرائيل"

ويلفت الشرقي إلى أن التصريحات الأمريكية كافة تجاه الحرب في غزة تصب بخانة المصالح الإسرائيلية، حتى في حال طلبت إيقاف الحرب، فهي لن تطلب إيقافها من أجل الفلسطينيين بقدر حرصها على ألا تخسر "إسرائيل" أكثر.

ويرى أن الحرب في غزة ستكون لها انعكاسات مؤثرة على الناخب الأمريكي، وقد يخسر الديمقراطيون كثيراً في المعركة الانتخابية المقبلة، نتيجة سياساتهم التي اصطدمت بالمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط واصطدمت بالمصالح العربية والرأي الشعبي العالمي.

ويشير الشرقي إلى أن سياسة الولايات المتحدة في مجلس الأمن واستخدامها حق النقض "الفيتو" مرتين، وتصويتها ضد قرارات تدعو إلى وقف الحرب، ستكون لها انعكاسات سلبية وخطيرة أيضاً على النظام الدولي ونظام مجلس الأمن، بحكم أن المجلس بات يشرعن الحرب.

ويؤكد أن استمرار سياسة الولايات المتحدة تجاه العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع، قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة وتحالفات جديدة في المنطقة، تصنعها السياسة الأمريكية، وتتأثر بشكل أو بآخر بما حدث في غزة.

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

مارك رافالو: الولايات المتحدة تتجه إلى الديكتاتورية.. ما علاقة ترامب؟

انتقد الفنان الأمريكي الشهير، مارك رافالو، قرار القضاء الأمريكي بمنح الرئيس السابق، دونالد ترامب، حصانة في بعض القضايا، وذلك قبل أشهر على الانتخابات الرئاسية التي ينافس فيها الأخير، الرئيس الحالي جو بايدن.

واعتبر مارك رافالو أن الحكم القضائي يخل بمبدأ "الضوابط والتوازنات" في السياسة الأمريكية، ويحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى ديكتاتورية، أسوة بألمانيا النازية التي ألغت قواعد الضوابط والتوازنات قبل أن تتحول إلى ديكتاتورية.

وقال على منصة إكس: "التاريخ يعيد نفسه".

… Just for the record. History is repeating itself https://t.co/Vyenq0eFsg — Mark Ruffalo (@MarkRuffalo) July 2, 2024

ويقسم الدستور الأمريكي الحكومة إلى ثلاث سلطات: التشريعية والتنفيذية والقضائية. وأعطى صلاحيات محددة لكل فرع ووضع ما يسمى بالضوابط والتوازنات والهدف منها هو التأكد من عدم قدرة أي فرع على التحكم في الكثير من السلطة، مما يؤدي إلى الفصل بين السلطات، وحث الأطراف السياسية في البلاد على تقاسم السلطة، وليس احتكارها.



من جانبه، انتقد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الثلاثاء، قرار المحكمة العليا بشأن الحصانة الرئاسية، الذي قضى بأن الرؤساء يتمتعون بحصانة مطلقة من الملاحقة القضائية عن الأعمال الرسمية الأساسية، وأصدر تحذيرا شديد اللهجة بشأن فترة ولاية ثانية محتملة للرئيس السابق دونالد ترامب.

استهجن الرئيس الأمريكي جو بايدن، قرار المحكمة العليا، والمتعلق بسلفه دونالد ترامب، وتمتعه بحصانة مطلقة من الملاحقة، محذرا من فوزه بولاية ثانية وخطورته على أمريكا.

وقال بايدن: "لا يوجد ملوك في أمريكا، كل واحد منا متساو أمام القانون، لا أحد، لا أحد فوق القانون، ولا حتى رئيس الولايات المتحدة، قرار المحكمة العليا بشأن الحصانة الرئاسية، غير ذلك بشكل جذري".

وقضت المحكمة العليا الأمريكية، الاثنين الماضي، بتمتّع الرئيس السابق دونالد ترامب، بـ"حصانة جزئية"، فيما يخص ادعاءات دوره باقتحام الكونغرس في 6 يناير/ كانون الثاني 2021 والتدخل بالانتخابات الرئاسية عام 2020.

جاء ذلك في معرض تقييم قضاة "العليا الأمريكية"، لطلب تقدم به ترامب في وقت سابق، حول تمتعه بـ"الحصانة الرئاسية" أمام الادعاءات التي تلاحقه.

وحكمت المحكمة بأن ترامب يتمتع بـ"حصانة عن الأعمال الرسمية، ولكن ليس عن أعماله الشخصية وتصرفاته الخاصة".

المحكمة التي أصدرت قراراها بأغلبية 6 قضاة مقابل رفض 3 آخرين، أوضحت أن الإجراءات غير الرسمية للرئيس لا تتمتع بالحصانة.



وفي معرض تعليقه على الأمر، أكد رئيس المحكمة العليا، جون روبرتس، أن الرئيس ليس مستثنى من القوانين، وأنه لا يتمتع بحصانة بسبب أعماله الخاصة.

وأضاف أن هيئة المحكمة توصلت إلى قرار مفاده بأن "الرئيس يتمتع بحصانة جزئية".

ومن المرجح أن يؤدي قرار المحكمة العليا، لتأخير محاكمة ترامب أكثر، فيما يخص التدخل في الانتخابات الفيدرالية، نظرا للحاجة إلى تحديد التهم التي سيعفى منها ويحاسب عليها الرئيس السابق للبلاد.

وكان ترامب قد تقدم بطلب للمحكمة العليا لإسقاط الدعوى المرفوعة ضده بسبب "دوره في اقتحام الكونغرس يوم 6 يناير، والتدخل في الانتخابات الرئاسية عام 2020"، مبررا طلبه هذا بتمتع الرئيس بـ "الحصانة".

ويأتي هذا الحكم بحق ترامب على خلفية القضية المرفوعة من الحكومة الأمريكية ضده ترامب على خلفية دوره في أحداث 6 يناير 2021 عندما اقتحم الآلاف من أنصاره مبنى الكونغرس في محاولة لتعطيل التصديق على نتائج الانتخابات التي فاز بها منافسه الديمقراطي جو بايدن.

وبمقتضى هذا الحكم، تعود القضية المرفوعة ضد ترامب إلى محكمة أدنى.

مقالات مشابهة

  • اجتماع متوقع بين بايدن ونتانياهو في واشنطن أواخر يوليو
  • مسئول فلسطيني: الولايات المتحدة شريك رئيسي لدولة الاحتلال على مدار تاريخ الصراع الفلسطيني
  • تقرير لـResponsible Statecraft: الحرب الإسرائيلية على غزة ستمتد إلى لبنان في هذه الحالة
  • تقارير: اجتماع متوقع بين بايدن ونتانياهو في واشنطن أواخر يوليو
  • مناظرة بين اثنين من كبار السفهاء
  • بيان مشترك لـ12 مسؤولاً أمريكياً استقالوا بسبب سياسة بايدن تجاه "حرب غزة"
  • مارك رافالو: الولايات المتحدة تتجه إلى الديكتاتورية.. ما علاقة ترامب؟
  • تحذير من أمر خطير تعاني منه الولايات المتحدة
  • تقرير أمريكي يكشف عجز قدرات واشنطن البحرية
  • التهديد الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية